«البير»... قصة رومانسية «ناعمة» داخل قفص مصارعة

المسرحية المصرية تستعيد سحر نهاية الألفية وأوجاعها

مشهد من المسرحية (صفحة المسرحية على فيسبوك)
مشهد من المسرحية (صفحة المسرحية على فيسبوك)
TT

«البير»... قصة رومانسية «ناعمة» داخل قفص مصارعة

مشهد من المسرحية (صفحة المسرحية على فيسبوك)
مشهد من المسرحية (صفحة المسرحية على فيسبوك)

يمثل الحنين إلى الماضي ظاهرة عامة تتخذ أشكالاً عديدة في مصر منها الحنين إلى حقبتي الثمانيات والتسعينات تحديداً، إذ نجد العديد من الأفلام والبرامج والصفحات الشخصية والقنوات المتخصصة على «يوتيوب» تستعيد وهج تلك الفترة وترصد رموزها من أغان وموضة وأزياء وأحداث عامة. وغالباً ما تأتي تلك الأعمال مغلفة بحالة من التمجيد في الماضي والبكاء على أطلاله، حيث إن صانعي المحتوى في هذه التجارب هم أنفسهم ممن عاصروا تلك الحقبة وهم في مرحلتي المراهقة والشباب.
ويبدو أن صناع المسرح قد قرروا مؤخراً الدخول على الخط هم أيضاً، كما يتجلى في مسرحية «البير» التي تعرض على مسرح «الهناجر» التابع لدار الأوبرا المصرية ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح الذي تستمر فعالياته حتى الثامن من أغسطس (آب) الحالي.
يبدأ العرض بداية غير تقليدية، بل يمكن القول إنها صادمة، فهناك حيز مكاني ضيق للغاية لا يكاد يتجاوز عدة أمتار مربعة يتوسطه قفص مصارعة من النوع سيئ السمعة، المجرّم بحكم القانون، حيث تتحول تلك الرياضة إلى اشتباك دموي يفجر أعنف الغرائز البدائية، وهي غريزة البقاء عندما يدخل المتنافسان القفص فلا يخرج منهما في نهاية اللقاء سوى فائز واحد نجا بحياته، أما الآخر فوافته المنية. بداخل القفص اثنان من الشباب في عمر الزهور، بنظرات زائغة وقلق واضح على الوجوه، أما الحكم فرجل مسن يقف خارج القفص بثياب سوداء وذقن رمادية غير حليقة. وهناك تلك الفتاة التي تمسك بلوحة صغيرة مكتوب عليها «1» في إشارة إلى الجولة الأولى.
إنه مشهد مثالي للعنف والاستعراض الدموي، شهدناه على الشاشة عبر أفلام أميركية عدة، لكن مع وجود فارق جوهري، فبدلاً من لمعة العيون ونظرات التحفز والملابس الأنيقة للفتاة الشقراء التي تسحر المتفرجين بابتسامة فاتنة وهي تعلن عن رقم كل جولة، نجد بطلة المسرحية ترتدي زياً بسيطاً يميز العائلات البسيطة في الأحياء الشعبية المصرية كما أن حالة الشرود التي تكتنف الخصمين توحي بأن الجميع يواجه خطراً محدقاً.
يستعيد المتصارعان براءتهما المفقودة حين يتذكران حقبة الثمانينات حين كانا طفلين يرددان مقولات شهيرة بين الصغار آنذاك مثل «أعطيك بوكس أخليك صابونة لوكس». وبالاستمرار في استخدام تكنيك «الفلاش باك» أو «الرجوع إلى الخلف» نعرف أن الحكم هو والدة الفتاة وأن المتصارعين كانا من جيران الفتاة ويتصارعان على الفوز بقلبها، لكن أحدهما حين يكبران يتناول المنشطات سالكاً طريقاً غير شرعي في معركة الحب، أما الآخر فيظل وفياً لفكرة أخلاق الفرسان.
تنتقل الأحداث إلى حقبة التسعينات حيث يصبح الشابان في طور المراهقة وتزداد مشاعرهما تجاه المحبوبة ضراوة مع خط موازٍ لأهم ما يميز تلك الحقبة على صعيد الأغاني والذكريات، لا سيما أغنيتي «لولاكي» للمطرب الراحل علي حميدة، التي تم إنتاجها عام 1988 وتحولت إلى أيقونة الغناء التجاري سنوات عديدة، و«كامننا» للنجم محمد فؤاد من فيلم «إسماعيلية رايح جاي»، الذي شهد صعود نجم الكوميديا محمد هنيدي.
استطاعت الفنانة فاطمة أحمد تجسيد ملامح الحب البريء ومشاعر العاطفة الأولى بصدق وإتقان، مستعينة بملامح وجهها الهادئ ذات الحضور المريح. ونجح الفنانان مصطفى عماد وأحمد عامر التعبير عن مراحل عمرية مختلفة مثل الطفولة والمراهقة والرجولة عبر الصوت فقط ونظرات العيون، حيث لا تغيير يحدث في الملابس أو الماكياج.
واللافت أن المؤلف والمخرج أحمد سمير لم يرصد الماضي من زاوية الاحتفاء والحنين فقط، بل أشار إلى بعض الحوادث المأساوية مثل حادثتي «قطار العياط» و«عبّارة السلام» اللتين تتفاوتان زمنياً لكن يجمع بينهما بشاعة الواقعة والعدد الضخم من البسطاء الذين راحوا ضحايا كل منهما.
ولم يقع سمير كذلك وفق نقاد في فخ المباشرة والمعالجة الميلودرامية الفجة، فقد صور على سبيل المثال حادثة «قطار العياط» من خلال صوت مخيف يتصاعد لحركة عجلات حديدية تصطدم بالقضبان ثم صوت زجاج يتهشم، بحيث يصل المعنى قوياً دون تزيد في استدرار الدموع.
ويؤكد أحمد سمير سعادته بردود الفعل تجاه العمل سواء على المستوى النقدي أو الجماهيري، والتي تؤكد أن العمل الجيد يفرض نفسه دون حاجة إلى إنتاج ضخم أو دعاية مكثفة بالضرورة، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «تعاملنا مع الماضي يجب أن يتصف بالحكمة والتروي عند الحكم على الأمور دون تقديس يعمينا عن رؤية الدروس المستفادة ودون أن نهيل التراب في الوقت نفسه على أي قيمة جميلة في حياتنا»، على حد تعبيره.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

