سيرينا ويليامز وبطولة التخلّي الشجاع

تقول إنه لا بدّ من «فعل شيء ما» على مشارف بلوغها الـ41

سيرينا ويليامز وبطولة التخلّي الشجاع
TT

سيرينا ويليامز وبطولة التخلّي الشجاع

سيرينا ويليامز وبطولة التخلّي الشجاع

أصعب القرارات، هي المُتّخذة رغماً عن الحب، كاعتزام أسطورة كرة المضرب الأميركية سيرينا ويليامز اعتزال الملاعب بعد ألقاب وتصنيفات أولى. تبلغ الشهر المقبل، في 26 سبتمبر (أيلول)، عامها الحادي والأربعين، فتفكّر في شقّ منعطف آخر للحياة. ليس المال وحده ما يُغوي ولا الشهرة العالمية والأضواء طوال الوقت. تُغوي أيضاً أشياء بسيطة لا تُثمّن، أروعها الأمومة المتفوّقة على الخيارات الأخرى. وسيرينا الأم بحجم عظمة اللاعبة مُتصدّرة المكانة في التاريخ.
تتحدّث عن «التطوّر بعيداً من التنس» لدى التلميح إلى الانسحاب. فويليامز المولودة في أسرة من خمسة أفراد، تدرك معنى العائلة ومن أجلها تكرّس المرحلة الذهبية من حياتها، أربعينات المرأة، حيث ذروة العطاء ونضج تقدير الأشياء.
أكان ظهورها في بطولة أميركا المفتوحة للتنس، أواخر الشهر الحالي، سيخطّ السطر الأخير في مسيرتها، أم تبعه ظهورٌ آخر وفق مُستجَدّ ما أو إلحاح جماهيري أو عدول عن قرار أو حاجة إلى وقت إضافي في الملاعب، فإنّ ذلك لا يقلّل من نُبل النيّة، وهي التفرّغ للعائلة والرغبة في الإنجاب، فتكون لطفلتها أولمبيا أخت أو أخ، إن حدثت ولادةٌ لجنين، أو تتزيّن الأسرة بأكثر من مولود إن أنعمت السماء بتوأم.
تكره الوداع وتكتب لـ«فوغ» أنها لا تجيده: «أنا الأسوأ في العالم بذلك». إنه الوقت، سلطانُ الإنسان. «سأبلغ الحادية والأربعين من عمري، ولا بدّ من فعل شيء ما». تشعر بسيف يتحسّس رقبتها. سيف الزمن. يدفعها للتحرُّك «في اتجاه مختلف» وإعادة رسم المصير.
متعة التنس كمتعة الأمومة، مدهشة؛ ورغم الشغف برياضة تمارسها منذ الطفولة، «بدأ العدّ التنازلي». قاسٍ الخروج من الباب العريض، وشيّق. قسوته لكونه مُعزّزاً بصياح الجماهير وتشجيعهم لقطف المراكز. وشيّق لأنه يعرف ماذا يريد وما ينتظره في المقابل. «يجب أن أركّز على كوني أماً»، تكتب التوّاقة إلى اكتشاف «سيرينا مختلفة»، تنتظرها أسابيع قبل الوداع، «سأستمتع بها».

تختار لما بعد نهاية المشوار وصفَ «تطوُّر». فالتقاعد مفردة درامية، قد تُفهم على أنها محطة تسبق الفصل الأخير من الحياة. سيرينا لا تتقاعد، بل تفتح باباً لا يتطلّب منها بطولة على جبهتَي الملاعب والأمومة. «أريد أن تكون قدماي في التنس، أو تكون قدماي في الخارج». منذ أن حملت بأولمبيا، وهي قدمٌ هنا وقدمٌ هناك. اعتزالها ليس دعوة لتقاعد الأمهات عن الشغف. هو حصاد بعد زرع، وغرس البذور في بساتين الحياة الفسيحة.
لم تُنجب إلا بعد عذاب، وكادت الأمومة تكلّفها حياتها. لحقت العنصرية بالطفلة قبل ولادتها، فآلمت سيرينا بشاعاتٌ تحدث في «عالم تغيّر كثيراً لكننا لا نزال بحاجة إلى كثير من التغيير». إنها ضريبة التحوّل أيقونة أفريقية الأصل في رياضة يهيمن عليها أصحاب البشرة البيضاء.
وجدت يومها في قصيدة الناشطة الحقوقية الأميركية مايا أنجيلو، «Still I Rise»، عزاءها، فاقتطفت منها أبياتاً تعبّر عن القوة الداخلية المتصاعدة من الأسى: «يمكنكم قذفي بكلماتكم/ يمكنكم قتلي بكراهيتكم/ لكن أحبّ الهواء وسوف أنهض». تمتهن النهوض بإلهام من أب دعم موهبتها ودرّبها لاحتراف قواعد التنس. لم تكن نشأتها سهلة في شوارع كومبتون الخطرة بولاية كاليفورنيا. هناك، شهدت على فظاعة الخسارة الدموية، حين قضت شقيقتها من والدتها برصاصة عصابة عام 2003 وهي لا تزال في الحادية والثلاثين من العمر. تردُم المعاناة لتُزهر بطولات.
تعرُّضها لإصابة بقدمها بعد الدوس على شظايا زجاج متناثر على أرض مطعم ألماني، مهَّد لصفحة أخرى من معاناتها مع الجلطات الدموية في الرئتين، وفق ربطها، وشكّل تحدياً مع الحياة للبقاء على قيدها.
تأتي الابنة من خضمّ هذا الامتحان. كادت تموت وهي تضعها لتَسبُّب الولادة بمضاعفات. يومها، كتبت لـ«سي إن إن»: «أنا محظوظة لأنني نجوت»، وبدأت تلوح في بالها فكرة أنّ الإنجاب المقبل لن يكتمل وهي لا تزال رياضية. ستة أسابيع قضتها في الفراش، لتعود بعد إجازة الأمومة إلى الملاعب. ربما لم تكن العودة بالتألّق ذاته برأي ناقدين، لكنها وفاء جميل للأحلام.

