زيجات الإعلاميين اللبنانيين... نجومية من نوع آخر

جمعهم «القفص الذهبي» ضمن مهنة واحدة

فراس حاطوم وناسي السبع وابنتهما
فراس حاطوم وناسي السبع وابنتهما
TT

زيجات الإعلاميين اللبنانيين... نجومية من نوع آخر

فراس حاطوم وناسي السبع وابنتهما
فراس حاطوم وناسي السبع وابنتهما

«الارتباط بشريك يعمل في المهنة نفسها حمّال أوجه؛ لكن أهم ما فيه هو مساحة الاهتمام المشترك بين الزوجين، وهذا الأمر يجعل مجال الحوار مفتوحاً بشكل دائم ومفيداً للطرفين؛ خصوصاً إذا كان بينهما نوع من الصداقة المثمرة إلى جانب مشاعر الحب والاحترام. ولعل الأفضل للزوجين اللذين يتشاركان المهنة نفسها ألا يعملا في المؤسسة نفسها، وهذا هو حالي ورابعة. نعمل في المجال نفسه؛ لكن لكل منا مؤسسته وعالمه وطبيعة برامجه المختلفة عن الآخر. نتشارك هموم المهنة وشؤونها وشجونها؛ لكن لكل منا خصوصيته وخصوصية المؤسسة التي يعمل فيها أو معها. العمل في مهنة مشتركة جميل وإيجابي، أما العمل في مؤسسة مشتركة فقد يكون مربكاً للطرفين؛ بحيث إن أي أمر يحدث داخل المؤسسة مع أحدهما ينعكس على الآخر». هكذا يختصر الإعلامي اللبناني زاهي وهبي في حديث لـ«الشرق الأوسط» تجربته مع الزواج من زميلته الإعلامية رابعة الزيات.


جورج ودوللي غانم

فظاهرة الشراكة ودخول «القفص الذهبي» بين نجوم الإعلام في لبنان رائجة منذ زمن طويل. وإذا ما حاولنا تعداد «ثنائياتها» المشهورة فلا بد أن نتذكر مذيعة الأخبار في «تلفزيون لبنان» شارلوت وازن الخوري، وزوجها الراحل إبراهيم الخوري الذي شغل إدارة إذاعة «صوت لبنان» و«تلفزيون لبنان» لفترات طويلة. كذلك يذكر كثيرون زيجات كميل منسى ومي (عبد الساتر) منسى، اللذين شكلا ثنائياً بارزاً قبل وقوع الطلاق بينهما. ومن الأسماء التي حُفرت في ذهن اللبنانيين أيضاً كثنائي إعلامي متزوج، سعاد قاروط وأحمد العشي اللذان عاشا زمالة طويلة في «تلفزيون لبنان» تحوّلت إلى قصة حب انتهت بالزواج. ولعل من الأشهر أيضاً كريستيان أوسي ونعمت عازوري، وجورج ودوللي (صبّاغ) غانم، مذيعا الأخبار في تلفزيون «إل بي سي» سابقاً. وتطول لائحة الشركاء الحديثين في هذا المضمار، أمثال يمنى وسعيد الغريب، ورابعة الزيات وزاهي وهبي، ونانسي السبع وفراس حاطوم، ورياض قبيسي وجوزفين ديب، وأيمن القيسوني ونسرين زريق، وغيرهم كثر.
وكل هؤلاء نماذج معروفة في المؤسسة الزوجية، جمعتهم المهنة في مؤسسات إعلامية واحدة. فكان اللقاء ومن ثم النظرة فالسلام والكلام، ومن بعدها الزواج.

نجومية من نوع آخر
عادة ما تشغل أخبار المشاهير الناس على مختلف أطيافهم. والأمر يتضاعف عندما يصلهم خبر ارتباط نجم بآخر. فيذيع الخبر وتبقى أصداؤه حاضرة لفترة في أحاديث الصالونات والجلسات الضيقة والواسعة. ولعل اهتمام هؤلاء المشاهير بنشر هذا الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعلى صفحات «إنستغرام» و«فيسبوك» مع تفاصيل حفل العرس بالصوت والصورة، يدفع بالناس أكثر فأكثر إلى ملاحقتهم وتتبع أخبارهم.
ويعلق الإعلامي فراس حاطوم المرتبط بزميلته المذيعة التلفزيونية نانسي السبع: «قد نكون عشنا هذه النجومية، نانسي وأنا في البداية؛ لكننا في الواقع لا نهتم كثيراً بهذا الموضوع. ولا نحاول استثماره لزيادة شهرتنا، إلا أن طبيعة عملنا تحت الضوء تسهم من دون شك في هذا الأمر».


