ميانمار.. عاصمتها خالية من السكان والسيارات وقراها تنتظر نتائج الانفتاح

شارع رئيسي في العاصمة خال من السيارات والمارة (صورة خاصة بـ»الشرق الأوسط»)
شارع رئيسي في العاصمة خال من السيارات والمارة (صورة خاصة بـ»الشرق الأوسط»)
TT

ميانمار.. عاصمتها خالية من السكان والسيارات وقراها تنتظر نتائج الانفتاح

شارع رئيسي في العاصمة خال من السيارات والمارة (صورة خاصة بـ»الشرق الأوسط»)
شارع رئيسي في العاصمة خال من السيارات والمارة (صورة خاصة بـ»الشرق الأوسط»)

أحيا مناصرو الحريات والديمقراطية في ميانمار يوم 8 أغسطس (آب) الماضي مرور 25 عاما على الحركة الطلابية التي انتفضت وطالبت بالإصلاح عام 1988. وقمعت الحركة حينها لكنها زرعت بذورا تعتبر بداية عملية الإصلاح التي تشهدها البلاد الآن.
ولم تأت هذه العملية بسهولة، بل جاءت بعد سنوات من القمع والاعتقالات والمعاناة، وهي أساليب لم تختف كليا بل تراجعت منذ عملية الانفتاح التي أطلقت قبل سنتين، مع نقل الحكم من الجنرالات في بدلات عسكرية إلى جنرالات متقاعدين تمهيدا لحكم مدني كلي يتطلع إليه الشعب البورمي. فالرئيس الحالي تين سين الذي تولى الرئاسة في مارس (آذار) 2011 هو جنرال متقاعد، وحكومته مشكلة بشكل رئيس من جنرالات متقاعدين إصلاحيين عليهم قيادة البلاد في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البلاد.
وبوادر الانفتاح تظهر عند اللحظة الأولى من الوصول إلى مطار يانغون، وهو المطار الرئيس لميانمار، إذ كانت يانغون العاصمة قبل نقل العاصمة السياسية إلى مدينة ناي بي تاو الحديثة عام 2006. وبعد أن كان الحصول على تأشيرة دخول إلى ميانمار شبه مستحيل من دون إذن مسبق يستغرق أسابيع للحصول عليه، أصبح من الممكن لمن يزور البلاد أن يحصل على تأشيرة الدخول من السفارة خلال 5 أيام، أو أن يحصل عليها في المطار فورا إذا كان آتيا بغرض عمل متعلق بالتنمية الاقتصادية، وهي الأولوية المطلقة للحكومة الآن. وبعد الحصول على تأشيرة الدخول وعملية تفتيش مختصرة، يجد المسافر إلى يانغون إعلانات تجارية ضخمة ترافقه من مدرج الطائرة إلى صالة الاستقبالات في المطار.
وتحدثت «الشرق الأوسط» مع طالبين كانوا ضمن مجموعة طلاب يدرسون اللغة الإنجليزية ولغات أوروبية أخرى في كلية اللغات بيانغون جندتهم الحكومة لاستقبال المشاركين في مؤتمر «المنتدى الاقتصادي العالمي» الآسيوي الذي عقد في ميانمار وشاركت «الشرق الأوسط» فيه. وتحدث الطالبان بحماس عن ترحيبهما بالأجانب الذين أخذوا يتوافدون إلى ميانمار خلال السنتين الماضية بعد انقطاع شبه كلي عن العالم الخارجي. وقال ني نونغ، وعمره 20 عاما «نفرح باستقبال الزوار ومساعدتهم على معرفة بلدنا. نشعر بأن الكثيرين يتفاجأون هنا، إذ إن تصورهم يكون مختلفا قبل المجيء هنا». والمفاجأة عادة ما تكون بسبب شدة الترحيب الذي يلاقيه الزائر منذ اللحظة الأولى من الوصول، ممثلة بابتسامات المسؤولين في المطار وسائقي سيارات الأجرة، على الرغم من أن الغالبية العظمى لا تتحدث الإنجليزية. وأوضح زميل ني نونغ، ماونغ وعمره 20 عاما أيضا ويدرس اللغتين