«الزراعة الذكية مناخياً»... لتطوير أصناف من المحاصيل المقاومة للجفاف

«الإيكاردا» تستبق «أسوأ السيناريوهات» لضمان الأمن الغذائي

القمح المقاوم للجفاف (الإيكاردا)
القمح المقاوم للجفاف (الإيكاردا)
TT

«الزراعة الذكية مناخياً»... لتطوير أصناف من المحاصيل المقاومة للجفاف

القمح المقاوم للجفاف (الإيكاردا)
القمح المقاوم للجفاف (الإيكاردا)

أثمرت الثورة الصناعية عن منتجات جعلت الحياة أسهل وأيسر، لكنها في المقابل ألحقت الضرر بالغلاف الجوي للأرض، الذي بات عاجزا عن تصريف مخرجات تلك الصناعة من الغازات، الأمر الذي تسبب في ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض، وما ترتب على ذلك من موجات جفاف بدأت تضرب بعض الدول في السنوات الأخيرة.
وتسعى الاتفاقية الإطارية للمناخ التابعة للأمم المتحدة، إلى أخذ تعهدات على الدول لضمان عدم تجاوز عتبة الـ1.5 درجة زيادة في درجة حرارة سطح الكرة الأرضية، مقارنة بالوضع قبل بدايات الثورة الصناعية، غير أن كل الشواهد تؤكد أن دول العالم عاجزة عن الالتزام، بل إنها ماضية نحو تجاوز تلك العتبة، الأمر الذي سيزيد من الاحتباس الحراري، وما ينتج عنه من موجات جفاف، ستؤثر على إنتاجية المحاصيل الغذائية، ما يفرض الاستعداد عبر أساليب «الزراعة الذكية مناخيا».

«زراعة مناخية»
الزراعة الذكية مناخيا، هي مواءمة أساليب الزراعة وأصناف النباتات مع الواقع المناخي الجديد، دون أن يعني ذلك رفع راية الاستسلام لواقع مناخي.
ويحمل عدد من مراكز الأبحاث حول العالم في جعبته البحثية الكثير من الحلول يمكن وضعها تحت عنوان «الزراعة الذكية مناخيا»، ومنها المركز الدولي للأبحاث في المناطق الجافة والقاحلة، والمعروف اختصارا بـ«إيكاردا»، الذي توجد مقراته في 16 دولة، من دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وغرب ووسط آسيا، وهي المنطقة التي يطلق عليها اسم «سوانا»، ويركز مجال عمله على 5 محاصيل رئيسية، هي القمح والذرة والشعير والعدس والفول.
يقول علي أبو سبع المدير العام للمركز لـ«الشرق الأوسط»، إن الزراعة الذكية مناخياً، يمكن تحقيقها عبر توفير أصناف من المحاصيل المقاومة للمناخ، توفر دفاعا حاسما ضد درجات الحرارة المرتفعة، وندرة المياه والأمراض الجديدة، كما يمكن أن تتحقق أيضا بالترويج لممارسات زراعية مقاومة لتداعيات تغير المناخ مثل ندرة المياه.
ويكشف تقرير الإيكاردا لعام 2021 حول جهود الزراعة الذكية مناخيا، الكثير من قصص النجاح، منها قصة محصول القمح في المغرب، والتي كشفت عن نجاح ملحوظ في موسم الجفاف الذي شهدته المغرب عام 2020.
يقول أبو سبع: «طور برنامج الإيكاردا للقمح في المغرب الممول من الاتحاد الأوروبي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)، أصناف قمح خبز مقاوم للحرارة ومقاوم للصدأ وذباب الهس، وأظهرت هذه الأصناف ميزة زيادة الإنتاجية بنسبة 50 في المائة عن الأصناف المزروعة حالياً». ولدى إيكاردا برنامج آخر للقمح في المغرب ممول من واحدة من أكبر المطاحن هناك، وبدعم من المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح (CIMMYT)، ويهدف إلى تحسين جودة الحبوب وإنتاجيتها من خلال تزويد المزارعين بالاختيار الصحيح من الأصناف الملائمة لمناطق الإنتاج المختلفة.
ويضيف أبو سبع «عام 2019 وبالتعاون مع المعهد الوطني للبحوث الزراعية (INRA)، تم اختبار الأصناف المحلية في ظل ظروف زراعية مناخية مختلفة، بما في ذلك في ظل الجفاف، وتم تحديد الأصول الوراثية للقمح المحلي ومضاعفتها في منطقة مروية لتأمين مادة الأصول الوراثية التي سيتم اختبارها في الموسم المقبل مع مزارعين مختارين».
وتحمل جعبة «الإيكاردا» البحثية قصة نجاح أخرى من السنغال، يعتز بها أيضا أبو سبع كثيرا، لأن أبطالها قدر عددهم بنحو 50 ألف مزارع. وتفاصيل تلك القصة كما يحكيها أبو سبع، هي أصناف جديدة من القمح يمكنها تحمل حرارة تصل إلى 40 درجة مئوية، وتم زراعة 8 آلاف هكتار بها في المنطقة الواقعة على طول نهر السنغال، وتم تنفيذ هذا المشروع بتمويل من مجلس البحوث السويدي والمركز الدولي لتحسين الذرة والقمح، وتم تقديم بذور تلك الأصناف إلى المزارعين في السنغال بالتعاون مع جمعيات المزارعين والمنظمات غير الحكومية. ومن القمح إلى الشعير، حيث يوجد لدى «الإيكاردا» قصة نجاح أخرى، تتعلق بتطوير تراكيب وراثية جديدة للشعير، تنتج حبوبا وقشا أكثر بنسبة 10 في المائة في ظل ظروف الجفاف القاسية، مقارنة بالأصناف التقليدية المتاحة.
يقول أبو سبع: «الشعير هو محصول متعدد الأغراض في الأراضي الجافة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة في المغرب والجزائر وتونس، ويغطي 3.3 مليون هكتار، ويتم الاعتماد عليه في توفير الغذاء للبشر، ويتم استخدام القش كغذاء للحيوانات، وهو الخيار الوحيد والأخير في كثير من الأحيان لإطعام الحيوانات، خاصة في السنوات الجافة».

