دراسة سعودية تدقق في المسببات الجينية لاضطراب طيف التوحد

عوامل وراثية وبيئية تؤدي إلى حدوثه

دراسة سعودية تدقق في المسببات الجينية لاضطراب طيف التوحد
TT

دراسة سعودية تدقق في المسببات الجينية لاضطراب طيف التوحد

دراسة سعودية تدقق في المسببات الجينية لاضطراب طيف التوحد

يعاني الأطفال المصابون بالتوحد من مشاكل في التواصل الاجتماعي والسلوك، التي يمكن أن تتراوح بين حالة بسيطة وإعاقة صعبة وشديدة تتطلب في كثير من الحالات رعاية صحية وشخصية منزلية بدوام كامل.
وقد زاد انتشار حالات اضطرابات طيف التوحد (ASD) في جميع أنحاء العالم، بمرور الزمن. وتعد مسببات مرض التوحد معقدة ولا تزال قيد البحث، حتى الآن. وفي السنوات الأخيرة، أبرز كثير من الدراسات أن زيادة العوامل المتغيرة في الكروموسومات يمكن أن تكون في الازدواج أو الحذف وتشكل عامل اختطار للاضطرابات النفسية والنمائية العصبية.
يشير اضطراب طيف التوحد (ASD) إلى اضطراب نمو عصبي متغاير، وفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5). ويعتمد التشخيص المهني لاضطراب طيف التوحد على مجالين - صعوبات في التواصل الاجتماعي والسلوكيات المقيدة والمتكررة و - أو الحسية. ويمكن أن تختلف الأعراض اعتماداً على درجاتها المختلفة، علاوة على ذلك، يمكن أن تظهر أعراض التوحد في مرحلة مبكرة من الطفولة، مع ظهورها قبل سن الثالثة. وفي حالات أخرى، قد لا تظهر الأعراض بوضوح حتى سن المدرسة أو بعد ذلك، حيث لا يعاني كل طفل من الأعراض نفسها أو المستوى نفسه من التطور، وفقاً لدراسة حديثة بعنوان «العوامل الوراثية والبيئية لاضطرابات طيف التوحد» التي نشرت في المجلة الدولية لأبحاث البيئة في الصحة العامة (Int J Environ Res Public Health. 2019).