الإنجليزية والألمانية في كلية اللغات، أن «الحكومة طلبت منا المشاركة في استقبال الزوار لأننا نتحدث الإنجليزية، وسيكون هذا دورنا أيضا عند استضافة ألعاب جنوب شرق آسيا وقمة آسيان». وأضاف مبتسما «هذه البروفة لنا». وبالفعل، كانت استضافة ميانمار لمؤتمر «المنتدى الاقتصادي العالمي» في يونيو (حزيران) الماضي وهو المؤتمر الدولي الأول الذي عقد في ميانمار منذ 5 عقود، بمثابة بروفة للدولة من الناحية اللوجيستية والسياسية قبل استقبال الدورة الـ27 لألعاب جنوب شرقي آسيا بمشاركة رياضيين من 11 دولة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، والأهم من ذلك ترؤسها لقمة «آسيان» (اتحاد دول جنوب شرق آسيا) العام المقبل. والمناسبات الثلاث تعتبر جزءا مهما في إخراج ميانمار من عزلتها الدولية، بالإضافة إلى زيارات قادة مثل الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إليها.
وبينما مطار يانغون يعتبر مزدحما نسبيا، ما زال الطابع الأمني المتشدد يطغى على مطار العاصمة السياسية للبلاد ناي بي تاو، فعلى الرغم من تسميته «مطار ناي بي تاو الدولي»، فإن الرحلات الدولية ممنوعة منه وإليه، بل ويجب الانتقال إلى يانغون ضمن الإجراءات الأمنية لحماية قادة البلاد في عاصمتهم المنعزلة. كما أن هناك رحلتين في الأسبوع فقط إليها، فتقليديا استخدام المطار حكر على العسكر فقط. وناي بي تاو تعني في اللغة البورمية «مسكن الملوك»، وعلى الرغم من أن تعداد سكانها الرسمي 418 ألفا فإن غالبية السكان يعيشون في قرى مجاورة للعاصمة التي توجد حواجز أمنية عند جميع مداخلها. وسكان العاصمة والقرى المحيطة بها هم من الموظفين الحكوميين والعسكر، لكن الكثير من عائلاتهم يسكنون في يانغون التي تبعد مسافة 240 ميلا عنها، إذ تفتقر العاصمة الرسمية إلى تنوع المطاعم والمدارس وغيرها من مرفقات الحياة، كما لا يوجد فيها إلا متجران كبيران.
وعند الوصول إلى العاصمة من الضروري الاتفاق المسبق مع سائق سيارة أجرة من الفندق مسبقا، إذ لا توجد سيارات أجرة في المدينة كلها، وحتى الفنادق لديها سيارات أجرة غير رسمية. كما أن التصوير في العاصمة ممنوع بشكل عام، وكتب السياحة الخاصة بميانمار تحذر الزائر من التقاط الصور فيها، خاصة أن غالبية المباني تعود للحكومة أو العسكر.
وهناك 3 مدن رئيسة في ميانمار، هي يانغون وناي بي تاو وماندلي وماولامين، بالإضافة إلى مدن تاريخية مثل باغان. وعدا ذلك توجد المئات من القرى الريفية إذ يسكن 70 في المائة من سكان ميانمار (وتعدادهم 60 مليونا) فيها. وتربط البلاد شوارع بدائية، ما عدا الطرق الرئيسة التي تربط المدن الأساسية ولكن لا تتفرع منها شوارع تربط المدن الصغرى. فعلى سبيل المثال، للوصول من العاصمة الحديثة ناي بي تاو إلى العاصمة التاريخية باغان تستغرق 4 ساعات. ومن اللافت أن الشارع الرئيس يمر بقرى عدة بين المدينتين، ولكن لا توجد فيه إشارة ضوء واحدة على مدار الساعات الأربع.
