أوجاع الحروب تطل برأسها في معرض فني بالظهران

فنانون عراقيون يستذكرون بغداد عام 2003 بأعمال تشهد على ذكرى الخراب

عمل لنزار يحيى «ليش؟» و«بغداد» (الشرق الأوسط)
عمل لنزار يحيى «ليش؟» و«بغداد» (الشرق الأوسط)
TT

أوجاع الحروب تطل برأسها في معرض فني بالظهران

عمل لنزار يحيى «ليش؟» و«بغداد» (الشرق الأوسط)
عمل لنزار يحيى «ليش؟» و«بغداد» (الشرق الأوسط)

يتألم الفنان فيبدع... تعتمل أوجاع الحروب داخله، ومآسي الدمار الذي يحل بوطنه، ويختزل هذا كله في أعمال ممزوجة بالشجن والحنين والوقوف على الأطلال، وهو ما بدا لافتاً في عدة قطع فنية تستوقف زائر معرض «أماكن»، المقام حالياً في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في الظهران.
المعرض الذي يضم 28 فناناً محلياً وعالمياً، جمع شتات الفنانين العراقيين المشاركين، وكثير منهم هجَّرته المعاناة، إلا أن صوت الوطن ظل يصرخ داخله من بلاد المهجر، لتقود أعماله المتلقي نحو فترة حاسمة، تتمحور حول أحداث بغداد عام 2003، وما تبعها من تداعيات أرهقت الوجدان العراقي لسنوات طوال.

                                                               عمل لضياء العزّاوي «للريل وحمد» (الشرق الأوسط)
يوم الدمار
بكلمات مؤلمة، يصف الفنان العراقي نزار يحيى تجربته، قائلاً: «لم يعد لي وطن. ربما لم يكن لي وطن منذ أن ولدت. لقد نشأت هناك، ووقعت في الحب، وذهبت إلى المدرسة، وذهبت إلى الحرب، حيث كانت تلك الجثث تسبح مع الأسماك في نهر دجلة». نزار يحيى الذي يقيم في هيوستن منذ عام 2008، ولد في بغداد عام 1963، ودرس الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد. وهو يقدم عملاً فنياً في المعرض، يأخذ المتلقي إلى قلب المأساة، سمّاه «يوم الدمار في بغداد»، يأتي على هيئة صندوق صغير من قطع الزجاج المكسور، والجص، ويستحضر خلاله الدمار الذي لحق بمتحف بغداد عام 2003، وفي عمله الآخر «بغداد» احتفظ بذكرى الحطام في منزل والدته، وقدمه فنياً بشكل يُدهِش كل من يشاهده.
كتاب العار
يقاسمه الوجع، الفنان العراقي ضياء العزّاوي، الذي يشارك في المعرض بعمل سمّاه «كتاب العار»، وهو كذلك يُبرز ما حلّ بمدينته بغداد ومكتباتها ومتاحفها في أعقاب حرب عام 2003، من خلال صفحات المخطوطة التي اشتعلت بها النيران. مع الإشارة لكون الفن الذي يصنعه العزّاوي يعتمد على التراث الفني للماضي العراقي القديم - سومر وبابل.
وفي هذا المعرض، اختار العزّاوي التركيز على شعر صديقه الشاعر الثوري العراقي الراحل مظفر النواب، المشهور بأسلوبه في الكتابة الذي يتميّز بلهجة سكان جنوب العراق. حيث التقيا للمرة الأولى في عام 1968، ثم دعا النواب العزّاوي لتصميم غلاف ورسومات النسخة المشهورة من كتابه «للريل وحمد».

                                                   «كتاب العار» لـضياء العزّاوي (الشرق الأوسط)
بغداد 2003
الفنان العراقي غسان غائب، الذي بدأ في صناعة الكتب أو «الدفاتر» بعد لقائه الأول مع ضياء العزّاوي في عمّان، ما زال يعيش أحداث عام 1998، حين كانت العقوبات المفروضة على العراق منذ عام 1991 تجعل من الصعب عمل اللوحات الزيتية الكبيرة التي كان ينتجها حتى تلك اللحظة، واقترح عليه العزّاوي حينها أن يجرّب الدفاتر.
يشارك غائب في المعرض بأربعة أعمال؛ أحدها تمثيل صغير لـ«الزقورة»، تلك الهياكل الرائعة للعراق القديم. وفي عمله «حنين» يتناوب الفنان النص المطبوع مع الصفحات الملونة ذات الأشكال المختلفة، وفي عمله «التميمة» حصر فيه قصائد للشاعر مظفر النواب، أما عمله «الوثيقة 4» فمثّل ردة فعل الفنان على رؤية صور الأقمار الصناعية لقصف بغداد عام 2003.
غسان غائب الذي ولد في بغداد 1964 ودرس في معهد الفنون الجميلة وأكاديمية الفنون الجميلة ببغداد، غادر بلده العراق عام 2003، وهو يعيش الآن في الولايات المتحدة الأميركية، وتظهر أعماله حالة من الألم تجاه الضرر الذي لحق ببغداد، وتدمير التراث، وحرق المكتبات في تلك الفترة السوداء.

