القرم... من شوكة روسيا القوية إلى «خاصرتها الرخوة»

تصاعد الدخان من مخزن للأسلحة الروسية في شبه جزيرة القرم الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان من مخزن للأسلحة الروسية في شبه جزيرة القرم الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

القرم... من شوكة روسيا القوية إلى «خاصرتها الرخوة»

تصاعد الدخان من مخزن للأسلحة الروسية في شبه جزيرة القرم الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان من مخزن للأسلحة الروسية في شبه جزيرة القرم الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

على مدى أجيال، رسخت شبه جزيرة القرم القوة العسكرية الروسية في البحر الأسود. تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن تظل القرم روسية إلى الأبد بعد أن ضمها في عام 2014، لكن موجة الانفجارات والغارات بطائرات بدون طيار في الأيام الأخيرة أظهرت مدى ضعف شبه الجزيرة، وكيف أصبحت اليوم جزءاً من أهداف أوكرانيا في الحرب.
وحسب تقرير نشرته صحيفة «وال ستريت جورنال»، قال محللون ومسؤولون عسكريون إن الضربات في عمق الأراضي التي تحتلها روسيا، بما في ذلك مقر أسطول البحر الأسود الروسي في سيفاستوبول، عرقلت خطط موسكو للتوغل أكثر في جنوب أوكرانيا، مما قد يجبرها على إعادة التفكير في استراتيجيتها الأوسع.
منذ بداية الغزو، عملت شبه جزيرة القرم وأسطول البحر الأسود كمركز مهم لتزويد القوات الروسية بالمعدات والقوة النارية لدعم احتلال جنوب أوكرانيا، حيث سقطت البلدات والمدن بسرعة بأيدي موسكو في الأيام الأولى للحرب. من هناك، أطلقت روسيا وابلا من صواريخ «كروز» على البلدات والمدن والمنشآت العسكرية الأوكرانية. كما كان ينظر إلى شبه جزيرة القرم على أنها عنصر حاسم في خطط موسكو للتقدم غرباً إلى أوديسا وإنشاء جسر بري إلى مولدوفا.
أكد وصول طائرة أوكرانية بدون طيار إلى مقر أسطول البحر الأسود شديد التحصين في سيفاستوبول، السبت الماضي، ضعف روسيا في المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية. وأفاد مسؤول غربي أن التفجيرات السابقة في قاعدة ساكي الجوية في شبه الجزيرة، في وقت سابق من هذا الشهر، أدت إلى توقف أكثر من نصف الطائرات المقاتلة للطيران البحري لأسطول البحر الأسود عن العمل. ليس من الواضح سبب هذا الانفجار.
وقال رئيس دراسات حرب المدن في منتدى «ماديسون» للسياسة جون سبنسر: «ستتغير قواعد اللعبة إذا تم ضرب ساكي وسيفاستوبول»، مضيفا: «هذه الضربات تستنزف اللوجيستيات والقيادة والسيطرة وفي النهاية قدرات أسطول البحر الأسود نفسه».
قال المسؤول الغربي إنه منذ الانفجارات الأخيرة، فقد الأسطول الروسي في البحر الأسود قدراته وأصبح يعمل كأسطول دفاع ساحلي يقوم نادرا بضربات صاروخية. كما أدت الضربات إلى تغيير خطط روسيا لإطلاق هجوم برمائي على أوديسا. وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن الانفجارات، إلى جانب الخسارة السابقة للطراد موسكفا، وضعت الأسطول في موقف دفاعي.
منذ بداية الغزو، كانت شبه جزيرة القرم قاعدة خلفية آمنة للإشراف على احتلال روسيا للمنطقة الواقعة على طول الساحل الجنوبي لأوكرانيا، لكن سبنسر قال إن الضربات الأخيرة أضعفت المدار الأمني للرادارات والقوة الجوية التي بني الأسطول حولها. وأشار إلى أن روسيا يمكن أن تفكر اليوم في خيارات لنقل السفن المتبقية في الأسطول مؤقتاً إلى مكان آخر، مما قد يتسبب في مشاكل لوجيستية جديدة لموسكو.
