«حروب المدن» واستراتيجيات الجيوش: «فن» لا بد من تعلمه

مدن القرن الواحد والعشرين تطوق محاصريها

الجيوش الحديثة تستفيد من تجارب الماضي للحصول على التوجيه للمستقبل (أرشيفية - رويترز)
الجيوش الحديثة تستفيد من تجارب الماضي للحصول على التوجيه للمستقبل (أرشيفية - رويترز)
TT

«حروب المدن» واستراتيجيات الجيوش: «فن» لا بد من تعلمه

الجيوش الحديثة تستفيد من تجارب الماضي للحصول على التوجيه للمستقبل (أرشيفية - رويترز)
الجيوش الحديثة تستفيد من تجارب الماضي للحصول على التوجيه للمستقبل (أرشيفية - رويترز)

قال وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا، في أبريل (نيسان) الماضي، إن «المدينة لم تعد موجودة». بحلول ذلك الوقت، كانت ماريوبول، الواقعة على بحر آزوف، تحت الحصار الروسي لمدة سبعة أسابيع وتقصف بالصواريخ. سقطت المدينة في الشهر التالي. قال رئيس بلدية المدينة إنه تم تدمير 1300 مبنى شاهق الارتفاع وأشارت صور الأقمار الصناعية إلى أن ما يقرب من نصف المناطق المبنية تضررت بشدة وتقلص عدد سكان المدينة الذي يزيد على 400000 نسمة بنسبة تزيد على 75 في المائة.
وحسب تقرير نشرته مجلة «ذي إيكونوميست»، تحمل تجربة ماريوبول القاتمة دروساً مفيدة للجيوش في جميع أنحاء العالم. كتب ديفيد بيتز من كينغز كوليدج لندن واللفتنانت كولونيل هوغو ستانفورد - توك في دورية تكساس للأمن القومي (مجلة عسكرية وأمنية): «على مدار التاريخ تقريباً، كان الجنرالات يكرهون احتمال القتال في المدن وسعوا إلى تجنبه». ولكن سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن الجيوش الحديثة تضطر بشكل متزايد إلى القيام بذلك. يستفيدون من تجارب الماضي للحصول على التوجيه، ويفكرون في أفضل طريقة لخوض حرب المدن باستخدام الأسلحة الحديثة.
في يوليو (تموز)، أعلن رئيس الأركان العامة البريطاني أن الجيش البريطاني، الذي قضى العقدين الماضيين في محاربة المتمردين ذوي القدرات التكنولوجية المتواضعة في الغالب، سيكون في المستقبل «رائداً في حرب المدن». في خطاب ألقاه أمام الأكاديمية العسكرية الأميركية في مايو (أيار)، أخبر الجنرال مارك ميلي، أرفع ضابط أميركي، الطلاب المتخرجين أنه سيتعين عليهم التأقلم مع المدن. وحذر من أن ذلك سيغير الجيوش، مع «تداعيات هائلة» على كل شيء من أنماط التمويه والأسلحة إلى تصميم المركبات والخدمات اللوجستية.
هذا الاهتمام المتزايد له أسباب عدة. بمعنى ما، الجيوش تستجيب ببساطة للتاريخ الحديث. كانت المعارك على المدن مركزية للعديد من الحروب الحديثة. كان القتال من أجل شوشا، وهي بلدة تقع في إقليم ناغورني كاراباخ المتنازع عليه، بمثابة الاشتباك الحاسم في الحرب بين أرمينيا وأذربيجان عام 2020. وكانت السيطرة على الموصل في العراق والرقة في سوريا بمثابة انتصار لتنظيم «داعش» في 2014؛ وكان طرده من تلك المدن من قبل تحالف تقوده الولايات المتحدة بعد عامين مؤشراً على سقوط الإرهابيين. في أوكرانيا، قاتلت روسيا من شارع إلى شارع ليس فقط للاستيلاء على ماريوبول، ولكن أيضاً على سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك بمنطقة دونباس. تأمل أوكرانيا في استعادة خيرسون الجنوبية.