                                                                   عمل لصادق الفراجي (الشرق الأوسط)
شارع أبو نواس
ومن خلال الرسوم التي تتحول إلى رسوم متحركة، ينسج الفنان العراقي صادق الفراجي روايات تنقل المشاهد إلى عالم من الذكريات. فبعد أن غادر العراق عام 1991. لم يعد الفراجي إليها حتى عام 2009، وهي الزيارة التي أسفرت عن عمله «قارب علي»، الذي يمثل حالة تأمل حول المنفى انطلاقاً من منظور رسالة من ابن أخيه، علي، الذي أعرب عن رغبته في مغادرة العراق للانضمام إلى عمه.
شكّل الفراجي ذلك في عمله المشارك حالياً بالمعرض، بعنوان «الشجرة التي أحبها في شارع أبو نواس»، وهي مجموعة من 40 رسماً يعود من خلالها الفراجي إلى شارع كان يحبه في بغداد. «لم يكن شارع أبو نواس شارعاً عادياً في بغداد»، كما يتذكره الفراجي، بل كان مليئاً بالحياة، مليئاً بالمقاهي والمطاعم، وأثناء العطلات، كان يتمتع بجو الكرنفال.
الفراجي الذي وُلد في بغداد عام 1960، ويعيش حالياً في هولندا، يقول إن «الشجرة التي أحبها في شارع أبو نواس هي كائن حي، هي كل شجرة جلست تحتها أو احتميت في ظلها يوماً، مثل كل من يمر بها. كل شجرة في ذلك الشارع كائن حي، يحفظ أسرار من يتكئ عليها. وتحت كل شجرة توجد قصص لا حصر لها عن الحب والأمل والجوع والخوف والانتظار وغير ذلك كثير، مما ينتمي إلى تجربة وجودنا في هذا العالم».


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

أطلقت السعودية خدمة التأشيرة الإلكترونية كمرحلة أولى في 7 دول من خلال إلغاء لاصق التأشيرة على جواز سفر المستفيد والتحول إلى التأشيرة الإلكترونية وقراءة بياناتها عبر رمز الاستجابة السريعة «QR». وذكرت وزارة الخارجية السعودية أن المبادرة الجديدة تأتي في إطار استكمال إجراءات أتمتة ورفع جودة الخدمات القنصلية المقدمة من الوزارة بتطوير آلية منح تأشيرات «العمل والإقامة والزيارة». وأشارت الخارجية السعودية إلى تفعيل هذا الإجراء باعتباره مرحلة أولى في عددٍ من بعثات المملكة في الدول التالية: «الإمارات والأردن ومصر وبنغلاديش والهند وإندونيسيا والفلبين».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق «ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

«ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

تُنظم هيئة الأفلام السعودية، في مدينة الظهران، الجمعة، الجولة الثانية من ملتقى النقد السينمائي تحت شعار «السينما الوطنية»، بالشراكة مع مهرجان الأفلام السعودية ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء). ويأتي الملتقى في فضاءٍ واسع من الحوارات والتبادلات السينمائية؛ ليحل منصة عالمية تُعزز مفهوم النقد السينمائي بجميع أشكاله المختلفة بين النقاد والأكاديميين المتخصصين بالدراسات السينمائية، وصُناع الأفلام، والكُتَّاب، والفنانين، ومحبي السينما. وشدد المهندس عبد الله آل عياف، الرئيس التنفيذي للهيئة، على أهمية الملتقى في تسليط الضوء على مفهوم السينما الوطنية، والمفاهيم المرتبطة بها، في وقت تأخذ في

«الشرق الأوسط» (الظهران)
الاقتصاد مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

تجاوز عدد المسافرين من مطارات السعودية وإليها منذ بداية شهر رمضان وحتى التاسع من شوال لهذا العام، 11.5 مليون مسافر، بزيادة تجاوزت 25% عن العام الماضي في نفس الفترة، وسط انسيابية ملحوظة وتكامل تشغيلي بين الجهات الحكومية والخاصة. وذكرت «هيئة الطيران المدني» أن العدد توزع على جميع مطارات السعودية عبر أكثر من 80 ألف رحلة و55 ناقلاً جوياً، حيث خدم مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة النسبة الأعلى من المسافرين بـ4,4 مليون، تلاه مطار الملك خالد الدولي في الرياض بـ3 ملايين، فيما خدم مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي بالمدينة المنورة قرابة المليون، بينما تم تجاوز هذا الرقم في شركة مطارات الدمام، وتوز

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
TT

«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)

استقبل مسرح «الطليعة» في مصر أحد العروض الشهيرة للكاتب الآيرلندي الراحل صمويل بيكيت (1906- 1989)، «لعبة النهاية»، الذي رغم احتفاظه بالروح الأصلية للعمل الشهير المنسوب إلى مسرح العبث، فقد شكَّل إضاءة على مشاعر الاغتراب في الواقع المعاصر. وهو عرضٌ اختتم مشاركته في مهرجان «أيام قرطاج المسرحي» ليُتاح للجمهور المصري في المسرح الكائن بمنطقة «العتبة» وسط القاهرة حتى بداية الأسبوع المقبل.