في حين أن حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعيدة كل البعد عن شن هجوم على شبه جزيرة القرم، إلا أنها تقول إنها تريد استعادة شبه الجزيرة بعد أن استولت عليها روسيا على إثر الإطاحة برئيس موال لروسيا في كييف. كانت شبه جزيرة القرم جزءاً من أوكرانيا منذ الحقبة السوفياتية، وكانت دائماً منطقة ذات أهمية استراتيجية لموسكو، التي أقامت أسطولها في البحر الأسود هناك منذ أيام الإمبراطورية الروسية. قال زيلينسكي السبت الماضي: «يمكن للمرء أن يشعر في شبه جزيرة القرم بأن الاحتلال هناك مؤقت، وأن أوكرانيا ستعود».
لم يتضح بعد كيف ستعمل هذه الضربات في هجوم مضاد أوسع ضد الروس في الجنوب. هدف كييف الفوري هو إخراج القوات الروسية من خيرسون، وهي واحدة من الأراضي القليلة التي احتلتها موسكو غرب نهر دنيبرو. وركزت القوات الأوكرانية على ضرب خطوط الإمداد والجسور فوق النهر لعزل القوات الروسية هناك على أمل انسحابها.
وقالت مديرة المعهد النمساوي للسياسة الأوروبية والأمنية فيلينا تشاكاروفا إن الانفجارات قد لا تنذر بهجوم عسكري مضاد واسع النطاق، لكنها قد تكون جزءاً من سياسة تقويض القدرات الروسية بالأسلحة الموجودة في متناول اليد. وأضافت: «في غياب قدرات أوكرانيا على شن هجوم مضاد كبير، تعمل أوكرانيا على إضعاف قدرات روسيا إلى أقصى حد ممكن».
وقال المسؤول الغربي إنه بغض النظر، فإن الضربات لها تأثير نفسي كبير على القيادة الروسية.
الهجوم بالطائرات المسيرة التي استهدفت إحدى القواعد العسكرية الروسية الأكثر تحصيناً مهمة من الناحية الرمزية والتشغيلية. ولم يعلق المسؤولون الأوكرانيون على الفور على حادث البحر الأسود، لكنهم لمحوا إلى التورط في سلسلة من الانفجارات السابقة.
تقول روسيا إن أوكرانيا نشرت طائرات بدون طيار في قواعد مختلفة في جميع أنحاء شبه الجزيرة في الأسابيع الأخيرة، لتفعيل أنظمة الدفاع الجوي في أماكن مثل يفباتوريا، حيث قال حاكم شبه جزيرة القرم المدعوم من روسيا، سيرغي أكسيونوف، إن وزارة الدفاع الروسية أسقطت جميع الأهداف فوق المنطقة.
يقول المحللون العسكريون إن الضربات تشير إلى كيفية اكتساب أوكرانيا فهماً أفضل لكيفية عمل الدفاعات الجوية الروسية، كما أنها اليوم قادرة على الاستخدام الفعال للمعلومات الاستخباراتية والأسلحة التي تقدمها الدول الغربية وهي خطوة حاسمة لجيش يعتمد تقريباً على الولايات المتحدة وأوروبا.
قالت تشاكاروفا: «لقد أظهروا أخيراً أن تسليم الأسلحة له معنى ويحدث فرقاً كبيرا في ساحة المعركة».
تعني هذه القدرة على شن ضربات أعمق أن أوكرانيا تسير على خط دقيق بين تقويض إحساس روسيا بالأمن في شبه الجزيرة دون إلحاق خسائر يمكن استخدامها لحشد الدعم لتعبئة عسكرية أوسع عبر قلب روسيا.
يشعر المحللون حتى الآن أن هذا الخط لم يتم تجاوزه، لكن الهجمات تمكنت من كشف التدفق المدار بعناية للمعلومات التي يحصل عليها المواطنون الروس حول الحرب. في أعقاب الانفجارات في وقت سابق من الشهر عندما انفجر مستودع أسلحة قرب سياح، بدأ الروس في مغادرة شبه جزيرة القرم بأعداد كبيرة، مما تسبب في خطوط مرور بطول أميال عبر جسر كيرتش لدخول البر الرئيسي لروسيا.
قال سبنسر: «لقد أمضوا عقوداً في العمل للسيطرة على المعلومات التي يتلقاها الروس، لكن لا يمكنك إخفاء سحابة نتيجة انفجار».


