«حدوتة عمران»... توثيق جمالي لتراث واحة سيوة

أصدره جهاز «التنسيق الحضاري» ضمن سلسلة «ذاكرة المدينة»

اعتمد النمط العمراني في سيوة على تأكيد مدخل الواحة  بمئذنة مسجدها الرئيسي (الشرق الأوسط)
اعتمد النمط العمراني في سيوة على تأكيد مدخل الواحة بمئذنة مسجدها الرئيسي (الشرق الأوسط)
TT

«حدوتة عمران»... توثيق جمالي لتراث واحة سيوة

اعتمد النمط العمراني في سيوة على تأكيد مدخل الواحة  بمئذنة مسجدها الرئيسي (الشرق الأوسط)
اعتمد النمط العمراني في سيوة على تأكيد مدخل الواحة بمئذنة مسجدها الرئيسي (الشرق الأوسط)

ذاكرة المدن لا ينبغي أن تقتصر على عاطفة الحنين إلى الماضي، أو على حزمة من المشاعر الفياضة المتدفقة، إنما يقتضي الأمر حفظها وتوثيقها لتغذية ذاكرة سكانها، وتناقل تراثها بين الأجيال، تحقيقاً أيضاً لأهداف تنموية أكثر استدامة واستثماراً لثروات الأمكنة وناسها. وفي هذا السياق أصدر الجهاز القومي للتنسيق الحضاري أخيراً، كتاب «سيوة... حدوتة عمران» للدكتور حاتم عبد المنعم الطويل، أستاذ العمارة بكلية الفنون الجميلة، جامعة الإسكندرية، ويعد هذا الكتاب الإصدار الثالث من سلسلة «ذاكرة المدينة».
يستكمل الكتاب سرد القصص والحكايات المشوقة الجامعة بين عراقة الأمكنة والمباني وسكانها والمجتمع المحيط بها، وهو ما يميز السلسلة التي تلقي الضوء على المناطق ذات القيم التاريخية والتراثية المميزة؛ إلا أن الإصدار الجديد يكتسب أهمية خاصة، كونه الكتاب الأول الذي خرج بها من دائرة التوثيق للعاصمة إلى منطقة نائية؛ حيث كان باكورة إنتاج السلسلة «جزيرة الزمالك... القيمة والتراث»، وتبعه «جاردن سيتي المدينة الحدائقية... اسم ومعنى». المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن مصر تتمتع بتراث معماري عظيم، يعكس مهارة أبنائها في التعامل مع كل الثقافات والمدارس المعمارية التي مرت عليها، كما نجحت في إكسابها روحها وطابعها الخاص، ومن هنا يسعى الجهاز للحفاظ على هذه الهوية»، وتابع: «إصدار الكتاب الأخير يأتي ترجمة للاهتمام البالغ بسيوة، فقد وجدنا أن أجزاء منها تتعرض للتغيير والازدحام، ما أثار القلق داخلنا، كما أن الواحة تشهد نمو ثقافات مختلفة عنها، ولو تركنا الأمر هكذا فسنفقد جزءاً كبيراً من ذاكرتها، فإذا كانت التنمية والتطوير مطلوبين وضروريين، فإنه في الوقت نفسه علينا أن ننتبه إلى المحافظة على الجذور، ونأمل أن يساهم الكتاب في تحقيق ذلك».


د. حاتم الطويل  (الشرق الأوسط) - المهندس محمد أبو سعدة  (الشرق الأوسط)