- أسباب التوحد
أوضح لملحق «صحتك» البروفسور محمد محمد سعيد جان أستاذ واستشاري طب الأعصاب والعضلات والفسيولوجيا العصبية السريرية عند الأطفال قسم الأطفال كلية الطب جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وأحد فريق الدراسة السعودية التي أجريت مؤخراً عن «مسببات اضطراب طيف التوحد»، أن للتوحد مسببات معقدة، وآليتها لا تزال غير واضحة إلى حد كبير.
ووفقاً لمراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها (CDC) وشبكة مراقبة التوحد وإعاقات النمو Autism and Developmental Disabilities Monitoring (ADDM)، فقد لوحظ زيادة انتشار اضطراب التوحد على مستوى العالم، ففي الولايات المتحدة الأميركية، تشير إحصاءات عام 2018 إلى أن انتشار اضطراب طيف التوحد يُقدر بواحد من كل 40 طفلاً، بينما في المملكة العربية السعودية، قُدر انتشار اضطراب طيف التوحد بـ«2.51 في المائة، 25 لكل 1000». علاوة على ذلك، فإن الانتشار يتأثر بالجنس، حيث يكون المعدل عند الذكور أربع مرات أكثر من الإناث.
وأضاف البروفسور جان أن هناك كثيراً من الدراسات، ومنها الدراسة الحديثة للدكتور ماسيني (Masini E, et al) وزملائه، وعنوانها «نظرة عامة على العوامل الجينية والتخلقية والبيئية الرئيسية التي تدخل في اضطراب طيف التوحد مع التركيز على النشاط المشبكي»، والتي نشرت في المجلة الدولية للعلوم الجزيئية (Int J Mol Sci. 2020)، وتشير إلى أن العوامل الوراثية والجينية والبيئية مسؤولة عن اضطراب طيف التوحد.
والعوامل الوراثية، بما في ذلك الطفرات وتغيرات الكروموسومات الهيكلية دون المجهرية المختلفة، مثل المتغيرات متعددة أرقام النسخ المتكررة (Copy Number Variations, CNVs)، يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بالتوحد. بالإضافة إلى ذلك، ففي دراسة سابقة لوحظ ارتفاع معدل الإصابة باضطراب طيف التوحد في التوائم أحادية الزايجوت بشكل ثابت مقارنة بالتوائم ثنائية الزايجوت.
تعد المتغيرات متعددة أرقام النسخ المتكررة (CNVs) نوعاً من التباين الهيكلي الذي يمكن أن يؤثر على البنية الصبغية عن طريق الازدواج أو الحذف الذي يغير تسلسل الحمض النووي. وتعد هذه المتغيرات (CNVs) مصدراً للتنوع الجيني المهم للاختلاف الجيني في البشر، وتطور الجينات والتنوع المظهري. يمكن أن تؤثر التنوعات في عدد النسخ. ويمكن للمتغيرات التأثير على الجين الحرج، الذي يكون عرضة لمرض معين ويرتبط بكثير من اضطرابات النمو العصبي بما في ذلك طيف التوحد وأمراض أخرى.
إن الكروموسوم 22 (acrocentric Ch 22)، الذي يتصف بأذرعٍ قصيرة وأخرى طويلة، هو ثاني أصغر كروموسوم في جسم الإنسان ويشتمل على 1.6 - 1.8 في المائة من الحمض النووي الجيني ويحمل نحو 50.818.468 نقطة أساسية. ووفقاً لمعهد المعلومات الحيوية الأوروبي (EBI)، فإن الكروموسوم 22 يحتوي على 495 جيناً لترميز البروتين. وأظهرت الدراسات السابقة أن بعض الجينات في هذا الكروموسوم مرتبطة باضطرابات النمو العصبي، بما في ذلك طيف التوحد.
منذ عام 2006، تم التعرف على المتغيرات متعددة أرقام النسخ المتكررة (CNVs) كعوامل وراثية مهمة لاضطراب طيف التوحد. ومؤخراً ظهر عدد مزداد من هذه الاختلافات الجينومية الهيكلية كعوامل خطر كبيرة لاضطرابات النمو العصبي وتم تحديدها كمواقع خطر للتوحد بما في ذلك المنطقة المسماة (22q11.2).
ومتلازمة دي جورج (DiGeorge syndrome, DS) هي متلازمة الحذف الصبغي الكروموسومية الأكثر شيوعاً، والتي تعد ثاني أكثر اضطرابات الكروموسومات شيوعاً بعد متلازمة داون وقد تشمل 40 جيناً، وهي تؤثر على صحة الإنسان اعتماداً على الحجم والجين الذي تحتوي عليه.
وتعد كل من عمليتي الحذف (22q11.2DS) والتكرار (22q11.2DupS) بمثابة متغيرات متعددة أرقام النسخ المتكررة (CNVs) والتي تزيد من التعرض لاضطرابات النمو العصبي، بما فيها تلك المرتبطة بالتوحد. وعلى الرغم من وجود بيانات مقنعة على ذلك، فإنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من التحليل.