والطرق هي مؤشر واحد على عدم تطوير ميانمار التي يوجد فيها من بعض أكبر المخزونات الطبيعية للأحجار الكريمة، بالإضافة إلى الغاز والنفط والحديد وغيرها من معادن طبيعية. كل هذا التنوع الإثني والاجتماعي يجعلها من أكثر الدول ثراء من حيث الثقافة. وبعد أن كانت ميانمار منعزلة دوليا، تنتظر البلاد نتائج السياحة التي أخذت تتسع فيها. وبعد أن كانت زعيمة المعارضة أونغ سان سو تشي طالبت بمقاطعة البلاد وعدم زيارتها خلال فترة فرض الإقامة الجبرية عليها، طالبت منذ عام 2011 بزيارة بلادها. وتقول جنيفر دران، وهي شابة فرنسية انتقلت إلى ميانمار قبل بضعة أعوام لتفتح وكالة سياحية صغيرة باسم «فيونيكس» وتعتبر من الوكالات النادرة هناك، أنها اتخذت قرار الهجرة إلى ميانمار «لأنها فرصة نادرة». وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذا البلد يتمتع بمكونات نادرة، وطبيعة خلابة، ومناطق غير مكتشفة من قبل السياح منذ عقود وشعب متعطش للتواصل مع الأجانب».
لكن آثار النظام القمعي والفساد الذي استشرى في ميانمار ما زالت ظاهرة في نواح معينة في البلاد، مثل الفقر الذي يعاني منه نحو 25 في المائة من سكان ميانمار الذين يعيشون دون خط الفقر، بينما 5 في المائة من الشعب يعاني من فقر مدقع. وذلك في بلد شعبه غالبا ما يلاقي صعوبة في الحياة المعيشية رغم أنه غني في المصادر الطبيعية خاصة المصادر النفطية والأحجار الكريمة. ومنذ عام 1953 أمم حكم العسكر جميع أراضي البلاد، مما زاد من فقر المزارعين. وكان قانون «الأراضي الزراعية» عام 2011 مهما في عملية الإصلاح في ميانمار، إذ ألغى قرار التأميم لعام 1953، وأصبح من الممكن لأبناء ميانمار التملك مجددا، وبموجبهم يمكن تأجير الأراضي للأجانب، وهو أمر أساسي لتطوير الاستثمار الأجنبي في البلاد، الذي تعول عليه الحكومة.
ويتحدث أحد موظفي الأمم المتحدة الذي سكن في ميانمار منذ أربع سنوات عن المؤشرات الصغيرة التي تدل على التغييرات خلال السنتين الماضية. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «حتى ديسمبر الماضي كان أكثر شيء افتقده مشروبات (كوكاكولا)، التي كانت ممنوعة في البلاد». وكان افتتاح معمل «كوكاكولا» في مايو (أيار) الماضي حدثا انشغل به الإعلام في ميانمار والأوساط المالية والسياسية، وتوجد الإعلانات للمشروب الأميركي حول البلاد، لكن في الواقع القرى الفقيرة لم تكن على معرفة به ولم تتأثر به. كما أن سماح الحكومة بفتح خطوط الهواتف الجوالة في البلاد قبل عامين لم يساعد غالبية سكان البلاد بسبب الأسعار الباهظة لاستخدامها، ففقط 9 في المائة من سكان ميانمار لديهم هواتف جوالة، والتغطية للهواتف متقطعة في المدن الرئيسة ومعدومة في القرى. مع ذلك، تقول الشابة واي ني، وهي تدرس اللغة الإنجليزية وتعمل بفندق «تريدرز» الضخم في يانغون «إنها مرحلة مثيرة وسعيدة بالنسبة لجيلي، يمكننا أن نغير مستقبل بلدنا ونحصل على ما لم يحصل عليه آباؤنا وأمهاتنا، لذلك أشعر بالتفاؤل رغم المصاعب». وربما أبرز هذه المصاعب الاقتتال الطائفي المستمر في ميانمار على الرغم من أنه لا يظهر في المدن الرئيسة، وتحاول الحكومة إظهاره بأنه أمر لن يعرقل مسيرة الإصلاح في البلاد. وهذا سيكون التحدي الأكبر لميانمار في الفترة المقبلة.



