عالم البكتيريا لا يخلو من «استغلال» و«تطرف»

«الانتباه لاستبعاد المستغلين». لست وحدك من يمارس هذا السلوك، هناك أيضاً، أنواع من البكتيريا تحرص دوماً على كشف أصحاب السلوك الأناني ومعقابتهم، حتى لو كان هذا العقاب على حساب مستقبل المجموعة، في مسلك يبدو متطرفاً.
وكما يحتاج البشر إلى التواصل من أجل تنسيق الأعمال، فإن البكتيريا تتواصل مع بعضها بعضاً، لاستشعار الكثافة العددية، وذلك عن طريق إنتاج مجموعة من الإشارات الكيماوية المعروفة باسم «استشعار النّصاب»، حيث يترتب على الكثافة العددية التي تستشعرها البكتيريا من هذه الإشارات التنسيق في تنظيم سلوكيات عدة، مثل مقاومة المضادّات الحيوية.
واكتشف باحثون في جامعة يورك البريطانية بدراسة جديدة نشرت أول من أمس في دورية «علم الأحياء الحسابي»، أن إشارات «استشعار النّصاب»، يمكن أن تكون أداة لدى مستعمرات بكتيرية لفرض العدالة بين أفراد المجموعة، للقضاء على المستغلين، حتى لو كان ذلك على حساب إيذاء نفسها.
ووصف الباحثون خلال الدراسة كيف ينظم «استشعار النّصاب» الإمداد بالموارد المشتركة، مثل الإنزيمات التي تفكك مصدر الغذاء إلى مغذيات مفيدة، وعندما يأخذ المستغلون المغذيات دون إنتاج الإنزيمات، فإنهم يعاقبون، حسبما رأى الباحثون، بتجويع المجتمع بأسره، وهو ما يشبه إلى حد كبير إلغاء مأدبة عندما يتسلل ضيف غير مدعو إليها.
ويوضح المؤلف الرئيسي أليكس موفيت، زميل ما بعد الدكتوراه في جامعة «يورك»، والباحث المشارك في الدراسة بتقرير نشره الموقع الرسمي للجامعة بالتزامن مع نشر الدراسة «من المكلف، بالنسبة للشخص الأناني، المساهمة في المجتمع، فبالنسبة له، من الأفضل ببساطة أن يأخذ ما يُقدم إليه دون رد أي شيء، لكن من الواضح أن هذا سيئ للجميع؛ لذلك يحتاج المجتمع البكتيري إلى وسيلة لتثبيط السلوك السيئ».
وجد موفيت وزملاؤه، أنه بدلاً من الوثوق في التزام المجموعة بقواعد السلوك دون إشراف أو رقابة، فإن هذه الكائنات الحية الدقيقة استخدمت «استشعار النّصاب» لقمع المحتالين.
وتوضح النماذج الرياضية التي وضعها الباحثون الفترة التي يقضيها المحتالون، قبل أن يُقضى عليهم؛ ونظراً لأن «استشعار النّصاب» يلعب دوراً مهماً في العدوى البكتيرية مثل التهابات الرئة التي تؤثر على مرضى التليف الكيسي، يأمل فريق البحث في تطبيق نتائج هذه الدراسة لفهم هذه الأمراض وتعطيلها.
ويقول موفيت «سيساعدنا هذا في فهم كيف يمكن للبكتيريا أن تستعمر الرئتين بشكل فعّال للغاية، مما قد يوجه الطريق إلى علاجات جديدة».