مقالات ذات صلة

روسيا وأوكرانيا تتبادلان جثث مئات الجنود

أوروبا جنازة جندي أوكراني قتل خلال المعارك في كورسك (أ.ب)

روسيا وأوكرانيا تتبادلان جثث مئات الجنود

سلمت موسكو جثث 502 من الجنود الأوكرانيين الذين لقوا حتفهم في المعارك ضد القوات الروسية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا مدير جهاز الاستخبارات البريطاني ريتشارد مور (رويترز - أرشيفية)

المخابرات البريطانية: روسيا تنفّذ حملة تخريب «متهورة» في أوروبا

قال مدير جهاز الاستخبارات البريطاني ريتشارد مور، إن روسيا تنفّذ حملة تخريب «متهورة» في أوروبا، وإن بوتين لن يتوقف عند حد تحويل أوكرانيا إلى دولة خاضعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا مواطنون يشترون فاكهة بأحد المتاجر الكبرى في موسكو (أ.ب)

هل تساعد أزمة الزبدة بـروسيا في جلب السلام إلى أوكرانيا؟

سلَّطت صحيفة «تلغراف» البريطانية الضوء على انتشار سرقة الزبدة في روسيا بسبب ارتفاع الأسعار جراء الحرب، وقالت إن بعض أصحاب المتاجر الكبرى لا يعرضون ألواح الزبدة

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا تظهر هذه الصورة غير المؤرخة التي أصدرها الجيش الأوكراني حطام طائرة مسيّرة إيرانية من طراز «شاهد» أطلقتها روسيا قيل إنها أسقطت بالقرب من كوبيانسك في أوكرانيا (أ.ب)

تقرير: أوكرانيا نجحت في إعادة توجيه طائرات من دون طيار انتحارية إيرانية الصنع إلى روسيا

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن أوكرانيا تعلمت كيفية اختراق الطائرات من دون طيار الانتحارية الإيرانية الصنع وإرسالها مرة أخرى إلى روسيا وبيلاروسيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم عند وصول وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف إلى مطار بيونغ يانغ الدولي بكوريا الشمالية... وفي استقباله وزير الدفاع الكوري الشمالي نو كوانغ تشول يوم الجمعة 29 نوفمبر 2024 (أ.ب)

وزير الدفاع الروسي: العلاقات العسكرية مع كوريا الشمالية تتوسع بسرعة

قالت وزارة الدفاع الروسية إن وزير الدفاع، أندريه بيلوسوف، وصل إلى كوريا الشمالية، (الجمعة)؛ لإجراء محادثات مع القادة العسكريين والسياسيين في بيونغ يانغ.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

مرور الرئيس التايواني في أميركا يثير غضب الصين

الرئيس التايواني لاي تشينغ تي يلوّح بيده للحشد في اليوم الوطني للاحتفال بالذكرى السنوية الـ113 لميلاد «جمهورية الصين» وهو الاسم الرسمي لتايوان في تايبيه 10 أكتوبر 2024 (رويترز)
الرئيس التايواني لاي تشينغ تي يلوّح بيده للحشد في اليوم الوطني للاحتفال بالذكرى السنوية الـ113 لميلاد «جمهورية الصين» وهو الاسم الرسمي لتايوان في تايبيه 10 أكتوبر 2024 (رويترز)
TT

مرور الرئيس التايواني في أميركا يثير غضب الصين

الرئيس التايواني لاي تشينغ تي يلوّح بيده للحشد في اليوم الوطني للاحتفال بالذكرى السنوية الـ113 لميلاد «جمهورية الصين» وهو الاسم الرسمي لتايوان في تايبيه 10 أكتوبر 2024 (رويترز)
الرئيس التايواني لاي تشينغ تي يلوّح بيده للحشد في اليوم الوطني للاحتفال بالذكرى السنوية الـ113 لميلاد «جمهورية الصين» وهو الاسم الرسمي لتايوان في تايبيه 10 أكتوبر 2024 (رويترز)

يتوقف الرئيس التايواني، لاي تشينغ تي، خلال أول رحلة له إلى الخارج في هاواي وجزيرة غوام الأميركيتين، وفق ما أفاد مكتبه، الخميس؛ ما أثار غضب بكين التي نددت بـ«أعمال انفصالية».

