انطفاء مدام كارفن.. آخر رائدات الموضة الباريسية

{العملاقة} القصيرة القامة رحلت عن 105 سنوات

مدام كارفن في شقتها الباريسية عام 2002 (أ.ف.ب)
مدام كارفن في شقتها الباريسية عام 2002 (أ.ف.ب)
TT

انطفاء مدام كارفن.. آخر رائدات الموضة الباريسية

مدام كارفن في شقتها الباريسية عام 2002 (أ.ف.ب)
مدام كارفن في شقتها الباريسية عام 2002 (أ.ف.ب)

هل كان يتعين على تلك السيدة التي لا يتجاوز طولها المتر والنصف أن تموت لكي يعرف الفرنسيون أن اسمها الحقيقي هو كارمن دو توماسو؟! لقد عاشت 105 أعوام تحت اسم «مدام كارفن»، لقب الشهرة الذي جعلت منه واحدًا من العلامات التجارية الشهيرة في عالم الأزياء والعطور، ورحلت أمس بصمت، في باريس، ليتذكر معجبوها القدماء وزبوناتها أن المدام الضئيلة القامة كانت تتنفس في مكان ما من هذه العاصمة التي تتوالد فيها أسماء مصممين جدد كل يوم. حملت مدام كارفن عدة ألقاب خلال حياتها المديدة؛ فهي «العجوز الصغيرة»، و«المرأة ذات الثلاثة آلاف فولت»، و«صاحبة أخضر كارفن»، اللون الحشيشي الساطع الذي جعلت منه رمزًا لدار الأزياء الخاصة بها فصار يعرف باسمها. أما اللقب الذي ينطبق عليها فعلاً فهو «القزمة العملاقة». فقد كانت واحدة من النساء الشجاعات اللاتي اقتحمن عالم التصميم وصنعن شهرة الموضة الباريسية، إلى جانب كوكو شانيل ومدام غريه ومدام سكيارباريللي.
بعد دراستها في معهد الفنون الجميلة في باريس، كانت الخريجة الشابة تأمل أن تعمل في ميدان التصميم الداخلي. وهي قد حاولت طرح أزياء من تصميمها، لكن الحرب قامت وأجلت طموحها. وكان تجاهل مصممي الأزياء للنساء القصيرات القامة قد حرضها على التمرد وتصميم فساتين وتايورات تناسب الأجسام الصغيرة. وحال إعلان الهدنة، في عام 1945، افتتحت أول متجر لها، محورة اسمها من «كارمن» إلى «كارفن». واختارت مكانًا لها دكانًا يطل على مستديرة «الشانزليزيه»، وهو العنوان الذي سيصبح علامة شهيرة وموعدًا للأنيقات، بعد أن نجحت الدار واشترت العمارة كلها في أجمل بقعة من أجمل شارع في العالم. لقد أرادت أن تقدم للمرأة موضة خفيفة لاهية وأنيقة، بعد سنوات الحرب والتقشف وتسخير كل مصانع النسيج لصالح الجيش. وهي كانت تردد، في كل مجالسها، أنها ما كانت لتقتحم هذا الميدان «لو أن الطبيعة منحتها شبرًا إضافيًا من الطول».
في تلك الأيام، كان المصمم لانفان قد ابتكر درجة من درجات اللون الأزرق وكررها في تصاميمه بحيث حمل اللون اسمه. كما كانت دار «سكيارباريللي» قد اشتهرت بلون وردي صار علامة لها. ولكي تضع كارفن نفسها في مصاف الكبار، اختارت أخضرها الخاص بها ليكون علامة على التفاؤل والخصب بعد سنوات الاحتلال الألماني وملايين الرجال الذين خطفتهم الحرب وتركت نساءهم وبناتهم وأمهاتهم في ثياب الحداد.
كانت رائدة في أساليب الدعاية، تستأجر طائرات عمودية للترويج لعطورها الجديدة. كما حازت قصب السبق في تنظيم عروض للأزياء في العواصم الكبرى خارج فرنسا. كما عرفت كيف تفتح خطًا لتصميم أزياء مضيفات شركات الطيران وحصلت على عقود من أشهرها، من «إير فرانس» ونظيراتها الأوروبيات، وحتى عدد من شركات الطيران العربية. لقد ارتدت مضيفات 40 شركة عالمية أزياء موحدة من تصميم مدام كارفن، كلا منها ينسجم والبلد الذي ينتمين إليه.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».