طاقة «الاندماج النووي»... خطط أميركية للبدء بإنتاجها

شكوك علمية حول الإمكانات المتوفرة

رسم تخيلي لمفاعل الاندماج النووي
رسم تخيلي لمفاعل الاندماج النووي
TT

طاقة «الاندماج النووي»... خطط أميركية للبدء بإنتاجها

رسم تخيلي لمفاعل الاندماج النووي
رسم تخيلي لمفاعل الاندماج النووي

كشفت شركة «زاب إنرجي» الناشئة المتخصصة في مجال طاقة الاندماج والتي تقود مشروعا لإنتاج كهرباء تجارية زهيدة، الأسبوع الفائت عن خطوة مهمة جداً تتمثل باختبار نظام يعتقد باحثوها أنه سينتج طاقة كهربائية أكثر مما يستهلك.
تمثل هذه الخطوة إنجازاً مهماً في مواجهة تحديات توليد الطاقة بالنسبة لعالمنا الذي يسعى للتخلي عن الوقود الأحفوري. ويعمل قطاع صناعي عالمي مستجد، اليوم - يضم حوالي 30 شركة ناشئة تمولها برامج التطوير الحكومية بمبالغ كبيرة - على دراسة منطلقات أو مقاربات متنوعة. وتتصدر هذه الشركات شركة «زاب إنرجي» في سياتل الأميركية، لأن منطلقاتها - إن نجحت - ستكون الأبسط والأقل تكلفة بين الأفكار التي تطرحها الشركات الأخرى.
تعتمد معامل توليد الطاقة النووية اليوم على تقنية الانشطار النووي التي تلتقط الطاقة الناتجة عن انقسام الذرات. وإلى جانب الحرارة الفائقة، تنتج عملية الانقسام منتجاً ثانوياً هو نوعٌ من النفايات التي تحافظ على أشعتها لمئات السنين.

اندماج نووي
إلا أن تقنية أخرى هي تقنية الاندماج النووي، تكرر العملية التي تحدث داخل الشمس، حيث تعمل قوى الجاذبية على صهر ذرات الهيدروجين بالهيليوم.
ويتابع علماء الفيزياء منذ ما يقارب نصف قرن تصورات إقامة معامل الطاقة التجارية التي تعتمد على «تفاعل الاندماج الخاضع للرقابة»، والذي كأنما يخزن طاقة الشمس بالدرجة الأولى. وينتج هذا النوع من معامل الطاقة أضعاف الكهرباء التي يستهلكها من دون إفراز منتجات ثانوية مشعة، ولكنّ أيا من المشاريع البحثية القائمة اقترب من تحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، تشهد هذه التقنية اهتماماً متزايداً في ظل تصاعد المخاوف من التغيرات المناخية. ويقول بينغ كونوي، رئيس شركة «زاب إنرجي»: «نعتقد أن اعتماد الاندماج كجزء من مزيجنا الطاقوي أمرٌ ضروري جداً».
تستخدم الكثير من الجهود المتنافسة في هذا القطاع، المغناطيس القوي أو رشقات الليزر لضغط البلازما (غاز آيوني من الجسيمات المشحونة الموجبة والسالبة) بهدف إطلاق تفاعل اندماجي، بينما تركز «زاب إنرجي» على منطلقات مختلفة يقودها علماء فيزياء من جامعة واشنطن ومختبر لورانس ليفرمور الوطني.
تعتمد هذه المنطلقات على غاز بلازما مشكل - وهو عبارة عن سحابة منشطة، أي ذات طاقة عالية، من الدقائق التي تُصنف غالباً كحالة رابعة من المادة – مضغوط بواسطة حقلٍ مغناطيسي يولده تيار كهربائي يتدفق في صمام مفرغ بطول مترين. تُعرف هذه التقنية باسم «ضغط – زي ذا التدفق المجتزأ» sheared flow Z - pinch.

