قراءة في حظوظ بيترو بشأن تنفيذ برنامجه

لولا  -  لوبيز أوبرادور (أ.ف.ب)
لولا - لوبيز أوبرادور (أ.ف.ب)
TT

قراءة في حظوظ بيترو بشأن تنفيذ برنامجه

لولا  -  لوبيز أوبرادور (أ.ف.ب)
لولا - لوبيز أوبرادور (أ.ف.ب)

من الصعب جداً التكهن حول حظوظ الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو في تنفيذ برنامجه الحكومي الطموح وترسيخ التعديل الذي طرأ على المعادلة السياسية السائدة في كولومبيا منذ بدايات القرن التاسع عشر. غير أن فوزه الواضح على المرشّح الذي تضافرت جميع القوى اليمينية والليبرالية لتأييده يعزز التوجّه نحو تشكيل جبهة اليسار الجديد في المشهد الجيوسياسي في أميركا اللاتينية، مع التنوّع الذي تفرضه المواصفات المميزة للقيادات الفردية والظروف الوطنية الخاصة.
يدخل بيترو بقوة إلى «النادي» الذي يضمّ المكسيكي مانويل لوبيز أوبرادور والأرجنتيني ألبرتو فرنانديز والتشيلي غابرييل بوريتش، وهؤلاء هم الرؤساء الذين يجمع بينهم التمايز الواضح عن النهج البوليفاري (نسبة إلى سيمون بوليفار بطل التحرير الأميركي اللاتيني) الذي تأسس مع الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، وجنح مع مرور الوقت نحو المواقف والسياسات اليسارية الأكثر تطرفاً. وينضمّ إلى هذا النادي أيضاً البوليفي لويس آرثي والبيروفي بيدرو كاستيّو، لكن الحديث عن قيام «جبهة تقدمية: متماسكة وراسخة في أميركا اللاتينية ما زال ينتظر نتائج الانتخابات الرئاسية في البرازيل أواسط الخريف المقبل لمعرفة ما إذا كان سيعاد انتخاب لولا لولاية ثالثة، أم لا».
الرئيس الكولومبي الجديد كان قد شدد في جميع تصريحاته الانتخابية، وأيضاً في الخطاب الذي ألقاه خلال تسلم مهامه، أنه ينوي المساهمة في تنشيط عملية التكامل الاقتصادي الأميركي اللاتيني انطلاقاً من الأسس التي وضعها الرئيسان المكسيكي والأرجنتيني. وكانت القمة الأميركية الأخيرة التي استضافتها الولايات المتحدة في مدينة لوس أنجليس قد أظهرت اتساع الهوة التي تفصل بين واشنطن والعواصم الأخرى في المنطقة، حتى إن بعض الدول طالبت بتجاوز «منظمة البلدان الأميركية وتشكيل منظمة إقليمية لا تكون الولايات المتحدة عضواً فيها».
ثم إنه رغم التوجّه القوي الذي أعلنه غوستافو بيترو نحو الاندماج الأميركي اللاتيني، فهو أوضح في خطابه الرسمي الأول أنه يؤيد سياسة إقليمية بعيداً عن هيمنة واشنطن... مع الاعتراف بدورها الأساسي في المنطقة. والحاصل، أنه حتى الآن ما زالت جميع مواقفه وتصريحاته حول السياسة الخارجية مجرد عناوين رئيسية أو إعلان نوايا لا يُعرف بالضبط مضمونها. وبالنسبة لنيته استئناف العلاقات المقطوعة مع «الجارة» فنزويلا، قال الرئيس الكولومبي إنها «ليست وليدة الظروف الطارئة الناجمة عن الأزمة الفنزويلية، بل هي تندرج ضمن سياسة حسن الجوار التي تفرض الإقرار بأنه مهما حصل في فنزويلا هناك 2200 كيلومتر من الحدود المشتركة بين البلدين تقتضي المساعدة في حل المشاكل وليس العمل على مفاقمتها».
في غضون ذلك، يواصل غوستافو بيترو إظهار مزاياه البراغماتية وقدراته على التكيّف مع الظروف والمستجدات، حيث استطاع خلال أسابيع معدودة منذ انتخابه حتى تسلمه مهام منصبه تشكيل أغلبية برلمانية واسعة تدعم معظم بنود برنامجه الحكومي، ونفض عنه نهائياً ثوب اليسار المتطرف الذي كان يلاحقه منذ سنوات. هذا البراغماتية ضرورية جداً للرئيس الجديد الذي سيواجه صعوبة كبيرة في الوفاء بكثير من الوعود التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية. وحقاً، شملت هذه الوعود تغييرات جذرية، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي وإصلاح النظام الضريبي، وتطبيع العلاقات المعقدة مع فنزويلا بعدما كان سلفه الرئيس السابق اليميني إيفان دوكي قد اعترف بخوان غوايدو (السياسي المدعوم من واشنطن) رئيساً شرعياً لفنزويلا، وإحياء اتفاق السلام الموقع بين الحكومة الكولومبية والثوار... وهو اتفاق جمّده دوكي طوال سنوات ولايته الأربع.
وحسب المراقبين، إذا لم يتمكن بيترو من تحقيق إنجازات سريعة وملموسة خلال السنة الأولى من ولايته، ستظهر أمامه عقبات كثيرة مع استحقاق الانتخابات المحلية المقررة في بداية السنة الثانية من عهده... وحينذاك قد تتبخّر التحالفات ويعاد تشكيلها وفقاً لحسابات وأولويات جديدة. ومن بين الإنجازات التي يتوقف على تحقيقها عبوره الآمن للسنة الأولى من ولايته، إصلاح النظام الصحي، وإعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، وإنشاء الصندوق الموعود لإرساء قواعد خطة تنمية المناطق الريفية التي يعيش فيها 90 في المائة من الفقراء، وتوفير الظروف التي تسمح باجتثاث زراعة المحاصيل غير المشروعة التي ما زالت تشكّل أحد العناصر الرئيسة الهدّامة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.