«اللغز» هو الوصف الذي اختاره الدكتور حاتم الطويل للواحة في مقدمة الكتاب، أو التلخيص الذي رأى أنه ملائم تماماً لها، فيقول عنها: «هي لغز التاريخ... لغز الحضارات... لغز اللغة، كل ما فيها يمثل لغزاً كبيراً تراكمت من خلاله أحداث وحقائق أتت بهذه المنظومة الرائعة للبيئة العمرانية، في تماهيها مع البيئة الطبيعية بكل خصائصها، إضافة إلى الإنسان صانع تلك الحضارة العظيمة».
اللافت أن الطابع العام للكتاب من حيث القطع واختيار «الفونت» والتصميم، يتمتع ببساطة مفرطة أكسبته هالة من التلقائية، إلى جانب أن أسلوب الكتابة السلس المستند إلى السرد والحكي والتوضيح بالاسكتشات، قد تماهى مع شخصية سيوة وطباع أهلها، كما أن الاعتماد على المخططات التي رسمها الكاتب المعماري بيده بدلاً من الصور الفوتوغرافية، أو الرسوم الزيتية، قد سمح بتسلل إحساس الكاتب وتفاعله اللحظي مع روح المكان إلى القارئ، في وقت لم يعد للاسكتشات حتى في مجال العمارة مكان، في ظل سطوة التقنيات الحديثة في الرسم الهندسي.
ويقول الطويل لـ«الشرق الأوسط»: «كان ذلك وليد إحساسي بالمكان وتاريخه وخصوصيته، فبساطة الكتاب وتقسيمه من الداخل وطريقة إخراجه تتفق بصدق مع العمارة والعمران التلقائي بها، إضافة إلى انسجامه مع البيئة الطبيعية المحيطة، والتي تمتزج معها هوية البشر فيها، ولذلك حتى عنوان الكتاب جاء ليلخص الحكاية كلها (سيوة... حدوتة عمران) فكلمة (حدوتة) هي شديدة الفطرية والقرب من قلوب المصريين منذ طفولتهم».
لم تمنع البساطة والتلقائية اللتان يتمتع بهما الكتاب من الغوص والتعمق في الواحة، فعلى العكس يجد القارئ أنهما تشكلان مفاتيح لأسرار سيوة وتفاصيلها الدقيقة والشاملة، فبين دفتي الكتاب نتعرف على أسلوب العمارة التقليدية التي تُعد نموذجاً لمفاهيم العمارة البيئية، والاستدامة؛ حيث يعتمد البناء على استخدام الخامات المحلية المتاحة، مع مراعاة المناخ وطبيعة المكان، ونتعرف عن قرب على البلدة القديمة «شالي» بنسيجها العمراني المميز، ومنها ننتقل إلى بيوت سيوة ومساجدها وأسواقها.


زخارف وجمال الحُلي بسيوة (الشرق الأوسط) - حُلي مصنوعة من الفضة (الشرق الأوسط)

ومن أبرز صفحات الكتاب هي تلك التي يتحدث فيها الكاتب عن الحياة اليومية لأهل سيوة، وعاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم في المناسبات، انطلاقاً من أن العمارة تتأثر وتؤثر بكل ما يحيط بها: «الأعياد والاحتفالات في سيوة لها طابع خاص يعكس تراثها وثقافتها»، ومن أهم ما تطرق إليه عيد عاشوراء ومولد سيدي سليمان، وعادة «تقديد اللحوم» في عيد الأضحى لحفظ اللحوم بأسلوب بدائي بسيط، عن طريق إضافة الملح الكثير إليها، كما تطرق إلى أعياد تكاد تكون اندثرت، مثل «عيد الزجالة»، فبعد الانتهاء من الحصاد يلجأ الزجالة -وهم الشباب العاملون بالحقول والزراعة- لقضاء ثلاثة أيام في الرقص والغناء، وشرب «اللبجي»، وهو شراب يتم تخميره من قلب النخيل. إلى هذا نتعرف على عباءة المرأة ذات اللون الرمادي المائل للزرقة، والمنقوشة بالخيوط الملونة (أحمر وبرتقالي وأخضر) وتحمل زخارف ومفردات تشكيلية مأخوذة من الحضارة المصرية والبطلمية، كما هو موجود على مقابر سيوة، أما الرجل فيرتدي الجبة، في حين يتميز شيوخ القبائل بملابسهم البيضاء العاكسة لأشعة الشمس.
ولم يكن لكتاب عن سيوة أن يغفل عن السياحة العلاجية بها؛ حيث مياه عيونها المحتوية على أملاح وكبريت، والتي تجتذب الناس حول العالم، إلى جانب الدفن في الرمال في جبل الدكرور، كوسيلة علاجية لعديد من الأمراض.
ووصف الكاتب الفنون اليدوية، بسيوة، بأنها «واحدة من كنوز الواحة»: «هي عامل مؤثر في تشكيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية بها، وتنم تصاميمها عن بعد تراثي عميق يصل إلى الحضارة المصرية».



وسط أجواء من الفرح... الجامعات والمدارس تعيد فتح أبوابها في دمشق

طلاب سوريون يسحبون تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد بالقرب من حرم جامعة دمشق اليوم (أ.ف.ب)
طلاب سوريون يسحبون تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد بالقرب من حرم جامعة دمشق اليوم (أ.ف.ب)
TT

وسط أجواء من الفرح... الجامعات والمدارس تعيد فتح أبوابها في دمشق

طلاب سوريون يسحبون تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد بالقرب من حرم جامعة دمشق اليوم (أ.ف.ب)
طلاب سوريون يسحبون تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد بالقرب من حرم جامعة دمشق اليوم (أ.ف.ب)

«حاسين إننا تحررنا» هو الشعور السائد، اليوم (الأحد)، في الباحة الكبيرة بكلية الآداب في جامعة دمشق حيث داس مئات من الطلاب بحماسة تمثالاً يرمز إلى الحكم السابق بعد أسبوع على سقوط بشار الأسد.