ضغط وتسخين
ولكن منطلقات «الضغط» التي تطبقها «زاب إنرجي» ليست جديدة، حيث رصدها العلماء في ضربات البرق منذ القرن الثامن عشر، واقتُرحت كمسار لطاقة الاندماج منذ الثلاثينات. تحصل عمليات الضغط هذه بشكلٍ طبيعي في ضربات الرعد والانفجارات الشمسية، ولكنها تضع علماء الفيزياء أمام تحدي الموازنة بين القوى الكهربائية والمغناطيسية لفترة كافية في نبضات - تقاس بجزء في المليون من الثانية - تنتج أشعة مهمتها تسخين ستارة محيطة من المعدن المنصهر.
وكشف براين نيلسون، مهندس نووي متقاعد في جامعة واشنطن، ومدير قسم التقنية في «زاب إنرجي»، أن الشركة نجحت في حقن البلازما في قلب مفاعل تجريبي جديد أكثر قوة، وبلغت اليوم مرحلة استكمال مزود طاقة مصمم لتأمين الطاقة الكافية التي ستتيح للشركة إثبات أن فكرة إنتاج كمية طاقة تفوق الكمية المستهلكة قابلة للتحقيق.
يقول باحثو «زاب إنرجي» إن نظامهم، إذا نجح، سيكون أقل تكلفة بكثير من الأنظمة المنافسة التي تعتمد على حبس المغناطيس والليزر، إذ من المتوقع أن تكون تكلفة هذا النظام مساوية تقريباً لتكلفة الطاقة النووية التقليدية.
اصطدم الباحثون الذين يختبرون تصميم «ضغط - زي» باستحالة موازنة البلازما، ما دفعهم إلى التخلي عن الفكرة لصالح منطلق المغناطيس الشهيرة بمفاعل توكاماك.
دفع التقدم الذي حققه علماء الفيزياء من جامعة واشنطن في موازنة الحقل المغناطيسي عن طريق البلازما المتدفق الفريق إلى تأسيس «زاب إنرجي» عام 2017، وجمعت الشركة أكثر من 200 مليون دولار شملت سلسلة من الاستثمارات التي مولتها شركة «شيفرون».

شكوك علمية
ولكن الأمر لا يخلو طبعاً من بعض الأصوات المشككة التي حاججت بأن التقدم في أبحاث طاقة الاندماج ليس إلا سرابا، وأن الاستثمارات الأخيرة لن تترجم على الأرجح إلى أنظمة اندماج تجارية في وقتٍ قريب.
في الخريف الماضي، كتب دانيال جاسبي، عالم فيزياء متقاعد متخصص بالبلازما في جامعة برينستون، مقالاً في نشرة «جمعية الفيزياء الأميركية» قال فيه إن الولايات المتحدة تعيش وسط جولة جديدة من «حمى طاقة الاندماج» التي كانت تبرز وتغيب كل عقدٍ منذ الخمسينات. وحاجج أن ادعاءات الشركات الناشئة بأنها على وشك تطوير أنظمة تنتج طاقة أكثر مما تستهلك لا أسس واقعية لها.
وأضاف أن «هذه الادعاءات تُصدق على نطاق واسع بسبب البروباغندا الفعالة التي ينشرها المروجون للفكرة والمتحدثون باسم المختبرات».
من ناحية أخرى، كشف فيزيائيو «زاب إنرجي» وموظفوها خلال مقابلات أجروها أخيراً أنهم يعتقدون أنهم على مسافة عامٍ واحد من إثبات نجاعة منطلقاتهم وقدرة نظامهم على تحقيق اختراق طال انتظاره في عالم الطاقة.
وإذا نجحوا فعلاً، فسوف يكونون قد حققوا إنجازاً فشلت في تحقيقه جهود علمية وبحثية بدأت في منتصف القرن الماضي.

*خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان
TT

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

حقق الذكاء الاصطناعي تقدماً كبيراً في اكتشاف وتوقع جوانب مختلفة في علاج جذور الأسنان المسماة من قِبل عامة الجمهور بـ«حشوات العصب» Endodontics.

الذكاء الاصطناعي يرصد جذر الأسنان

في مجال الاكتشاف، تم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الآفات والخراجات حول قمة جذور الأسنان، وكسر التاج والجذر، وتحديد طول الجذر، وكشف تشريح الجذور والقنوات. تشمل مهام التنبؤ تقدير الحاجة إلى إعادة العلاج. تُعد الخراجات حول قمة جذور الأسنان، شائعة وتُشكّل تحديات في التشخيص وتخطيط العلاج للأطباء. ويمكن أن يُحسّن التعرف المبكر على هذه الآفات من نتائج العلاج من خلال منع انتشار المرض إلى الأنسجة المحيطة.

إن علاج جذور الأسنان أو حشوات العصب، المعروف أيضاً باسم «علاج العصب»، فرع من فروع طب الأسنان يركز على تشخيص، ومعالجة أمراض لب الأسنان (العصب) والجذور.

يتضمن هذا العلاج إزالة اللب التالف أو المصاب داخل السن (لب السن المحتوي على العصب والشريان والوريد والأوعية اللمفاوية وكثير من الخلايا لكن الكل يسمي اللب بالعصب!)، وتنظيف وتعقيم القنوات الجذرية، ثم حشوها بمواد طبية خاصة لمنع العدوى المستقبلية، وحماية الأسنان من مزيد من التلف.

أهمية علاج جذور الأسنان

- تخفيف الألم: يساعد علاج الجذور في تخفيف الألم الشديد الناتج عن التهابات العصب، إذ قالت العرب: «لا ألم إلا ألم الضرس».