أدوات ذكية
وحيث من المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى تقليل هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 50 في المائة وزيادة درجات الحرارة حتى 4 درجات مئوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحلول نهاية القرن، لذلك يجب تطوير تقنيات جديدة ونشرها للاستعداد لمواجهة أسوأ الظروف المناخية، كما يوضح أبو سبع.
ومن أدوات الزراعة الذكية مناخيا، والتي استخدمتها الإيكاردا في الهند، تلك التي تتعلق بإنتاج أصناف من العدس يمكن حصاد إنتاجها خلال شهرين، وذلك عبر أسلوب جديد للزراعة، حقق قصة نجاح ثالثة في هذا الاتجاه.
يقول: «هذه القصة لا تتعلق بإنتاج صنف مقاوم للجفاف، ولكنه صنف ينمو سريعا للاستفادة من فترة فراغ بين محصولين، فإحدى المناطق بالهند، كانت لا تزرع إلا الأرز مرتين في العام، وكانت توجد فترة فراغ بين المحصولين نحو 80 يوما، تكون فيها الأرض رطبة بسبب زراعة الأرز، ولكنها غير مستغلة، ونجحنا في استغلالها لزراعة محصول مثل العدس».
ويحتاج محصول العدس إلى 90 يوما من أجل النمو، وهي فترة لم تكن تسمح للمزارعين بالاستفادة من فترة الفراغ «80 يوما» لزراعته، لكن الباحثين في الإيكاردا ومن خلال بنوك الجينات، نجحوا في إنتاج أصناف تعطي إنتاجية في أقل من 60 يوما، كما يوضح أبو سبع. ويضيف «بهذا الحل ساهمنا في الحفاظ على المياه، لأننا زرعنا في أرض رطبة، واستفدنا من رطوبة الأرض نتيجة زراعة الأرز، والتي كانت ستضيع نتيجة للبخر، ونجحنا في توفير غذاء عندما يضاف إلى الأرز يعطي قيمة غذائية عالية للوجبة».



لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني
TT

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

صمم نظام ذكاء اصطناعي جديد توربين رياح لأول مرة في التاريخ، وفقاً لمطوره.

نظام ذكاء هندسي ثوري

وأعلنت شركة «EvoPhase» البريطانية أن الذكاء الاصطناعي الخاص بها تخلى عن جميع القواعد الراسخة في هندسة مثل هذه الأجهزة. وبناءً على اختباراتها، فإن اختراعها أكثر كفاءة بسبع مرات من التصميمات الحالية.

تتكون «شفرة برمنغهام» The Birmingham Blade -كما تسمي الشركة التوربين- من ست أذرع موازية للأرض متصلة بمحور عمودي مركزي. وتحتوي كل ذراع على شفرة رأسية، وسطح به موجتان تغيران زاوية هجومهما عبر ارتفاعها وطولها.