رابعة الزيات وزاهي وهبي

بين البيت والعمل
يلفت الحوار مع الإعلاميين المرتبطين بزملاء المهنة إلى «التفاهم» الذي يسود علاقتهم الزوجية. وهنا يقول زاهي وهبي: «برأيي، أهم ما في المهنة المشتركة بين الزوجين هو ما يتبادلانه من خبرات وحوارات وتجارب، فضلاً عن كونهما يفهم بعضهما بعضاً أكثر، انطلاقاً من فهمهما للمهنة ومستلزماتها ومتطلباتها، بحيث لا يقف أحدهما عقبة في وجه الآخر وتطوره المهني؛ بل يغدو داعماً ومشجعاً على التقدم والنجاح». ويتابع: «أنا شخصياً أشهد على الجهد الذي تبذله رابعة مهنياً، وعلى الوقت الذي تمضيه في سبيل مهنتها وبرامجها وسعيها الدائم للتقدم والنجاح، وهذا أمر يسعدني ويحفّزني بطبيعة الحال».
الإعلاميان دوللي وجورج غانم، المتزوجان منذ عام 1987، تسود علاقتهما الزوجية «السلاسة والتفاهم» كما تقول دوللي، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط». ثم تضيف: «عندما يعمل زوجان في المهنة نفسها، فإنهما يكونان على علم مسبق بطبيعة المشكلات والمصاعب التي يمكن أن تواجههما. لذلك يكون همهما واحداً حتى خلال البحث عن حل له. جورج وأنا عرفنا كيف نفصل علاقتنا الزوجية عن علاقتنا العملية. فهو كان مديري في (المؤسسة اللبنانية للإرسال)؛ لكننه لم يفرّق يوماً بطريقته في التعاطي بيني وبين زملائي. وأنا كنت أتفهَّم هذا الأمر؛ لأن المصداقية في العمل من أساس مبادئنا». وتتابع دوللي غانم: «كنا ولا نزال شركاء في العمل وفي المنزل، أساعده ويساعدني، أتقبل ملاحظاته، والعكس صحيح. حتى عندما حصل الخلاف مع (المؤسسة اللبنانية للإرسال)؛ حيث كنا نعمل معاً، غادرتها أنا قبله، وهو لم يتدخل، حتى أنه لم يتخذ موقفاً سلبياً تجاه المؤسسة. فكل واحد منا كان يتخذ قراره بحرية ومن دون ممارسة أي ضغط من طرف على الآخر».

الإيجابيات تفوق السلبيات
عادة ما يظن البعض أن وجود الزوجين بشكل دائم في المكان نفسه هو أمر يبعث على القلق أو الملل، وخصوصاً أن الروتين بمرور الوقت يقتل الحب. هذا هو رأي الإعلاميين أيضاً؛ غير أنهم يجدون في الشراكة هذه إيجابيات كثيرة تفوق السلبيات التي قد تشوب زيجات أشخاص آخرين. وهنا يعلق حاطوم الذي يعمل في مجال الصحافة التوثيقية والاستقصائية، بينما تعمل زوجته في تقديم البرامج الحوارية السياسية، فيقول: «مرات كثيرة أتحمس للوصول إلى المنزل والالتقاء بنانسي، كي أخبرها عن قرار أو مشكلة عليَّ البت فيهما. هذه الشراكة بيننا تقوينا، وخصوصاً أنها الوحيدة التي تستطيع أن تتفهم المشكلة وتفرعاتها تماماً مثلي... لكوننا نعيش في بيئة مهنية واحدة. ثم إن هناك مسافات دائمة تفصل بيننا في العمل؛ لأننا نعمل في مجالين مختلفين، رغم وجودنا في المؤسسة ذاتها».
وما يقوله فراس يطبَّق أيضاً على الصحافية فاتن قبيسي، زوجة الإعلامي عماد مرمل التي تقول لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد: «الإيجابيات كثيرة في زواج من هذا النوع. وهو ما يوثق علاقة الشريكين ويجعلها متلاحمة بشكل أفضل». وتتابع: «هذه الشراكة تحضر دائماً وأبداً بيننا... عندما نكتب يستشير بعضنا بعضاً. وكذلك الأمر عندما ننوي عنونة مقالة ما».

