شانجراجوبتا.. ملك الهند العظيم

شانجراجوبتا.. ملك الهند العظيم
TT

شانجراجوبتا.. ملك الهند العظيم

شانجراجوبتا.. ملك الهند العظيم

تقول الحكمة، إن العجائب كثيرة، ولكن لا يوجد أعجب من الإنسان. ولو تأمّلنا معناها لوجدناها تنطبق على كثير من الشخصيات التاريخية العظيمة، ولكنها قد تكون الجملة التي تصف الزعيم العظيم شانجراجوبتا مؤسس إمبراطورية «موريا» في الهند، أكبر إمبراطورية عرفتها الهند في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، ليس فقط لأنها كانت أول تجربة لتوحيد أغلبية شبه القارة الهندية في كيان مركزي واحد، ولكنها كانت تجربة أصعب من تجارب الكثيرين غيره، نظرًا لعدم وجود تجانس كبير بين القبائل والمناطق الشاسعة التي وقعت تحت سيطرته، فضلاً عن صعوبة إدارتها في وقت كانت فيه الكتابة غير متاحة للسواد الأعظم، وكان شمال غربي القارة تحت الاحتلال. ولكن عظمة هذا الرجل تجسدت أيضًا بالتنازل الكامل عن مُلكه والدخول طوعًا في الروحانيات واعتزال الحياة سعيًا للوصول للسمو الروحي، كما وصل للسمو السياسي والإداري، وهو ما دفعه وفقًا لمعتقداته للموت جوعًا سعيًا للتطهر الروحي اتباعًا لعقيدة «الجاينية» التي كان يؤمن بها.
اختلفت المصادر التاريخية حول بداية حياة شانجراجوبتا، ولكنه بكل تأكيد كان من عائلة متواضعة سعت بعض المصادر إلى ربطها فعليًا بالنظام الحاكم في دولة «الناندا» شمال شرقي الهند، ولكنه أمر غير محسوم. فلقد كانت هذه الدولة من أقوى الدول في النصف الثاني من القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت تسيطر على شمال غربي الهند في ذلك الوقت، ولكنها كانت مترددة في مواجهة قوات الإسكندر الأكبر. وتشير المصادر التاريخية إلى أن شانجراجوبتا سنحت له الفرصة للقاء الإسكندر الأكبر خلال حملاته، ولكن عظمة هذا الرجل بدأت بعد ممات الإسكندر الأكبر في 323 قبل الميلاد عندما قُسمت إمبراطوريته إلى ثلاثة أجزاء فضربت الفوضى في الدولة التي كانت تسيطر على الشرق، حيث سعى الرجل لاستعادة الأراضي التي كانت تحت قيادة اليونانيين، وقد نجح بشكل كبير في استغلال هذه الظروف واستعاد الجزء الشمالي الغربي من الهند بعد سلسلة من المعارك المتواصلة، وعندما اكتفى الرجل في الجبهة الغربية، بدأ يوجه جهوده نحو شبه القارة الهندية خاصة إمبراطورية «الناندا» والتي كانت تحت حكم أسرة قوية، ولكن الملك الطموح أراد أن يضمها إلى دولته البازغة، وكان مدركًا تمامًا أن هذه الإمبراطورية هي مفتاح أي فتوحات مستقبلية، فلو استولى عليها فإن الطريق أصبح ممهدًا أمامه من أجل العمل على إقامة دولة موحدة في شبه القارة الهندية بلا أي معوقات عملية، وبالفعل بدأ حملته بتأثير كبير من مستشاره وأستاذه «شاناكيا»، والذي كان له أكبر الأثر في تنشئته سياسيًا وعسكريًا، حيث دخل في تحالفات مع الكثير من القبائل في الهيمالايا واستعد بجيوشه لمواجهة هذه الدولة القوية.
ويقال إن القائد شانجراجوبتا استوحى خطته الهجومية على إمبراطورية (الناندا) عندما كان ينظر إلى أم تسعى لإقناع ابنها بتفادي البدء بالجزء الساخن من وجبته في وسط الطبق، وبالتالي بدأ حملته على أطراف الإمبراطورية، حيث كان جيشها القوي متمركزًا في الوسط، ولذلك هاجم أطراف الإمبراطورية من خلال سلسلة من الهجمات الجانبية، والتي كان من شأنها إخراج صلب الجيش من المركز إلى الأطراف، وهو ما أعقبه بسلسلة من المعارك موجهة نحو المركز بعدما فتت الجزء الأكبر منه، وقد نجح الرجل من خلال هذا التحرك في هزيمة جيوش هذه الإمبراطورية واستولى على العاصمة «باتاليبوترا» في عام 321 قبل الميلاد، وهنا لعب مستشاره وأستاذه «شاناكيا» دورًا كبيرًا في إعلان تلميذه وملّكه إمبراطورًا على دولة «مووريا»، مؤسسًا بذلك أكبر دولة عرفتها هذه المنطقة منذ مطلع التاريخ تحت حكمه المطلق.