«بيروت ترنم» يفتتح نسخته الـ17 مع موزارت ويختمها مع بوتشيني

فريق «سيستيما» يشارك في إحياء «بيروت ترنّم» (بيروت ترنم)
فريق «سيستيما» يشارك في إحياء «بيروت ترنّم» (بيروت ترنم)
TT

«بيروت ترنم» يفتتح نسخته الـ17 مع موزارت ويختمها مع بوتشيني

فريق «سيستيما» يشارك في إحياء «بيروت ترنّم» (بيروت ترنم)
فريق «سيستيما» يشارك في إحياء «بيروت ترنّم» (بيروت ترنم)

«لسنا بخير في لبنان ولكننا سنكمل رسالتنا حتى النفس الأخير». بهذه الكلمات تستهل ميشلين أبي سمرا حديثها مع «الشرق الأوسط»، تُخبرنا عن برنامج النسخة الـ17 من مهرجان «بيروت ترنّم». فهي تتمسّك بتنظيم المهرجان في قلب المدينة؛ ما جعله بمثابة تقليدٍ سنوي في فترة أعياد الميلاد. طيلة السنوات الماضية ورغم كل الأزمات التي مرّ بها لبنان بقيت متشبثة بإحيائه.

كارلا شمعون من نجمات لبنان المشاركات في «بيروت ترنّم» (بيروت ترنم)

ينطلق «بيروت ترنّم» في 4 ديسمبر (كانون الأول) المقبل ويستمر لغاية 23 منه. وتتجوّل الفرق الفنية المشاركة فيه بين مناطق مونو والتباريس والجميزة في بيروت، وكذلك في جامعة الألبا في سن الفيل، وصولاً إلى زوق مصبح ودير البلمند في شمال لبنان.

وبالنسبة لميشلين أبي سمرا فإن النسخة 17 من المهرجان تتجدد هذا العام من خلال أماكن إحيائه. وتتابع: «يزخر لبنان بأماكن مقدسة جمّة يمكننا مشاهدتها في مختلف مناطقه وأحيائه. وهذه السنة تأخذ فعاليات المهرجان منحى روحانياً بامتياز، فيحط رحاله في أكثر من دار عبادة وكنيسة. وبذلك نترجم العلاج الروحاني الذي نطلبه من الموسيقى. جراحنا وآلامنا لا تحصى، ونحتاج هذه المساحة الروحانية الممزوجة بالموسيقى كي نشفى».

