«حروب المدن» واستراتيجيات الجيوش: «فن» لا بد من تعلمه

مدن القرن الواحد والعشرين تطوق محاصريها

الجيوش الحديثة تستفيد من تجارب الماضي للحصول على التوجيه للمستقبل (أرشيفية - رويترز)
الجيوش الحديثة تستفيد من تجارب الماضي للحصول على التوجيه للمستقبل (أرشيفية - رويترز)
TT

«حروب المدن» واستراتيجيات الجيوش: «فن» لا بد من تعلمه

الجيوش الحديثة تستفيد من تجارب الماضي للحصول على التوجيه للمستقبل (أرشيفية - رويترز)
الجيوش الحديثة تستفيد من تجارب الماضي للحصول على التوجيه للمستقبل (أرشيفية - رويترز)

قال وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا، في أبريل (نيسان) الماضي، إن «المدينة لم تعد موجودة». بحلول ذلك الوقت، كانت ماريوبول، الواقعة على بحر آزوف، تحت الحصار الروسي لمدة سبعة أسابيع وتقصف بالصواريخ. سقطت المدينة في الشهر التالي. قال رئيس بلدية المدينة إنه تم تدمير 1300 مبنى شاهق الارتفاع وأشارت صور الأقمار الصناعية إلى أن ما يقرب من نصف المناطق المبنية تضررت بشدة وتقلص عدد سكان المدينة الذي يزيد على 400000 نسمة بنسبة تزيد على 75 في المائة.
وحسب تقرير نشرته مجلة «ذي إيكونوميست»، تحمل تجربة ماريوبول القاتمة دروساً مفيدة للجيوش في جميع أنحاء العالم. كتب ديفيد بيتز من كينغز كوليدج لندن واللفتنانت كولونيل هوغو ستانفورد - توك في دورية تكساس للأمن القومي (مجلة عسكرية وأمنية): «على مدار التاريخ تقريباً، كان الجنرالات يكرهون احتمال القتال في المدن وسعوا إلى تجنبه». ولكن سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن الجيوش الحديثة تضطر بشكل متزايد إلى القيام بذلك. يستفيدون من تجارب الماضي للحصول على التوجيه، ويفكرون في أفضل طريقة لخوض حرب المدن باستخدام الأسلحة الحديثة.
في يوليو (تموز)، أعلن رئيس الأركان العامة البريطاني أن الجيش البريطاني، الذي قضى العقدين الماضيين في محاربة المتمردين ذوي القدرات التكنولوجية المتواضعة في الغالب، سيكون في المستقبل «رائداً في حرب المدن». في خطاب ألقاه أمام الأكاديمية العسكرية الأميركية في مايو (أيار)، أخبر الجنرال مارك ميلي، أرفع ضابط أميركي، الطلاب المتخرجين أنه سيتعين عليهم التأقلم مع المدن. وحذر من أن ذلك سيغير الجيوش، مع «تداعيات هائلة» على كل شيء من أنماط التمويه والأسلحة إلى تصميم المركبات والخدمات اللوجستية.
هذا الاهتمام المتزايد له أسباب عدة. بمعنى ما، الجيوش تستجيب ببساطة للتاريخ الحديث. كانت المعارك على المدن مركزية للعديد من الحروب الحديثة. كان القتال من أجل شوشا، وهي بلدة تقع في إقليم ناغورني كاراباخ المتنازع عليه، بمثابة الاشتباك الحاسم في الحرب بين أرمينيا وأذربيجان عام 2020. وكانت السيطرة على الموصل في العراق والرقة في سوريا بمثابة انتصار لتنظيم «داعش» في 2014؛ وكان طرده من تلك المدن من قبل تحالف تقوده الولايات المتحدة بعد عامين مؤشراً على سقوط الإرهابيين. في أوكرانيا، قاتلت روسيا من شارع إلى شارع ليس فقط للاستيلاء على ماريوبول، ولكن أيضاً على سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك بمنطقة دونباس. تأمل أوكرانيا في استعادة خيرسون الجنوبية.

