سيرينا ويليامز وبطولة التخلّي الشجاع

تقول إنه لا بدّ من «فعل شيء ما» على مشارف بلوغها الـ41

سيرينا ويليامز وبطولة التخلّي الشجاع
TT

سيرينا ويليامز وبطولة التخلّي الشجاع

سيرينا ويليامز وبطولة التخلّي الشجاع

أصعب القرارات، هي المُتّخذة رغماً عن الحب، كاعتزام أسطورة كرة المضرب الأميركية سيرينا ويليامز اعتزال الملاعب بعد ألقاب وتصنيفات أولى. تبلغ الشهر المقبل، في 26 سبتمبر (أيلول)، عامها الحادي والأربعين، فتفكّر في شقّ منعطف آخر للحياة. ليس المال وحده ما يُغوي ولا الشهرة العالمية والأضواء طوال الوقت. تُغوي أيضاً أشياء بسيطة لا تُثمّن، أروعها الأمومة المتفوّقة على الخيارات الأخرى. وسيرينا الأم بحجم عظمة اللاعبة مُتصدّرة المكانة في التاريخ.
تتحدّث عن «التطوّر بعيداً من التنس» لدى التلميح إلى الانسحاب. فويليامز المولودة في أسرة من خمسة أفراد، تدرك معنى العائلة ومن أجلها تكرّس المرحلة الذهبية من حياتها، أربعينات المرأة، حيث ذروة العطاء ونضج تقدير الأشياء.
أكان ظهورها في بطولة أميركا المفتوحة للتنس، أواخر الشهر الحالي، سيخطّ السطر الأخير في مسيرتها، أم تبعه ظهورٌ آخر وفق مُستجَدّ ما أو إلحاح جماهيري أو عدول عن قرار أو حاجة إلى وقت إضافي في الملاعب، فإنّ ذلك لا يقلّل من نُبل النيّة، وهي التفرّغ للعائلة والرغبة في الإنجاب، فتكون لطفلتها أولمبيا أخت أو أخ، إن حدثت ولادةٌ لجنين، أو تتزيّن الأسرة بأكثر من مولود إن أنعمت السماء بتوأم.
تكره الوداع وتكتب لـ«فوغ» أنها لا تجيده: «أنا الأسوأ في العالم بذلك». إنه الوقت، سلطانُ الإنسان. «سأبلغ الحادية والأربعين من عمري، ولا بدّ من فعل شيء ما». تشعر بسيف يتحسّس رقبتها. سيف الزمن. يدفعها للتحرُّك «في اتجاه مختلف» وإعادة رسم المصير.
متعة التنس كمتعة الأمومة، مدهشة؛ ورغم الشغف برياضة تمارسها منذ الطفولة، «بدأ العدّ التنازلي». قاسٍ الخروج من الباب العريض، وشيّق. قسوته لكونه مُعزّزاً بصياح الجماهير وتشجيعهم لقطف المراكز. وشيّق لأنه يعرف ماذا يريد وما ينتظره في المقابل. «يجب أن أركّز على كوني أماً»، تكتب التوّاقة إلى اكتشاف «سيرينا مختلفة»، تنتظرها أسابيع قبل الوداع، «سأستمتع بها».

