«حصوات الكلى الصامتة» لا تتسبب بأي أعراض

تُكتشف عرَضاً ومناقشات طبية حول ضرورات معالجتها

«حصوات الكلى الصامتة» لا تتسبب بأي أعراض
TT

«حصوات الكلى الصامتة» لا تتسبب بأي أعراض

«حصوات الكلى الصامتة» لا تتسبب بأي أعراض

عندما يتم إجراء أحد فحوصات الأشعة للبطن لأي سبب طبي لا علاقة له بحصوات الكلى، وتُظهر نتائج الفحص بالصدفة أن ثمة حصوات في الكلى، ما العمل اللازم حينها لشخص لا يشكو من أي أعراض تدل على وجودها، أو أي أعراض ناجمة عن مضاعفاتها وتداعياتها؟
وعندما يُجري الطبيب معالجة تدخلية، سواء كانت جراحية أو بأي وسيلة تدخلية أخرى، لمعالجة حصوات مزعجة في إحدى الكليتين، ويكون ثمة حصوات في الكلية الأخرى، لا تتسبب بأي مشاكل، هل يُزيلها بنهج «التدخل الوقائي» (Prophylactic Intervention)، أم يتركها في مكانها طالما أنها لم تتسبب بأي أعراض أو مضاعفات أو تداعيات، ويتابعها بنهج «المراقبة اليقظة» (Active Surveillance)؟

حصوات «صامتة»
حصوات الكلى (Urolithiasis) إحدى المشاكل الصحية الشائعة. ووفق أحدث الإحصائيات الطبية من مناطق مختلفة في العالم، تتفاوت معدلات الإصابة خلال الحياة بحصاة الكلى «المتسببة بأعراض تدل على وجودها» (Symptomatic Renal Stones)، نتيجة عوامل عدة. إذ تبلغ نحو 15 في المائة من الرجال، و8 في المائة من النساء، وترتفع إلى 20 في المائة بمجتمعات أخرى. وعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة، فإن واحداً من بين كل 11 شخصاً لديه حصاة كلى ويشكو منها. وهو ما يتسبب بإنفاق أكثر من 5 مليارات دولار في المعالجة والمتابعة الصحية. وهو أيضاً ما يتسبب بأكثر من مليون زيارة سنوياً لأحد أقسام الإسعاف في المستشفيات. وهي مشكلة مزمنة، لأن معدل تكرار عودة حصول حصاة الكلى بعد معالجتها، خلال السنوات الخمس المقبلة من عمر الشخص هو 50 في المائة.
وفي مقابل هذه النوعية من حصوات الكلى، هناك نوع إكلينيكي آخر، وهو حصوات الكلى الصامتة، التي «لا تتسبب بأي أعراض تدل على وجودها» (Asymptomatic Renal Stones)، ويتم اكتشافها بمحض الصدفة عند إجراء فحوصات الأشعة للبطن.
وحولها، يقول أطباء المسالك البولية في جامعتي أكسفورد ونيوكاسل: «في السنوات الأخيرة، أدى الاستخدام المزداد للتصوير عالي الدقة مثل التصوير المقطعي المحوسب، إلى ارتفاع معدلات الكشف العرضي عن حصوات الكلى من دون أعراض. وتقدر الدراسات أن انتشارها بين عموم الناس يتراوح بين 8 في المائة و46 في المائة. ولا يزال من غير الواضح طريقة العلاج لها ومتى».