- دراسة سعودية حديثة
أجرى فريق بحث سعودي، ترأسته الدكتورة صفية حامد محمد الحازمي وزملاؤها، دكتوراه في علوم الأحياء وتخصص دقيق في علم الوراثة الطبية - جامعة نوتنغهام - بريطانيا وأستاذة مساعدة في كلية العلوم جامعة الملك عبد العزيز جدة المملكة العربية السعودية - دراسة محلية حديثة، نشرت في العدد (15) لعام 2022 من المجلة الدولية «علم الصيدلة الجيني والطب الشخصي» (Pharmacogenomics and Personalized Medicine)، هدفها فحص المتغيرات متعددة أرقام النسخ المتكررة (CNVs) في الكروموسوم 22 بالأطفال السعوديين المصابين بالتوحد، بالإضافة إلى الجينات المرشحة في مناطق CNV التي يمكن أن تكون مرتبطة بالتوحد.
واستناداً إلى دراسات سابقة كشفت أن المتغيرات (CNVs) في الكروموسوم Ch22 التي يمكن أن تكون أكثر عرضة لمرض التوحد، لا يزال اكتشافها وتوصيفها وكذلك الجينات المتحولة هي بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتحليل. في الآونة الأخيرة، أصبح الموضوع الأكثر أهمية للدراسة في علم الوراثة (genetics)، هو اضطراب طيف التوحد ASD بسبب زيادة نسبة انتشاره في جميع أنحاء العالم، وحيث إنه وُجد في الدراسات السابقة أن هذا الاضطراب يرتبط بكثير من العوامل، مثل التأثيرات الوراثية والتخلقية (epigenetic) والبيئية. لذلك، كان الغرض من هذه الدراسة السعودية هو فحص المتغيرات متعددة أرقام النسخ المتكررة (CNVs) في الكروموسوم Ch22 لدى الأطفال المصابين بالتوحد وتحديد الجينات الطافرة المهمة في تلك المناطق.
وقد أشارت دراسة بشرية أجريت عام 2017 بواسطة الدكتور كليمنتس (Clements CC, et al) وزملائه، نُشرت نتائجها في مجلة التوحد الجزيئي (Molecular Autism)، شملت 46 مريضاً يعانون من عمليات حذف متداخلة أو تكرار للمنطقة المسماة (22q11.2) - إلى وجود 25 جيناً في هذه المنطقة (22q11.2) مرتبطة بالتوحد. تضمنت قائمة الجينات (COMT, PRODH, TBX1)، ويعد الجين (TBX1) هو جين ترميز بروتيني يقع في الذراع الطويلة للكروموسوم Ch22، ويلعب أيضاً دوراً أساسياً في تنظيم العمليات التنموية وتكوين الأنسجة والأعضاء أثناء التطور الجنيني، بما في ذلك نمو القلب والأطراف. وبالإضافة إلى اضطرابات النمو العصبي، قد يرتبط هذا الجين (TBX1) بأمراض أخرى، مثل عيوب القلب الخلقية ومتلازمة دي جورج والاضطرابات السلوكية لدى الفئران والبشر.
شملت الدراسة السعودية عينة من 19 طفلاً سعودياً (ذكوراً وإناثاً)، 15 منهم كانوا من الأطفال المصابين بالتوحد (12 ذكراً و3 إناث)، وكانت المجموعة الضابطة مكونة من أربعة أطفال غير مصابين بالتوحد (3 ذكور وأنثى واحدة)، كانت الأعمار بين 3 و12 سنة. ووقع أولياء أمور الأطفال على استمارات الموافقة لمشاركة أطفالهم في هذه الدراسة. تم تشخيص الأطفال بناءً على الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الإصدار 5 (DSM-5) ولم تظهر عليهم أي أعراض لسوء التغذية أو العدوى النشطة أو الأمراض الوراثية المعروفة (مثل متلازمة داون). تم تصنيف الأطفال المشخصين بالتوحد إلى ثلاثة مستويات 1 أو 2 أو 3 (حيث يمثل 1 المستوى المعتدل من الطيف و3 المستوى الأكثر حدة للأعراض)، اعتماداً على شدة الاضطراب ومقدار الدعم الذي يحتاجون إليه في حياتهم اليومية، وفقاً للدليل (DSM-5).
تم جمع عينات الدم من الأطفال في عيادة التوحد بجدة، تم استخراج الحمض النووي من العينات وتحليلها باستخدام مجموعة التهجين الجيني المقارن (Array Comparative Genomic Hybridization (aCGH)) وتسلسل الحمض النووي.
حددت نتائج هذه الدراسة كثيراً من المتغيرات (CNVs) في الكروموسوم Ch22 بمرضى التوحد. دعمت النتائج التي تم التوصل إليها فرضية فريق البحث القائلة بوجود ارتباط بين المتغيرات (CNVs) في Ch22 والإصابة بالتوحد ASD، وحددت الدراسة بعض الجينات الطافرة في تلك المناطق، مثل (TBX1)، التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في اضطرابات النمو العصبي بما في ذلك اضطراب طيف التوحد ASD.
تلخصت النتائج في تمكن مجموعة التهجين الجيني المقارن (aCGH) من الكشف عن وجود 6 مرضى مصابين بالتوحد لديهم متغيرات متعددة أرقام النسخ المتكررة (CNVs) في الكروموسوم Ch22، متضمنة بعض الجينات الحرجة. وتمكن تسلسل الحمض النووي من الكشف عن طفرات في الجين (TBX1) في عينات التوحد فقط ولكن لا شيء في مجموعة التحكم.
وقد أوصي فريق هذا البحث بإجراء دراسة مستقبلية أخرى تكون كبيرة ومتوسعة باستخدام حجم عينة أكبر من السكان السعوديين وإجراء مزيد من الدراسات الجينية من خلال استخدام أدوات وتحليلات فنية أكثر تقدماً. بالإضافة إلى ذلك، أوصى الفريق أيضاً بتطبيق تحليل التعبير الجيني (gene expression analysis) ودراسة مستويات البروتين ووظيفة الجين TBX1 لدى الأطفال المصابين بالتوحد، لما لها من تأثير على التفاعل الاجتماعي والأنماط الظاهرية السلوكية المرتبطة بالتوحد.
- استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

لماذا قد تنتهي بعض الصداقات؟

صحتك تلقي الإهانة من صديق مؤلم أكثر من استقبال التعليقات السيئة من الغرباء (رويترز)

لماذا قد تنتهي بعض الصداقات؟

أكد موقع «سيكولوجي توداي» على أهمية الصداقة بين البشر حيث وصف الأصدقاء الجيدين بأنهم عامل مهم في طول العمر

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك 7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

خل البلسميك خل عطري مُعتّق ومركّز، داكن اللون وذو نكهة قوية، مصنوع من عصير كامل عناقيد العنب الأبيض الطازج المطحون، أي مع جميع القشور والبذور والسيقان.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة في سن مبكرة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».