توصّف واقعها الحالي بعبارة «مفترق الطرق». هي بين حُبّين، التنس والإنجاب؛ وإن تميل اليوم إلى تغليب الحب الثاني، فإنها تشعر بسعادة ناقصة من دون حبها الأول. في داخلها «قدر كبير من الألم» وإحساس بالتمزُّق، ومع ذلك «مستعدّة لما هو آتٍ». تصبح كشراع يدفعه الهبوب نحو البحر وتارة نحو العاصفة. «ما زلتُ أقول لنفسي أتمنّى أن يكون الأمر سهلاً، لكنه ليس كذلك». الانسلاخ شقاء.
فتحُ صفحة جديدة لا يعني طيّ صفحة الملاعب وزجّها في دفاتر الماضي. يرافق شغف التنس سيرينا ويليامز وإن أمضت باقي العمر مُعتزلة. لم تُرد حاملة 23 لقباً في البطولات الأربع الكبرى والمصنفة أولى عالمياً سابقاً، التركيز على الأرقام. «بدأتُ لعب التنس ليس لأكون الأفضل، ولكن فقط لأنه كان لديّ مضرب وحلم». يحدث كل شيء وهي في قمة مسيرتها. التخلّي الشجاع أيضاً بطولة.



صور تكشف عن انخفاض حاد في أعداد الطيور البحرية في النرويج

منطقة تعشيش الطيور في النرويج في عام 2006 (يسار) و2023 (يمين). (ت: روب باريت)
منطقة تعشيش الطيور في النرويج في عام 2006 (يسار) و2023 (يمين). (ت: روب باريت)
TT

صور تكشف عن انخفاض حاد في أعداد الطيور البحرية في النرويج

منطقة تعشيش الطيور في النرويج في عام 2006 (يسار) و2023 (يمين). (ت: روب باريت)
منطقة تعشيش الطيور في النرويج في عام 2006 (يسار) و2023 (يمين). (ت: روب باريت)

في منتصف سبعينات القرن العشرين، قام الباحث في مجال الطيور البحرية، روب باريت، برحلة على متن قارب مطاطي لاستكشاف واحدة من أكبر مستعمرات الطيور البحرية في النرويج، وبمساعدة الكاميرا الخاصة به والنظارات المكبرة، كان باريت يخطط لالتقاط صور لمستعمرة «سيلتيفيورد» الواقعة في أقصى شمال البلاد، ثم العودة إلى اليابسة لتحميض الصور وتجميعهاً معاً لإنشاء صورة بانورامية حتى يتمكن بعد ذلك من إحصاء أعداد الطيور في المنطقة، حسبما ذكرته صحيفة «الغارديان» البريطانية.

ومع اقتراب قارب باريت من المنحدرات في المنطقة، زادت أصوات طيور النورس إلى مستوى كبير للغاية، وكذلك زادت الرائحة، وكانت المنحدرات ترتفع لمسافة 100 متر، وطيور النورس تملأ كل زاوية وشق هناك، واستمر الأمر على هذا النحو على مسافة 5 كيلومترات على طول الساحل.

وبعد محاولتين أو ثلاث، قرر باريت أن هناك عدداً كبيراً من الطيور البحرية هناك؛ ولذا فإنه لن يتمكن من إحصائها بالمعدات المتاحة لديه، إلا أنه بعد ذلك قدَّر فريق مُجهَز بشكل أفضل أن عدد طيور النورس هناك تتجاوز الـ 250 ألف طائر.

والآن، تشكل صور باريت، من مستعمرة سيلتيفيورد، التي تم التقاطها على مدى 3 عقود، إلى جانب بعض الصور الأخرى التي تم جمعها من أرشيفات المتاحف في البلاد، الأساس الذي تستند إليه سلسلة جديدة من الصور قبل وبعد التي تُظهر التغير الدراماتيكي الذي طرأ على السواحل بعد أن اختفت الطيور البحرية من المنطقة.

فاليوم، لم يتبق سوى بضعة آلاف فقط من الطيور البحرية في سيلتيفيورد، ويقول باريت: «ما يظهر الآن هو مجرد عدد صغير للغاية مقارنةً لما كان الوضع عليه في السابق، إنه لأمر محزن للغاية أن نراه على هذا النحو».

ويُذكر أنه، لقد اختفى ما يقرب من 90 في المائة من طيور النورس البرية في النرويج على مدى العقود الأربعة الماضية، مع استمرار انخفاض أعداد أنواع الطيور البحرية الأخرى أيضاً، وفي الفترة بين عامي 2005 و2015، انخفض عدد الطيور البحرية في البر الرئيسي النرويجي بنحو الثلث، وفقاً للوكالة النرويجية للبيئة.

وعلى الرغم من أن هذه الصور قد تم التقاطها في النرويج، فإنها تُظهر تحولاً عالمياً، إذ انخفضت أعداد نصف أنواع الطيور البحرية في بريطانيا أيضاً خلال السنوات العشرين الماضية، بما في ذلك انخفاض بنسبة 42 في المائة في أعداد طيور الزمج، و49 في المائة في أعداد طائر النورس الشائع، كما تشير التقديرات إلى أن أعداد الطيور البحرية انخفضت على مستوى العالم بنسبة 70 في المائة في الفترة بين عامي 1950 و2010.