«الصين الواحدة»: الحقوق والشرعية والقوة

صورة نشرتها قناة CCTV لضربات «صاروخية دقيقة» نفذتها العسكرية الصينية في مضيق تايوان (أ.ب)
صورة نشرتها قناة CCTV لضربات «صاروخية دقيقة» نفذتها العسكرية الصينية في مضيق تايوان (أ.ب)
TT

«الصين الواحدة»: الحقوق والشرعية والقوة

صورة نشرتها قناة CCTV لضربات «صاروخية دقيقة» نفذتها العسكرية الصينية في مضيق تايوان (أ.ب)
صورة نشرتها قناة CCTV لضربات «صاروخية دقيقة» نفذتها العسكرية الصينية في مضيق تايوان (أ.ب)

تماشياً مع التقليد الصيني بوضع خطط طويلة المدى، كانت بكين تتوقع «استرجاع» جزيرة تايوان بحلول عام 2050، بعد أن تكون جمهورية الصين الشعبية قد أكملت بناء جيشها، خصوصاً قواتها البحرية.
عودة الجزيرة إلى البر الصيني في 2050 كانت موضع تعهد مغلف بالتهديد أطلقه الرئيس شي جينبينغ في مطلع سنة 2019 أثناء حفل خصص للذكرى الأربعين لبداية تحسن العلاقات بين الجانبين، وأكد فيه أهمية «التوحيد السلمي» لكنه لم يحتفظ بحق بكين في استخدام القوة لتحقيق هذا الهدف. في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 ألقى الرئيس شي خطاباً في قاعة الشعب الكبرى كرر فيه العمل على «التوحيد السلمي»، لكنه امتنع عن الإشارة إلى الحل العسكري للقضية التايوانية.
المناورات التي بدأها «جيش التحرير الشعبي» الصيني بالذخيرة الحية في ستة قطاعات بحرية تحيط بالجزيرة من كل الجهات، تأكيد لا لبس فيه أن بكين عازمة على فرض وجهة نظرها في موضوع تايوان، وأن سياسة «الصين الواحدة» التي تحظى بتأييد عالمي، قد تتخذ وجهة حربية إذا لم تسر الأمور في الوجهة التي ترضي حكومة بكين.

صورة نشرتها قناة CCTV لضربات «صاروخية دقيقة» نفذتها العسكرية الصينية في مضيق تايوان (أ.ب)

غني عن البيان أن زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي ليست السبب في الأزمة الحالية التي انتظرها المراقبون منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير (شباط) الماضي. الزيارة التي اعترض عليها الرئيس جو بايدن ونصحت القيادة العسكرية الأميركية بإلغائها، أصابتها سهام النقد إصابات عديدة، ابتداء من افتتاحيات كبرى الصحف الأميركية التي رأى بعضها أن بيلوسي لا تقدم خدمة إلى أمن أو ازدهار تايوان بإصرارها على التوجه إلى تايبيه.

رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي خلال زيارتها تايوان (أ.ف.ب)

لكن هل وصلت الأمور حقاً إلى نقطة الصدام الحتمي بين الصين وتايوان ومن ورائها الولايات المتحدة؟ العودة إلى سجل الصراع تُظهر أن ثمة ما يشبه دورة من الأزمات يشهدها مضيق تايوان كل فترة من الزمن. المرة الأخيرة التي وصل فيها التوتر إلى حدود خطر المواجهة العسكرية كانت في 1995 – 1996، عندما زار الرئيس التايواني الأسبق لي تنغ هوي الولايات المتحدة بذريعة إلقاء كلمة في متخرجي جامعة كورنيل التي تلقى علومه فيها. إدارة بيل كلينتون لم ترحب بالزيارة لكنها اضطرت إلى منح لي تأشيرة دخول بعدما أصدر الكونغرس قانوناً يلزم وزارة الخارجية الأميركية بذلك.

الرئيس التايواني الأسبق لي تنغ هوي في زيارة ودية إلى الولايات المتحدة في عام 1983عندما كان حاكم مقاطعة تايوان(أ.ب)

ومعروف أن حرباً صغيرة اندلعت على جانبي المضيق فور انسحاب قوات الجنرال شن كاي شك من البر الصيني إثر هزيمته أمام القوات الشيوعية بقيادة ماو تسي تونغ في ختام الحرب الأهلية الصينية الثانية سنة 1949.


تماثيل شن كاي شك بعد نقلها إلى حديقة قريبة من ضريحه في تاويوان( رويترز)

ودارت جولات من التراشق المدفعي طوال الخمسينات بين البر ومجموعة من الجزر الصغيرة التي ظلت تحت سيطرة «الوطنيين» الذين حظوا في تلك الفترة بدعم أميركي كبير في مقابل المساندة السوفياتية لحكومة بكين، وذلك في سياق الحرب الباردة التي ظل الصراع بين بكين وتايوان واحداً من فصولها إلى أن ألقى ماو عن كتفه العباءة السوفياتية وقرر بناء الاشتراكية على الطريقة الصينية. وظهرت في الاشتباكات المدفعية هذه حدود القدرات العسكرية لبكين وعدم تمتعها بالقوة الكافية لتنفيذ إنزالات بحرية أو جوية على شواطئ تايوان. فتأجل الحل العسكري حتى إشعار آخر.