على مدار 50 دقيقة، يحضر الأبطال الـ4 على المسرح الذي يُوحي بأنه غُرفة منسيّة وموحشة، فيتوسّط البطل «هام» (محمود زكي) الخشبة جالساً على كرسيّه المتحرّك بعينين منطفئتين، في حين يساعده خادمه «كلوف» ويُمعن في طاعته والإصغاء إلى طلباته وتساؤلاته الغريبة التي يغلُب عليها الطابع الساخر والعبثيّ المُتكرّر عبر سنوات بين هذا السيّد والخادم.

يَظهر والد «هام» ووالدته داخل براميل قديمة وصدئة، ويجلسان طوال العرض بداخلها، ولا يخرجان إلا عندما يستدعيهما الابن الذي صار عجوزاً، فيسألهما أسئلة عبثية لا تخلو من تفاصيل عجيبة، ويخاطبهما كأنهما طفلين يُغريهما بالحلوى، في حين يبادلانه أحاديث تمتزج بالذكريات والجنون، ليبدو كأنهما خارج العالم المادي؛ محض أرواح مُحتضرة تُشارك «هام» هلوساته داخل تلك الغرفة.

الأب يؤدي دوره من داخل أحد البراميل (مسرح الطليعة)

في المعالجة التي يقدّمها العرض، يحتفظ المخرج المصري السيد قابيل بأسماء الأبطال الأجنبية التي كتبها صمويل بيكيت من دون منحها أسماء محلّية. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «قدَّم المسرح المصري هذه المسرحية قبل 60 عاماً تقريباً في عرض للفنان الكبير الراحل سعد أردش، لكنه كان باللغة العربية الفصحى. اليوم، عالجتُ النص وأقدّمه بالعامية المصرية. احتفظت بالأسماء الأصلية للأبطال وهوياتهم، وكذلك بروح العمل وتفاصيل الحوار فيه، خصوصاً أنّ لهذا العرض الذي ينتمي إلى مسرح العبث فلسفته التي تمسّكتُ بها ضمن قالب جديد».

يؤدّي دور الخادم «كلوف» الفنان المصري محمد صلاح الذي اعتمد جزءٌ كبير من أدائه على الإفراط بحركات سير متعرّجة في محاولاته المُتسارعة لتلبية طلبات سيّده الأعمى، إذ يبدو كأنه في مَهمّات لا نهائية، منها ترتيب البيت الخالي بشكل فانتازي. بالإضافة إلى تردّده الدائم على نافذة الغرفة التي يظّل سيّده يطلب منه وصف ما يدور خارجها، فيصف له الضوء والبحر اللذين لا يدرك إذا كانا موجودَيْن بالفعل أم محض خيال.

على مدار العرض، يظلُّ الخادم يسأل: «لماذا أطيعك في كل شيء؟»، و«متى جئتُ إلى هذا البيت لخدمتك؟»، فيكتشف أنه قضى عمره داخل جدرانه المخيفة، فيقرّر في خطوة خلاص مغادرة خدمة سيّده، فتكون لحظة فتحه باب البيت هي عينها لحظة نهاية اللعبة، حتى وإنْ ظلّ واقفاً أمامه، متوجّساً من الخروج إلى العالم الحقيقي ومواجهة المجهول. لحظة تحدّيه سيطرة سيّده «هام» سرعان ما تبدو كأنها لا تختلف عن «الفراغ» الذي أمامه، بما يعكس فلسفة صمويل بيكيت عن سخرية الحياة، حيث لا يبدو الهروب من عبثها ممكناً أبداً.

الأب والأم في أحد مَشاهد المسرحية (مسرح الطليعة)

يشير مخرج العرض السيد قابيل إلى أنّ «للقضية التي تطرحها المسرحية صيغة إنسانية عابرة للمكان والزمان، وتصلُح لتقديمها في أي وقت؛ وإنْ كُتب النصّ الأصلي لبيكيت في الخمسينات. فكثير من نصوص شكسبير، والنصوص اليونانية القديمة العائدة إلى ما قبل الميلاد، لا تزال قابلة لإعادة تقديمها، وصالحة لطرح أسئلة على جمهور اليوم. وفي هذا العرض أدخلنا بعض الإضافات على الإضاءة والموسيقى للتعبير بصورة أكبر عن دراما الأبطال، ومساعدة المتلقّي على مزيد من التفاعُل».

الفنان محمود زكي في مشهد من العرض (مسرح الطليعة)

وعكست ملابس الممثلين الرثّة حالة السواد التي تطغى على عالمهم، في حين وُظّفت الإضاءة في لحظات المُكاشفة الذاتية التي تتوسَّط سيل الحوارات الغارقة في السخرية والتكرار العدميّ والخضوع التام. فإذا كان السيّد الأعمى والمشلول يعتمد على خادمه في مواصلة لعبة عبثية يتسلّى بها في عزلته، فإنّ الخادم يظلُّ غير قادر على تصوُّر الحياة بعيداً عن قواعد تلك «اللعبة».