قرارات المعالجة
يقول البروفسور مانوج مونجا، أستاذ ورئيس جراحة المسالك البولية بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو: «حصوات الكلى من دون أعراض شائعة جداً، ويتم تشخيصها في نحو مليوني مريض سنوياً».
والتعامل الطبي مع هذه الحالات الصامتة، غير المتسببة بأي أعراض، والشائعة، لا يزال مجال سجال، حول أفضل نهج للتعامل معها. وتنقسم الآراء في معالجتها إلى:
> المبادرة لإزالتها عند ملاحظة وجودها منعاً لأي انتكاسات مستقبلية.
> عدم الاقتراب منها والاكتفاء بمراقبتها دورياً ما دام أنها لا تتسبب بأي مشاكل.
> قرار إزالتها أو تركها يعتمد على متغيرات تتعلق بالحالة الصحية للمريض ومُسببات ظهور الحصوات لديه وحجمها ومكانها وغير ذلك.
> ضرورة إزالتها عند اكتشاف وجودها خلال إجراء معالجة تدخلية لحصوات في الكلى أو الحالب المقابل.
وضمن عدد 11 أغسطس (آب) الحالي من مجلة «نيوإنغلد جورنال أوف ميديسن» (New England Journal of Medicine)، عرض باحثون من كلية الطب بجامعة واشنطن في سياتل دراستهم بعنوان «استئصال حصوات الكلى الصغيرة، غير المصحوبة بأعراض، ومعدلات عودة الانتكاس». وقال الباحثون في خلفية الدراسة: «إن فوائد الإزالة بالمنظار لحصوات الكلى الصغيرة (التي أقل من 6 ملم)، وغير المصحوبة بأعراض، لا تزال غير معروفة. وتترك الإرشادات الطبية الحالية القرار لمناقشة طبيب المسالك البولية هذا الأمر مع المريض. ولكن تشير نتائج الدراسات المنشورة سابقاً إلى أن نحو نصف حصوات الكلى الصغيرة التي تُركت في مكانها في الوقت الذي تمت فيه إزالة الحصوات الكبيرة من الكلى الأخرى، حصلت بسببها انتكاسات وأعراض لدى المريض في غضون الـ5 سنوات التالية».
وخلصوا في نتائجهم إلى أن الأفضل إزالتها، بقولهم: «إزالة حصوات الكلى الصغيرة غير المصحوبة بأعراض، أثناء الجراحة لإزالة حصوات في الكلى أو الحالب المقابل، تؤدي إلى انخفاض معدل حدوث الانتكاسات المستقبلية وعدد زيارات أقسام الإسعاف لاحقاً، مقارنة بعدم الإزالة».
وضمن فعاليات المؤتمر السنوي الماضي الـ29 لوجهات النظر في جراحة المسالك البولية، عرض البروفسور مانوج مونجا، أستاذ ورئيس قسم جراحة المسالك البولية بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، محاضرته بعنوان «حصوات الكلى دون أعراض: هل تعالج أم تراقب؟». وأفاد فيها بأن «تُعد حصوات الكلى من دون أعراض شائعة جداً ويتم تشخيصها في نحو مليوني مريض سنوياً. والحصوات من دون أعراض، غالباً لا تظل دون أعراض».

رصد ومتابعة
واستشهد بالبيانات المنشورة في مجلة «Journal of Endourology» التي توضح أن 26 في المائة من المرضى سيحتاجون في النهاية إلى التدخل العلاجي، و48 في المائة سيعانون من الألم، و55 في المائة سيحصل لديهم نمو حجم الحصوات تلك. وأن ذلك سيحصل خلال الأربع سنوات التالية لدى نحو 80 في المائة من أولئك المُصابين بحصوات لا تتسبب بأعراض حالياً. وخلص إلى وجوب ملاحظة الحصوات التي يقل حجمها عن 4 ملم، أما التي يتراوح حجمها بين 4 و10 ملم فيجب تفتيتها بعلاج الموجات الصدميّة (Shockwave)، بينما قد تتطلب الأحجار الكبيرة الإزالة جراحياً عبر منظار الحالب (Ureteroscopy).
وفي دراسة حديثة لباحثين من جامعتي أكسفورد ونيوكاسل، ضمن عدد 22 يونيو (حزيران) الماضي، من المجلة البريطانية لجراحة المسالك البولية (BJU International)، عرض الباحثون دراستهم حول المتابعة طويلة الأمد، لمدة تفوق 25 عاماً، للتطور الطبيعي في حالات حصوات الكلى غير المتسببة بأعراض. وقالوا في نتائجهم: «تشير المراجعة المنهجية الحالية إلى أن حجم (الحجر) ليس مؤشراً موثوقاً به في احتمال ظهور الأعراض. لأننا لم نجد أي فرق كبير في احتمالية ظهور الأعراض عند مقارنة الأحجار التي حجمها أقل من 5 ملم بتلك الأكبر من 5 ملم. ولا تلك التي حجمها أقل من 10 ملم مقارنة بالتي حجمها أكبر من 10 ملم. ومع ذلك، وجدنا بوضوح أن احتمالات الحاجة للتدخل العلاجي تكون أعلى للمرضى الذين حجم الحصاة لديهم أكبر من 5 ملم مقارنة بأولئك الذين لديهم حصاة بحجم أقل من 5 ملم. والشيء نفسه عند مقارنة حصاة أقل من 10 ملم بأخرى أكبر من 10 ملم».
وفي عدد أغسطس (آب) الحالي من مجلة حصاة الكلى (Urolithiasis)، عرض باحثون من الصين دراستهم بعنوان «هل يجب أن ندعم التدخل الوقائي لحصى الكلى دون أعراض؟ دراسة جماعية بأثر رجعي مع متابعة طويلة الأمد». وفي محصلة نتائجهم بعد متابعة لأكثر من 5 سنوات، قال الباحثون: «كان المرضى الذين خضعوا للتدخل الوقائي (Prophylactic Intervention) أقل عرضة للأحداث المرتبطة بوجود حصاة الكلى وللتدخل العلاجي المستقبلي، على الرغم من تعرضهم لبعض المضاعفات الطفيفة».