تختار لما بعد نهاية المشوار وصفَ «تطوُّر». فالتقاعد مفردة درامية، قد تُفهم على أنها محطة تسبق الفصل الأخير من الحياة. سيرينا لا تتقاعد، بل تفتح باباً لا يتطلّب منها بطولة على جبهتَي الملاعب والأمومة. «أريد أن تكون قدماي في التنس، أو تكون قدماي في الخارج». منذ أن حملت بأولمبيا، وهي قدمٌ هنا وقدمٌ هناك. اعتزالها ليس دعوة لتقاعد الأمهات عن الشغف. هو حصاد بعد زرع، وغرس البذور في بساتين الحياة الفسيحة.
لم تُنجب إلا بعد عذاب، وكادت الأمومة تكلّفها حياتها. لحقت العنصرية بالطفلة قبل ولادتها، فآلمت سيرينا بشاعاتٌ تحدث في «عالم تغيّر كثيراً لكننا لا نزال بحاجة إلى كثير من التغيير». إنها ضريبة التحوّل أيقونة أفريقية الأصل في رياضة يهيمن عليها أصحاب البشرة البيضاء.
وجدت يومها في قصيدة الناشطة الحقوقية الأميركية مايا أنجيلو، «Still I Rise»، عزاءها، فاقتطفت منها أبياتاً تعبّر عن القوة الداخلية المتصاعدة من الأسى: «يمكنكم قذفي بكلماتكم/ يمكنكم قتلي بكراهيتكم/ لكن أحبّ الهواء وسوف أنهض». تمتهن النهوض بإلهام من أب دعم موهبتها ودرّبها لاحتراف قواعد التنس. لم تكن نشأتها سهلة في شوارع كومبتون الخطرة بولاية كاليفورنيا. هناك، شهدت على فظاعة الخسارة الدموية، حين قضت شقيقتها من والدتها برصاصة عصابة عام 2003 وهي لا تزال في الحادية والثلاثين من العمر. تردُم المعاناة لتُزهر بطولات.
تعرُّضها لإصابة بقدمها بعد الدوس على شظايا زجاج متناثر على أرض مطعم ألماني، مهَّد لصفحة أخرى من معاناتها مع الجلطات الدموية في الرئتين، وفق ربطها، وشكّل تحدياً مع الحياة للبقاء على قيدها.
تأتي الابنة من خضمّ هذا الامتحان. كادت تموت وهي تضعها لتَسبُّب الولادة بمضاعفات. يومها، كتبت لـ«سي إن إن»: «أنا محظوظة لأنني نجوت»، وبدأت تلوح في بالها فكرة أنّ الإنجاب المقبل لن يكتمل وهي لا تزال رياضية. ستة أسابيع قضتها في الفراش، لتعود بعد إجازة الأمومة إلى الملاعب. ربما لم تكن العودة بالتألّق ذاته برأي ناقدين، لكنها وفاء جميل للأحلام.

توصّف واقعها الحالي بعبارة «مفترق الطرق». هي بين حُبّين، التنس والإنجاب؛ وإن تميل اليوم إلى تغليب الحب الثاني، فإنها تشعر بسعادة ناقصة من دون حبها الأول. في داخلها «قدر كبير من الألم» وإحساس بالتمزُّق، ومع ذلك «مستعدّة لما هو آتٍ». تصبح كشراع يدفعه الهبوب نحو البحر وتارة نحو العاصفة. «ما زلتُ أقول لنفسي أتمنّى أن يكون الأمر سهلاً، لكنه ليس كذلك». الانسلاخ شقاء.
فتحُ صفحة جديدة لا يعني طيّ صفحة الملاعب وزجّها في دفاتر الماضي. يرافق شغف التنس سيرينا ويليامز وإن أمضت باقي العمر مُعتزلة. لم تُرد حاملة 23 لقباً في البطولات الأربع الكبرى والمصنفة أولى عالمياً سابقاً، التركيز على الأرقام. «بدأتُ لعب التنس ليس لأكون الأفضل، ولكن فقط لأنه كان لديّ مضرب وحلم». يحدث كل شيء وهي في قمة مسيرتها. التخلّي الشجاع أيضاً بطولة.



تعرُّض الرُّضَّع للشاشات يعطِّل مهارات التفكير لديهم لاحقاً

التعرض للشاشات قبل سن سنتين يربك مهارات اتخاذ القرار لدى الأطفال لاحقاً (جامعة كوينزلاند)
التعرض للشاشات قبل سن سنتين يربك مهارات اتخاذ القرار لدى الأطفال لاحقاً (جامعة كوينزلاند)
TT