حتى بداية القرن الحادي والعشرين، كان عدد الناس الذين يعيشون في المناطق الريفية أكثر من المناطق الحضرية. يعيش الآن أكثر من نصف سكان العالم في البلدات والمدن، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع إلى الثلثين بحلول عام 2050. وفي بعض الأماكن، لا يزال الرقم أعلى. الغزو الصيني لتايوان، في حالة حدوثه، سيتطلب من الجيش الصيني أن يشق طريقه عبر مدن وبلدات الجزيرة، حيث يعيش 80 في المائة من سكانها.
هذا الاتجاه التاريخي نفسه يعني أن المدن أصبحت أكبر. في عام 1950، تم تصنيف نيويورك وطوكيو فقط على أنهما «مدن ضخمة» - تلك التي يزيد عدد سكانها على 10 ملايين نسمة. واليوم، تقول الأمم المتحدة أن 33 بلداً تعد «مدناً ضخمة». على الرغم من خوض الحروب في المدن وحولها منذ العصور القديمة، إلا أن القليل منها تم شنه داخل مدن كبيرة ومعقدة للغاية.
وحتى مع تضخم المدن، تقلصت الجيوش. في الماضي، «اجتاحت الجيوش المدن وشكلت جبهات كبيرة حولها ومن خلالها»، كما يشير مؤلف كتاب «حرب المدن في القرن الحادي والعشرين» أنتوني كينغ. قبل ثمانين عاماً قاتل ما يقرب من نصف مليون رجل على ستالينغراد، التي كان عدد سكانها قبل الحرب نحو 400000 نسمة. ويضيف كينغ: «اليوم المدن تطوق القوات المسلحة».
تشتهر حرب المدن بالوحشية والتدمير. توفر المناطق المبنية الكثير من الأماكن للاختباء، لذلك تحدث معارك إطلاق النار فجأة وعلى مسافة قريبة. يمكن أن تكون المباني مليئة بالألغام والأشراك الخداعية. الحاجة إلى التنبه باستمرار تؤثر في أعصاب الجنود. يمثل القتال في الأدغال أو الغابات صعوبات مماثلة، لكن وجود المدنيين في المدن يجعل كل شيء أكثر صعوبة. قال ضابط أوروبي سُئل عن المكان الذي يفضل القتال فيه: «يمكنني تدمير غابة لكن لن أحصل على إذن لتدمير مدينة».

«الغابة الخرسانية»
إحدى نتائج قتال الجيوش بأعداد صغيرة في المدن الكبرى هي أنها غالباً ما تنتهي بسلسلة من «الحصار الصغير المحلي»، بحسب كينغ. يقول العقيد المتقاعد الذي قاد اللواء الأول للفرقة الأميركية المدرعة الأولى في بغداد عام 2003 بيتر منصور: «يمكن أن يستهلك مبنى واحد كتيبة كاملة (ما يصل إلى 1000 جندي) في قتال ليوم واحد».
صُممت الأسلحة المتفجرة الحديثة إلى حد كبير لمعارك الحرب الباردة في سهول أوروبا. عندما يتم استخدامها في مناطق مأهولة بالسكان، فمن المحتمل أن يكون 9 من كل 10 ضحايا على الأقل من المدنيين، كما يشير تقرير صادر عن «منظمة العمل على العنف المسلح». القنابل الروسية العشوائية دمرت ليس فقط ماريوبول وسيفيرودونتسك والعديد من البلدات الأصغر في أوكرانيا، ولكن أيضاً غروزني في الشيشان وحلب في سوريا.
حتى القنابل الذكية يمكنها إبادة مدينة. في الموصل، أصابت الضربات الجوية الأميركية المباني بدقة غير عادية، لكن الإرهابيين هربوا ببساطة إلى أماكن أخرى - ضربت بدورها. النتيجة، كما يشير الرائد في الجيش الأميركي عاموس فوكس، كانت أن القنابل تتتبع العدو ببساطة من منزل إلى منزل. قُتل أكثر من 10000 مدني في الموصل، نحو ثلثهم على يد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وسكان المدينة ليسوا دائماً متفرجين سلبيين. بدأ الرائد المتقاعد ورئيس قسم دراسات حرب المدن في منتدى «ماديسون» للسياسة، جون سبنسر، في نشر نصائح عسكرية لسكان المدن الأوكرانيين في غضون أيام من الغزو الروسي. في يونيو (حزيران)، زار كييف وتعلم كيف تم الدفاع عنها من قبل لواء أوكراني منفرد، يدعمه متطوعون مدنيون تسلموا عشرات الآلاف من بنادق «AK-47» في بداية الحرب. أصبح السكان شبكة غير رسمية من المراقبين، يكشفون مواقع الوحدات الروسية التي تتحرك في أحيائهم.
ميزة أخرى للمدن هي أنها تميل إلى التوسع تحت الأرض. يصف العالم وضابط الاحتياط في الجيش البريطاني ماركو بولمر، كيف تم استغلال المجاري والكهوف حول الموصل؛ حيث بُنيت أنفاق جديدة، بعضها كبير بما يكفي للمركبات. تم تجهيز أكثرها تطوراً بالمهاجع والمستشفيات وأنظمة التهوية. تزعم القوات المسلحة الإسرائيلية أنها دمرت 100 كيلومتر من الأنفاق تحت غزة خلال الحرب مع حركة «حماس» العام الماضي. وفي ماريوبول، أبقى المدافعون الأوكرانيون في الشبكات الجوفية لأعمال الصلب في آزوفستال قوة روسية متفوقة في مأزق لعدة أشهر.
العديد من التقنيات الحديثة التي تعتمد عليها القوات الغربية ببساطة غير فعالة تحت الأرض، بما في ذلك الملاحة عبر الأقمار الصناعية والمراقبة باستخدام الطائرات من دون طيار كما يمكن أن تكون غير دقيقة على السطح أيضاً. يمكن أن تتداخل «الأخاديد الحضرية» بين المباني الشاهقة مع إشارات الراديو. التلفزيون والراديو المدني يؤثران في موجات الأثير. يقول العميد الإسرائيلي المتقاعد الذي قاد وحدات في الضفة الغربية ولبنان غال هيرش: «المشكلة الرئيسية هي أنه في مثل هذه المنطقة المزدحمة والمكتظة بالسكان والمعقدة، نرى فقط ما يمكننا رؤيته»، مضيفاً: «نحن ببساطة لا نستطيع رؤية معظم التهديدات؛ حيث يتم إخفاء قطاعات كبيرة من العدو عنا».
تفسر هذه الصعوبات جزئياً سبب ابتعاد الجيش الأميركي، حتى وقت قريب، عن التفكير في قتال المدن، كما يجادل العقيد المتقاعد والمؤلف المشارك مع الرائد سبنسر لكتاب «فهم حرب المدن» ليام كولينز. ويقول إنه «لا يتناسب مع نموذج الحرب الذي نريد خوضه. نريد خوض حرب الخليج (التي حدث الكثير منها في صحراء مفتوحة) مرة أخرى». اليوم وقد استنتجت القوات المسلحة أن القتال في المدن من المرجح أن يصبح أكثر شيوعاً، فإنهم يتساءلون كيف يمكن تحويل بعض ميزاته لصالحهم.