حتى بداية القرن الحادي والعشرين، كان عدد الناس الذين يعيشون في المناطق الريفية أكثر من المناطق الحضرية. يعيش الآن أكثر من نصف سكان العالم في البلدات والمدن، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع إلى الثلثين بحلول عام 2050. وفي بعض الأماكن، لا يزال الرقم أعلى. الغزو الصيني لتايوان، في حالة حدوثه، سيتطلب من الجيش الصيني أن يشق طريقه عبر مدن وبلدات الجزيرة، حيث يعيش 80 في المائة من سكانها.
هذا الاتجاه التاريخي نفسه يعني أن المدن أصبحت أكبر. في عام 1950، تم تصنيف نيويورك وطوكيو فقط على أنهما «مدن ضخمة» - تلك التي يزيد عدد سكانها على 10 ملايين نسمة. واليوم، تقول الأمم المتحدة أن 33 بلداً تعد «مدناً ضخمة». على الرغم من خوض الحروب في المدن وحولها منذ العصور القديمة، إلا أن القليل منها تم شنه داخل مدن كبيرة ومعقدة للغاية.
وحتى مع تضخم المدن، تقلصت الجيوش. في الماضي، «اجتاحت الجيوش المدن وشكلت جبهات كبيرة حولها ومن خلالها»، كما يشير مؤلف كتاب «حرب المدن في القرن الحادي والعشرين» أنتوني كينغ. قبل ثمانين عاماً قاتل ما يقرب من نصف مليون رجل على ستالينغراد، التي كان عدد سكانها قبل الحرب نحو 400000 نسمة. ويضيف كينغ: «اليوم المدن تطوق القوات المسلحة».
تشتهر حرب المدن بالوحشية والتدمير. توفر المناطق المبنية الكثير من الأماكن للاختباء، لذلك تحدث معارك إطلاق النار فجأة وعلى مسافة قريبة. يمكن أن تكون المباني مليئة بالألغام والأشراك الخداعية. الحاجة إلى التنبه باستمرار تؤثر في أعصاب الجنود. يمثل القتال في الأدغال أو الغابات صعوبات مماثلة، لكن وجود المدنيين في المدن يجعل كل شيء أكثر صعوبة. قال ضابط أوروبي سُئل عن المكان الذي يفضل القتال فيه: «يمكنني تدمير غابة لكن لن أحصل على إذن لتدمير مدينة».