5 أعراض و5 أسباب لحصوات الكلى
> تنشأ حصوات الكلى عن ترسبات صلبة مكونة من المعادن والأملاح، عندما تتراكم داخل أي جزء من المسالك البولية (بدءاً من الكلى ووصولاً إلى المثانة). وفي الغالب، لا تتسبب بأي أعراض حتى تبدأ في التحرك داخل الكلى أو تمر في الحالبين (أنبوب يربط الكلى بالمثانة) للخروج مع البول. ووجودها في أحد الحالبين قد يمنع تدفق البول وقد يتسبب في تورم الكلى وتشنج العضلات الرقيقة للحالب، وهو ما قد يكون مؤلماً جداً، بهيئة مغص كلوي. ووفق ما تشير إليه المصادر الطبية، إليك الأعراض الـ5 التالية:
- ألم قوي وحاد في الجنب والظهر وتحت الأضلاع، أو قد ينتشر إلى أسفل البطن والمنطقة الأربية.
- ألم يأتي على هيئة موجات ويتغير في حدته.
- ألم أو شعور بالحرقان أثناء التبول.
- خروج بول باللون الوردي أو الأحمر أو البني، أو بول غائم أو كريه الرائحة.
- الحاجة المستمرة للتبول، أو التبول أكثر من المعتاد، أو التبول بكميات صغيرة، مع غثيان وقيء، وربما مع حُمّى وقشعريرة في حالة وجود عَدوى ميكروبية.
ويتحتم طلب العناية الطبية العاجلة إذا شعر المريض بأي من الـ5 أعراض التالية:
- ألم حاد للغاية يمنع من الجلوس ثابتاً أو التوصل إلى وضعية مريحة.
- ألم مصحوب بغثيان وقيء.
- ألم مصحوب بحُمَّى وقشعريرة.
- دم في البول.
- صعوبة مُجهدة لإخراج البول.
ورغم أن هناك عدة عوامل قد تزيد من خطر الإصابة بها، فإن أسباب نشوء حصوات الكلى تتنوع. ولا تتكوّن حصوات الكُلى في الغالب نتيجة سبب واحد محدد، إلا أنها تتكون غالباً عندما يصبح البول مركزاً، ما يتيح للمعادن التبلور والالتصاق ببعضها. ومن العوامل التي ترفع من احتمالات تكوينها الـ5 التالية:
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بحصوات الكلى، أو تكونها في السابق لدى الشخص نفسه.
- جفاف الجسم عن السوائل، نتيجة عدم شرب كميات كافية من الماء يومياً (وللإشارة، فإن علامة شرب الكمية الكافية من الماء خروج بول ذي لون أصفر باهت أو شفاف)، خصوصاً مع تناول نوعيات معينة من التغذية اليومية. مثل الإكثار من البروتينات أو الملح، لمنْ عليهم ضبط ذلك. أو الأطعمة الغنية بالأوكسالات، كبعض الفواكه والخضراوات والمكسرات والشوكولاته.
- زيادة وزن الجسم والسمنة حالتان مرتبطتان بارتفاع احتمالات نشوء حصوات الكلى. وكذلك تكرار حصول التهابات البول.
- وجود أمراض أو اضطرابات في عمل الجهاز الهضمي، إما نتيجة لأحد الأمراض أو الخضوع لجراحة المعدة لإنقاص الوزن.
- تناول بعض أنواع الأدوية، كأدوية خفض حموضة المعدة، أو الأدوية المُليّنة لتسهيل الإخراج، أو بعض الأدوية المستخدمة لعلاج الصداع النصفي، أو للاكتئاب، أو الإفراط في تناول بعض الفيتامينات، مثل فيتامين سي.

* استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

أطلقت السعودية خدمة التأشيرة الإلكترونية كمرحلة أولى في 7 دول من خلال إلغاء لاصق التأشيرة على جواز سفر المستفيد والتحول إلى التأشيرة الإلكترونية وقراءة بياناتها عبر رمز الاستجابة السريعة «QR». وذكرت وزارة الخارجية السعودية أن المبادرة الجديدة تأتي في إطار استكمال إجراءات أتمتة ورفع جودة الخدمات القنصلية المقدمة من الوزارة بتطوير آلية منح تأشيرات «العمل والإقامة والزيارة». وأشارت الخارجية السعودية إلى تفعيل هذا الإجراء باعتباره مرحلة أولى في عددٍ من بعثات المملكة في الدول التالية: «الإمارات والأردن ومصر وبنغلاديش والهند وإندونيسيا والفلبين».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق «ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

«ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

تُنظم هيئة الأفلام السعودية، في مدينة الظهران، الجمعة، الجولة الثانية من ملتقى النقد السينمائي تحت شعار «السينما الوطنية»، بالشراكة مع مهرجان الأفلام السعودية ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء). ويأتي الملتقى في فضاءٍ واسع من الحوارات والتبادلات السينمائية؛ ليحل منصة عالمية تُعزز مفهوم النقد السينمائي بجميع أشكاله المختلفة بين النقاد والأكاديميين المتخصصين بالدراسات السينمائية، وصُناع الأفلام، والكُتَّاب، والفنانين، ومحبي السينما. وشدد المهندس عبد الله آل عياف، الرئيس التنفيذي للهيئة، على أهمية الملتقى في تسليط الضوء على مفهوم السينما الوطنية، والمفاهيم المرتبطة بها، في وقت تأخذ في

«الشرق الأوسط» (الظهران)
الاقتصاد مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

تجاوز عدد المسافرين من مطارات السعودية وإليها منذ بداية شهر رمضان وحتى التاسع من شوال لهذا العام، 11.5 مليون مسافر، بزيادة تجاوزت 25% عن العام الماضي في نفس الفترة، وسط انسيابية ملحوظة وتكامل تشغيلي بين الجهات الحكومية والخاصة. وذكرت «هيئة الطيران المدني» أن العدد توزع على جميع مطارات السعودية عبر أكثر من 80 ألف رحلة و55 ناقلاً جوياً، حيث خدم مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة النسبة الأعلى من المسافرين بـ4,4 مليون، تلاه مطار الملك خالد الدولي في الرياض بـ3 ملايين، فيما خدم مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي بالمدينة المنورة قرابة المليون، بينما تم تجاوز هذا الرقم في شركة مطارات الدمام، وتوز

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف
TT

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف. مع كل نوبة، قد يبدو الألم لا يُطاق، مُصاحباً بأعراض شديدة كالغثيان والحساسية للضوء والصوت. وعلى الرغم من أن أعراض الصداع النصفي مؤقتة، فإن مدة ألم الصداع يمكن أن تجعل المريض يشعر باليأس وكأن الحياة قد انتهت.