تعرُّض الرُّضَّع للشاشات يعطِّل مهارات التفكير لديهم لاحقاً

التعرض للشاشات قبل سن سنتين يربك مهارات اتخاذ القرار لدى الأطفال لاحقاً (جامعة كوينزلاند)
التعرض للشاشات قبل سن سنتين يربك مهارات اتخاذ القرار لدى الأطفال لاحقاً (جامعة كوينزلاند)

أظهرت دراسة أجرتها وكالة العلوم والتكنولوجيا والبحوث في سنغافورة، أن الرُّضَّع الذين يتعرضون فترات طويلة لاستخدام الشاشات قبل سن السنتين يواجهون تباطؤاً في اتخاذ القرارات لاحقاً، بالإضافة إلى زيادة احتمال ظهور أعراض القلق خلال مرحلة المراهقة.

وأوضح الباحثون -بالتعاون مع كلية الطب بجامعة سنغافورة الوطنية- أن السنتين الأوليين من العمر تعدان فترة حرجة لنمو الدماغ؛ إذ يكون حساساً جداً للتأثيرات البيئية، مثل التعرض للشاشات. ونُشرت النتائج، الثلاثاء، بدورية «EBioMedicine».

وباتت الشاشات جزءاً أساسياً من حياة الأطفال اليومية، بدءاً من الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، مروراً بالتلفاز، ووصولاً إلى ألعاب الفيديو. وتوفر هذه الأجهزة فرصاً للتعلم والترفيه، ولكنها قد تؤثر على التفاعل الاجتماعي والنوم والنشاط البدني، إذا استُخدمت بشكل مفرط.

وينصح الخبراء بتوازن استخدام الشاشات مع الأنشطة الواقعية، وتشجيع اللعب الإبداعي، والقراءة، والتواصل الأسري المباشر، لضمان نمو الطفل الجسدي والعقلي والاجتماعي بشكل صحي.

وخلال الدراسة، تتبَّع الباحثون 168 طفلاً من سن عامين على مدار أكثر من عقد، مع إجراء فحوصات تصوير دماغي في 3 مراحل (4 و6 و7 سنوات) لرصد تطور شبكات الدماغ بمرور الوقت.

وأظهرت النتائج أن الأطفال الذين تعرضوا للشاشات بشكل مكثف قبل سن سنتين شهدت أدمغتهم نضوجاً أسرع لشبكات المعالجة البصرية والتحكم الإدراكي، مما يقلل من مرونتها، ويجعل التفكير المعقد أقل كفاءة لاحقاً.

كما أثَّر التعرض المبكر على القدرات الإدراكية؛ إذ استغرق الأطفال ذوو التعرض العالي وقتاً أطول لاتخاذ القرارات عند سن 8 سنوات، مما يشير إلى صعوبة التعامل مع المواقف المعقدة بسرعة وكفاءة.

ولم يقتصر التأثير على الإدراك فحسب؛ بل شمل الصحة النفسية؛ حيث أظهرت النتائج أن الأطفال الذين تباطؤوا في اتخاذ القرارات كانوا أكثر عرضة للإصابة بأعراض القلق عند سن 13 سنة، ما يوضح أن التعرض المبكر للشاشات له آثار طويلة الأمد.

في المقابل، أشارت الدراسة إلى أن الأنشطة التفاعلية -مثل القراءة المشتركة بين الأهل والأطفال- يمكن أن تخفف من التأثيرات السلبية للشاشات على الدماغ، عبر توفير تجربة غنية باللغة والتواصل العاطفي، ما يعوض جزئياً عن الأثر السلبي للشاشات.

وقال الباحثون: «تشير نتائجنا إلى أهمية الحد من وقت الشاشة في أول عامين من عمر الطفل، وتشجيع الأنشطة التفاعلية بين الأهل والأطفال، لتعزيز نمو الدماغ وصحته النفسية».

وخلصوا إلى أن النتائج تؤكد أن التعرض المبكر للشاشات لا يؤثر فقط على الطفولة المبكرة؛ بل يمتد تأثيره إلى مرحلة المراهقة؛ خصوصاً على الكفاءة الإدراكية ومستوى القلق النفسي.