ويتوجه لاي، السبت، إلى جزر مارشال وتوفالو وبالاو، وهي الجزر الوحيدة في المحيط الهادئ من بين 12 دولة لا تزال تعترف بتايوان.

ولكن يشمل جدول أعمال الرئيس التايواني الذي تسلم السلطة في مايو (أيار) توقفاً في هاواي لمدة ليلتين، وفي غوام لليلة واحدة، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ولم يُعلن حالياً أي لقاء يجمعه بمسؤولين أميركيين، والولايات المتحدة هي الداعم الرئيسي لتايبيه.

وقال مصدر من الإدارة الرئاسية التايوانية لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طالباً عدم الكشف عن هويته، إن لاي يريد لقاء «أصدقاء قدامى» و«أعضاء مراكز أبحاث».

ووعد لاي بالدفاع عن ديمقراطية تايوان في مواجهة التهديدات الصينية، فيما تصفه بكين بأنه «انفصالي خطير».

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، في مؤتمر صحافي دوري، الخميس: «عارضنا دائماً التبادلات الرسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، وأي شكل من أشكال دعم الولايات المتحدة وتأييدها للانفصاليين التايوانيين».

في السابق، توقف زعماء تايوانيون آخرون في الأراضي الأميركية خلال زيارات إلى دول في أميركا الجنوبية أو المحيط الهادئ، مثيرين غضب بكين.

وتعد الصين تايوان جزءاً من أراضيها، لم تنجح بعد في إعادة توحيده منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية عام 1949. ورغم أنها تقول إنها تحبّذ «إعادة التوحيد السلمية»، فإنها لم تتخلَ أبداً عن مبدأ استخدام القوة العسكرية وترسل بانتظام سفناً حربية وطائرات مقاتلة حول الجزيرة.

سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني تبحر في نقطة قريبة من جزيرة تايوان في جزيرة بينجتان بمقاطعة فوجيان الصينية 5 أغسطس 2022 (رويترز)

«محاولات انفصالية»

تشهد تايوان تهديداً مستمراً بغزو صيني، لذلك زادت إنفاقها العسكري في السنوات الأخيرة لتعزيز قدراتها العسكرية.

وتتمتع الجزيرة بصناعة دفاعية لكنها تعتمد بشكل كبير على مبيعات الأسلحة من واشنطن، أكبر مورد للأسلحة والذخائر إلى تايوان.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، وو تشيان، خلال مؤتمر صحافي، الخميس، إن الجيش الصيني «لديه مهمة مقدسة تتمثل في حماية السيادة الوطنية ووحدة الأراضي، وسوف يسحق بحزم كل المحاولات الانفصالية لاستقلال تايوان».

ارتفعت حدة التوتر في العلاقات بين بكين وتايبيه منذ عام 2016 مع تولي تساي إنغ وين الرئاسة في بلادها، ثم لاي تشينغ تي في عام 2024.

وكررت الصين اتهامها الرئيسَين التايوانيَين بالرغبة في تأجيج النزاع بين الجزيرة والبر الصيني الرئيسي. ورداً على ذلك، عززت بكين بشكل ملحوظ نشاطها العسكري حول الجزيرة.

وفي ظل هذه الضغوط، أعلن الجيش التايواني أنه نشر الخميس مقاتلات وسفناً وأنظمة مضادة للصواريخ في إطار مناورات عسكرية هي الأولى منذ يونيو (حزيران).

وأفادت وزارة الدفاع التايوانية، الخميس، بأنها رصدت الأربعاء منطادين صينيين على مسافة نحو 110 كلم شمال غربي الجزيرة في منطقة دفاعها الجوي، وذلك بعدما رصدت في القطاع ذاته الأحد منطاداً صينياً مماثلاً كان الأول منذ أبريل (نيسان).

وتحولت المناطيد الآتية من الصين إلى قضية سياسية مطلع عام 2023 عندما أسقطت الولايات المتحدة ما قالت إنه منطاد تجسس.