«الغابة الخرسانية»
إحدى نتائج قتال الجيوش بأعداد صغيرة في المدن الكبرى هي أنها غالباً ما تنتهي بسلسلة من «الحصار الصغير المحلي»، بحسب كينغ. يقول العقيد المتقاعد الذي قاد اللواء الأول للفرقة الأميركية المدرعة الأولى في بغداد عام 2003 بيتر منصور: «يمكن أن يستهلك مبنى واحد كتيبة كاملة (ما يصل إلى 1000 جندي) في قتال ليوم واحد».
صُممت الأسلحة المتفجرة الحديثة إلى حد كبير لمعارك الحرب الباردة في سهول أوروبا. عندما يتم استخدامها في مناطق مأهولة بالسكان، فمن المحتمل أن يكون 9 من كل 10 ضحايا على الأقل من المدنيين، كما يشير تقرير صادر عن «منظمة العمل على العنف المسلح». القنابل الروسية العشوائية دمرت ليس فقط ماريوبول وسيفيرودونتسك والعديد من البلدات الأصغر في أوكرانيا، ولكن أيضاً غروزني في الشيشان وحلب في سوريا.
حتى القنابل الذكية يمكنها إبادة مدينة. في الموصل، أصابت الضربات الجوية الأميركية المباني بدقة غير عادية، لكن الإرهابيين هربوا ببساطة إلى أماكن أخرى - ضربت بدورها. النتيجة، كما يشير الرائد في الجيش الأميركي عاموس فوكس، كانت أن القنابل تتتبع العدو ببساطة من منزل إلى منزل. قُتل أكثر من 10000 مدني في الموصل، نحو ثلثهم على يد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وسكان المدينة ليسوا دائماً متفرجين سلبيين. بدأ الرائد المتقاعد ورئيس قسم دراسات حرب المدن في منتدى «ماديسون» للسياسة، جون سبنسر، في نشر نصائح عسكرية لسكان المدن الأوكرانيين في غضون أيام من الغزو الروسي. في يونيو (حزيران)، زار كييف وتعلم كيف تم الدفاع عنها من قبل لواء أوكراني منفرد، يدعمه متطوعون مدنيون تسلموا عشرات الآلاف من بنادق «AK-47» في بداية الحرب. أصبح السكان شبكة غير رسمية من المراقبين، يكشفون مواقع الوحدات الروسية التي تتحرك في أحيائهم.
ميزة أخرى للمدن هي أنها تميل إلى التوسع تحت الأرض. يصف العالم وضابط الاحتياط في الجيش البريطاني ماركو بولمر، كيف تم استغلال المجاري والكهوف حول الموصل؛ حيث بُنيت أنفاق جديدة، بعضها كبير بما يكفي للمركبات. تم تجهيز أكثرها تطوراً بالمهاجع والمستشفيات وأنظمة التهوية. تزعم القوات المسلحة الإسرائيلية أنها دمرت 100 كيلومتر من الأنفاق تحت غزة خلال الحرب مع حركة «حماس» العام الماضي. وفي ماريوبول، أبقى المدافعون الأوكرانيون في الشبكات الجوفية لأعمال الصلب في آزوفستال قوة روسية متفوقة في مأزق لعدة أشهر.
العديد من التقنيات الحديثة التي تعتمد عليها القوات الغربية ببساطة غير فعالة تحت الأرض، بما في ذلك الملاحة عبر الأقمار الصناعية والمراقبة باستخدام الطائرات من دون طيار كما يمكن أن تكون غير دقيقة على السطح أيضاً. يمكن أن تتداخل «الأخاديد الحضرية» بين المباني الشاهقة مع إشارات الراديو. التلفزيون والراديو المدني يؤثران في موجات الأثير. يقول العميد الإسرائيلي المتقاعد الذي قاد وحدات في الضفة الغربية ولبنان غال هيرش: «المشكلة الرئيسية هي أنه في مثل هذه المنطقة المزدحمة والمكتظة بالسكان والمعقدة، نرى فقط ما يمكننا رؤيته»، مضيفاً: «نحن ببساطة لا نستطيع رؤية معظم التهديدات؛ حيث يتم إخفاء قطاعات كبيرة من العدو عنا».
تفسر هذه الصعوبات جزئياً سبب ابتعاد الجيش الأميركي، حتى وقت قريب، عن التفكير في قتال المدن، كما يجادل العقيد المتقاعد والمؤلف المشارك مع الرائد سبنسر لكتاب «فهم حرب المدن» ليام كولينز. ويقول إنه «لا يتناسب مع نموذج الحرب الذي نريد خوضه. نريد خوض حرب الخليج (التي حدث الكثير منها في صحراء مفتوحة) مرة أخرى». اليوم وقد استنتجت القوات المسلحة أن القتال في المدن من المرجح أن يصبح أكثر شيوعاً، فإنهم يتساءلون كيف يمكن تحويل بعض ميزاته لصالحهم.