«الناتو» يرجّح تطوير روسيا سلاحاً جديداً لاستهداف أقمار «ستارلينك»

سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)
سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)
TT

«الناتو» يرجّح تطوير روسيا سلاحاً جديداً لاستهداف أقمار «ستارلينك»

سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)
سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)

تعمل روسيا على تطوير سلاح جديد مضادّ للأقمار الاصطناعية، صُمّم خصيصاً لاستهداف منظومة «ستارلينك» التابعة لرجل الأعمال إيلون ماسك، وفق ما أفادت تقارير استخباراتية صادرة عن دولتين في «حلف شمال الأطلسي» (ناتو).

وبحسب وثائق اطّلعت عليها وكالة «أسوشييتد برس»، يهدف السلاح، المعروف باسم «سلاح تأثير المنطقة»، إلى إغراق مدارات أقمار «ستارلينك» بمئات الآلاف من المقذوفات عالية الكثافة.

وقد يسمح هذا النوع من الأسلحة بتعطيل عدد كبير من الأقمار الاصطناعية دفعة واحدة، لكنه ينطوي في الوقت ذاته على مخاطر أضرار جانبية كارثية قد تطال أنظمة فضائية أخرى عاملة في المدار.

وتشير التقارير إلى أن الهدف من هذا التطوير يتمثل في الحد من التفوق الغربي في الفضاء، الذي لعب دوراً محورياً في دعم أوكرانيا ميدانياً خلال الحرب الجارية.

غير أن محللين لم يطّلعوا على هذه المعطيات تحديداً أعربوا عن تشككهم، متسائلين عمّا إذا كان يمكن نشر مثل هذا السلاح من دون التسبب في فوضى غير قابلة للسيطرة في الفضاء. وأشاروا إلى أن هذه الفوضى قد تطال ليس فقط جهات غربية، بل أيضاً شركات ودولاً، من بينها روسيا وحليفتها الصين، التي تعتمد على آلاف الأقمار الاصطناعية في المدار لتأمين الاتصالات والدفاع واحتياجات حيوية أخرى.

وأضاف المحللون أن التداعيات الكبيرة المحتملة، بما في ذلك المخاطر التي قد تهدد أنظمة روسيا الفضائية نفسها، قد تشكّل في نهاية المطاف عامل ردع لموسكو يحول دون نشر هذا السلاح أو استخدامه.

وقالت فيكتوريا سامسون، المتخصصة في أمن الفضاء في مؤسسة «العالم الآمن»، التي تشرف على الدراسة السنوية للمنظمة حول أنظمة الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية: «لا أقتنع بهذا الطرح إطلاقاً... حقاً لا أصدّقه». وأضافت: «سأُفاجأ كثيراً، بصراحة، إذا أقدموا على خطوة من هذا النوع».

في المقابل، قال قائد قسم الفضاء في الجيش الكندي، البريغادير جنرال كريستوفر هورنر، إن احتمال العمل الروسي على مثل هذه القدرات لا يمكن استبعاده، في ضوء اتهامات أميركية سابقة أفادت بأن موسكو تسعى أيضاً إلى تطوير سلاح نووي فضائي عشوائي التأثير.

وأضاف هورنر: «لا أستطيع القول إنني اطّلعت على إحاطة بشأن هذا النوع من الأنظمة، لكنه ليس أمراً غير قابل للتصديق». وتابع: «إذا كانت التقارير المتعلقة بالسلاح النووي دقيقة، وإذا كانوا مستعدين لتطويره والذهاب إلى هذا الحد، فلن يكون مفاجئاً بالنسبة لي أن يكون لديهم ضمن نطاق تطويرهم ما هو أدنى من ذلك قليلاً، لكنه لا يقل ضرراً عنه».

ولم يردّ المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف على طلبات وكالة «أسوشييتد برس» للتعليق. وكانت روسيا قد دعت في السابق إلى جهود داخل الأمم المتحدة لمنع نشر الأسلحة في المدار، في حين قال الرئيس فلاديمير بوتين إن موسكو لا تنوي نشر أسلحة نووية في الفضاء.

سلاح يستهدف عدة أهداف

وعُرضت النتائج الاستخباراتية على وكالة «أسوشييتد برس» بشرط عدم الكشف عن هوية الأجهزة المعنية، في حين لم تتمكن الوكالة من التحقق بشكل مستقل من خلاصات هذه النتائج.

ولم تردّ قوة الفضاء الأميركية على الأسئلة التي وُجّهت إليها عبر البريد الإلكتروني. ومن جهتها، قالت قيادة الفضاء في الجيش الفرنسي، في بيان لوكالة «أسوشييتد برس»، إنها لا تستطيع التعليق على هذه النتائج، لكنها أضافت: «يمكننا أن نؤكد أن روسيا كثّفت في السنوات الأخيرة أنشطة غير مسؤولة وخطِرة، بل عدائية، في الفضاء».