كان الجيش البريطاني يحلل كيف ستبدو المعارك الأولى للحرب الأوروبية بين حلف شمال الأطلسي (ناتو) وروسيا وكيف يمكن كسبها. وصف المسؤول الرئيسي عن هذه الفكرة اللواء جيمس باودر فرضيات عمل الجيش في مؤتمر بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز فكري في لندن، في يونيو. وقال إن الجيوش سوف تكافح للمناورة فوق الأرض المفتوحة لأن أجهزة الاستشعار «متعددة الأطياف» - الأقمار الصناعية التي يمكنها الرؤية من خلال السحب، أو الطائرات من دون طيار التي ترى في الأشعة تحت الحمراء - تصبح أكثر شيوعاً، وتصبح القوة النارية التي توجهها أكثر فتكاً.
قال باودر إن التنقل بين البلدات والمدن سيترتب عليه «خطر غير مسبوق». وأشار إلى أن المناطق الحضرية ستصبح «الجائزة الرئيسية»، ليس فقط لقيمتها السياسية والاقتصادية، ولكن لاعتبارها ملاذاً من قدرة العدو على إيجاد وحدات وضربها. المعنى الضمني هو أن أماكن مثل تالين وريغا وفيلنيوس، على الرغم من أنها مدن صغيرة نسبياً، ستصبح قلاعاً توفر المأوى لجيوش «الناتو» أثناء مداهمتها لخطوط الإمداد الروسية والاستعداد لهجمات مضادة.
إلى جانب المناقشات رفيعة المستوى حول الاستراتيجية، تفكر الجيوش أيضاً في التكتيكات. أحد الخيارات هو التعلم من أولئك الذين لديهم خبرة أكبر في القتال في المناطق الحضرية. إيال وايزمان، مهندس معماري بريطاني إسرائيلي، وصف كيف استخدم الجنود الإسرائيليون الذين كانوا يقاتلون في مدينة نابلس الفلسطينية عام 2002 استراتيجية «المشي عبر الجدران». يتضمن ذلك تفجير طريق عبر المباني بدلاً من استخدام الأبواب والطرق، وهي تقنية لاحظها لأول مرة منظرو الجيش الفرنسي الذين كتبوا عن معارك القرن التاسع عشر حول باريس.