شراكة «الإشعاع»: فيروز والأخوان رحباني مع صبري الشريف

صبري الشريف بجانبه فيروز وسيدات «مهرجانات بعلبك» 1956 (أرشيف الشريف)
صبري الشريف بجانبه فيروز وسيدات «مهرجانات بعلبك» 1956 (أرشيف الشريف)
TT

شراكة «الإشعاع»: فيروز والأخوان رحباني مع صبري الشريف

صبري الشريف بجانبه فيروز وسيدات «مهرجانات بعلبك» 1956 (أرشيف الشريف)
صبري الشريف بجانبه فيروز وسيدات «مهرجانات بعلبك» 1956 (أرشيف الشريف)

مثَّلت فيروز والأخوان رحباني وصبري الشريف، الأضلاع الثلاثة لمؤسسة فنية أرست لأغنية جديدة، سيكون لها ما بعدها، ليس فقط في لبنان، بل في الوطن العربي كله.

هذه الشراكة النادرة، التي دامت من عام 1959 مع ولادة «الفرقة الشعبية اللبنانية»، حتى مرض عاصي الرحباني عام 1972، ومن ثم انفصاله عن فيروز، أشعلت فترة ذهبية شهدنا خلالها ولادة مئات الأغنيات، والعديد من المسرحيات والأفلام، وتبلور صوت فيروز وشهرته، مخترقاً المذاقات الفنية ومحلقاً بلا حدود.

عن فيروز، وهذه المؤسسة الركيزة في الموسيقى العربية، عُقد لقاء في «متحف سرسق» في بيروت الأسبوع الماضي، تحت عنوان «الإشعاع»، جمع المخرج منجد الشريف والباحث في الموسيقى أكرم الريس، ومن متحف سرسق روينا بوحرب. وكان حواراً في كواليس هذه الشراكة، واكتشاف صوت فيروز، والدور الذي لعبه صبري الشريف في تقديم هذه المواهب، والمسار الصعب الذي أنتج كنوزاً نعتز بها. وخلال اللقاء، عُرضت مقاطع من مقابلات لفيروز والرحبانيين، وصور نادرة من أرشيف صبري الشريف.

صبري الشريف (أرشيف الشريف)

لفت الباحث أكرم الريس إلى أن المراحل الأولى من حياة فيروز الفنية لا يزال بعضها غامضاً، خصوصاً بعد اكتشافها من قبل محمد فليفل، وهي في المدرسة، الذي كان له فضل إقناع والدها المحافظ بالسماح لها بالغناء. وكان فليفل قد تواصل مع الكونسرفتوار ليحصل لها على منحة تتيح لها متابعة دروس موسيقية. ثم غنّت فيروز مع الأخوين فليفل في الكورس الذي كان يقدّم برنامجاً في الإذاعة اللبنانية، يُبث غالباً يوم السبت.

إحدى الروايات تقول إن مدير البرامج، حافظ تقي الدين، حين سمع صوتها، استدعى لجنة من ضمنها مدير القسم الموسيقي، الملحن حليم الرومي، فأعجب بها وأعطاها اسمها الفني، وأسمَع صوتها لعاصي الرحباني. لكن اللقاء الأول كان بارداً، واحتاج الأمر إلى وقت لينمو الود.

قدمت فيروز أول أغنية خاصة حسب جداول الإذاعة اللبنانية في فبراير (شباط) عام 1950 باللهجة المصرية، من ألحان حليم الرومي، وهي: «تركت قلبي وطاوعت حبك». أما أول أغنية لها مع الأخوين رحباني فكانت «حبذا يا غروب» للشاعر قبلان مكرزل، حسب فيروز، في حين تظهر جداول برامج الإذاعة أغنية سابقة عليها باسم «جناتنا» قدمتها في نوفمبر (تشرين الثاني) 1950.

