غالباً ما يوصف تصوير رئيس الجمهورية (أو رئيس الدولة) في الهند باعتباره يتقلد منصباً شرفياً (فخرياً) فحسب، ولا يتولى سوى التصديق على القرارات التي تتخذها الحكومة. وأحد الأسباب وراء ذلك، أنه على الرغم من أن جميع التعيينات في الوظائف التنفيذية للاتحاد (الدولة الاتحادية الهندية) تجري باسم الرئيس، فإن المادة 74 من الدستور تنص بوضوح على أن عليه التصرف بناءً على المشورة الملزمة من مجلس وزرائه بقيادة رئيس الوزراء.
مع هذا، وقعت خلافات في الماضي بين رؤساء الجمهورية مع قرارات رؤساء وزرائهم وحكوماتهم. وعلى الرغم من دور الرئيس كوصي على الحكومة والبرلمان والقوات المسلحة والقضاء، فإن بعض الرؤساء السابقين رفضوا التصديق على بعض قرارات الحكومات آنذاك، وأجروا بعض التدخلات والتغييرات المهمة وتجرأوا على الاختلاف مع الحكومات آنذاك. وعلى سبيل المثال، اختلف رئيس الهند الأول، راجندرا براساد، كثيراً مع رئيس الوزراء جواهر لال نهرو، وفي بعض الأحيان، كان يوجه انتقادات للحكومة في تصريحاته العامة.
كذلك، ارتبط أسوأ القوانين الصادرة في الهند بالرئيس الخامس فخر الدين علي أحمد، الذي كان ثاني مسلم يتولى منصب رئيس الهند (بعد الدكتور ذاكر حسين) وخريج جامعة كمبردج الشهيرة. فقد أذعن أحمد لمطالب رئيسة الوزراء السابقة أنديرا غاندي بإعلان حالة الطوارئ بالبلاد؛ الأمر الذي ساعد غاندي على إطلاق حكم القبضة الحديدية في الهند عام 1975. وفي كتاب «سجلات الطوارئ: أنديرا غاندي ونقطة تحول الديمقراطية»، يكتب المؤرخ جيان براكاش، كيف تناول أحمد المهدّئات بعد التوقيع على حقوق الهند الديمقراطية لرئيسة الوزراء (آنذاك) غاندي.
بذا؛ نجد أنه رغم كون سلطات الرئيس شرفية (فخرية) إلى حد كبير، فإن هذا لا ينفي اضطلاعه بدور حاسم إبّان الأزمات السياسية. وبالتالي، فإن وجود شخص في منصب الرئيس على صلة بالحزب سيكون دوماً بمثابة ميزة للحزب الحاكم.
من ناحية أخرى، من المؤكد أن لدى الديمقراطية الهندية قدرة مذهلة على مزاوجة المعارضة والتنسيق. ومع أن الرئيس يتمتع بسلطة غير محدودة في تعيين وإقالة رئيس الوزراء والوزراء وقضاة المحكمة العليا وقادة الجيش، فإنه لم ينشأ على أرض الواقع قط وضعٌ اقتضى ذلك. والمعروف، أن الرئيس السابع، جياني زيل سينغ، ربطته علاقة عاصفة مع رئيس الوزراء (آنذاك) راجيف غاندي، وثمة مزاعم أنه كان ينوي إقالة راجيف غاندي من منصب رئيس الوزراء، لكنه عجز عن الإقدام على هذه الخطوة الكبرى بسبب الاعتراضات الشديدة التي جابهها من مختلف القطاعات.
ومن ناحيته، رد شانكار دايال شارما، الرئيس التاسع، أمرين تنفيذيين إلى مجلس الوزراء عام 1996؛ كونه ارتأى أنهما صدرا «بشكل غير لائق» قبل الانتخابات العامة. في حين يمكن القول، إن خليفته، كيه. آر. نارايانان، وهو دبلوماسي سابق تخرج في كلية لندن للاقتصاد، كان أحد أكثر رؤساء الهند حزماً.
ولقد أعلن نارايانان بوضوح، أثناء وجوده في منصبه، خلال مقابلة صحافية «أنا لست رئيساً يصادق تلقائياً على كل ما يعرض عليه، بل أحرص على تفحّص كل ملف يصلني بعناية». وبسبب رأيه المستقل، نشأت حالة من الاختلاف العميق في الرأي وصراعات مختلفة خلال فترة ولايته. أما خليفته، إيه. بي. جيه. عبد الكلام، الذي اشتهر بألقاب «رجل الصواريخ» و«رئيس الشعوب» و«القائد العظيم»، فكان عالماً ومعلماً، وإنسان طيباً، يعدّ أحد أشهر الرؤساء الهنود. ثم إنه كان أول رئيس هندي من دون أي خلفية سياسية. وقد رُشّح عن حزب بهاراتيا جاناتا إبان حكم رئيس الوزراء السابق أتال بيهاري من 2002 حتى 2007.
عبد الكلام تميّز بشخصيته الكاريزمية وعقله الفضولي، وكان محبوباً للغاية لدى الكثير من المعلمين والطلاب. وجرى تكريمه بثلاث جوائز مدنية هندية رفيعة ـ بادما بوشان (للخدمة المميزة من الدرجة الأولى)، بادما فيبهوشان (زينة اللوتس) وأعلى جائزة مدنية هندية هي «بهارات راتنا» (جوهرة الهند). إلا أن عبد الكلام كان أكثر تحفظاً؛ لأنه لم يكن سياسياً.
وأخيراً، بما يخص براناب موخيرجي، وهو زعيم مخضرم في حزب المؤتمر ووزير سابق، فكان الأكثر حزماً بين جميع الرؤساء السابقين تقريباً. ورغم رفضه تخفيف الحكم عن 28 من المحكوم عليهم بالإعدام خلال فترة حكمه، فإنه تحدى نصيحة الحكومة وخفف أحكام الإعدام الصادرة بحق أربعة مُدانين.
رئيس الجمهورية في الهند... «رأس» الدولة
رئيس الجمهورية في الهند... «رأس» الدولة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة