واصل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن حركته الدؤوبة منذ تسلمه السلطة في السابع من أبريل (نيسان) الماضي، لجهة مساعيه لإعادة بناء مؤسسات الشرعية، وتوحيد القوى المناوئة للانقلاب الحوثي على قاعدة الشراكة الوطنية، وسط توقعات بصدور المزيد من القرارات الإصلاحية في مختلف المؤسسات والقطاعات.
كان رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، أصدر خلال الأيام الماضية عدداً من القرارات، تمثل أبرزها في تعديل وزاري شمل أربع حقائب في حكومة معين عبد الملك، وهي حقائب الدفاع والنفط والأشغال العامة والكهرباء، إلى جانب تعيين محافظين لكل من حضرموت وسقطرى.
قرارات «الرئاسي اليمني»، التي جاءت بالتوافق، قضت بتعيين القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي رأفت علي إبراهيم الثقلي محافظاً لمحافظة أرخبيل سقطرى، كما قضت بتعيين البرلماني المحسوب على حزب «المؤتمر الشعبي» مبخوت بن مبارك مرعي يسلم بن ماضي محافظاً لحضرموت.
وشملت القرارات تعيين القيادي العسكري المخضرم محسن الداعري وزيراً للدفاع، وسعيد سليمان بركات الشماسي وزيراً للنفط والمعادن، والمهندس مانع بن يمين وزيراً للكهرباء والطاقة، والمهندس سالم الحريزي وزيراً للأشغال العامة والطرق.
وتقول مصادر يمنية مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، إن النقاشات في أوساط مجلس القيادة الرئاسي مستمرة لإصدار المزيد من القرارات في سياق العملية الإصلاحية التوافقية الرامية إلى إعادة البناء الهيكلي للشرعية في الجوانب المدنية والعسكرية.
وسبق هذه القرارات تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة التي تعمل حالياً على إنجاز مهامها لإعادة هيكلة القوات العسكرية والأمنية، وتوحيد قيادتها تحت مظلة وزارتي الدفاع والأمن، حسب المصادر نفسها.
وفي أحدث هذه التحركات، أفادت المصادر بأن مجلس القيادة الرئاسي، ناقش مقترحاً لتشكيل لجنة عليا للإيرادات السيادية والمحلية، وأخرى لمشاريع التنمية والإعمار، المعنيتين باعتماد الرؤية الإيرادية للدولة، وتمكينها من إدارة جميع مواردها، والإشراف والمتابعة على استيعاب الدعم والمساعدات المخصصة لمشاريع التنمية والإعمار في البلاد.
وذكرت وكالة «سبأ» الرسمية أن تشكيل اللجنتين الإشرافية والفنية، يعكس توجهات المجلس الرئاسي لإجراء مزيد من الإصلاحات الإدارية والمالية، والوفاء بالتزاماته المحلية والدولية، بما في ذلك تسريع استيعاب وتنفيذ حزمة المشروعات الممولة من المملكة العربية السعودية.
إدراك لأهمية التصحيح
في هذا السياق، يمتدح الباحث الأكاديمي والمحلل السياسي اليمني فارس البيل، ما يصفه بـ«الحركة اللافتة والاجتماعات المستمرة للمجلس الرئاسي»، ويرى أنها «دليل إدراك كبير من الرئيس رشاد العليمي وأعضاء المجلس للفجوة الكبيرة التي تقع فيها اليمن، وضرورة انتشالها بكل الجهد والحكمة».
ويقول البيل، «إن سنوات مرت من غياب الدولة وتشظيها، وانهيار حضورها في شؤون الناس واحتياجاتهم، وفي الدائرة الدولية، لا بد أن تعوض بالحضور الفاعل وإعادة البناء».
ويضيف: «هناك تصميم بالغ على أداء كل الجهد، وهذا ما نلمسه، وتترجمه مثل هذه القرارات والانعقاد الدائم للمجلس الرئاسي بشكل يومي ما يشبه الطارئ، واليمن في حالة طارئة بالعموم».
ويعلق البيل على قرارات التعيين الأخيرة، ويقول، «ليس مفاجئاً هذا التعديل الحكومي وحركة التغييرات، إذ جرى الحديث منذ عودة المجلس الرئاسي إلى عدن عقب التشكيل بضرورة إجراء تعديل حكومي يستهدف القطاعات الراكدة، والمناصب المتعثرة، والمسؤولين المقصرين، تزامناً مع توجهات المجلس ورغبته في إصلاح الدولة وإنعاشها، وتفعيل الأداء الحكومي، ومغادرة حالة الغياب الحكومي في واقع الناس ومصالحهم والخدمات والشؤون العامة».
ويعتقد البيل، أن هذا التعديل وحركة القرارات التي تمر بتأنٍ واضح وعدم استعجال «يستهدفان بدرجة أساسية إصلاح مسار الحكومة وتأهيلها لتتوافق مع جهود المجلس الرئاسي وتطلعاته للنجاح في ملفات كثيرة، واستجابة لحالة التوافق والشراكة في المسؤولية».
ومع توقعه أن تشهد المرحلة المقبلة «تغييرات قادمة في الحكومة وقطاعاتها المختلفة»، يرى البيل أن القرارات «تتجاوز حالة المحاصصة في (اتفاق الرياض) إلى منطق الأولويات وإصلاح الخلل وتقديم المصلحة العامة».
ويقول، «هذا مؤشر جيد يمكن أن يقودنا إلى حالة من التفاؤل بتصحيح كثير من الاختلالات، والنجاح في ملفات أخرى مهمة، يشعر الناس بأثرها على الأرض، وهذا هو المقياس الأهم، والمجس الذي يمكن من خلاله وضع المجلس الرئاسي والحكومة في موضع الثقة أو الخيبة».
قرارات توافقية
من جهته، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي اليمني محمود الطاهر، أن القرارات الأخيرة التي أقرها مجلس القيادة الرئاسي، هي جميعها «قرارات توافقية، وهي إجراءات إصلاحية، الهدف منها استكمال مرحلة التوافق، قبل الانتقال إلى الملف الأهم، وهو توحيد الأجهزة الأمنية والعسكرية، التي كانت تمثل عوائق كبيرة في توحيد القرار العسكري والسياسي».
ويرى الطاهر، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن تعيين وزير جديد للدفاع من شأنه «بدء العمل بتوحيد كافة التشكيلات العسكرية، تحت قيادة وزارة الدفاع، والاستعداد لاستعادة الدولة، سواء سلماً أو حرباً، أما فيما يخص وزارتي النفط والكهرباء، فيرى أنهما كانتا أكثر الجهات الحكومية قصوراً، ولذلك التغيير فيهما أشبه بعملية جراحية لاستئصال الفساد»، وفق تعبيره.
وفيما يخص تعيين المحافظين، قال الطاهر، «إن هذه القرارات خرجت بعد نقاشات مستفيضة»، مشيراً إلى اعتقاده بأنها «جميعها قرارات إصلاحية ومهمة، رغم تأخرها».
ويتوقع المحلل السياسي محمود الطاهر، صدور قرارات مقبلة «ستشمل تغيير محافظين ووكلاء وزراء، وتعيين نواب، وقد تشمل تلك القرارات - حسب توقعه - عدداً من السفارات اليمنية في المنطقة وأوروبا، من باب إعادة ترتيب الشرعية بالتوافق وفقاً للمبادرة الخليجية، وحرصاً على وحدة الصف التي تقوي من عزيمة الحكومة الشرعية لاستعادة الدولة».