واقع الأمر أن شانجراجوبتا وجّه كثيرًا من جهده بعد ذلك نحو الإصلاحات الداخلية في البلاد في ظروف صعبة للغاية، حيث كانت الدولة في حالة يرثى لها من الفقر والجهل وسوء الإدارة وعدم وجود نظام إداري منظم أو نظام ضرائبي متوازن أو سياسة نقدية موحدة، وهو ما دفعه لإحالة هذا الملف الداخلي إلى أستاذه «شاناكيا» مرة أخرى، والذي بدأ يُدخل التشريعات المالية وسك العملة ووضع النظام الضرائبي المناسب ومحاولة إدخال بعض التعديلات الاجتماعية كما فتح المجال أمام ازدهار التجارة في شبه القارة الهندية، وهو ما سمح له بهامش كبير من الثروة لبناء الدولة التي كان ينشدها.
وبعدما وجّه شانجراجوبتا جهوده نحو الإصلاحات الداخلية، بدأ في عام 305 قبل الميلاد في مواجهة الدولة اليونانية مرة أخرى في الغرب، والتي كانت تحت قيادة «سيليوكوس نيكاتور» أحد جنرالات الإسكندر الأكبر، والذي أصبح له أطماع في إمبراطورية «ماوورا». جهز حملته القوية وتوجه نحو الشمال الغربي ودخل في سلسلة من الصدامات بشكل مفتوح مع هذا القائد فاستطاع أن يهزم الجيوش اليونانية هزيمة نكراء مكّنته بعدها من الاستيلاء على الكثير من الأراضي بما فيها أجزاء مما هي معروفة اليوم بباكستان وأفغانستان، وهو ما وسّع إمبراطوريته بشكل كبير للغاية، وهنا برزت عظمة الملك الهندي المناور، حيث قبل الصلح مع غريمه اليوناني «سيليكيوس نيكاتور» وفتح له ذراعيه، بل إنه أخذ ابنته زوجة له، وفي المقابل أرسل له خمسمائة فيل كهدية، والتي كانت لها دورها الهام والحيوي في انتصارات هذا الرجل في العراق وفارس بعد ذلك.
وعقب هزيمة اليونانيين وتأمين الجبهة الشمالية الغربية تمامًا، بدأ شانجراجوبتا في التوجه نحو الجنوب لإخضاع باقي القبائل التي كانت خارجة على حكمه، وقد استطاع الرجل في زمن قياسي أن يخضع هذه المناطق بشكل تلقائي، ولكنه توقف دون إتمام المهمة، حيث بقيت المنطقة الجنوبية خارج نطاق حكمه، وهو بذلك يكون أول قائد عسكري وسياسي يستطيع أن يوحد الهند تقريبًا باستثناء الشريط الجنوبي منها، ويضعها تحت حكم موحد مركزه في الشمال الغربي.
ومع وذلك وهو في عنفوان مجده، فإن الرجل تنازل عن الحكم لصالح ابنه «بيندوسارا» واعتزل الحكم تمامًا لممارسة معتقداته، وتشير بعض المصادر التاريخية غير المؤكدة إلى أن هذا الرجل أشرف على ميلاد ابنه بنفسه بعدما سقطت أمه مغشيًا عليها وهي في الأيام الأخيرة من حملها جراء تجرع السم الذي كان مقصودًا به زوجها فشق بطنها لإنقاذ ابنه بعدما كانت الأم تلفظ أنفاسها الأخيرة، ومما يقال أيضًا إن هذا الملك كان يتجرع أقساطًا من السم تدريجيًا ليقوي مناعته ضد السموم، وهو ما لم يكن غريبًا في ذلك الوقت على بعض الملوك.
لقد وضع شانجراجوبتا مثالاً للعبقرية السياسية والمعنى الحقيقي لرجل الدولة الذي استطاع أن يوازن بين الفكر والحنكة والبطش والمناورة وحسن الإدارة، ويلاحظ أن الرجل لم يفتح جبهتين كبيرتين في آنٍ واحد، ولجأ لسياسة مواجهة الأخطار الواحدة تلو الأخرى، وخلق إمبراطورية متوازنة تحافظ على علاقاتها مع جيرانها بشكل محسوب وفقًا لمقولة «الأرثاشاسترا» الهندية الشهيرة المنسوبة إلى أستاذه «شناكيا» والتي تقول «.. إن الغازي يجب أن ينظر إلى الدولة المحيطة به كعجلة من الحلفاء وهو مركزها، يأتونه مثل المحاور المختلفة نحو المركز وهم غير ملتصقين».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».