تشير النتائج الاستخباراتية إلى أن روسيا ترى منظومة «ستارلينك» على وجه الخصوص تهديداً خطيراً. وقد لعبت آلاف الأقمار الاصطناعية ذات المدار المنخفض دوراً محورياً في صمود أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي الشامل، الذي يدخل عامه الرابع.

ويُستخدم الإنترنت عالي السرعة الذي توفره «ستارلينك» من قبل القوات الأوكرانية في الاتصالات الميدانية وتوجيه الأسلحة ومهام أخرى، كما يعتمد عليه المدنيون والمسؤولون الحكوميون في المناطق التي تضررت فيها الاتصالات جراء الضربات الروسية.

وكان مسؤولون روس قد حذّروا مراراً من أن الأقمار الاصطناعية التجارية التي تخدم الجيش الأوكراني قد تُعدّ أهدافاً مشروعة. وقالت روسيا هذا الشهر إنها نشرت نظاماً صاروخياً أرضياً جديداً من طراز «إس-500»، قادراً على استهداف أهداف في المدار المنخفض.

وبخلاف صاروخ اختبرته روسيا عام 2021 لتدمير قمر اصطناعي متوقف عن العمل يعود إلى حقبة الحرب الباردة، فإن السلاح الجديد قيد التطوير يهدف، بحسب النتائج الاستخباراتية، إلى استهداف عدة أقمار لـ«ستارلينك» في آن واحد، عبر مقذوفات قد تُطلقها تشكيلات من أقمار اصطناعية صغيرة لم تُطلق بعد.

وقال هورنر إنه من الصعب تصور كيفية حصر سحب المقذوفات لاستهداف «ستارلينك» فقط، محذراً من أن الحطام الناتج قد يخرج «عن السيطرة بسرعة».

وأضاف: «تفجير حاوية مليئة بكرات معدنية صغيرة سيغطي نظاماً مدارياً كاملاً، وسيقضي على كل أقمار (ستارلينك) وكل الأقمار الأخرى الموجودة في المدار نفسه. وهذا هو الجانب المقلق للغاية».

نظام قد يكون تجريبياً

ولم تحدد النتائج التي اطّلعت عليها وكالة «أسوشييتد برس» موعداً محتملاً لامتلاك روسيا القدرة على نشر هذا النظام، كما لم توضح ما إذا كان قد خضع للاختبار، أو إلى أي مرحلة وصل البحث والتطوير.

وقال مسؤول مطّلع على النتائج وعلى معلومات استخباراتية أخرى لم تُكشف للوكالة، إن النظام قيد التطوير النشط، وإن تفاصيل توقيت نشره المتوقّع شديدة الحساسية ولا يمكن مشاركتها. وتحدث المسؤول بشرط عدم الكشف عن هويته.

ورجّحت سامسون أن تكون هذه الأبحاث الروسية ذات طابع تجريبي فحسب. وقالت: «لا أستبعد أن يعمد بعض العلماء إلى تطوير فكرة كهذه باعتبارها تجربة فكرية مثيرة، على أمل أن يتمكنوا يوماً ما من إقناع حكومتهم بتمويلها». وأضافت سامسون أن التلويح بتهديد روسي جديد محتمل قد يكون أيضاً محاولة لاستدراج رد فعل دولي.

وقالت سامسون: «غالباً ما يروّج أصحاب هذه الأفكار لها؛ لأنهم يريدون من الجانب الأميركي تطوير قدرات مماثلة، أو لتبرير زيادة الإنفاق على قدرات مواجهة التهديدات الفضائية، أو لاعتماد نهج أكثر تشدداً تجاه روسيا». وأضافت: «لا أقول إن هذا ما يحدث في هذه الحالة تحديداً، لكن من المعروف أن بعض الأطراف تستخدم مثل هذه الطروحات المتطرفة لتحقيق أهدافها».

مقذوفات صغيرة قد تمرّ دون رصد

وتشير النتائج الاستخباراتية إلى أن المقذوفات ستكون صغيرة جداً، لا يتجاوز حجمها بضعة مليمترات، ما قد يمكّنها من الإفلات من أنظمة الرصد الأرضية والفضائية التي تراقب الأجسام في الفضاء، الأمر الذي قد يصعّب تحديد الجهة المسؤولة عن أي هجوم وربطه بموسكو.

