فرنسا تؤكد عزمها على مواصلة محاربة التنظيمات الإرهابية غرب أفريقيا

مزيد من التدهور في علاقاتها بمالي... وباماكو تطلب اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن

تغيير العَلم خلال تسليم القاعدة العسكرية لقوة «بورخان» إلى الجيش المالي في 14 ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)
تغيير العَلم خلال تسليم القاعدة العسكرية لقوة «بورخان» إلى الجيش المالي في 14 ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تؤكد عزمها على مواصلة محاربة التنظيمات الإرهابية غرب أفريقيا

تغيير العَلم خلال تسليم القاعدة العسكرية لقوة «بورخان» إلى الجيش المالي في 14 ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)
تغيير العَلم خلال تسليم القاعدة العسكرية لقوة «بورخان» إلى الجيش المالي في 14 ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

لم تنته متاعب فرنسا في بلدان الساحل وتلك المطلة على خليج غينيا وفي غرب أفريقيا بشكل عام مع انسحاب آخر جندي من قوة «برخان» من مالي بعد تسع سنوات من التواجد المتواصل لمحاربة التنظيمات الإرهابية، ولتمكين السلطات المحلية من استعادة السيطرة على أراضيها وإعادة الإدارة والخدمات والأمن إليها.
والحال أن نشر ما لا يقل عن 5500 جندي بشكل أساسي في بلدان الساحل الثلاثة (مالي والنيجر وبوركينا فاسو)، وثلاثتها مستعمرات فرنسية سابقة، لم يحقق الهدف المنشود على الرغم من النجاحات التكتيكية التي حققتها القوة الفرنسية لجهة القضاء على عدد من كبار قيادات التنظيمين الجهاديين الرئيسيين، وهما «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» والدولة الإسلامية (داعش) في الصحراء الكبرى. ولا شك أن الخروج الفرنسي العسكري الذي يتسبب بفراغ حقيقي، سيشد عضد هذين التنظيمين. إذ تفيد المصادر العسكرية الفرنسية بأنهما بصدد توسيع مسرح عملياتهما وسط وشمال مالي.
ويراهن المجلس العسكري الذي يمسك بتلابيب السلطة في مالي بعد الانقلابين العسكريين اللذين حصلا في أغسطس (آب) عام 2020 ومايو (أيار) عام 2021 على تواجد ميليشيا «فاغنر» الروسية للحلول محل القوة الفرنسية المنسحبة.
بيد أن لا شيء يؤكد أن «فاغنر» التي تساند الجيش الوطني المالي قادرة على منع تمدد الجهاديين. ففي نهاية الأسبوع الماضي، خسرت الميليشيا الروسية التي يقدّر عددها بألف مقاتل، أربعة من أفرادها. ومنذ بداية أغسطس، خسر الجيش المالي 42 من أفراده في عمليات قتالية وهجمات إرهابية قامت بها مجموعة تابعة لـ«داعش» قريبة من مدينة تيسيت (وسط البلاد). وتؤكد المصادر الفرنسية، أن هذه المنطقة كانت آمنة قبل خروج القوة الفرنسية منها؛ ما يدل على سرعة تمدد التنظيمين الإرهابيين.
وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولند أرسل الفرقة الأجنبية إلى مالي بداية العام 2013 لمنع التنظيمات الجهادية وقتها من النزول من الشمال إلى العاصمة باماكو.
المفارقة، أن باريس لم تعد قادرة على التدخل في مالي، حيث لم تعد لديها قوات هناك. كما أن الحكومة المالية لن تسمح لها بالتدخل من الخارج في حال ارتأت باريس ذلك؛ نظراً لتدهور العلاقات بين العاصمتين. وفي أي حال، فإن المجلس العسكري يسعى لتعزيز علاقاته مع روسيا، ليس فقط من خلال «فاغنر»، ولكن على مستوى الدولة. إذ حصل اتصال هاتفي بداية الشهر الحالي بين رئيسه الكولونيل غايتا والرئيس الروسي. وتريد باماكو الحصول على أسلحة روسية من مختلف الأنواع، بما فيها المسيّرات والطائرات الخفيفة، ما يبين الاستدارة الحادة التي قامت بها باماكو باتجاه موسكو وابتعادها عن باريس.
ويوماً بعد يوم، تتسع الهوة التي تفصل بين فرنسا ومالي. وآخر ما تفتقت عنه الدبلوماسية المالية تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، طالبة انعقاد جلسة طارئة للنظر في «الأعمال العدوانية» التي ترتكبها فرنسا بحق مالي، ومنها انتهاك سيادته ودعم جماعات جهادية والتجسس على بلاده.
