لويس فان غال... «الأب الحقيقي» لكرة القدم

من المرجح أن يؤدي فيلم مؤثر عن حياته إلى زيادة الإعجاب بمسيرته

فان غال خلال إحدى الحصص التدريبية لهولندا (حساب المنتخب الهولندي على تويتر)
فان غال خلال إحدى الحصص التدريبية لهولندا (حساب المنتخب الهولندي على تويتر)
TT

لويس فان غال... «الأب الحقيقي» لكرة القدم

فان غال خلال إحدى الحصص التدريبية لهولندا (حساب المنتخب الهولندي على تويتر)
فان غال خلال إحدى الحصص التدريبية لهولندا (حساب المنتخب الهولندي على تويتر)

عندما تشاهد الفيلم الجديد الرائع للمخرج الهولندي غيرتجان لاش عن المدير الفني الهولندي لويس فان غال، تشعر وكأنه ليس فيلما وثائقيا تقليديا وإنما هو فترة من التأمل لمدة ساعتين حول معنى الرياضة والعلاقات والفناء، والحياة من خلال عيني المدير الفني المحترف البالغ من العمر 70 عاما.
وفي هذا الفيلم الوثائقي يمكنك مشاهدة لويس فان غال وهو يُجري تدريبات مع المنتخب الوطني بعد فترة وجيزة من إزاحة الستار عن تعيينه مديرا فنيا للطواحين الهولندية. يقترب منه المدافع العملاق فيرجيل فان دايك، الذي لا يلاحظه إلا الكاميرا الرائعة للاش، ليخبر فان غال بأنه - فيرجيل فان دايك - سيكون أول من يسدد ركلات الجزاء في أي ركلات ترجيح قادمة. يقول فان غال وهناك نظرة عجيبة على وجهه: «يا إلهي، لذلك أصبحت أنت المدير الفني الآن».
ويرد فان دايك متلعثما: «لا، لا، فكل ما أقوله، وما أعنيه هو...». لكن فان غال يرفع حاجبه ويضحك بشكل غريب، قبل أن يعود ويتحدث مع فرينكي دي يونغ، ثم يوبخ الفريق بأكمله بسبب الاستحواذ على الكرة بشكل سلبي وعدم التحرك بشكل فعال.
يبتسم اللاعبون ويستمعون، فمن الواضح أنهم يحبون هذا الرجل العجوز، الذي يبدو مذهلاً للغاية هذه الأيام، والذي قدم مسيرة حافلة في عالم التدريب تجعل من الواجب على هولندا أن تقيم له نصبا تذكاريا وطنيا!
لكن الشيء الذي لا يعرفه اللاعبون هو أن فان غال قد أجرى عملية قسطرة ولديه حقيبة فغر القولون مثبتة تحت بدلته الرياضية ومعلقة بشكل فضفاض من كتفيه، أو أنه سيذهب مباشرة من عمله مع المنتخب الوطني ليقضي بعض الليالي في المستشفى، ويشاهد مباريات كرة القدم على هاتفه الجوال وهو على نقالة، ويقاوم الآثار اللاحقة لعلاج سرطان البروستاتا. وبحلول الوقت الذي تقام فيه المباراة الحاسمة ضد النرويج، سيكون فان غال على كرسي متحرك، بعد الإصابة التي لحقت به عقب سقوطه عن دراجته وهو يحاول مواكبة اللاعبين.
لقد أجرى فان غال 25 جلسة علاج إشعاعي قبل توليه القيادة الفنية لمنتخب هولندا في أغسطس (آب) 2021. ومنذ ذلك الحين، قاد المدير الفني المخضرم منتخب الطواحين الهولندية في 13 مباراة، حقق الفوز في تسع منها وتعادل في أربع، ولم يخسر أي مباراة، مسجلا 38 هدفا. وسيقود منتخب بلاده في نهائيات كأس العالم القادمة في قطر في نوفمبر (تشرين الثاني) وهو يعلم جيدا أن هذا سيكون الفصل الأخيرة في مسيرته التدريبية المستمرة منذ 50 عاما. إنه ضعيف ومريض الآن، لكنه أيضا مشرق وجذاب للغاية.
ويُنظر إلى الفيلم الذي أخرجه لاش، والذي سيصدر في المملكة المتحدة في وقت لاحق من هذا العام، بالكامل من وجهة نظر فان غال والناس المحيطين به في حياته، من دون تعليق صوتي، وبأرشيف متناثر غير مروي. إنه فيلم رائع عن كرة القدم لا يشبه أي فيلم آخر عن كرة القدم، فهو مؤثر بشدة، ومُلهم في بعض الأجزاء، ومُضحك للغاية لأن فان غال شخص مرح بطبيعته.