وقال كلايتون سووب، المتخصص في أمن الفضاء والتسلّح في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، إن «عدم القدرة على تتبّع المقذوفات سيعقّد الأمور»، لكنه أضاف أن «الناس سيتمكنون في النهاية من استنتاج ما حدث». وتابع: «إذا بدأت الأقمار الاصطناعية تتعطّل وتتضرر، فمن السهل ربط النقاط».

ولا يزال حجم الدمار الذي قد تُحدثه هذه المقذوفات الصغيرة غير واضح. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) كان اصطدام يُشتبه بأنه ناجم عن قطعة صغيرة من الحطام كافياً لإلحاق أضرار بمركبة فضائية صينية كانت مخصّصة لإعادة ثلاثة رواد فضاء إلى الأرض.

وقال سووب إن «الضرر الأكبر سيصيب على الأرجح الألواح الشمسية؛ لأنها الأكثر هشاشة»، مضيفاً أن ذلك «قد يكون كافياً لإلحاق أذى بالقمر الاصطناعي وإخراجه من الخدمة».

«سلاح ترهيب» يهدد بفوضى فضائية

ويرى محللون أن المقذوفات والحطام الناتج عن أي هجوم من هذا النوع قد يعودان تدريجياً نحو الأرض، ما قد يعرّض أنظمة فضائية أخرى للخطر أثناء سقوطهما.

وتدور أقمار «ستارلينك» على ارتفاع يقارب 550 كيلومتراً فوق سطح الأرض، في حين تعمل محطة «تيانغونغ» الصينية الفضائية ومحطة الفضاء الدولية في مدارات أدنى، «ما يعني أن كلتيهما ستواجه مخاطر محتملة»، وفق سووب.

وأضاف أن الفوضى الفضائية التي قد يتسبب فيها مثل هذا السلاح قد تمكّن موسكو من تهديد خصومها من دون الحاجة إلى استخدامه فعلياً. وقال: «يبدو الأمر وكأنه سلاح ترهيب، يُستخدم للردع أو لإيصال رسالة معينة».

من جهتها، رأت سامسون أن العيوب الكبيرة لسلاح المقذوفات العشوائي قد تدفع روسيا في نهاية المطاف إلى العدول عن هذا المسار.

وقالت سامسون: «لقد استثمروا قدراً هائلاً من الوقت والمال والموارد البشرية ليصبحوا قوة فضائية». وأضافت أن استخدام مثل هذا السلاح «سيؤدي فعلياً إلى قطع الوصول إلى الفضاء عنهم أيضاً»، متسائلة: «لا أعلم ما إذا كانوا مستعدين للتضحية بكل ذلك».


«حرب على الأمومة»... كيف أصبحت النساء الحوامل والأطفال أهدافاً في النزاعات؟

امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«حرب على الأمومة»... كيف أصبحت النساء الحوامل والأطفال أهدافاً في النزاعات؟

امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

كشف تحقيق أجرته صحيفة «الغارديان» البريطانية وبيانات جمعتها منظمة «إن سيكيوريتي إنسايت» غير الحكومية، عن مستوى غير مسبوق من العنف يطول النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة، في ظل النزاعات المشتعلة حول العالم.

ووفقاً للبيانات، فقد وقع ما يقرب من 300 هجوم وتعطيل لمرافق الرعاية الخاصة بالولادة والنساء الحوامل خلال السنوات الثلاث الماضية، بالإضافة إلى 119 حادثة على الأقل تضمنت ضربات مباشرة على المستشفيات وغرف الولادة.

ووقعت معظم هذه الهجمات في أوكرانيا وغزة والسودان، حيث تُحاصر مئات الآلاف من النساء الحوامل في مناطق النزاع.

استهداف النساء والكوادر الطبية

وقُتلت الكثير من النساء، ومُنع بعضهن من الحصول على الرعاية، وأُجبر البعض الآخر على الولادة في ظروف غير آمنة.

كما تُظهر البيانات مقتل 68 قابلة وطبيب نساء وتوليد على الأقل، واختطاف 15، واعتقال 101، مشيرة إلى أن هذه الأمور كانت تحدث أحياناً أثناء مساعدتهم للنساء في عمليات الولادة.