وفي رسالة صادرة يوم 15 الحالي عن وزير الخارجية عبد الله ديوب وموجهة إلى رئيس مجلس الأمن الحالي صيني الجنسية، ثبت بالاتهامات الموجهة لفرنسا وهي عديدة، منها «الانتهاكات المتكررة وكثيرة الحدوث» للمجال الجوي المالي وقيام الطائرات الفرنسية بـ«أنشطة تعدّ بمثابة عمليات تجسس» وجمع معلومات استخبارية لصالح مجموعات إرهابية وإلقاء الأسلحة والذخيرة إليها. وتصف الرسالة هذه الأعمال بأنها محاولات «ترهيب». وفي الرسالة أيضاً، أن باماكو «تحتفظ بحقها في الدفاع عن النفس» في حال تواصل الانتهاكات الفرنسية ودعوة لمجلس الأمن لأن تضع فرنسا حداً لـ«أعمالها العدوانية فوراً».
لا شك أن فرنسا ستخلص العبر من فشلها في مالي. وبداية هذا الصيف، طلب الرئيس ماكرون من قيادة الأركان مده بخطة جديدة لانتشار القوات الفرنسية في أفريقيا في الخريف المقبل من شأنها الاستجابة للرغبة الرسمية في الاستمرار بمحاربة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل، ولكن أيضاً في بلدان خليج غينيا وتلك المطلة على بحيرة تشاد وغرب أفريقيا بشكل عام. وتبين المعلومات المتوافرة من قيادة القوات الفرنسية أن لباريس قواعد عسكرية في الغابون وساحل العاج والسنغال وجيبوتي، إضافة إلى قواعد في النيجر وتشاد وبوركينا فاسو. وخلال الزيارة المثلثة التي قام بها الرئيس ماكرون إلى بينين والكاميرون وغينيا بيساو، استغل المناسبات كافة لتأكيد أن باريس ما زالت ملتزمة بمحاربة الإرهاب، وأنها تقف إلى جانب حلفائها وأصدقائها. لكن فرنسا لا تريد تكرار الأخطاء التي ارتُكبت في مالي وفي أماكن أخرى، وهي حالياً بصدد إجراء مناقشات للنظر في مطالب شركائها.
ففي منطقة الساحل، وافقت النيجر على الإبقاء على قاعدة جوية فرنسية في نيامي ونشر 250 جندياً لتوفير الدعم لعملياتها العسكرية على الحدود مع مالي. وستواصل تشاد استضافة قوة فرنسية في نجامينا، بينما يأمل الفرنسيون في الإبقاء على كتيبة من القوات الخاصة في واغادوغو ببوركينا فاسو. وفي خليج غينيا يمكن للقوات الفرنسية في ساحل العاج حيث تتعاون مع الجيش، أن تؤمّن وسائل للمراقبة في شمال البلاد بطلب من أبيدجان. أما بالنسبة لبينين وتوغو «فهناك طلب لتقديم دعم فرنسي على شكل مساندة جوية وفي الاستخبارات والتجهيزات»، بحسب الإليزيه. وما زالت غينيا تدرس احتياجاتها لتأمين حدودها مع مالي. وتكفي نظرة سريعة إلى خريطة غرب أفريقيا لفهم التحديات الأمنية. ففي دول خليج غينيا الخمس الممتدة من ساحل العاج شمالاً إلى الكاميرون جنوباً، مروراً بـغانا وبينين ونيجيريا، تعاني هذه الجدول من عمليات إرهابية على حدودها الشمالية التي تتشاك بها مع مالي وبروكينا فاسو والنجير وتشاد.
من هنا، الخطر الذي تستشعره فرنسا من «نزول» التنظيمات الجهادية من مالي والنيجر وبوركينا فاسو باتجاه الجنوب. وفي أي حال، فإن الأحداث الأمنية في أكثريتها الساحقة تقع في شمال بلدان الخليج. وتبدو بينين الأكثر هشاشة؛ إذ إنها الأكثر تعرضاً لعمليات إرهابية، في مناطقها الشمالية، لأعمال إرهابية بلغ عددها منذ نهاية العام الماضي عشرين هجوماً. ويتزامن ذلك مع دعوات موجهة للشباب للالتحاق بصفوف المجموعات الجهادية. وخلال زيارة ماكرون إلى كوتونو، عاصمة بينين، طلب منه رئيسها مساعدته على تزويد بلاده بالأسلحة، ذاكراً منها المسيّرات. وما يحصل في بينين يتكرر في توغو وغانا وساحل العاج، وكلها دول قريبة للغاية من باريس التي تريد مساعدتها ضمن إمكاناتها، ولكن ضمن «فلسفة جديدة». وبحسب الرئيس الفرنسي، فإنه يتعين على باريس أن «تعمل على نحو أفضل وأكثر فاعلية» في أفريقيا بمعنى أن تتحاشى باريس أن تكون قواتها في المقدمة مخافة استثارة شعور المواطنين وتذكيرهم بمرحلة الاستعمار، خصوصاً أن الجانب الفرنسي يستشعر دوراً لروسيا في تعبئة الرأي العام الأفريقي ضد الحضور الفرنسي. وفي أي حال، ثمة منافسة استراتيجية قد انطلقت في أفريقيا ولا تريد باريس الخسارة فيها. وليست روسيا المنافس الأوحد؛ إذ هناك أيضاً الصين وتركيا وإسرائيل كما لا يمكن تناسي التنافس الفرنسي - الأميركي في بعض بلدان القارة.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.