تحدث منجد الشريف عن اللقاء الأول بين والده وعاصي الرحباني في بيروت، حين جاء خصيصاً من قبرص، موقع إذاعة «الشرق الأدنى» آنذاك، لاكتشاف هذه الظاهرة الجديدة. عندما قابل عاصي ومنصور الرحباني وأسمعاه أعمالاً لهما، ذُهل وسألهما: «أين درستما الموسيقى؟ في إسبانيا؟» فأخبراه أنهما لم يغادرا لبنان، وتعلّما الموسيقى في بيروت على يدي الخوري بولس الأشقر.

صبري ومنصور وعاصي وأمّه وفيروز وأمها في اللقلوق عام 1955 (أرشيف الشريف)

أخبر عاصي صبري بأنه مهتم بالعمل على الفولكلور، فأعلمه الأخير أن إذاعة «الشرق الأدنى» تعمل على هذا المشروع، وأنها أخذت الشاعر اللبناني الموهوب أسعد سعيد إلى فلسطين، وكلفته بعمل دراسة على الفولكلور. هكذا التقيا على حبِّ التراث، لأن الهوية لا وجود لها من دونه، وكلاهما كان يدرك ذلك.

كرّس الشريف 70 في المائة من ميزانية «الشرق الأدنى» المخصصة للعالم العربي لصالح الأخوين رحباني إيماناً بموهبتهما، مما أثار موجة من الحسد وأوجد أعداءً لم يوفروا النقد اللاذع، ومنهم من عدَّ صوت فيروز «مواءً»، والأغنيات التي تؤديها كـ«السم الزعاف» بسبب «التغريب» الذي «يشوه الأغنية العربية». لكن الرحبانيان والشريف واجهوا ذلك بعناد، وبقيت أغنيات فيروز تُبث بكثافة.

الأغنية القصيرة والسريعة لم تكن اجتهاداً رحبانياً خالصاً، كما يقول أكرم الريس، فقد بدأت مع المسرح الغنائي في مصر مطلع القرن الماضي، لا سيما أغنيات مسرحيات سيد درويش مثل «زوروني»، التي عادت وغنتها فيروز. ومن ثَمَّ جاءت السينما الغنائية، خصوصاً مع محمد عبد الوهاب في فيلم «الوردة البيضاء»، وكُتبت الأغنيات بما يتلاءم والمشاهد، ثم مع الأسطوانات المحدودة المساحة أصبح تقصير الأغنيات ضرورة.

وبما أن الأخوين رحباني عملا في عزّ زمن الإذاعة، فلا بدَّ أنهما كانت لهما حساسية تكثيف الزمن، وما يترتب عليه من تقطير للمعاني وتعميقها، ليُبقيا وصولها أسلس إلى الناس.

عندما كلَّف الرئيس اللبناني كميل شمعون، صبري الشريف بإقامة «مهرجانات بعلبك» عام 1957، ورغم ضيق الوقت، قبِل الشريف التحدي وقدَّم مع الأخوين رحباني «ليالي الحصاد»، حيث قاد الأوركسترا توفيق الباشا، أما الرقص فكان لمروان ووديعة جرار. أُرسلا خصيصاً إلى روسيا لدراسة الكوريغرافيا في فترة قياسية وعادا لتدريب الفرقة، وسجل المهرجان نجاحاً كبيراً.

تواصل العمل بين فيروز والأخوين والشريف إلى أن وصلوا إلى مسرحية «موسم العز» عام 1960، حيث قرروا تأسيس عقد رسمي وأطلقوا «الفرقة الشعبية اللبنانية»، التي ضمَّت عاصي ومنصور رحباني، وصبري الشريف، وأصبحت الحقوق تُوزَّع على الثلاثة بالتساوي.

كان صبري الشريف يُنجز جميع المهام الإدارية والفنية، وهو الذي كان يختار الموسيقيين، ولم يكن الأخوان رحباني يوقعان عقداً إلا حين يُطلب منهما ذلك.

منجد يتحدث بصفة شاهد. عمل مع والده على المسرح الرحباني، منذ كان عمره 14 عاماً، في ضبط الصوت والإضاءة، وأصبح اليوم مخرجاً سينمائياً ومسرحياً محترفاً، وعاش طفولته في جيرة فيروز وأم عاصي التي كانت تجمعهم في منزلها.