فلسطينية تحمل جثمان رضيع قُتل في ضربات إسرائيلية بمدينة غزة سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

ومن المرجح أن تكون هذه الأرقام أقل من الواقع؛ إذ لا تشمل إلا الحوادث التي تم الإبلاغ عنها في وسائل الإعلام المحلية والوطنية والدولية وقواعد البيانات الإلكترونية. وفي بعض مناطق النزاع، تكون الاتصالات والمعلومات شحيحة.

وفي العام الماضي، أفادت التقارير بأن نصف النساء اللواتي توفين أثناء الحمل أو الولادة كنّ في مناطق النزاع. وتقول سيما باحوس، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة: «هذه ليست نتائج طبيعية للحرب، بل هي نمط من العنف الإنجابي».

مرافق رعاية الأمومة والولادة

إلى جانب قتل النساء والكوادر الطبية المؤهلة، تُدمر الهجمات مرافق رعاية الأمومة والولادة، وتُشكل تهديداً لقدرة الدول على إعادة بناء قواها السكانية.

وفي غزة، أشارت لجنة تابعة للأمم المتحدة، في أحد أسباب إعلانها أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية هناك، إلى تأثير الهجمات على المستشفيات ومرافق رعاية الأمومة والولادة على الحق في الأمومة والصحة الإنجابية.

رُضَّع يتشاركون حضَّانة واحدة في مستشفى بمدينة غزة يوليو الماضي بسبب نقص الوقود (رويترز)

وحتى بعد وقف إطلاق النار في أكتوبر (تشرين الأول)، يقول أطباء في غزة إن النساء والأطفال ما زالوا يموتون بسبب تردي الرعاية الصحية؛ نتيجة لنقص الأدوية والمعدات. وقد صرّح مسؤول في إحدى وكالات الأمم المتحدة بأنه تلقى تقارير عن نساء في غزة يلدن في الأنقاض على جوانب الطرق لعدم تمكنهن من الوصول إلى المستشفيات.

ويقول الدكتور عدنان راضي، رئيس قسم أمراض النساء والتوليد في مستشفى العودة: «تعرضت أجنحة المرضى وغرف العمليات وأجنحة الولادة لإطلاق صواريخ وقذائف مباشرة».

وفي أوكرانيا، تضررت أو دُمرت 80 منشأة على الأقل للولادة وحديثي الولادة منذ بداية عام 2022.

طفل حديث الولادة بمستشفى بوكروفسك للولادة في دونيتسك شرق أوكرانيا (رويترز)

وقد أشار تحقيق «الغارديان» إلى أن الضغط النفسي زاد بشكل كبير من المضاعفات أثناء الولادة.

وفي مدينة خيرسون، جنوب أوكرانيا، تضرر مستشفى الولادة خمس مرات منذ بداية الحرب. ويقول رئيس قسم التوليد، بيترو مارينكوفسكي: «روسيا تستهدفنا عمداً».

وفي السودان، وتحديداً في يوم الثامن والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول)، كانت ثلاثون امرأة يحتمين في المستشفى السعودي للولادة بمدينة الفاشر، حين وقعت واحدة من أبشع الحوادث التي شهدتها الحرب الأهلية في هذا البلد، حيث اقتحم مسلحون من «قوات الدعم السريع»، المستشفى، وأفادت التقارير بمقتل أكثر من 460 مريضاً ومرافقيهم.

وكان عبد ربه أحمد، فني المختبر البالغ من العمر 28 عاماً، والذي كان يعمل في المستشفى تلك الليلة، من بين الناجين القلائل المعروفين. ويقول: «سمعت صراخ النساء والأطفال. كانوا يقتلون كل من في المستشفى. من استطاع منا الفرار، هرب».

سودانية اضطرت للهروب بطفلها من بلدتها الصغيرة إلى مخيم أدري في تشاد (أ.ب)

ووصفت منظمات حقوق الإنسان هذه المجزرة بأنها «فظاعة لا توصف»، وواحدة من أسوأ الأمثلة الحديثة على انهيار حماية مئات الملايين من المدنيين العالقين في مناطق النزاع.