أمسية «تينور يواجه تينور» مع ماتيو خضر ومارك رعيدي (بيروت ترنم)

يفتتح «بيروت ترنّم» أيامه بأمسية موسيقية مع الأوركسترا اللبنانية الوطنية، وتتضمن مقاطع موسيقية لموزارت بمشاركة السوبرانو ميرا عقيقي. ويحضر زملاء لها منهم الميزو سوبرانو غريس مدوّر، وعازف الباريتون سيزار ناعسي مع مواكبة جوقة كورال الجامعة الأنطونية. وبقيادة المايسترو الأب توفيق معتوق ستتجلّى موسيقى موزارت في كنيسة مار يوسف في مونو.

وبالتعاون مع السفارة السويسرية واليونيسكو في بيروت، يقدم فريق «سيستيما» حفله في جامعة «الألبا». وتقول ميشلين أبي سمرا: «أسسنا هذا الفريق منذ سنوات عدّة، وهو ملحق بـ(بيروت ترنّم)، ويتألف من نحو 100 عازف ومنشدٍ من الأولاد. ونحن فخورون اليوم بتطوره وإحيائه عدة حفلات ناجحة في مناطق لبنانية. سنكون على موعد معه في (بيروت ترنمّ) في 8 ديسمبر».

ومن الفنانين اللبنانيين المشاركين في برنامج الحفل الموسيقي زياد الأحمدية، الذي يحيي في 11 ديسمبر حفلاً في جامعة «الألبا» للفنون الجميلة. ويؤلف مع عازفي الساكسوفون و«الدوبل باس» نضال أبو سمرا ومكرم أبو الحصن الثلاثي الموسيقي المنتظر.

«مقامات وإيقاعات» أمسية موسيقية شرقية مع فراس عنداري (بيروت ترنم)

وتحت عنوان «سبحان الكلمة» تحيي غادة شبير ليلة 13 ديسمبر من المهرجان في كنيسة مار بولس وبطرس في بلدة قرنة شهوان، في حين تشارك كارلا شمعون في هذه النسخة من «بيروت ترنّم» في 15 ديسمبر، فتقدّم حفلاً من وحي عيد الميلاد بعنوان «نور الأمل».

تشير ميشلين أبي سمرا في سياق حديثها إلى أن عقبات كثيرة واجهتها من أجل تنفيذ المهرجان. «إننا في زمن حرب قاسية ولاقينا صعوبات مادية شكّلت عقبة، لولا دعمنا من قبل رعاة متحمسين مثلنا لاستمرارية لبنان الثقافة. كما أن نجوماً أجانب أصرّوا على المشاركة والمجيء إلى لبنان رغم ظروفه اليوم».

عازف العود زياد الأحمدية يحيي ليلة 11 ديسمبر (بيروت ترنم)

من بين هؤلاء النجوم الإسبانيان عازف الكمان فرانشيسكو فولانا وعازفة البيانو ألبا فينتورا. ومن بلجيكا يحلّ كلٌ من عازفة التشيللو ستيفاني هوانغ وعازف البيانو فلوريان نواك ضيفين على المهرجان، ويقدمان معاً حفلهما الموسيقي في 18 ديسمبر في كنيسة مار مارون في شارع الجميزة.

ومن الحفلات المنتظرة في هذه النسخة «تينور يواجه تينور». وتوضح ميشلين أبي سمرا: «يتجدّد برنامج المهرجان مع هذا الحفل. فهو يحدث لأول مرة ويشارك فيه كل من ماتيو خضر ومارك رعيدي، فيتباريان بصوتهما الرنان بعرض أوبرالي استثنائي». ويقام هذا الحفل في 9 ديسمبر في كنيسة مار مارون في الجميزة.

عازف الكمان الإسباني فرانسيسكو فولانا (بيروت ترنم)

ومن الفِرق اللبنانية المشاركة أيضاً في «بيروت ترنّم» كورال الفيحاء الوطني بقيادة المايسترو باركيف تاسلاكيان. وكذلك هناك مقامات وإيقاعات مع فراس عينداري ومحمد نحاس ومجدي زين الدين وهاشم أبو الخاضر، يقدّمون عرضاً غنائياً شرقياً، يتخلّله عزف على العود والقانون والكمان. ويقام الحفلان ليلتي 19 و20 ديسمبر في الجميزة. ويختتم «بيروت ترنّم» فعالياته في 23 ديسمبر في كنيسة مار مارون في الجميزة. وذلك ضمن حفل موسيقي في الذكرى المئوية للإيطالي بوتشيني، ويحييها التينور بشارة مفرّج وجوقة الجامعة الأنطونية بقيادة الأب خليل رحمة.