شانجراجوبتا.. ملك الهند العظيم

شانجراجوبتا.. ملك الهند العظيم
TT

شانجراجوبتا.. ملك الهند العظيم

شانجراجوبتا.. ملك الهند العظيم

تقول الحكمة، إن العجائب كثيرة، ولكن لا يوجد أعجب من الإنسان. ولو تأمّلنا معناها لوجدناها تنطبق على كثير من الشخصيات التاريخية العظيمة، ولكنها قد تكون الجملة التي تصف الزعيم العظيم شانجراجوبتا مؤسس إمبراطورية «موريا» في الهند، أكبر إمبراطورية عرفتها الهند في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، ليس فقط لأنها كانت أول تجربة لتوحيد أغلبية شبه القارة الهندية في كيان مركزي واحد، ولكنها كانت تجربة أصعب من تجارب الكثيرين غيره، نظرًا لعدم وجود تجانس كبير بين القبائل والمناطق الشاسعة التي وقعت تحت سيطرته، فضلاً عن صعوبة إدارتها في وقت كانت فيه الكتابة غير متاحة للسواد الأعظم، وكان شمال غربي القارة تحت الاحتلال. ولكن عظمة هذا الرجل تجسدت أيضًا بالتنازل الكامل عن مُلكه والدخول طوعًا في الروحانيات واعتزال الحياة سعيًا للوصول للسمو الروحي، كما وصل للسمو السياسي والإداري، وهو ما دفعه وفقًا لمعتقداته للموت جوعًا سعيًا للتطهر الروحي اتباعًا لعقيدة «الجاينية» التي كان يؤمن بها.
اختلفت المصادر التاريخية حول بداية حياة شانجراجوبتا، ولكنه بكل تأكيد كان من عائلة متواضعة سعت بعض المصادر إلى ربطها فعليًا بالنظام الحاكم في دولة «الناندا» شمال شرقي الهند، ولكنه أمر غير محسوم. فلقد كانت هذه الدولة من أقوى الدول في النصف الثاني من القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت تسيطر على شمال غربي الهند في ذلك الوقت، ولكنها كانت مترددة في مواجهة قوات الإسكندر الأكبر. وتشير المصادر التاريخية إلى أن شانجراجوبتا سنحت له الفرصة للقاء الإسكندر الأكبر خلال حملاته، ولكن عظمة هذا الرجل بدأت بعد ممات الإسكندر الأكبر في 323 قبل الميلاد عندما قُسمت إمبراطوريته إلى ثلاثة أجزاء فضربت الفوضى في الدولة التي كانت تسيطر على الشرق، حيث سعى الرجل لاستعادة الأراضي التي كانت تحت قيادة اليونانيين، وقد نجح بشكل كبير في استغلال هذه الظروف واستعاد الجزء الشمالي الغربي من الهند بعد سلسلة من المعارك المتواصلة، وعندما اكتفى الرجل في الجبهة الغربية، بدأ يوجه جهوده نحو شبه القارة الهندية خاصة إمبراطورية «الناندا» والتي كانت تحت حكم أسرة قوية، ولكن الملك الطموح أراد أن يضمها إلى دولته البازغة، وكان مدركًا تمامًا أن هذه الإمبراطورية هي مفتاح أي فتوحات مستقبلية، فلو استولى عليها فإن الطريق أصبح ممهدًا أمامه من أجل العمل على إقامة دولة موحدة في شبه القارة الهندية بلا أي معوقات عملية، وبالفعل بدأ حملته بتأثير كبير من مستشاره وأستاذه «شاناكيا»، والذي كان له أكبر الأثر في تنشئته سياسيًا وعسكريًا، حيث دخل في تحالفات مع الكثير من القبائل في الهيمالايا واستعد بجيوشه لمواجهة هذه الدولة القوية.
ويقال إن القائد شانجراجوبتا استوحى خطته الهجومية على إمبراطورية (الناندا) عندما كان ينظر إلى أم تسعى لإقناع ابنها بتفادي البدء بالجزء الساخن من وجبته في وسط الطبق، وبالتالي بدأ حملته على أطراف الإمبراطورية، حيث كان جيشها القوي متمركزًا في الوسط، ولذلك هاجم أطراف الإمبراطورية من خلال سلسلة من الهجمات الجانبية، والتي كان من شأنها إخراج صلب الجيش من المركز إلى الأطراف، وهو ما أعقبه بسلسلة من المعارك موجهة نحو المركز بعدما فتت الجزء الأكبر منه، وقد نجح الرجل من خلال هذا التحرك في هزيمة جيوش هذه الإمبراطورية واستولى على العاصمة «باتاليبوترا» في عام 321 قبل الميلاد، وهنا لعب مستشاره وأستاذه «شاناكيا» دورًا كبيرًا في إعلان تلميذه وملّكه إمبراطورًا على دولة «مووريا»، مؤسسًا بذلك أكبر دولة عرفتها هذه المنطقة منذ مطلع التاريخ تحت حكمه المطلق.