الجماهير الهولندية تعلق آمالها بالمدرب الخبير في المونديال المقبل (أ.ب)  -  مخرج هولندي أعد فيلماً جديداً عن حياة فان غال

وهناك جزء جميل يقود فيه فان غال سيارته، بينما التوأم دي بوير محشوران بجانب بعضهما البعض في مؤخرة سيارته، في الوقت الذي يصرخ فيه هو من المقعد الأمامي ويتناقشون بشكل رائع حول مشوار التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2002. ويكتفي لاش بأن يترك كاميرته تصور هذين الرجلين اللذين يبدوان في منتصف العمر وهما يتلقيان محاضرة من فان غال، وكأنه والدهما.
وفي وقت لاحق، يذهب فان غال لرؤية المدير الفني الهولندي إريك تن هاغ في أياكس، ونستمع إلى تن هاغ وهو يتحدث باللغة الإنجليزية بشكل جيد إلى لاعبيه قبل أن يتولى فان غال المسؤولية ويتحدث بلغته المحلية ويبدأ حديثه قائلا: «دعوني أقل لكم إنه خلال فترة وجودي، فإنكم ستتحدثون جميعا باللغة الهولندية». ثم يجذب النجم المغربي حكيم زياش جانبا، ويدور الحوار بينهما على النحو التالي: «حكيم زياش، أعتقد أن هناك دائما مجالا للتحسن والتطور، هل توافق على ذلك؟» ليرد زياش قائلا: «بالطبع». ويسأل فان غال: «وهل لديك صورة ذاتية واقعية عن نفسك؟» ليرد النجم المغربي: «نعم، دائما»، وهنا يقول له فان غال: «لقد قبلتك الجماهير، على الرغم من أنك تفقد الكرة كثيرا، وهذا يعني شيئا ما!».
يوجه زياش الشكر لفان غال ويحصل على نسخة من كتاب عليه توقيع المدير الفني الهولندي القدير. وفي وقت لاحق، يسأل أحد المراسلين فان غال عن حواراته الإعلامية الشهيرة، قائلا: «هل كان غضبك حقيقيا دائما؟» ويرد فان غال قائلا: «نعم، وهذا أيضا سؤال غبي!».
وبما أن كل الطرق تؤدي إلى روما، فإن هذا يقودنا للحديث عن الفترة التي قضاها فان غال على رأس القيادة الفنية لمانشستر يونايتد. يقول المدير الفني الهولندي: «كانت الفترة التي قضيتها مع مانشستر يونايتد هي الفترة الأكثر صعوبة بالنسبة لي. لقد جئت كمدير فني، وكان كل شيء مخيبا للآمال. كان عمر معظم اللاعبين في الفريق أكثر من 30 عاما. إنه أمر لا يُصدق، كنت في أغنى ناد في العالم ولم أستطع شراء اللاعبين الذين كنت أريد التعاقد معهم».
وتحدث فان غال إلى واين روني عبر «زوم»، وقال النجم الإنجليزي السابق الذي لعب لمانشستر يونايتد لمدة عشر سنوات: «لقد رأيت أنه يمكنك في الواقع تحسيننا كفريق. لم يسبق لي العمل على شكل الفريق من الناحية التكتيكية قبل الانتقال إلى مانشستر يونايتد. لم أفعل ذلك أبدًا! لقد وجدت الأمر غريبا جدا. لذلك فإن القيام بذلك بشكل مستمر وبالطريقة التي كنت تريدها منا كان ممتعا للغاية».
وكانت بعض الصحف الإنجليزية تشير إلى أن روني أصيب بالارتباك بسبب التعليمات التي كان يتلقاها من فان غال، لكن اتضح أن روني نفسه كان بحاجة إلى المزيد من هذه التعليمات والنصائح. لكن بعد ذلك تم تصوير فان غال على أنه شخص غريب الأطوار طوال فترة وجوده في مانشستر يونايتد، وسط حديث عن تمرد اللاعبين عليه بسبب شعورهم بأن التدريبات التي كان يتبعها كانت تمثل عبئا كبيرا عليهم. وسوف يقود فان غال منتخب بلاده في نهائيات كأس العالم هذا العام، بينما لا يزال مانشستر يونايتد يدور في دوامة من اليأس والإحباط.