لعمل مع سرعات رياح منخفضة

يتم تحسين توربينات الرياح التقليدية لسرعات رياح تبلغ نحو 33 قدماً في الثانية. في المقابل، تم تصميم «الشفرة» لسرعات الرياح المتوسطة المنخفضة النموذجية للمناطق الحضرية مثل برمنغهام، والتي تبلغ نحو 12 قدماً في الثانية. هذا يزيد قليلاً عن ثمانية أميال (13كلم تقريباً) في الساعة.

وتم تحسين التصميم للعمل بين المباني الشاهقة التي تنتج أنماط اضطراب تؤثر على فاعلية تصميمات التوربينات الحضرية الأخرى. وإذا ثبت أن هذا صحيح، فقد يفتح التصميم الباب أمام إنتاج كهرباء غير محدود في المباني المكتبية والسكنية بتكلفة تكاد تكون معدومة.

يقول ليونارد نيكوسان، كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة، في بيان صحافي: «كان استخدام الذكاء الاصطناعي ضرورياً للتحرر من التحيزات طويلة الأمد التي أثرت على تصميمات التوربينات خلال القرن الماضي. سمح لنا الذكاء الاصطناعي باستكشاف إمكانيات التصميم خارج نطاق التجارب البشرية التقليدية».

وفقاً لنيكوسان، تمكن المصممون من «توليد واختبار وتحسين أكثر من 2000 تصميم لتوربينات الرياح في غضون أسابيع قليلة، ما أدى إلى تسريع عملية التطوير لدينا بشكل كبير وتحقيق ما كان يستغرق سنوات وملايين الجنيهات من خلال الطرق التقليدية».

سحر «التصميم التطوري»

«التصميم التطوري الموجه بالذكاء الاصطناعي» هو منهجية تقوم على نفس فكرة الانتقاء الطبيعي. تبدأ العملية بتوليد آلاف المتغيرات التصميمية التي يتم تقييمها وفقاً لوظيفة «البقاء للأفضل»، والتي تحدد مدى نجاح كل متغير في تلبية أهداف المشروع. ويختار الذكاء الاصطناعي أفضل البدائل لاستخدامها أساساً لتكرارات جديدة، وإعادة الجمع بين الميزات وتنويعها لتطوير إصدارات محسنة.

تتكرر هذه الخطوات حتى يصل الذكاء الاصطناعي إلى حل يحقق تحسين جميع العلامات المهمة مثل الكفاءة الديناميكية الهوائية، والاستقرار الهيكلي، والوزن، أو الاكتناز.

تقول الشركة إن عمليتها تتجنب التحيزات البشرية الموجودة في الهندسة التقليدية. بطبيعتها، تكون الهندسة التقليدية محدودة بالأفكار والمعرفة السابقة.

من ناحية أخرى، يستكشف الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من الاحتمالات دون القيود في العقل البشري. عندما تجمع بين جيل الذكاء الاصطناعي والتكرار التطوري، يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج مبتكرة تتحدى غالباً الفطرة السليمة ولكنها لا تزال تعمل.

إن نهج التصميم التطوري هذا ليس جديداً تماماً، إذ استخدمت صناعة الطيران والفضاء برامج بهذه القدرات لسنوات. ومثلاً استخدمت شركة «إيرباص»، بالتعاون مع شركة «أوتوديسك»، عملية مماثلة لتصميم حاجز مقصورة خفيف الوزن للغاية لطائراتها من طراز A320وظهرت النتيجة مستوحاة من هياكل العظام الطبيعية، ما أدى إلى انخفاض الوزن بنسبة 45 في المائة مقارنة بالهياكل المماثلة المصممة بالطرق التقليدية.

كما طبقت شركة «جنرال إلكتريك» الخوارزميات التطورية في إعادة تصميم حامل محرك نفاث جديد، مما أدى إلى انخفاض وزن القطعة بنسبة 80 في المائة. وتستخدم وكالة «ناسا» أيضاً هذه التقنية منذ سنوات، ففي عام 2006 استخدمت الوكالة خوارزمية تطورية لتصميم «هوائي متطور».

نجاح توربين «برمنغهام بليد»

لقد طبق فريق المصممين بقيادة الدكتور كيت ويندوز - يول من جامعة برمنغهام هذه العملية التطورية لحل مشكلة تكافح العديد من تصميمات التوربينات لمعالجتها: كيفية العمل بكفاءة في البيئات الحضرية، حيث تكون الرياح أبطأ وأكثر اضطراباً بسبب المباني.

ويقول نيكوسان: «كنا بحاجة إلى توربين يمكنه التقاط سرعات الرياح المنخفضة نسبياً في برمنغهام مع إدارة الاضطرابات الناجمة عن المباني المحيطة. وكان لا بد أن يكون التصميم أيضاً مضغوطاً وخفيف الوزن ليناسب التركيبات على الأسطح».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»