- إنقاذ الأسنان: يمكن أن يمنع العلاج الفقدان الكامل للسن المتضررة، مما يحافظ على الأسنان الطبيعية بدلاً من اللجوء إلى التعويضات الصناعية.

- منع العدوى: العلاج الفوري والعناية الجيدة تمنعان انتشار العدوى إلى الأنسجة المحيطة والعظام، وقد تم تسجيل بعض حالات الوفاة من انتقال الصديد من خراجات الأسنان إلى الدورة الدموية.

وحسب المكتب العربي في منظمة الصحة العالمية فإن هناك أكثر من 130 مليون عربي بالغ يعانون من تسوس أو نخر الأسنان، ونسبة كبيرة منهم ستحتاج إلى حشوات العصب.

الذكاء الاصطناعي يسابق جراحي الأسنان

* رصد الخراجات: أجرى العالم البريطاني أندرياس وزملاؤه دراسة مقارنة ما بين أداء خوارزمية الذكاء الاصطناعي و24 جراح فم ووجه في اكتشاف الخراجات حول قمة جذور الأسنان على الأشعة البانورامية. وخلصت الدراسة إلى أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي القائمة على التعلم العميق تفوقت على بعض الجراحين. وبالمثل، أظهرت دراسة أخرى أن نماذج الشبكات العصبية التلافيفية CNN، (وهي من مكونات الذكاء الاصطناعي المستلهمة من العصب البصري لتحديد الأشكال)، أدت أداءً أفضل من ثلاثة أطباء استشاريي أشعة فم ووجه، في اكتشاف الخراجات حول قمة جذور الأسنان أثناء المحاكاة على الأشعة داخل الفم.

وفي دراسة أخرى نشرت في مجلة «طب الأسنان» البريطانية أخيراً، استخدم العالم أورهان وزملاؤه أكثر من 100 أشعة مقطعية للأسنان لاختبار نظام الذكاء الاصطناعي، وذكروا دقة اكتشاف عالية مقارنة باختصاصي الأشعة.

تشخيص كسور الجذور وأطوالها

* تشخيص كسور الجذور الأفقية والعمودية: وهو مهمة تتطلب الخبرة، ويفشل تقريباً 75 في المائة من الأطباء في تحديدها على الأشعة. تم تطوير نماذج من الذكاء الاصطناعي لاكتشاف كسور الجذور تلقائياً على الصور الشعاعية للأسنان ثنائية وثلاثية الأبعاد.

أظهرت دراسة لفوكودا وزملائه أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة واعدة لتشخيص الكسور الجذرية العمودية على الأشعة البانورامية. وأظهرت دراسة أخرى للدكتور جوهاري من «هارفارد» وزملائه أداءً ممتازاً باستخدام خوارزمية الذكاء الاصطناعي للكشف عن الكسور الجذرية العمودية بدقة 96.6 في المائة.

* تحديد طول الجذر بدقة: خطوة حاسمة لنجاح علاج قناة الجذر أو حشوات العصب، حيث إن 60 في المائة من فشل علاج حشوات العصب بسبب عدم الحساب الدقيق لطول قناة العصب، ما يؤدي إلى قصر أو زيادة الحشوة، ويؤدي بدوره إلى فشل العلاج، وتفاقم الخراج مع خطورة ذلك.

أظهرت الدراسات أن الشبكات العصبية الاصطناعية (وهي من مكونات الذكاء الاصطناعي) يمكن استخدامها لتحديد طول الجذر بدقة. أبلغ الدكتور ساغيري وزملاؤه في بحث منشور أخيراً في مجلة «طب الأسنان» الأميركية أن الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه أداة إضافية لتحديد موقع خروج العصب من قمة جذر الأسنان، وقد أثبت ذلك عدم وجود فروق في قياسات طول الجذر عند مقارنة الذكاء الاصطناعي مع القياسات الفعلية بعد إجراء القياسات الفعلية.

معدلات نجاح عالية

وهكذا فقد أظهرت خوارزميات الذكاء الاصطناعي القائمة على CNN معدلات نجاح عالية في الكشف التلقائي عن الأسنان وتجزئتها على الأشعة ثنائية وثلاثية الأبعاد.

ويتمتع الذكاء الاصطناعي بمستوى عالٍ، مقارنة بالمراقبين البشريين، ولكن مع أوقات معالجة أسرع بكثير. وبما أن تحديد تشريح الجذور والقنوات هو أمر ضروري لنجاح علاج قناة الجذر، فإن لدى تطبيقات الذكاء الاصطناعي القدرة على المساهمة في هذه المهام.

*رئيس جمعية الذكاء الاصطناعي بطب الأسنان في الشرق الأوسط.

حقائق

130 مليون عربي بالغ يعانون من تسوس أو نخر الأسنان ونسبة كبيرة منهم ستحتاج إلى حشوات العصب