ولكن ومع التطورات الطبية الحديثة، بدأت تظهر خيارات علاجية تُعيد الأمل لملايين المرضى حول العالم تتحكم في الصداع النصفي فور حدوثه ومنعه من التدخل في النشاط اليومي للمريض.

مؤتمر طبي

نظّمت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، يوم الثلاثاء، 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مؤتمراً طبياً بعنوان «نهج جديد في علاج الصداع النصفي» (NEW APPROACH in MIGRAINE TREATMENT). وعُقد المؤتمر بالتعاون مع المركز الطبي الدولي وشركة «Abbvie» الطبية، وقام ملتقى الخبرات بتنظيمه.

غلاف كتيّب المؤتمر

شاركت في المؤتمر نخبة من المتخصصين، إذ قدّم الدكتور سعيد الغامدي، استشاري الأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، وأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، عرضاً حول خيارات العلاج المستهدف للصداع النصفي من خلال التجارب السريرية.

كما تناولت الدكتورة ميساء خليل، استشارية طب الأسرة ومتخصصة في الرعاية الوقائية وطب نمط الحياة، أهمية دور الرعاية الأولية في التعامل مع الصداع وعبء الصداع النصفي على عامة السكان.

واختتم الجلسات الدكتور وسام يمق، استشاري الأعصاب ومتخصص في علاج الصرع، بتسليط الضوء على الاحتياجات غير الملباة في العلاجات الحادة للصداع النصفي.

اضطراب عصبي شائع

في حديث خاص مع «صحتك»، أوضح الدكتور أشرف أمير، استشاري طب الأسرة، نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، ورئيس المؤتمر، أن الصداع النصفي (الشقيقة) يُعد من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً على مستوى العالم. وأشار إلى أنه اضطراب عصبي معيق يُصيب نحو مليار شخص عالمياً، يتميز بنوبات من الألم الشديد النابض، غالباً في أحد جانبي الرأس، وترافقه أحياناً أعراض مثل الغثيان، التقيؤ، والحساسية الشديدة للضوء والصوت، مما يؤثر بشكل كبير على حياة المرضى اليومية.

وأكد الدكتور أمير أن الصداع النصفي يؤثر على أكثر من عُشر سكان العالم، مما يجعله إحدى أكثر الحالات انتشاراً، والتي تنعكس سلباً على جودة حياة المصابين، إضافة إلى تأثيره الواضح على الإنتاجية وساعات العمل.

وأضاف أن التطورات الحديثة في مجال الأبحاث الطبية أسهمت في فهم أعمق لآلية حدوث الصداع النصفي، وهو ما فتح الباب أمام تطوير علاجات مبتكرة وفعّالة. كما أشار إلى أن هذا التقدم يمثل تحولاً كبيراً في التعامل مع هذا الاضطراب، الذي كان يُعدُّ في السابق حالة مرضية غامضة يصعب تفسيرها أو السيطرة عليها.

وبائيات الصداع النصفي

يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من الصداع النصفي، أي حوالي 11.6 في المائة من سكان العالم. وتظهر الدراسات أن النساء أكثر عُرضة للإصابة به مقارنةً بالرجال.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ترتفع النسبة إلى 11.9 في المائة. أما في السعودية، فيُقدَّر انتشار الصداع النصفي بـ9.7 في المائة، أي ما يعادل 3.2 مليون شخص، مما يجعله ثاني أكبر سبب للإعاقة بين السكان. وتُشير دراسات محلية، أُجريت في منطقة عسير، إلى أن الصداع النصفي أكثر انتشاراً في المدن (11.3 في المائة) مقارنة بالمناطق الريفية (7.6 في المائة)، وهو ما يعكس ارتباطه بعوامل بيئية وسلوكية متعددة.

عوامل الخطر والأسباب

* الآلية المرضية يُعتقد أن الصداع النصفي ينشأ من تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية والعصبية. وتُشير الدراسات الحديثة إلى أن نوبات الصداع النصفي قد تنشأ من فرط استثارة في قشرة الدماغ، ما يؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي الثلاثي. ويمكن لبعض المُحفّزات، مثل التقلبات الهرمونية، الإجهاد، نقص النوم، والعوامل الغذائية، أن تُساهم في بدء نوبات الصداع النصفي لدى بعض الأفراد المُعرضين لذلك.