كان الجيش البريطاني يحلل كيف ستبدو المعارك الأولى للحرب الأوروبية بين حلف شمال الأطلسي (ناتو) وروسيا وكيف يمكن كسبها. وصف المسؤول الرئيسي عن هذه الفكرة اللواء جيمس باودر فرضيات عمل الجيش في مؤتمر بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز فكري في لندن، في يونيو. وقال إن الجيوش سوف تكافح للمناورة فوق الأرض المفتوحة لأن أجهزة الاستشعار «متعددة الأطياف» - الأقمار الصناعية التي يمكنها الرؤية من خلال السحب، أو الطائرات من دون طيار التي ترى في الأشعة تحت الحمراء - تصبح أكثر شيوعاً، وتصبح القوة النارية التي توجهها أكثر فتكاً.
قال باودر إن التنقل بين البلدات والمدن سيترتب عليه «خطر غير مسبوق». وأشار إلى أن المناطق الحضرية ستصبح «الجائزة الرئيسية»، ليس فقط لقيمتها السياسية والاقتصادية، ولكن لاعتبارها ملاذاً من قدرة العدو على إيجاد وحدات وضربها. المعنى الضمني هو أن أماكن مثل تالين وريغا وفيلنيوس، على الرغم من أنها مدن صغيرة نسبياً، ستصبح قلاعاً توفر المأوى لجيوش «الناتو» أثناء مداهمتها لخطوط الإمداد الروسية والاستعداد لهجمات مضادة.
إلى جانب المناقشات رفيعة المستوى حول الاستراتيجية، تفكر الجيوش أيضاً في التكتيكات. أحد الخيارات هو التعلم من أولئك الذين لديهم خبرة أكبر في القتال في المناطق الحضرية. إيال وايزمان، مهندس معماري بريطاني إسرائيلي، وصف كيف استخدم الجنود الإسرائيليون الذين كانوا يقاتلون في مدينة نابلس الفلسطينية عام 2002 استراتيجية «المشي عبر الجدران». يتضمن ذلك تفجير طريق عبر المباني بدلاً من استخدام الأبواب والطرق، وهي تقنية لاحظها لأول مرة منظرو الجيش الفرنسي الذين كتبوا عن معارك القرن التاسع عشر حول باريس.

دروس الماضي
الجيوش الغربية تكثف تدريباتها أيضاً. وشهد أحد التدريبات التي أجريت مؤخراً في ليدز، شمال إنجلترا، وجود 21 جندياً من الكتيبة البريطانية الهندسية يتنقلون في الأنفاق الحضرية في ظروف شديدة الحرارة مصحوبة بإضاءة منخفضة. يقول الرقيب ديل موتلي، الذي شارك في التمرين، إن آخر مرة أجرى فيها مهندسون عسكريون بريطانيون هذا النوع من الحركة على نطاق واسع كانت في الحرب الكورية.
قدمت التدريبات سلسلة من الدروس. جعل الظلام الدامس نظارات الرؤية الليلية غير مجدية، لأنها تعتمد على تضخيم الضوء المحيط الخافت الموجود فوق سطح الأرض حتى في الليل. يمكن أن تطلق المياه الراكدة المربكة غازات سامة في الهواء، ويمكن للجنود استخدام كل الأكسجين المتاح بسرعة. كما أنه أكثر برودة بمقدار عشر درجات مئوية.
غالباً ما تكون الطرق القديمة هي الأفضل. يقول الرقيب موتلي إن معدات التعدين الموجودة في الخدمة منذ الستينات، التي تم نقلها إلى الجيش من فرقة الإطفاء، كانت أكثر فائدة من بعض المعدات الأحدث. لكن بعض الطرق القديمة أصبحت اليوم محظورة مثل استخدام أميركا الغاز المسيل للدموع في فيتنام لتدمير الأنفاق أو نشر مجموعة متنوعة من العوامل الكيميائية كما فعل الاتحاد السوفياتي في أفغانستان.
حللت دراسة أجراها كريستوفر لورانس من معهد «دوبوي»، الذي يجمع بيانات تاريخية عن الحرب، العمليات الحضرية قرب نهاية الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك ثلاث معارك حول مدينة خاركيف، وهي مدينة أوكرانية تعرضت للضرب في الصراع الحالي. وجدت أن المدن أبطأت الجيوش: معدلات التقدم كانت من ثلث إلى نصف ما كانت عليه في القتال غير الحضري.
لكن المدن لم تكن بالضرورة أكثر فتكاً من ساحات القتال الأخرى. لم تكن خسائر المهاجم في العمليات الحضرية أعلى منها في العمليات غير الحضرية، وكانت الخسائر في المركبات هي نفسها أو أقل. في المعارك الحضرية الأحدث - تلك الخاصة بالفلوجة في العراق في عام 2004 أو مراوي في الفلبين في عام 2017 - كانت خسائر المهاجمين منخفضة وأقل من خسائر المدافعين.
ولا يبدو أن هذا النوع من القتال يشكل صدمة (على الأقل لمن يحملون أسلحة). خلص تقرير صادر عن مؤسسة «راند»، وهي مؤسسة فكرية أميركية، إلى أن معدلات الإجهاد القتالي - ما كان يُطلق عليه ذات مرة صدمة القذيفة - لم تكن أعلى من المعتاد في معارك بريست في بريتاني عام 1944، ومانيلا في الفلبين عام 1945 أو هيو في فيتنام عام 1968 (على الرغم من أن معظم المدنيين غادروا، بحكمة، قبل بدء القتال). يشير التقرير إلى أن كثافة القتال في المناطق الحضرية أعطت الجنود إحساساً أكبر بالمبادرة والسيطرة والهدف من أولئك الذين يقاتلون في أرض مفتوحة. حسب الروايات المتناقلة، تقول القوات الأوكرانية التي تواجه نيران قذائف بعيدة ولا هوادة فيها في دونباس إن عدم القدرة على رؤية العدو محبط.
إذا لم تكن حرب المدن بالضرورة أكثر دموية، فهل هي على الأقل أكثر شدة؟ الحكمة العسكرية التقليدية هي أن الجيوش في الهجوم يجب أن تفوق عدد خصومها بثلاثة إلى واحد لتجاوز موقع الدفاع. يشير دليل نشره الجيش الأميركي ومشاة البحرية في يوليو إلى أنه في المناطق الحضرية، يمكن أن يرتفع هذا إلى 15: 1.
من الناحية النظرية، يجب أن تعني هذه النسب أن القوات الأصغر لديها فرصة أفضل لصد العديد من المهاجمين - كما تمكن الأوكرانيون من القيام بذلك في كييف. لكنها لا تعمل دائماً بهذه الطريقة. يواجه المدافعون عن المدن معضلات خاصة بهم. قد تدافع كتيبة واحدة عن حفنة من المباني، لكن كل وحدة ستكافح لرؤية ما وراء محيطها، وتقديم الدعم للآخرين أو تجديد الإمدادات وإجلاء الضحايا. وبالتالي يمكن حصر أعداد كبيرة من المدافعين في عدد صغير من الأماكن الثابتة.
يقول ستيوارت لايل، الخبير في مختبر العلوم والتكنولوجيا الدفاعية البريطاني: «في معظم المعارك الحضرية التي درسناها، يفوز المهاجم».
في كل هذه الحالات، التقدم السريع والقوي والمتعدد الجوانب يمكن أن يشل عملية صنع القرار لدى العدو. تعد حرب الأسلحة المشتركة، حيث تعمل المشاة والدروع والمدفعية والطائرات معاً بشكل وثيق، أمراً حيوياً.
غالباً ما تكون الدبابات، التي يُعتقد في كثير من الأحيان أنها غير مناسبة لشوارع المدينة الضيقة ضرورية. يتذكر العقيد منصور أنه في القتال بمدينة الصدر في بغداد، دمر مسلحون شيعة ست عربات مدرعة خفيفة الوزن من طراز «سترايكر» بقذائف صاروخية في غضون أسبوع. أُجبر القادة العسكريون الأميركيون على إرسال دبابات «أبرامز» أكبر بكثير «مما وفّر العدد الزائد الذي احتاجت إليه القوات الأميركية للبقاء في المنطقة».

في النهاية، يميل أولئك الذين يرون المدن أنها ساحات قتال حاسمة للحرب الكبيرة القادمة وأولئك الذين ينظرون إليها على أنها عروض جانبية مدمرة يجب تجنبها بأي ثمن، إلى الاتفاق على شيء واحد: أساسيات حرب المدن ليست جديدة. لقد تم تدمير المدن وحفرها في الأنفاق والتنازع عليها منذ العصور القديمة. فكرت الجيوش السوفياتية والغربية على حد سواء بعمق في معركة محتملة على برلين، في حالة اشتعال الحرب الباردة. يقول الكولونيل كولينز: «نعرف كل الأساليب لكننا لا نعلمها وندرسها، وربما تكون هذه أكبر خيبة أمل».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».