يروي منجد الشريف أن فيروز تلقَّت تدريبات عالية من موسيقيين محترفين كانوا يأتون للعمل في لبنان، من بينهم برنار ربيان، وإدواردو بيانكو القادم من البرازيل لتوزيع الأغنيات الجديدة، وهو الذي درَّب فيروز على أداء الأغنيات القصيرة، خصوصاً أن أغنيات كثيرة كانت تُؤخذ عن الأجنبية وتُعرّب.

عاصي الرحباني وصبري الشريف في لقائهما الأول (أرشيف الشريف)

كان العمل متواصلاً وبلا استراحة. «حياتنا كلها شغل»، كما تقول فيروز. وعاصي كان يأكل في المكتب، ولا يرضى إلا أن يشاركه أحد لقمته. كان سخياً ومعطاءً ومُحباً، كما يصفه منجد الشريف.

أما السؤال الذي يُطرح باستمرار، فهو: كيف كان عاصي ومنصور يتقاسمان تأليف الأغنيات والمسرحيات؟ روى منجد أن الأمر كان يحدث بتلقائية وعفوية شديدتين. على عكس ما يتصوَّر بعضهم، لم تكن تُوضَع خطة مسبقة محددة، إنما أفكار عامة، ومن يخطر له مشهد يكتبه. «لنفترض أن منصور كتب مشهداً وعاصي مشهداً آخر، يُرقَّما بعد ذلك. أي يعمل كل منهما على القسم الذي يريد، ومن ثم يجري ترتيبها. لم يكن هناك تقسيم مُحكم كما يتصوَّر بعضهم، بل عملٌ مشترك فعلي، فمن يخطر له فكرة أو لحن يكتب، ثم يُنسَّق ما كُتبت بأريحية وانسجام. «يبدأ منصور أغنية، ويكملها عاصي، أو العكس. العمل عطاء، وإحساس، وحرية. أمران عند فيروز لم يتمكَّن أحد من التأثير عليهما: غناؤها وإحساسها».

كان كل ما يفعلونه من تأليف وغناء بالنسبة إليهم «تجاريب»، هكذا كانوا يُسمُّونها. ويوسف شاهين في فيلم «بياع الخواتم»، لشدة ما عمل اختبارات مع فيروز، تمكَّن بنجاح من تقوية التعابير على وجهها؛ بالنتيجة، خرج واحدٌ من أجمل ما أعطت فيروز في التمثيل.

بدأ منجد الشريف بأرشفة كل شيء: أشرطة، وأوراق وكتابات والده. «اكتشفنا أشياءً كثيرة، مع أنني أعيش في البيت نفسه، وما زلنا نكتشف. إضافة إلى الأخوين رحباني، وجدنا ما يخص التلفزيون الأردني الذي كان والدي مستشاراً فيه، وأرشيفاً لوديع الصافي، ونصري شمس الدين، وزكي ناصيف، وزياد وإلياس الرحباني وآخرين كثيرين. نجمع كل هذا وما يُعرض علينا شراؤه لنضعه في خدمة الباحثين لاحقاً. كما يعمل منجد الشريف على تحرير ما تركه والده من تسجيلات بوصفها مذكرات لنشرها في كتاب.


سماء يناير تجمع القمر العملاق وأول زخّة شهب للعام الجديد

زخات شهب البرشاويات السنوية بحديقة شيبينيك الوطنية في فوشي ستودي بألبانيا (رويترز)
زخات شهب البرشاويات السنوية بحديقة شيبينيك الوطنية في فوشي ستودي بألبانيا (رويترز)
TT

سماء يناير تجمع القمر العملاق وأول زخّة شهب للعام الجديد

زخات شهب البرشاويات السنوية بحديقة شيبينيك الوطنية في فوشي ستودي بألبانيا (رويترز)
زخات شهب البرشاويات السنوية بحديقة شيبينيك الوطنية في فوشي ستودي بألبانيا (رويترز)

تتزامن أول ظاهرة للقمر العملاق في عام 2026 مع أول زخّة شهب في يناير (كانون الثاني)، غير أن ضوء إحداهما قد يحجب جزئياً جمال الأخرى.