وتم التطرق إلى إقالة فان غال من القيادة الفنية لمانشستر يونايتد، وكيف كان الأمر قاسيا للغاية. تقول تروس، زوجة فان غال: «كنت أعرف أن لويس سيقال من منصبه. كانت لدينا غرفة اجتماعات صغيرة هناك، وكانت اللقاءات هناك ممتعة دائما مع أساطير مانشستر يونايتد القدامى، مثل السير أليكس فيرغسون، وبوبي تشارلتون. كانت لدينا طاولة عليها طعام جيد ومشروبات، وفجأة توقفوا عن الترحيب بنا، ولوحوا لنا من بعيد، وهو ما كان يعني أن هناك شيئا غير جيد. ثم نفى ذلك الرجل [إد وودوارد، الرئيس التنفيذي لمانشستر يونايتد آنذاك]. قلت للويس إنه سيقال من منصبه وطالبته بأن يتصرف بشكل حكيم». وخلال الفوز في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي على كريستال بالاس في عام 2016، تم تداول تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي بأن جوزيه مورينيو قد تم تعيينه بالفعل مديرا فنيا للفريق. تقول تروس: «أخبرت لويس بأنه قد أقيل بالفعل من منصبه. لقد غضب جدا وطالبني بالتوقف عن الحديث عن مثل هذه الأمور التي تصيبه بالإحباط. لكنه في وقت لاحق اتصل بي، وطالبني بالعودة إلى المنزل، وقال لي إنني كنت محقة». لقد أقيل فان غال من منصبه دون أن يرى أي أحد من أعضاء مجلس الإدارة. تقول تروس: «كان صوته يبدو مكسورا. وعندما عدت إلى المنزل، وجدته يبكي».
ويصور الفيلم فان غال وهو يسير داخل بعض الغرف ويقول أشياء، وينظر إلى أشياء، ويعبر عن مشاعر مختلفة ومتناقضة، ويقف في شرفته ويغني. ونبقى في الغرفة لنرى تشخيص إصابته بالسرطان، ونراه وهو يصف حصوله على حقنة لتثبيط مستويات هرمون التستوستيرون لديه. يقول فان غال: «إنه يقضي تماما على الرغبة الجنسية يا غيرتجان. لدي أيضا قسطرة لا تساعد عندما تريد ممارسة الجنس». وفي تلك اللحظات، تدرك أن فان غال هو الأب الأساسي لكرة القدم. ربما يكون مجنونا بعض الشيء، أو مرتبك ومتقلب المزاج بعض الشيء، لكنه شخص استثنائي في حقيقة الأمر.
ويلتقي فان غال مع إدغار دافيدز، أحد أعز لاعبيه السابقين، والذي يظهر هنا في بعض لقطات الأرشيف المذهلة (لقد كان حقًا معجزة هائلة). وفي حديثه إلى لاعبيه القدامى، يبدو فان غال وكأنه قادم من عالم آخر خارج كرة القدم. ويتطلب مبدأ الرجل الشامل الذي يؤمن به فان غال أن يسيطر المدير الفني على كل شيء وأن يخضع الفريق تماما لسيطرته، بل ويسخر نفسه بالكامل أيضا من أجل مصلحة الفريق. وبينما كان فان غال يتحدث إلى دافيدز، ظهر ظل فريق أياكس العظيم مرة أخرى. لقد استغرق الأمر ثلاث سنوات حتى يفوز الفريق بلقب الدوري الهولندي الممتاز، وأربع سنوات ليصبح بطلا لأوروبا بفريق يصل متوسط أعمار لاعبيه إلى 23 عاما. ولو لم يحقق فان غال أي شيء آخر غير الذي حققه مع أياكس لكفاه ذلك!