أما أسباب الصداع النصفي فتتضمن عوامل متعددة تشمل:

* العامل الجيني: تلعب الوراثة دوراً مهماً في زيادة احتمال الإصابة بالصداع النصفي، إذ تشير الأبحاث إلى ارتباط الجينات ببعض البروتينات العصبية مثل «الببتيد» المرتبط بجين «الكالسيتونين» (Calcitonin Gene-Related Peptide, CGRP).

* التغيرات في الدماغ: تساهم بعض الاضطرابات في نظام التفاعل بين الأوعية الدموية والجهاز العصبي المركزي في زيادة احتمال الإصابة.

* العوامل البيئية: يمكن أن تؤدي التغيرات البيئية مثل التوتر، أو النوم غير المنتظم، أو بعض أنواع الأطعمة والمشروبات إلى تحفيز النوبات.

مراحل الصداع النصفي والتشخيص

* مرحلة البادرة (Prodrome): تبدأ بتغيرات مزاجية، شعور بالتعب، أو حتى رغبة ملحة في تناول الطعام.

* مرحلة الهالة (Aura): تشمل اضطرابات بصرية أو حسية تحدث قبل نوبة الصداع، وتظهر لدى بعض المرضى فقط.

* مرحلة الألم: يصاحبها ألم شديد نابض، غالبًا في جهة واحدة من الرأس، وتستمر من 4 إلى 72 ساعة.

* مرحلة ما بعد الألم (Postdrome): تتسم بالإرهاق والارتباك، لكنها تُعد علامة على انتهاء النوبة.

* التشخيص: يعتمد أساساً على التاريخ المرضي والفحص السريري، مع استبعاد الأسباب العضوية الأخرى. وتشمل المعايير التي يعتمد عليها الأطباء في التشخيص حدوث خمس نوبات على الأقل متكررة من الصداع، تدوم بين 4 و72 ساعة، ومصحوبة بعلامتين من العلامات التالية: ألم من جهة واحدة، نبضات شديدة، ألم شديد، وأعراض مصاحبة كالغثيان.

خيارات علاجية تقليدية وحديثة

وتشمل:

* أولاً: مسكنات الألم. تاريخياً، اعتمدت إدارة الصداع النصفي على مزيج من العلاجات الحادة والوقائية، بما في ذلك مسكنات الألم المتوفرة بدون وصفة طبية، ومضادات المهاجمات، والأدوية الوقائية مثل مضادات الاكتئاب، ومضادة للصرع، وحقن البوتكس. وعلى الرغم من أن هذه العلاجات وفرت الراحة لكثير من المرضى، فإنها محدودة في فاعليتها ولا تخلو من الآثار الجانبية.

* ثانياً: خيارات علاجية «دوائية» حديثة. تؤكد الأبحاث العلمية أن تصميم عقار موجه خصيصاً لعلاج مرض معين يُعد الخطوة الأمثل لتحقيق فاعلية أعلى وتقليل الآثار الجانبية. ودفع هذا المبدأ الباحثين إلى الغوص عميقاً في دراسة آليات الصداع النصفي، ما قادهم لاكتشاف دور بروتين محدد يُعرف بـ«CGRP». ويُطلق هذا البروتين أثناء نوبة الصداع النصفي وينخفض مستواه بمجرد انتهاء النوبة.

في إحدى الدراسات، عندما تم حقن الأشخاص ببروتين (CGRP)، أُصيبوا بنوبات تُشبه الصداع النصفي، ما أكد دوره الحاسم في هذه الحالة. وأدى هذا الاكتشاف إلى تحول جذري في علاج الصداع النصفي، إذ تمت الموافقة في عام 2018 من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول جسم مضاد أحادي النسيلة يستهدف البروتين (CGRP) للوقاية من الصداع النصفي. ويعدُّ هذا العلاج المبتكر خياراً مستهدفاً ودقيقاً، إذ يعمل على تعطيل مسار البروتين العصبي المسؤول عن نوبات الصداع النصفي، مما يمثل نقلة نوعية في تحسين حياة المرضى.