دروس الماضي
الجيوش الغربية تكثف تدريباتها أيضاً. وشهد أحد التدريبات التي أجريت مؤخراً في ليدز، شمال إنجلترا، وجود 21 جندياً من الكتيبة البريطانية الهندسية يتنقلون في الأنفاق الحضرية في ظروف شديدة الحرارة مصحوبة بإضاءة منخفضة. يقول الرقيب ديل موتلي، الذي شارك في التمرين، إن آخر مرة أجرى فيها مهندسون عسكريون بريطانيون هذا النوع من الحركة على نطاق واسع كانت في الحرب الكورية.
قدمت التدريبات سلسلة من الدروس. جعل الظلام الدامس نظارات الرؤية الليلية غير مجدية، لأنها تعتمد على تضخيم الضوء المحيط الخافت الموجود فوق سطح الأرض حتى في الليل. يمكن أن تطلق المياه الراكدة المربكة غازات سامة في الهواء، ويمكن للجنود استخدام كل الأكسجين المتاح بسرعة. كما أنه أكثر برودة بمقدار عشر درجات مئوية.
غالباً ما تكون الطرق القديمة هي الأفضل. يقول الرقيب موتلي إن معدات التعدين الموجودة في الخدمة منذ الستينات، التي تم نقلها إلى الجيش من فرقة الإطفاء، كانت أكثر فائدة من بعض المعدات الأحدث. لكن بعض الطرق القديمة أصبحت اليوم محظورة مثل استخدام أميركا الغاز المسيل للدموع في فيتنام لتدمير الأنفاق أو نشر مجموعة متنوعة من العوامل الكيميائية كما فعل الاتحاد السوفياتي في أفغانستان.
حللت دراسة أجراها كريستوفر لورانس من معهد «دوبوي»، الذي يجمع بيانات تاريخية عن الحرب، العمليات الحضرية قرب نهاية الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك ثلاث معارك حول مدينة خاركيف، وهي مدينة أوكرانية تعرضت للضرب في الصراع الحالي. وجدت أن المدن أبطأت الجيوش: معدلات التقدم كانت من ثلث إلى نصف ما كانت عليه في القتال غير الحضري.
لكن المدن لم تكن بالضرورة أكثر فتكاً من ساحات القتال الأخرى. لم تكن خسائر المهاجم في العمليات الحضرية أعلى منها في العمليات غير الحضرية، وكانت الخسائر في المركبات هي نفسها أو أقل. في المعارك الحضرية الأحدث - تلك الخاصة بالفلوجة في العراق في عام 2004 أو مراوي في الفلبين في عام 2017 - كانت خسائر المهاجمين منخفضة وأقل من خسائر المدافعين.
ولا يبدو أن هذا النوع من القتال يشكل صدمة (على الأقل لمن يحملون أسلحة). خلص تقرير صادر عن مؤسسة «راند»، وهي مؤسسة فكرية أميركية، إلى أن معدلات الإجهاد القتالي - ما كان يُطلق عليه ذات مرة صدمة القذيفة - لم تكن أعلى من المعتاد في معارك بريست في بريتاني عام 1944، ومانيلا في الفلبين عام 1945 أو هيو في فيتنام عام 1968 (على الرغم من أن معظم المدنيين غادروا، بحكمة، قبل بدء القتال). يشير التقرير إلى أن كثافة القتال في المناطق الحضرية أعطت الجنود إحساساً أكبر بالمبادرة والسيطرة والهدف من أولئك الذين يقاتلون في أرض مفتوحة. حسب الروايات المتناقلة، تقول القوات الأوكرانية التي تواجه نيران قذائف بعيدة ولا هوادة فيها في دونباس إن عدم القدرة على رؤية العدو محبط.
إذا لم تكن حرب المدن بالضرورة أكثر دموية، فهل هي على الأقل أكثر شدة؟ الحكمة العسكرية التقليدية هي أن الجيوش في الهجوم يجب أن تفوق عدد خصومها بثلاثة إلى واحد لتجاوز موقع الدفاع. يشير دليل نشره الجيش الأميركي ومشاة البحرية في يوليو إلى أنه في المناطق الحضرية، يمكن أن يرتفع هذا إلى 15: 1.
من الناحية النظرية، يجب أن تعني هذه النسب أن القوات الأصغر لديها فرصة أفضل لصد العديد من المهاجمين - كما تمكن الأوكرانيون من القيام بذلك في كييف. لكنها لا تعمل دائماً بهذه الطريقة. يواجه المدافعون عن المدن معضلات خاصة بهم. قد تدافع كتيبة واحدة عن حفنة من المباني، لكن كل وحدة ستكافح لرؤية ما وراء محيطها، وتقديم الدعم للآخرين أو تجديد الإمدادات وإجلاء الضحايا. وبالتالي يمكن حصر أعداد كبيرة من المدافعين في عدد صغير من الأماكن الثابتة.
يقول ستيوارت لايل، الخبير في مختبر العلوم والتكنولوجيا الدفاعية البريطاني: «في معظم المعارك الحضرية التي درسناها، يفوز المهاجم».
في كل هذه الحالات، التقدم السريع والقوي والمتعدد الجوانب يمكن أن يشل عملية صنع القرار لدى العدو. تعد حرب الأسلحة المشتركة، حيث تعمل المشاة والدروع والمدفعية والطائرات معاً بشكل وثيق، أمراً حيوياً.
غالباً ما تكون الدبابات، التي يُعتقد في كثير من الأحيان أنها غير مناسبة لشوارع المدينة الضيقة ضرورية. يتذكر العقيد منصور أنه في القتال بمدينة الصدر في بغداد، دمر مسلحون شيعة ست عربات مدرعة خفيفة الوزن من طراز «سترايكر» بقذائف صاروخية في غضون أسبوع. أُجبر القادة العسكريون الأميركيون على إرسال دبابات «أبرامز» أكبر بكثير «مما وفّر العدد الزائد الذي احتاجت إليه القوات الأميركية للبقاء في المنطقة».