تنافس المهنة
التنافس في أي مهنة حق مشروع وطبيعي، ولكن بين زوجين يعملان في المهنة ذاتها -وفي الإعلام بالتحديد– أيٌّ من الزوجين يحظى بالنجومية أكثر؟ ومَن يتنازل عنها لصالح الآخر؟ ولماذا؟
رابعة الزيات، زوجة زاهي وهبي، واحدة من المعجبات بعمله وبقصائده الشعرية حتى قبل ارتباطها به، وخلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» قالت: «أنا أعتبر نفسي متزوجة من شاعر؛ لأن نمط الحياة الذي يتبعه يسوده الهدوء بعيداً عن الصخب المرافق لمن تدور مهنته تحت الضوء». وأردفت: «لم يقف زاهي يوماً حجر عثرة في طريقي أو حاول عرقلتي، فأنا شخص طموح جداً، نشيطة كالنحلة، وزاهي تركني ألحق بأحلامي ودعمني لتحقيقها. في المقابل لا بد من أن نخسر فرصاً كثيرة مرات، من باب التنازل والتضحية، ولاستدراك موقف قد يؤذي الآخر... لكن في علاقتنا لا قمع ولا غيرة ولا عدم ثقة؛ بل نسبة احترام مرتفعة، وهي التي توقد الحب وتغذيه برأيي».
ومن جهتها، تؤكد دوللي غانم أن إغراءات المهنة كثيرة، وأن من مصاعب حياة زوجين إعلاميين هي المسؤوليات، وما ينتج عنها من تضحيات. وتوضح: «مهنتنا فيها مخاطر وإغراءات وتضحيات كثيرة، ومن هذا المنطلق يحاول الرجل الإعلامي إبعاد زوجته الإعلامية عنها كي يحميها. وبالنسبة لجورج زوجي فإن العائلة عنده فوق كل اعتبار، وأنا أوافقه الرأي. ولذلك كان عليَّ مرَّات أن أضحي بموقع أهم أشغله أو يُسهم في تقدّمي كإعلامية من باب قناعتي هذه. هذا الأمر انعكس إيجاباً على جورج، فكنا متفاهمين عليه منذ البداية... ولقد كان عندنا الوعي الكافي للتعامل مع موضوع النجومية منذ بداية ارتباطنا. وبالتالي، كنا محصنين سلفاً ضد وهجها وضد التكبر والشعور بالغيرة من نجاح الآخر».

عن خيبات أمل
أخيراً، لا تخلو زيجات الإعلاميين من خيبات الأمل التي يمكن أن يعيشوها كغيرهم. فأحياناً تحملها لهم الحياة من دون سابق إنذار. ومرات يتوقعونها بفضل عملهما في المؤسسة نفسها. فما طبيعة خيبات الأمل في حياة الزوجين الإعلاميين؟ تردُّ رابعة: «لا شك في أن هناك خيبات عشناها بسبب المهنة، ولا سيما في أيامنا الحالية. وهي تتعلق بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي والتلفزيوني الذي وصلنا له اليوم. فهذا الأخير بات في تراجع مستمر بفضل زمن وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات وغيرها. وهناك خيبات نعيشها ونتشارك فيها مع زملاء آخرين خاصة بالمهنة وبالمستوى الذي وصلته اليوم؛ لكننا نحاول تجاوز هذه الخيبات». أما دوللي فتقول: «الخيبات كثيرة، ومرات أحدّث نفسي فأقول: كان من الأجدى بنا ألا نعمل في المؤسسة نفسها. فنشعر جورج وأنا وكأننا لم نحمِ أنفسنا على المستوى المطلوب من غدرات الحياة. ولكن –إجمالاً- تجربتنا سلسة، لا صعوبات تُذكر فيها». وتدلي نانسي بدلوها قائلة: «لا يمكنني تسميتها خيبات أمل بقدر ما هي صعوبات نجتازها متكاتفين. حياتنا فيها كثير من الإثارة؛ لأننا على تماس مباشر مع ما يحصل على الأرض. وبالتالي فإننا نسجِّل غياباً ملحوظاً عن منزلنا وعن ابنتي سما... وهمنا الأوحد هو تنظيم هذا الغياب عنها كي لا تتأثر به سلباً».


مقالات ذات صلة

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نازحون في أثناء عودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024... الصورة في أبلح شرقي لبنان (أ.ب)

«انتصار للبيت الأبيض»... صحف تحلل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

رأى موقع «بوليتيكو» أن اتفاق وقف إطلاق النار «انتصار كبير للبيت الأبيض»، وقالت «نيويورك تايمز» إن بايدن يريد تذكّره بأنه وضع الشرق الأوسط على طريق تسوية دائمة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».