تدريبات عسكرية لجيش التحرير الشعبي في عام 1996 خلال أول انتخابات رئاسية مفتوحة في تايوان (رويترز)

في غضون ذلك، اكتشفت الولايات المتحدة أهمية العلاقات مع الصين الشيوعية في سياق استراتيجية كبرى تشمل الانفتاح الاقتصادي والسياسي وتطويق الاتحاد السوفياتي وتغيير كامل المناخ السياسي في شرق آسيا التي كانت تدور فيها رحى حروب الهند الصينية في فيتنام وكمبوديا ولاوس. ووافقت واشنطن على الاعتراف بالصين الشعبية وحلولها مكان «جمهورية الصين» (تايوان) كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، بل وخروج هذه الأخيرة من الأمم المتحدة برمتها وخسارتها الاعتراف الدولي بها.
وعلى امتداد السبعينات والثمانينات، ورغم مرور العلاقات الأميركية – الصينية باختبارات قاسية منها قمع الانتفاضة الصينية المطالبة بالديمقراطية في ساحة تيان آنمين، فإن الخيار الاستراتيجي الأميركي ظل إلى جانب بكين كعنصر لا غنى عنه في منظومة الأمن والاقتصاد في آسيا.

سيدة تمشي في بكين أمام شاشة كبيرة تعرض نشرة إخبارية عن التدريبات العسكرية الصينية التي تطوق تايوان (أ.ف.ب)

نجاح الصين الباهر غيّر الصورة هذه، حيث بات الدور الإقليمي أصغر من الحجم الحقيقي للقدرات الصينية التي تمددت عبر العالم. وعلى الرغم من أن الاستقلال الناجز ليس شعاراً شعبياً لدى أكثرية سكان تايوان الذين انتخبوا مرات متتالية سياسيين لا يودون خوض قتال جديد ضد الصين، حيث أظهرت الانتخابات الرئاسية التي أجريت في يناير (كانون الثاني) الماضي أن التايوانيين يفضلون بقاء الوضع على ما هو عليه من دون لا عودة إلى الدولة الصينية ولا إعلان الاستقلال والتورط في مشكلات لا نهاية لها، خصوصاً أن اقتصاد الجزيرة مزدهر، إلا أن ذلك لم يسحب فكرة الوحدة من ذهن القيادة في البر الصيني.
تبرز هنا قضية شرعية السيادة الصينية على الجزيرة ومستقبل سياسة «الصين الواحدة»، وسط مقارنات مع ما تعلنه روسيا عن حقوقها في جزء من الأراضي الأوكرانية. عليه، يبدو أن التاريخ لا يطوي في واقع الأمر دفاتره ويعترف بالحقائق الجديدة إلا في حالات ضعف المطالبين بحقوقهم.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

العالم زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

أدلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمزيد من التصريحات بشأن مكالمة هاتفية جرت أخيراً مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، في أول محادثة مباشرة بين الزعيمين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال زيلينسكي في كييف، الجمعة، بعد يومين من الاتصال الهاتفي، إنه خلال المكالمة، تحدث هو وشي عن سلامة الأراضي الأوكرانية ووحدتها «بما في ذلك شبه جزيرة القرم (التي ضمتها روسيا على البحر الأسود)» وميثاق الأمم المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

تبرأت الصين، اليوم (الجمعة)، من اتهامات وجهها خبراء من الأمم المتحدة بإجبارها مئات الآلاف من التيبتيين على الالتحاق ببرامج «للتدريب المهني» تهدد هويتهم، ويمكن أن تؤدي إلى العمل القسري. وقال خبراء في بيان (الخميس)، إن «مئات الآلاف من التيبتيين تم تحويلهم من حياتهم الريفية التقليدية إلى وظائف تتطلب مهارات منخفضة وذات أجر منخفض منذ عام 2015، في إطار برنامج وُصف بأنه طوعي، لكن مشاركتهم قسرية». واكدت بكين أن «التيبت تتمتع بالاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والوحدة العرقية وموحّدة دينياً ويعيش الناس (هناك) ويعملون في سلام». وأضافت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، أن «المخاوف المز

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

وافق البرلمان الياباني (دايت)، اليوم (الجمعة)، على اتفاقيتين للتعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا، ما يمهّد الطريق أمام سريان مفعولهما بمجرد أن تستكمل كانبيرا ولندن إجراءات الموافقة عليهما، وفق وكالة الأنباء الألمانية. وفي مسعى مستتر للتصدي للصعود العسكري للصين وموقفها العدائي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، سوف تجعل الاتفاقيتان لندن وكانبيرا أول وثاني شريكين لطوكيو في اتفاق الوصول المتبادل، بحسب وكالة كيودو اليابانية للأنباء. ووافق مجلس المستشارين الياباني (مجلس الشيوخ) على الاتفاقيتين التي تحدد قواعد نقل الأفراد والأسلحة والإمدادات بعدما أعطى مجلس النواب الضوء الأخضر لها في وقت سابق العام

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

أثار كتاب التاريخ لتلاميذ المدارس الصينيين الذي يذكر استجابة البلاد لوباء «كورونا» لأول مرة نقاشاً على الإنترنت، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). يتساءل البعض عما إذا كان الوصف ضمن الكتاب الذي يتناول محاربة البلاد للفيروس صحيحاً وموضوعياً. أعلن قادة الحزب الشيوعي الصيني «انتصاراً حاسماً» على الفيروس في وقت سابق من هذا العام. كما اتُهمت الدولة بعدم الشفافية في مشاركة بيانات فيروس «كورونا». بدأ مقطع فيديو قصير يُظهر فقرة من كتاب التاريخ المدرسي لطلاب الصف الثامن على «دويين»، النسخة المحلية الصينية من «تيك توك»، ينتشر منذ يوم الأربعاء. تم تحميله بواسطة مستخدم يبدو أنه مدرس تاريخ، ويوضح

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».