وتقول ريناد عبد الله (18 عاماً): «كتير كتير الأجواء حلوة. يعني صراحة كله هيك عم يضحك ومبسوط».

وأمامها تمثال يرتفع عدّة أمتار لحافظ الأسد الذي حكم سوريا بقبضة من حديد من 1971 إلى 2000 قبل أن يخلفه ابنه بشار، طُرح أرضاً.

وتخبر الشابة التي تدرس الطبّ بأن لها صورة قديمة مع التمثال لكنها تنوي الآن «التقاط صورة ثانية لكن من دون التمثال».

وقال عميد كلية الآداب الدكتور علي اللحام، في تصريحات لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن الحصص التعليمية استؤنفت، الأحد، بحضور 80 في المائة من الموظفين وعدد كبير من الطلاب.

وفي باحة الجامعة، يعبّر مئات الطلاب عن فرحتهم، هاتفين بشعارات ثورية ورافعين علم الانتفاضة المنادية بالديمقراطية التي انطلقت في 2011، وتتوسطه 3 نجوم.

وتخبر ياسمين شهاب التي تدرس الأدب الإنجليزي، وهي في التاسعة والعشرين من العمر، بأنها كانت تنتظر هذه اللحظة منذ وقت جدّ طويل، خصوصاً أنه لم يعد للتمثال الذي كان «مثل الهمّ على القلب» وجود. وتقرّ: «حاسين إننا تحررنا»، معربة عن ثقتها بمستقبل سوريا الذي «لن يكون فيه طائفية».

وتؤكد أن «المرحلة المقبلة ستكون أحسن إن شاء الله وسنكون يداً بيد والكلّ سيكون له دور».

طلاب سوريون يشاركون في مسيرة بالقرب من حرم جامعة دمشق اليوم (أ.ف.ب)

وفي مبادرة عفوية، اتّجه آلاف الطلاب إلى ساحة الأمويين في دمشق حيث يحتفي السوريون منذ أسبوع بسقوط بشار الأسد.

وكان رئيس الوزراء محمد البشير المكلَّف المرحلة الانتقالية قد تعهّد، الأربعاء الماضي، بأن التحالف بقيادة «هيئة تحرير الشام» سيضمن حقوق الجميع في بلد متعدد الإثنيات والطوائف.

«دون قيود»

واليوم، عاد عشرات من التلاميذ إلى المدارس في دمشق للمرة الأولى منذ سقوط حكم بشار الأسد، على ما أفاد صحافيو الوكالة.

وعلى طريق المدرسة، رفعت فتيات إشارة النصر ولوّحت أخريات بعلم الثورة الذي رسمته إحداهن على خدّها.

وقالت رغيدة غصن (56 عاماً)، وهي أم لثلاثة أولاد، إن الأهل تلقوا «رسائل من المدرسة لإرسال الطلاب من الصف الرابع وحتى الصف العاشر. أما بالنسبة للأطفال فسيبدأ الدوام بعد يومين».

وفي قاعة تعليم في إحدى المدارس، لم يتغير الكثير ما خلا علم الثورة المعلّق على الحائط.

وقال موظف في المدرسة الوطنية إن نسبة الحضور اليوم «لم تتجاوز 30 في المائة» مشدداً على أن ذلك «أمر طبيعي، ومن المتوقع أن تزداد الأعداد تدريجياً».

وفي شوارع العاصمة السورية التي دخلها تحالف فصائل المعارضة المسلحة بقيادة «هيئة تحرير الشام»، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، عادت الحياة إلى طبيعتها في العاصمة مع انطلاق السكان إلى أعمالهم صباح اليوم.

وأقيم قداس في كاتدرائية سيدة النياح (المعروفة أيضاً باسم كنيسة الزيتون) في دمشق.

على أبواب أحد الأفران في حي ركن الدين الشعبي، تجمع نحو 10 أشخاص بانتظار دورهم للحصول على الخبز، حسب أحد مراسلي الوكالة.

وقال غالب خيرات (70 عاماً): «زاد عدد أرغفة ربطة الخبز إلى 12 رغيفاً بعد أن كانت 10 خلال فترة النظام السابق، ونستطيع أن نأخذ ما نشاء من الكميات دون قيود».

على الأرصفة، انتشر باعة جائلون يعرضون صفائح بنزين، فيما فتحت بعض محطات الوقود أبوابها لبيع المحروقات بكميات محدودة.

وفي الجانب الخدمي، لا يزال سكان المدينة يعانون من ساعات تقنين طويلة للتيار الكهربائي تصل إلى نحو 20 ساعة خلال اليوم في بعض المناطق، دون وجود بدائل للتدفئة أو شحن بطاريات الهواتف والأجهزة المحمولة.