في النهاية، يميل أولئك الذين يرون المدن أنها ساحات قتال حاسمة للحرب الكبيرة القادمة وأولئك الذين ينظرون إليها على أنها عروض جانبية مدمرة يجب تجنبها بأي ثمن، إلى الاتفاق على شيء واحد: أساسيات حرب المدن ليست جديدة. لقد تم تدمير المدن وحفرها في الأنفاق والتنازع عليها منذ العصور القديمة. فكرت الجيوش السوفياتية والغربية على حد سواء بعمق في معركة محتملة على برلين، في حالة اشتعال الحرب الباردة. يقول الكولونيل كولينز: «نعرف كل الأساليب لكننا لا نعلمها وندرسها، وربما تكون هذه أكبر خيبة أمل».



تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
TT

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، اليوم (الجمعة)، أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً على مقربة منها.

وأضافت السفينة أنها لا تزال في حالة تأهب قصوى وأن القوارب غادرت الموقع.

وأفاد ربان السفينة بأن الطاقم بخير، وأنها تواصل رحلتها إلى ميناء التوقف التالي.

وتشن جماعة الحوثي في اليمن هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر تقول إنها مرتبطة بإسرائيل، وذلك منذ اندلاع الحرب في غزة بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل. وقالت الجماعة إن هجماتها للتضامن مع الفلسطينيين.


بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بعض المقترحات في خطة أميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، غير مقبولة للكرملين، مشيراً في تصريحات نُشرت اليوم (الخميس) إلى أن الطريق لا يزال طويلاً أمام أي اتفاق، لكنه شدد على ضرورة «التعاون» مع واشنطن لإنجاح مساعيها بدلاً من «عرقلتها».

وقال بوتين في التصريحات: «هذه مهمّة معقّدة وصعبة أخذها الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب على عاتقه».

وأضاف أن «تحقيق توافق بين أطراف متنافسة ليس بالمهمة بالسهلة، لكن الرئيس ترمب يحاول حقاً، باعتقادي، القيام بذلك»، متابعاً: «أعتقد أن علينا التعاون مع هذه المساعي بدلاً من عرقلتها».

وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أقوى دفعة دبلوماسية لوقف القتال منذ شنت روسيا الغزو الشامل على جارتها قبل نحو أربع سنوات. ولكن الجهود اصطدمت مجدداً بمطالب يصعب تنفيذها، خاصة بشأن ما إذا كان يجب على أوكرانيا التخلي عن الأراضي لروسيا، وكيف يمكن أن تبقى أوكرانيا في مأمن من أي عدوان مستقبلي من جانب موسكو.

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي في الوقت الذي يلتقي فيه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جاريد كوشنر، بكبير المفاوضين الأوكرانيين رستم أوميروف، اليوم، في ميامي لإجراء مزيد من المحادثات، بحسب مسؤول أميركي بارز اشترط عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل له التعليق علانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيات روسية سياسية واقتصادية يحضرون محادثات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قصر مجلس الشيوخ بالكرملين في موسكو بروسيا يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

محادثات «ضرورية»

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن محادثاته التي استمرت خمس ساعات، الثلاثاء، في الكرملين مع ويتكوف وكوشنر كانت «ضرورية» و«مفيدة»، ولكنها كانت أيضاً «عملاً صعباً» في ظل بعض المقترحات التي لم يقبلها الكرملين، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وتحدث بوتين لقناة «إنديا توداي تي في» قبل زيارته لنيودلهي، اليوم. وبينما لم تُبث المقابلة بأكملها بعد، اقتبست وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان «تاس» و«ريا نوفوستي» بعض تصريحات بوتين.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول في المقابلة، إن محادثات الثلاثاء في الكرملين تحتّم على الجانبين «الاطلاع على كل نقطة» من مقترح السلام الأميركي «وهذا هو السبب في استغراق الأمر مدة طويلة للغاية».

وأضاف بوتين: «كان هذا حواراً ضرورياً وملموساً»، وكانت هناك بنود، موسكو مستعدة لمناقشتها، في حين «لا يمكننا الموافقة» على بنود أخرى.

ورفض بوتين الإسهاب بشأن ما الذي يمكن أن تقبله أو ترفضه روسيا، ولم يقدّم أي من المسؤولين الآخرين المشاركين تفاصيل عن المحادثات.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول: «أعتقد أنه من المبكر للغاية؛ لأنها يمكن أن تعرقل ببساطة نظام العمل» لجهود السلام.


القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
TT

القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، زيارة رسمية إلى الهند تستغرق يومين. وتعد واحدة من الزيارات الخارجية النادرة له منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022. ومثلما حظيت زيارته إلى الصين قبل ثلاثة أشهر، وقبلها إلى كوريا الشمالية العام الماضي، بأهمية كبرى في إطار رسم ملامح استراتيجية الكرملين في السياسة الخارجية، تُشكل الزيارة الحالية لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين، خصوصاً على خلفية الضغوط الأميركية المتزايدة على الهند لتقليص تعاونها مع موسكو.

وفي أول زيارة له إلى العاصمة الهندية منذ أربع سنوات، يرافق بوتين وزير الدفاع أندريه بيلووسوف، ووفد واسع النطاق من قطاعي الأعمال، والصناعة. ومن أبرز الوجوه المرافقة لبوتين رئيسا شركتي الطاقة «روسنفت» و«غازبروم» اللتين تخضعان لعقوبات غربية، إلى جانب مسؤولي المجمع الصناعي العسكري، ومؤسسة «روس أبورون أكسبورت» المسؤولة عن الصادرات العسكرية. بالإضافة إلى رؤساء القطاع المصرفي الروسي الذي يخضع بدوره لعقوبات غربية. وتعكس تشكيلة الوفد المرافق أولويات أجندة الطرفين، وطبيعة النقاشات التي تم التحضير لها في موسكو، ونيودلهي.

برنامج حافل

على مدار يومي القمة، سيبحث الطرفان التعاون في مجالات الدفاع، والطاقة النووية، والهيدروكربونات، والفضاء، والتكنولوجيا، والتجارة.

تُشكل زيارة بوتين لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين (أ.ف.ب)

واستبق الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف الزيارة بإشارة إلى أن بوتين سوف يناقش مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي «القضايا الدولية، والإقليمية»، مشدداً على اهتمام الكرملين بتطوير التعاون الثنائي، وفتح مجالات جديدة للتعاون، وأشار إلى موقف واشنطن السلبي تجاه الزيارة، وتلويحها بمضاعفة التعريفات الجمركية في حال استمرت نيودلهي في تعزيز تعاونها مع موسكو، وخصوصاً في مجال الطاقة، موضحاً أنه «لا ينبغي أن تخضع العلاقات التجارية بين موسكو ونيودلهي لتأثير دول ثالثة»، وأعرب عن قناعته بأن «مسألة التعريفات الجمركية الأميركية تظل قضية ثنائية بين الولايات المتحدة والهند». ووصف بيسكوف الإجراءات المفروضة على قطاع النفط الروسي بأنها غير قانونية، مؤكداً أن روسيا تبذل كافة الجهود الممكنة لضمان استمرار تجارة الطاقة، وتدفقها دون انقطاع رغم التحديات. وأشار إلى أن الزيارة ستشهد توقيع حزمة مهمة من الوثائق الثنائية، دون الإفصاح عن تفاصيل محددة.

تعزيز التعاون في مجال الطاقة

قبل زيارة بوتين، أجرى مسؤولون من الجانبين محادثات في مجالات واسعة من الدفاع، إلى الشحن، والزراعة، وفي أغسطس (آب) الماضي، اتفق الطرفان على بدء محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بقيادة روسيا.

وكرست هذه الخطوات مسار تعزيز العلاقة رغم بروز بعض المخاوف لدى مسؤولين في الهند أعربوا عن قلق من أن أي صفقات طاقة ودفاع جديدة مع روسيا قد تُثير رد فعل من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ضاعف الرسوم الجمركية إلى 50 في المائة في أغسطس على السلع الهندية، عقاباً على مشتريات نيودلهي من النفط الخام الروسي.

بوتين يتحدّث خلال مؤتمر في موسكو يوم 3 ديسمبر (رويترز)

ويُشكّل ملف تعزيز التعاون في مجال الطاقة إحدى أولويات الكرملين، الذي أكد أن الهند سوف تواصل الحصول على معاملة تفضيلية.

زادت واردات النفط الروسية على مدار سنوات اتفاقية التجارة الحرة بنسبة 600 في المائة، مما جعل الهند المشتري الرئيس لصادرات النفط الروسية (38 في المائة). كما تشتري الهند الأسمدة، والزيوت النباتية، والفحم، والمعادن.

تُنقل هذه الشحنات عبر الممر البحري الشرقي الذي افتُتح مؤخراً بين فلاديفوستوك وميناء تشيناي الهندي، وهو طريق بطول 10300 كيلومتر يربط بين موانٍ استراتيجية في المحيطين الهادئ والهندي. كما يعمل ممر النقل بين الشمال والجنوب فإن هذا الممر يتيح الاستقلال عن اللوجستيات الغربية، والتسويات بالعملات الوطنية تجاوزاً للعقوبات الغربية بنسبة تصل إلى 90 في المائة. وأكد الطرفان مجدداً هدفهما المتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 (من 67 مليار دولار حالياً). وتطلب الهند دعماً لصادراتها إلى روسيا، لا سيما في مجالات الأدوية، والهندسة، والمنتجات الزراعية، ولتوفير فرص عمل للعمال الهنود المهاجرين، ويأتي ذلك تقديراً لإنجازات الهند في الالتفاف على العقوبات الغربية، خصوصاً في مجال تجارة النفط.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضران اجتماعاً على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند - أوزبكستان يوم 16 سبتمبر 2022 (رويترز)

في المقابل، تسعى موسكو إلى الحصول على مساعدة الهند للحصول على قطع غيار، ومعدات تقنية لأصولها النفطية، حيث عرقلت العقوبات الوصول إلى الموردين الرئيسين.