وتشمل هذه الأدوية:

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة للببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP)، تمت الموافقة على أربعةٍ منها من قبل إدارة الغذاء والدواء: «إبتينيزوماب» (eptinezumab)، «إرينوماب» (erenumab)، «فريمانيزوماب» (fremanezumab)، و«جالكانيزوماب» (galcanezumab). وقد تم تصميمها للعثور على بروتينات (CGRP)، وقد أظهرت فاعليتها في تقليل شدة وتكرار النوبات، سواء أُعطيت عن طريق الفم أو الحقن تحت الجلد، مع حد أدنى من الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات الوقائية التقليدية.

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة لمستقبلات الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP). تحتضن هذه الأجسام المستقبلات بشكل أساسي بحيث تكون غير نشطة، هما اثنتان: «أبروجيبانت» (Ubrogepant) و«ريميجيبانت» (rimegepant)، وهما أحدث العقاقير لعلاج الصداع النصفي عند الحاجة والتي لا تؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية. تعمل هذه الأدوية عن طريق الفم على حظر مستقبلات (CGRP) على أمل إيقاف نوبة الصداع النصفي المستمرة بالفعل. ومن حسنات هذه الأدوية أن ليس لها خطر الإصابة بالصداع الناجم عن الإفراط في تناول الأدوية مثل بعض علاجات الصداع النصفي الأخرى.

نظم الذكاء الاصطناعي وأدوات الصحة الرقمية تسهم في تحسين دقة التشخيص وإدارة المرض

علاجات بلا أدوية

* ثالثاً: خيارات علاجية «غير دوائية»، وتضم:

- أجهزة التعديل العصبي القابلة للارتداء. تُعد هذه الأجهزة طريقة علاجية مبتكرة لعلاج الصداع النصفي، إذ تستخدم نبضات كهربائية أو مغناطيسية إلى الرأس أو الرقبة أو الذراع لتعديل نشاط المسارات العصبية المحددة المشاركة في آلية حدوث الصداع النصفي، تعمل على إعادة النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ إلى طبيعته.

وقد أثبتت الدراسات أن استخدام هذه الأجهزة، المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء أظهر نتائج واعدة في إدارة الصداع النصفي الحاد والوقائي، مما يوفر بديلاً خالياً من الأدوية، وهي آمنة وآثارها الجانبية قليلة جداً.

- استخدام الذكاء الاصطناعي. أسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التشخيص عن طريق تطوير خوارزميات تستطيع تحليل التاريخ المرضي وبيانات المرضى لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي، مما يساعد في توفير علاجات موجهة وفعالة.

- أدوات الصحة الرقمية. بالإضافة إلى العلاجات الدوائية والقائمة على الأجهزة، أدت الصحة الرقمية إلى تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة والتقنيات القابلة للارتداء التي يمكن أن تساعد في إدارة الصداع النصفي. يمكن لهذه الأدوات الرقمية مساعدة المرضى في تتبع أعراضهم، وتحديد المُحفّزات، وتقديم توصيات مخصصة للتعديلات في نمط الحياة وأساليب العلاج.

تعاون عالمي ومحلي

مع التطورات العلمية الحديثة في فهم آلية حدوث الصداع النصفي وتطوير خيارات علاجية مبتكرة، لم يعد الصداع النصفي حُكماً على حياة المرضى بالتوقف.

وتلعب الجمعيات الطبية والهيئات الصحية، مثل الجمعية السعودية للصداع، دوراً محورياً في تحسين حياة المرضى من خلال التوعية، وتوفير خيارات علاجية موجهة.

ويبدأ الحل بالبحث عن العلاج المناسب وعدم تجاهل هذه الحالة العصبية المعقدة. ومع الاستمرار في الابتكار، يمكننا تخفيف العبء وتحقيق جودة حياة أفضل للمرضى.

*استشاري طب المجتمع