مقالات ذات صلة

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)

بعد نزيف في المخ... الحكومة البرازيلية تكشف تفاصيل حالة الرئيس الصحية

الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (إ.ب.أ)
الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (إ.ب.أ)
TT

بعد نزيف في المخ... الحكومة البرازيلية تكشف تفاصيل حالة الرئيس الصحية

الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (إ.ب.أ)
الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (إ.ب.أ)

تعدّ الحالة الصحية للرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا (79 عاماً) «مستقرة»، ولا يعاني من أي «آثار جانبية»، بعد العملية الجراحية الطارئة التي خضع لها إثر تعرضه لنزيف دماغي، حسبما أعلن أطباؤه، الثلاثاء.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أعلن طبيبه روبيرتو خليل في مؤتمر صحافي، أن العملية الجراحية التي استمرت نحو ساعتين «دون مضاعفات» سمحت بـ«إزالة كتلة دموية بسبب نزيف في الدماغ».

ومن المقرر أن يخرج لويز إيناسيو لولا دا سيلفا من المستشفى السوري - اللبناني في ساو باولو «الأسبوع المقبل».

والنزيف مرتبط بالحادثة التي تعرض لها لولا في 19 أكتوبر (تشرين الأول) في منزله.

وأصيب الرئيس الذي عاد إلى السلطة عام 2023، في مؤخر الرأس بعد سقوطه في المرحاض، ما اضطره للخضوع لسلسلة من الفحوصات، وإلغاء رحلته إلى روسيا لحضور قمة البريكس.

وأُدخل لولا، مساء الاثنين، إلى المستشفى «للخضوع للتصوير بعدما شعر بصداع، وأظهر التصوير بالرنين المغناطيسي وجود نزيف داخل الجمجمة»، وفق ما أفادت المؤسسة الطبية.

ولاحقاً، «خضع لعملية حج القحف لتصريف الورم الدموي»، بحسب البيان.

وقال الدكتور خليل: «لم تظهر على الرئيس البرازيلي آثار جانبية ولا تغير في حركته». وأضاف: «حالته مستقرة، ويتحدث بشكل طبيعي ويأكل».

وقال جراح الأعصاب ماركوس ستافال، خلال المؤتمر نفسه، إن «النزيف حدث بين الدماغ والغشاء الجافي (المحيط به)، وضغط على الدماغ».

وتابع: «أزيلت الكتلة الدموية الناجمة عن النزيف، وبالتالي خف الضغط عن الدماغ، وتم الحفاظ على الوظائف العصبية».

وبحسب طبيب الأعصاب روجيريو توما، العضو أيضاً في الفريق الطبي، فإن «هذا النوع من المضاعفات شائع» في مثل هذه الحالات «خاصة لدى المسنين».

وفي وقت سابق، قال المتحدث باسم الرئاسة باولو بيمينتا في مقابلة، إن الاتصال بلولا سيقتصر على فريقه الطبي. وأضاف بيمينتا: «حالته مستقرة، وهو واعٍ وهادئ».

وقلّص لولا سفره في الأشهر القليلة الماضية بينما كان الأطباء يراقبون تعافيه من ارتطام مؤخرة رأسه حين سقط في منزله في أواخر أكتوبر، ما استلزم تقطيباً جراحياً.