مقالات ذات صلة

«لا ليغا»: فالنسيا يغادر مؤخرة الترتيب بنقاط بيتيس

رياضة عالمية لاعبو فالنسيا يحتفلون بأحد الأهداف الأربعة في مرمى بيتيس (إ.ب.أ)

«لا ليغا»: فالنسيا يغادر مؤخرة الترتيب بنقاط بيتيس

كلّل فريق فالنسيا عودته إلى المنافسة عقب الفيضانات المدمرة في شرق البلاد، بفوز كبير على ضيفه ريال بيتيس 4-2.

«الشرق الأوسط» (فالنسيا)
رياضة عالمية ليفركوزن اكتسح ضيفه هايدنهايم بخماسية (أ.ف.ب)

«البوندسليغا»: ليفركوزن ودورتموند يستعيدان ذاكرة الانتصارات

استعاد فريقا باير ليفركوزن، حامل اللقب، وبوروسيا دورتموند نغمة الانتصارات في دوري الدرجة الأولى الألماني لكرة القدم (البوندسليغا).

«الشرق الأوسط» (ليفركوزن)
رياضة عالمية الإنجليزي هاري كين مهاجم بايرن ميونيخ الألماني (د.ب.أ)

كين: سأواجه الانتقادات «في أرض الملعب»

ردّ الإنجليزي هاري كين، مهاجم بايرن ميونيخ الألماني، على الانتقادات الموجَّهة إليه، قائلاً إنه سيتحدَّث «في أرض الملعب».

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)
رياضة عالمية انتر ميلان سحق فيرونا بخماسية (رويترز)

«الدوري الإيطالي»: إنتر إلى الصدارة بخماسية في فيرونا

حقق إنتر ميلان فوزاً ساحقاً 5 - صفر على مضيفه هيلاس فيرونا السبت ليعتلي صدارة دوري الدرجة الأولى الإيطالي.

«الشرق الأوسط» (فيرونا)
رياضة عالمية كيليان مبابي مهاجم ريال مدريد (يسار) يسعى إلى العودة للتهديف (د.ب.أ)

أنشيلوتي: مبابي سيعود للتسجيل عاجلاً أم آجلاً

لم يسجل كيليان مبابي، مهاجم ريال مدريد المنافس في دوري الدرجة الأولى الإسباني لكرة القدم، أي هدف منذ أكثر من شهر.

«الشرق الأوسط» (مدريد)

مدرب ميلان: مباراة فينيتسيا لا تقل أهمية عن مواجهة ليفربول أو إنتر

باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)
باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)
TT

مدرب ميلان: مباراة فينيتسيا لا تقل أهمية عن مواجهة ليفربول أو إنتر

باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)
باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)

قال باولو فونيسكا مدرب ميلان المنافس في دوري الدرجة الأولى الإيطالي لكرة القدم الجمعة، إن الفوز على فينيتسيا بعد ثلاث مباريات دون انتصار هذا الموسم، بنفس أهمية مواجهة ليفربول أو غريمه المحلي إنتر ميلان.

ويتعرض فونيسكا للضغط بعدما حقق ميلان نقطتين فقط في أول ثلاث مباريات، وقد تسوء الأمور؛ إذ يستضيف ليفربول يوم الثلاثاء المقبل في دوري الأبطال قبل مواجهة إنتر الأسبوع المقبل. ولكن الأولوية في الوقت الحالي ستكون لمواجهة فينيتسيا الصاعد حديثاً إلى دوري الأضواء والذي يحتل المركز قبل الأخير بنقطة واحدة غداً (السبت) حينما يسعى الفريق الذي يحتل المركز 14 لتحقيق انتصاره الأول.

وقال فونيسكا في مؤتمر صحافي: «كلها مباريات مهمة، بالأخص في هذا التوقيت. أنا واثق كالمعتاد. من المهم أن نفوز غداً، بعدها سنفكر في مواجهة ليفربول. يجب أن يفوز ميلان دائماً، ليس بمباراة الغد فقط. نظرت في طريقة لعب فينيتسيا، إنه خطير في الهجمات المرتدة».

وتابع: «عانينا أمام بارما (في الخسارة 2-1)، لكن المستوى تحسن كثيراً أمام لاتسيو (في التعادل 2-2). المشكلة كانت تكمن في التنظيم الدفاعي، وعملنا على ذلك. نعرف نقاط قوة فينيتسيا ونحن مستعدون».

وتلقى ميلان ستة أهداف في ثلاث مباريات، كأكثر فرق الدوري استقبالاً للأهداف هذا الموسم، وكان التوقف الدولي بمثابة فرصة ليعمل فونيسكا على تدارك المشكلات الدفاعية.

وقال: «لم يكن الكثير من اللاعبين متاحين لنا خلال التوقف، لكن تسنى لنا العمل مع العديد من المدافعين. عملنا على تصرف الخط الدفاعي وعلى التصرفات الفردية».

وتابع فونيسكا: «يجب علينا تحسين إحصاءاتنا فيما يتعلق باستقبال الأهداف، يجب على الفريق الذي لا يريد استقبال الأهداف الاستحواذ على الكرة بصورة أكبر. نعمل على ذلك، يجب على اللاعبين أن يدركوا أهمية الاحتفاظ بالكرة».