واقع الأمر أن شانجراجوبتا وجّه كثيرًا من جهده بعد ذلك نحو الإصلاحات الداخلية في البلاد في ظروف صعبة للغاية، حيث كانت الدولة في حالة يرثى لها من الفقر والجهل وسوء الإدارة وعدم وجود نظام إداري منظم أو نظام ضرائبي متوازن أو سياسة نقدية موحدة، وهو ما دفعه لإحالة هذا الملف الداخلي إلى أستاذه «شاناكيا» مرة أخرى، والذي بدأ يُدخل التشريعات المالية وسك العملة ووضع النظام الضرائبي المناسب ومحاولة إدخال بعض التعديلات الاجتماعية كما فتح المجال أمام ازدهار التجارة في شبه القارة الهندية، وهو ما سمح له بهامش كبير من الثروة لبناء الدولة التي كان ينشدها.
وبعدما وجّه شانجراجوبتا جهوده نحو الإصلاحات الداخلية، بدأ في عام 305 قبل الميلاد في مواجهة الدولة اليونانية مرة أخرى في الغرب، والتي كانت تحت قيادة «سيليوكوس نيكاتور» أحد جنرالات الإسكندر الأكبر، والذي أصبح له أطماع في إمبراطورية «ماوورا». جهز حملته القوية وتوجه نحو الشمال الغربي ودخل في سلسلة من الصدامات بشكل مفتوح مع هذا القائد فاستطاع أن يهزم الجيوش اليونانية هزيمة نكراء مكّنته بعدها من الاستيلاء على الكثير من الأراضي بما فيها أجزاء مما هي معروفة اليوم بباكستان وأفغانستان، وهو ما وسّع إمبراطوريته بشكل كبير للغاية، وهنا برزت عظمة الملك الهندي المناور، حيث قبل الصلح مع غريمه اليوناني «سيليكيوس نيكاتور» وفتح له ذراعيه، بل إنه أخذ ابنته زوجة له، وفي المقابل أرسل له خمسمائة فيل كهدية، والتي كانت لها دورها الهام والحيوي في انتصارات هذا الرجل في العراق وفارس بعد ذلك.
وعقب هزيمة اليونانيين وتأمين الجبهة الشمالية الغربية تمامًا، بدأ شانجراجوبتا في التوجه نحو الجنوب لإخضاع باقي القبائل التي كانت خارجة على حكمه، وقد استطاع الرجل في زمن قياسي أن يخضع هذه المناطق بشكل تلقائي، ولكنه توقف دون إتمام المهمة، حيث بقيت المنطقة الجنوبية خارج نطاق حكمه، وهو بذلك يكون أول قائد عسكري وسياسي يستطيع أن يوحد الهند تقريبًا باستثناء الشريط الجنوبي منها، ويضعها تحت حكم موحد مركزه في الشمال الغربي.
ومع وذلك وهو في عنفوان مجده، فإن الرجل تنازل عن الحكم لصالح ابنه «بيندوسارا» واعتزل الحكم تمامًا لممارسة معتقداته، وتشير بعض المصادر التاريخية غير المؤكدة إلى أن هذا الرجل أشرف على ميلاد ابنه بنفسه بعدما سقطت أمه مغشيًا عليها وهي في الأيام الأخيرة من حملها جراء تجرع السم الذي كان مقصودًا به زوجها فشق بطنها لإنقاذ ابنه بعدما كانت الأم تلفظ أنفاسها الأخيرة، ومما يقال أيضًا إن هذا الملك كان يتجرع أقساطًا من السم تدريجيًا ليقوي مناعته ضد السموم، وهو ما لم يكن غريبًا في ذلك الوقت على بعض الملوك.
لقد وضع شانجراجوبتا مثالاً للعبقرية السياسية والمعنى الحقيقي لرجل الدولة الذي استطاع أن يوازن بين الفكر والحنكة والبطش والمناورة وحسن الإدارة، ويلاحظ أن الرجل لم يفتح جبهتين كبيرتين في آنٍ واحد، ولجأ لسياسة مواجهة الأخطار الواحدة تلو الأخرى، وخلق إمبراطورية متوازنة تحافظ على علاقاتها مع جيرانها بشكل محسوب وفقًا لمقولة «الأرثاشاسترا» الهندية الشهيرة المنسوبة إلى أستاذه «شناكيا» والتي تقول «.. إن الغازي يجب أن ينظر إلى الدولة المحيطة به كعجلة من الحلفاء وهو مركزها، يأتونه مثل المحاور المختلفة نحو المركز وهم غير ملتصقين».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.