وفي ميانمار، تعرضت المرافق الطبية للقصف، وقُبض على عشرات القابلات والمرضى، أو قُتلوا أو جُرحوا خلال العامين الماضيين في ظل الحرب الأهلية الدائرة في البلاد.

لا ضمانات ولا ملاحقات

وحالياً، تعيش 676 مليون امرأة على بعد 50 كيلومتراً من مناطق نزاعات مميتة، وهو أعلى مستوى مسجل منذ التسعينات، وسط غياب الضمانات والملاحقات القضائية لجرائم الحرب لمن يستهدفون خدمات رعاية الأمومة.

وتقول بايال شاه، محامية حقوق الإنسان في منظمة «أطباء من أجل حقوق الإنسان» غير الحكومية، إن غياب المساءلة خلق «ثقافة الإفلات من العقاب». وتضيف: «الهجمات المتعلقة بالصحة الإنجابية هي ضمن أعمال الإبادة الجماعية، حيث تقوم بمنع الولادات أو تدمير بقاء جماعة ما».

ويقول خبراء طبيون إن معظم وفيات الأمهات يمكن الوقاية منها باتباع الإجراءات الروتينية، لكن الأنظمة الصحية قد تنهار أثناء الحرب؛ ما يؤدي إلى تدمير الظروف التي تجعل الولادة الآمنة ممكنة.

وتقول منظمات حقوقية إن الخوف يدفع النساء أيضاً إلى الابتعاد عن المرافق التي كانت تُعدّ آمنة؛ ما يُجبرهن على المخاطرة، كالولادة في المنزل دون مساعدة طبية متخصصة أو إمكانية الوصول إلى الرعاية الطارئة.


الصين: احتجاز أميركا سفناً «انتهاك خطير» للقانون الدولي

ناقلتا نفط راسيتان قبالة سواحل فنزويلا (أ.ف.ب)
ناقلتا نفط راسيتان قبالة سواحل فنزويلا (أ.ف.ب)
TT

الصين: احتجاز أميركا سفناً «انتهاك خطير» للقانون الدولي

ناقلتا نفط راسيتان قبالة سواحل فنزويلا (أ.ف.ب)
ناقلتا نفط راسيتان قبالة سواحل فنزويلا (أ.ف.ب)

قالت وزارة الخارجية الصينية، الاثنين، إن احتجاز ‌الولايات المتحدة ‌لسفن تابعة ‌لدول ⁠أخرى ​بشكل ‌تعسفي يمثل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، مؤكدة رفض بكين ⁠جميع العقوبات ‌الأحادية وغير ‍المشروعة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان، ​في مؤتمر صحافي يومي، إن فنزويلا ⁠لها الحق في تعزيز علاقاتها مع الدول الأخرى، وفق ما ذكرته وكالة «​رويترز» للأنباء.

وأكد مسؤولون أميركيون لـ«رويترز»، الأحد، أن خفر السواحل الأميركي يتعقب ناقلة نفط في المياه الدولية قرب فنزويلا، وذلك في ثاني عملية من نوعها خلال يومين، والثالثة في أقل من أسبوعين في حال نجاحها.

وقال مسؤول: «يلاحق خفر السواحل الأميركي سفينة تابعة لأسطول الظل... وهي ضالعة في تحايل ​فنزويلا على العقوبات»، مضيفاً أنها «ترفع عَلماً زائفاً وتخضع لأمر احتجاز قضائي».

وذكر مسؤول آخر أن الناقلة تخضع للعقوبات، لكنه أضاف أنه لم يجر اعتلاؤها بعد، وأنه ربما يتم اعتراضها بطرق عدة مختلفة، منها الإبحار أو التحليق بالقرب منها.

ولم يحدد المسؤولون، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، موقعاً دقيقاً للعملية أو اسم السفينة المستهدفة.

كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن قبل أيام عدة عن فرض «حصار» على جميع ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات التي تدخل فنزويلا أو تخرج منها.

وشهدت حملة الضغط التي يشنها ترمب على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو تعزيز الوجود العسكري في المنطقة وتنفيذ أكثر من عشرين غارة عسكرية على سفن في المحيط الهادئ والبحر الكاريبي بالقرب من الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية.

وتسببت هذه الهجمات في مقتل 100 شخص على الأقل.