ووفقاً لمصدر حكومي في الهند، فإن نيودلهي تسعى على الأرجح إلى استعادة حصة 20 في المائة لشركة التنقيب عن الغاز الحكومية في مشروع «سخالين-1» في أقصى شرق روسيا.

وتسعى موسكو أيضاً إلى تطوير تعاملها في القطاع المالي والمصرفي مع الهند، وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، بأنه ستتم خلال الزيارة مناقشة إمكانية إطلاق نظام الدفع الروسي «مير» في الهند، والذي من شأنه أن يُسهم في زيادة السياحة الروسية. ووفقاً له، فقد طُرحت هذه المسألة سابقاً خلال اجتماع بوتين مع وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار. وستُناقش الآن على أعلى مستوى في نيودلهي.

الصفقات العسكرية

ورغم الضغوط الأميركية، لا تخطط الهند لتجميد علاقاتها الدفاعية مع موسكو، لأنها تحتاج إلى دعم مستمر للعديد من الأنظمة الروسية التي تشغّلها.

وقال مسؤولان هنديان مطلعان على الأمر لـ«رويترز» إن طائرات «سوخوي-30» الروسية تشكل غالبية أسراب المقاتلات الهندية البالغ عددها 29 سرباً، وعرضت موسكو مقاتلتها الأكثر تطوراً «سوخوي-57» والتي من المرجح أن تكون جزءاً من المحادثات.

بوتين يلتقي المتطوعين المشاركين في جائزة #WeAreTogether الدولية في مركز التجارة العالمي في موسكو يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ولم تتخذ الهند قراراً بعد بشأن النسخة المحدثة من «سوخوي»، لكن الكرملين أعلن أن هذا الموضوع سيكون مطروحاً للنقاش. ومن المرجح أن تناقش نيودلهي شراء المزيد من وحدات نظام الدفاع الجوي «إس-400» وفق تصريحات لوزير الدفاع الهندي راجيش كومار سينغ، الأسبوع الماضي. وتمتلك الهند الآن ثلاث وحدات، مع انتظار تسليم وحدتين إضافيتين بموجب صفقة عام 2018.

لكن الحديث عن تعاون دفاعي لا يقتصر على بيع الأسلحة، والمعدات، إذ قطعت موسكو ونيودلهي شوطاً مهماً لتوطين صناعات دفاعية في الهند لتصبح أبرز شريك عسكري لروسيا. وأفاد ديمتري شوغاييف مدير الهيئة الروسية للتعاون العسكري التقني بأن القمة الحالية سوف تبحث مشاريع عسكرية تقنية جديدة، وتوسيع العقود القائمة بين البلدين.

وتشير مصادر إلى أنه يمكن توطين إنتاج ما يقرب من نصف نظام «إس-400» في إطار سياسة نقل التكنولوجيا التي توليها الهند أولوية قصوى. وفي حال تم الاتفاق على شراء طائرات «سوخوي-57» المقاتلة، فسينتقل طيارو القوات الجوية الهندية بسهولة إلى الطائرات الروسية من الجيل الجديد، مع تأكيد أن شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة المملوكة للدولة قادرة على صيانة الترسانة الروسية.

وأفادت تقارير بأن اتفاقيات قيد التطوير -أو وُقِّعت بالفعل- لإنتاج مشترك لنظام الدفاع الجوي «بانتسير»، واحتمال شراء الهند لنظام رادار الإنذار المبكر «فورونيج»، الذي يتجاوز مداه 6000 كيلومتر.

وأكد شوغاييف أن العلاقات العسكرية التقنية بين روسيا والهند تشهد تطوراً ملحوظاً رغم التحديات الدولية الراهنة، مشيراً إلى أنه لم يغلق أي مشروع عسكري تقني خلال عام 2025.

بوتين خلال تقديمه جائزة #WeAreTogether الدولية في موسكو، يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووفقاً للمسؤول الروسي ينتظر أن ينصب الاهتمام بشكل أساسي على الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والتعاون في تقنيات الطائرات المسيرة، والمساعدة في بناء سفن جديدة في أحواض بناء السفن الهندية. وأضاف: «تبدو آفاق الصادرات العسكرية إلى الهند في عام 2026 إيجابية للغاية، وأعتقد أن حجمها في العام المقبل سيتجاوز مستوى عام 2025»، مؤكداً أنه تم حل المشكلات المتعلقة بالجوانب اللوجستية، وتوريد المكونات للمشاريع المشتركة، بما في ذلك صيانة المعدات الموردة سابقاً.