وتبلغ زخّة شهب «الرباعيات» ذروتها، ليل الجمعة وحتى صباح السبت، وفقاً للجمعية الأميركية للشهب، وفق تقريرٍ نشرته «أسوشييتد برس».

وفي ظروف السماء المظلمة، خلال ذروة النشاط، يتمكن هواة رصد السماء عادةً من مشاهدة نحو 25 شهاباً في الساعة، إلا أن العدد، هذه المرة، قد ينخفض إلى أقل من 10 شهب في الساعة بسبب ضوء القمر العملاق الذي يكتمل مساء السبت.

وقال مايك شاناهان، مدير القبة السماوية في مركز «ليبرتي ساينس» بولاية نيوجيرسي: «أكبر عدو للاستمتاع بزخّات الشهب هو القمر المكتمل».

وتحدث زخّات الشهب عندما تصطدم صخور فضائية سريعة بالغلاف الجوي للأرض، فتحترق وتُخلِّف وراءها ذيولاً نارية، فيما يُعرَف بنهاية «الشهاب». وعلى الرغم من إمكانية رؤية عدد محدود من الشهب في أي ليلة، فإن الزخّات المتوقعة تظهر سنوياً عندما تمر الأرض عبر تيارات كثيفة من الحطام الكوني.

أما الأقمار العملاقة فتحدث عندما يكون القمر المكتمل أقرب إلى الأرض في مداره، ما يجعله يبدو أكبر بنسبة تصل إلى 14 في المائة، وأكثر سطوعاً بنحو 30 في المائة، مقارنة بأضعف قمر مكتمل في السنة، وفق وكالة الفضاء الأميركية «ناسا». إلا أن ملاحظة هذا الفارق بالعين المجردة قد تكون صعبة.

ويكون القمر العملاق، شأنُه شأن جميع الأقمار المكتملة، مرئياً في سماء صافية أينما حلّ الليل، في حين يمكن مشاهدة زخّة «الرباعيات»، بشكل أساسي، من نصف الكرة الشمالي. ويمكن رصد الظاهرتين دون الحاجة إلى أي مُعدات خاصة.

ولمشاهدة زخّة «الرباعيات»، يُنصح بالخروج في ساعات المساء المبكرة بعيداً عن أضواء المدن، ومراقبة السماء بحثاً عن الكرات النارية قبل أن يطغى ضوء القمر، وفق ما قالته جاك بينيتيز، من قبة «موريسون» السماوية بأكاديمية كاليفورنيا للعلوم. كما يمكن للمراقبين محاولة الرصد، خلال ساعات الفجر الأولى من صباح الأحد.

ويُنصح بانتظار تكيّف العينين مع الظلام، وتجنّب النظر إلى الهاتف المحمول. وستبدو الصخور الفضائية على شكل نقاط بيضاء سريعة الحركة تظهر في مختلف أنحاء السماء.

وتُسمّى زخّات الشهب نسبة إلى الكوكبة التي يبدو أن الشهب تنطلق منها. وتحمل «الرباعيات» اسمها من كوكبة لم يعد معترفاً بها حالياً، وهي ناتجة عن حطام فضائي من الكويكب «2003 إي إتش 1».

أما الزخّة الكبرى التالية، المعروفة باسم «القيثاريات»، فمن المتوقع أن تحدث في أبريل (نيسان).

وتتكرر ظاهرة القمر العملاق بضع مرات في السنة، وغالباً ما تأتي على شكل مجموعات، مستفيدة من نقطة مثالية في المدار البيضوي للقمر. ويختتم حدث ليلة السبت سلسلة استمرت أربعة أشهر بدأت في أكتوبر (تشرين الأول)، ولن يشهد العالم قمراً عملاقاً آخر حتى نهاية عام 2026.