«تحت الأسفلت»... تأملات حول العنف والفقر والمدينة

يضم كتاب «تحت الأسفلت شاطئ... ترجمات عن الشباب والمدينة» الصادر حديثاً عن دار «هن» بالقاهرة نصوصاً متنوعة عن العنف والعدالة والمدينة، من بينها نصوص مترجمة للمفكر الفرنسي جي ديبور، بعنوان «ثلاث وثائق مواقفية» يعرض فيها آراءه حول مسألة المرور والتنقل، وقضية العمران، والصدفة، مركّزاً على التنظيم الحضري الحديث للمدينة الذي صاحب الحداثة، وأصبح معياراً للانضباط والكفاءة.
ويتضمن الكتاب إلى جانب ذلك دراسات حول «العنف البطيء» للمفكر والباحث الأميركي روب نيكسون، و«المتروبول والحياة الذهنية» لعالم الاجتماع الألماني جورج سيميل، و«مدخل إلى الجغرافيا النفسية» للباحثة الإنجليزية «مايسي ريد جواي»، و«آمل أن نختار الحب: ملاحظات على تطبيق العدالة»، للكاتبة الصينية كاي تشينج، وتركز أطروحات الكتاب على مناقشة مجموعة من المفاهيم والأسئلة وتثير الكثير من المناقشات التي تنطلق من ثيمة المدينة والشباب، باعتبارها مظلة واسعة تشمل تقاطعات لمجالات معرفية مختلفة.
الكتاب تم تنفيذه بدعم من المجلس العربي للعلوم الاجتماعية، في إطار منحة مقدمة من مؤسسة فورد والوكالة السويدية للتنمية الدولية سيدا، وهو ثمرة لورشة ترجمة جماعية شارك فيها 14 مترجماً انتهت منذ عدة أشهر، وأقامتها دار «هن» المصرية. وتدور الأطروحة الأولى في الكتاب حول «العنف البطيء» وقامت بترجمتها آية الحسيني وأمل عبد الرحمن وبسمة ناجي، وهي جزء من كتاب نشره المفكر الأميركي روب نيكسون بعنوان «العنف البطيء وبيئوية الفقراء» 2011 ضمن مطبوعات جامعة هارفارد، وخلاله يعيد النظر في الافتراض الذي يشير إلى فجائية العنف، وفوريته، ويتأمل الخفاء النسبي للعنف البطيء التصاعدي الذي تتأجل تداعياته الكارثية لسنوات أو عقود أو قرون.
يتناول نيكسون أيضاً التحديات الاستراتيجية والتمثيلية للعنف البطيء التي تواجه بشكل أساسي دعاة وناشطين في مجال حماية البيئة، ويكشف ما يواجهونه من عقبات هائلة تعوق جهود الحشد من أجل مواجهة تغير المناخ، وذوبان الغلاف الجليدي، والانجراف السام، وقطع الغابات، والآثار الإشعاعية للحروب، وزيادة معدلات حمضية المحيطات، فضلاً عن مجموعة من الأزمات البيئية الأخرى التي تتكشف ببطء، وينتج عنها أفعال كارثية. يبني نيكسون كتابه على ثلاثة مرتكزات أساسية، أولها الضرر الذي يحدث تدريجياً، بعيداً عن مرأى البصر، وعنف الدمار المتأخر، المتفشي عبر الزمان والمكان، وهو عنف مُستنزِف لا يُرى على أنه عنف على الإطلاق، وأثره غير واضح، يتدرج ويتصاعد في آثاره المأساوية عبر الزمن، أما الثاني فيركز على النشاط السياسي البيئي الذي يطول الفقراء أولاً، ويؤدي إلى تفاقم حالة الفقر لديهم، لينفذ إلى جوانب عديدة من حياتهم، أما القضية الثالثة فترتبط بتحدي الظهور الذي يربط العنف البطيء ببيئوية الفقراء ويمكن ملاحظته في الصورة المعقدة، والغاضبة في الغالب، للكاتب الناشط بيئياً، ويركز نيكسون بشكل خاص على كُتاب استطاعوا توظيف منتجهم الإبداعي وحماسهم البالغ لإبراز أسباب تهميش الإعلام للمتضررين بيئياً مع التركيز على استراتيجيات مواجهة الكوارث الطبيعية التي تصيب المجتمعات في أفريقيا، والشرق الأوسط، والهند، والكاريبي، والولايات المتحدة وبريطانيا.
ويطرح المفهوم الملتبس للعنف البطيء الذي اهتم بتوضيحه نيكسون عدة تحديات علمية، وقانونية، وسياسية، وتمثيلية. فبين نشوء العنف البطيء وآثاره المتأخرة، تتلاشى أسباب الكارثة، وتمر الخسائر عادة دون حصر أو ذِكر، وهو ما يجعل تأمين تدابير قانونية فعالة للوقاية والإصلاح والتعويض صعباً للغاية، من هنا يرى نيكسون أن مواجهة العنف البطيء تتطلب التخطيط ورسم شكل رمزي للتهديدات التي تتسرب تداعياتها القاتلة عبر المكان والزمان، فضلاً عن البحث عن طرق إبداعية لجذب انتباه الجمهور إلى الأفعال الكارثية التي تكون خافتة في المشهد وما تحمله من تأثيرات صارخة على المدى الطويل، ومن هنا تأتي أهمية طرح نيكسون مفهومه حول العنف البطيء، ومن خلاله يدعو إلى التفكير في صفات التخفي والمراوغة واللاتجسد واللامشهدية واللادرامية والامتداد الزمني الذي يتسم بها. وفي مقال بعنوان «آملُ أن نختار الحُب» من ترجمة آية الحسيني وبسمة ناجي ونرمين نزار، تطرح الباحثة الصينية كاي شينج عدداً من التساؤلات حول مفهوم العدالة وممارساتها في سياق الأنظمة القمعية، والأبوية الكارهة للنساء، وتساؤلات عن التعافي والرعاية المجتمعية، وهو عبارة عن ملاحظات على تطبيق العدالة كتبته تشينج عام 2018 ونشرته على موقعي ميديام، وترانسفورم هارم. وتتحدث تشينج عن تجربتها السياسية ونضالها على مدار سنوات من أجل العدالة الاجتماعية، وباعتبارها جزءاً من الحركة النسوية واليسار الراديكالي، كما تشرح مفهومها عن العدالة وممارستها وتقترح بعض النقاط الهامة التي يمكن أخذها في الاعتبار عند التفكير في محاولات تطبيق العدالة.