وأشار شوغاييف إلى أن روسيا تسعى إلى تعاون عسكري تقني واسع النطاق مع الهند في مجال التقنيات الجديدة، حيث تتزايد حصة المشاريع المشتركة، والتقنيات التكنولوجية المتقدمة عاماً بعد عام.

وتنفذ روسيا والهند حالياً عشرات المشاريع العسكرية التقنية واسعة النطاق، ومن أهمها إنتاج الهند المرخص لطائرات «سوخوي-30»، ومحركات الطائرات، ودبابات «تي-90 إس»، والتعاون في إطار مشروع «براهموس» المشترك للصواريخ، وتحديث المعدات العسكرية التي سبق توريدها، والعمل المشترك في مجال تكنولوجيا الدفاع.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» في كازان شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وأشارت مصادر إلى أن الطرفين يُعدّان «بيانات مهمة» ستحدد التوجهات الرئيسة للمرحلة المقبلة من شراكتهما. ومن المتوقع أن تُمهّد الاتفاقيات الجديدة للتعاون العسكري الصناعي الطريق لمرحلة جديدة من التعاون الدفاعي بين البلدين، ما يتيح للهند الوصول إلى أحدث تقنيات التخفي، والدفاع الصاروخي. وتتوقع المصادر أن يُعزز هذا مكانة الهند في المنطقة الآسيوية.

من المتوقع توقيع عقود عسكرية لتوريد وإنتاج أنظمة دفاع جوي من الجيل الجديد، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي إس-500. وقد لاقى نظام إس-400 الروسي استحساناً من الجيش الهندي خلال عملية سيندور، حيث أُشير إلى سرعة نشره في أقل من خمس دقائق لتكون ميزة كبيرة. ويُعتبر دمج نظام إس-400 في نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات الهندي على طول الحدود مع الصين وباكستان تعزيزاً أمنياً.

توازن بين الهند والصين

وتواجه موسكو -التي طورت علاقاتها مع الصين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وغدت بكين حليفاً رئيساً لها- تحدياً جدياً في إقامة توازن دقيق في العلاقة مع البلدين الخصمين.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وأكد الكرملين أن موسكو تنطلق من أهمية المحافظة على علاقات مع «الشركاء التقليديين»، مشيراً إلى «تقدير خاص لاستعداد نيودلهي للمساهمة في البحث عن تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا».

وفي إشارة مهمة، قال الناطق الرئاسي الروسي: «نحن مستعدون لتطوير علاقاتنا مع الهند في جميع المجالات الممكنة، إلى الحد الذي تكون فيه الهند مستعدة لذلك»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن روسيا «تواصل تطوير علاقاتها مع الهند، والصين».

وتابع: «نحن نحترم العلاقات الثنائية بين الهند والصين، وليس لدينا شك في أن أقدم دولتين، الدولتين الأكثر حكمة في هذا العالم، ستكونان حكيمتين بما يكفي لتسوية جميع المشكلات من أجل الحفاظ على الاستقرار العالمي».

تحدي الضغوط الأميركية

رأت تعليقات في وسائل إعلام حكومية روسية عشية الزيارة أن نيودلهي سارت خطوات لتحدي الضغوط الأميركية المفروضة عليها بسبب علاقاتها مع موسكو. ومن ذلك، ألغت الهند مناقشات اتفاقية التجارة الهندية-الأميركية، وقالت الصحافة الروسية إن تلك الاتفاقية «تراجعت أهميتها الاستراتيجية مقارنة بالنتائج المتوقعة بعد زيارة بوتين». وزادت أن «الهند ردت عملياً على الهجوم على سيادتها».

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

كانت الحكومة الأميركية حملت نيودلهي مسؤولية تعزيز الجيش الروسي في أوكرانيا، واصفةً تصرفات الهند لاستيراد النفط الروسي بأنها «مزعزعة للاستقرار». ووصف الرئيس دونالد ترمب الهند بأنها «مغسلة للكرملين»، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المائة على الواردات الهندية إذا واصلت نيودلهي هذا المسار.

بدوره عارض الاتحاد الأوروبي مشاركة الهند في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، بحجة أن صداقة نيودلهي مع موسكو تُشكل عقبة أمام تعميق التعاون الاستراتيجي مع أوروبا.

ورأت التعليقات الروسية أن «الهجوم السافر على السيادة الهندية من قبل الغرب فقد أثره. لقد اتُخذ القرار: التعاون مع روسيا أهم للهند منه مع الغرب، كما يتضح من زيارة بوتين. وقد اكتسبت روسيا والهند خبرة واسعة في العمل معاً ضمن مجموعة (بريكس)، ومنظمة شنغهاي للتعاون».