سنوات السينما

‫ مشهد من فيلم «خمس مقطوعات سهلة»‬
‫ مشهد من فيلم «خمس مقطوعات سهلة»‬
TT

سنوات السينما

‫ مشهد من فيلم «خمس مقطوعات سهلة»‬
‫ مشهد من فيلم «خمس مقطوعات سهلة»‬

- أفلام للمخرج الراحل بوب رافلسن
- (1933 - 2022)
حين دخل بوب رافلسن المؤتمر الصحافي الذي عقده مهرجان «كان» له سنة 1981 بمناسبة عرض فيلمه «ساعي البريد يرن دائماً مرّتين» (The Postman Always Ring Twice)، التفت إلى بطلة فيلمه جسيكا لانغ، التي لم يسبق لها أن حضرت مهرجاناً كبيراً من قبل، وقال: «ابتسمي، أنت في (كان)».
في الثالث والعشرين من هذا الشهر رحل المخرج رافلسن عن 89 سنة مخلّفاً وراءه عشرة أفلام فقط تمتد من سنة 1968. بفيلم «رأس» حتى سنة 2002 بفيلم «لا فعلاً حسناً» (No Good Deed). الفيلم الأول كان تذكرته لدخول السينما بفيلم ينتمي إلى الحركة الجديدة في الفترة، تلك التي شهدت أعمال مارتن سكورسيزي وفرنسيس فورد كوبولا وبرايان دي بالما الأولى.
بدأ حياته العملية منتجاً ومخرجاً تلفزيونياً. ابتدع فرقة غنائية باسم «ذا مونكيز» لتحتل مسلسلاً شبابياً. استمدت هذه الفرقة نجاحها التلفزيوني وأصبحت واحدة من فرق البوب ميوزيك الناجحة في أواخر الستينات وطوال السبعينات. بعد ذلك أقدم على إنتاج «ركوب سهل» (Easy Rider) الذي أخرجه دنيس هوبر سنة 1969. هذا الفيلم كان بدوره إعلاناً لسينما الجيل الشباب. أبطاله الثلاثة (هوبر وبيتر فوندا وجاك نيكولسن) يجوبون الريف الأميركي فوق دراجات نارية باحثين عن الحرية خارج المجتمع المحافظ.
في عام 1970 أنجز رافلسن «خمس مقطوعات سهلة» (Five Easy Pieces) أحد أفضل أفلامه إن لم يكن أفضلها فعلاً. دراما رائعة شارك نيكولسن في كتابته وقام ببطولته. بعد عامين، 1972 حقق رافلسن فيلمه الثاني «ملك حدائق مارفن» (The King of Marvin Gardens) مع جاك نيكولسن وبروس ديرن وإيلين بيرستن في البطولة.
فيلمه اللاحق كان كوميديا اجتماعية من بطولة جف بردجز مع سالي فيلد ودور مساند لأرنولد شوارتزنيغر في مطلع عهده بالتمثيل. عنوانه «ابق جائعاً» (Stay Hungry). ثم توالت أفلامه اللاحقة التي لم يكن من بينها ما هو رديء الصنعة أو خال من الأهمية وهي «ساعي البريد» (1981) و«أرملة سوداء» (1987) و«جبال القمر» (أقل أفلامه نجاحاً جماهيرياً، 1990) و«متاعب رجل» (1992) ثم رائعة أخرى بعنوان «دم وخمر» (1996). فيلمه الأخير «لا فعلاً حسناً» كان خاتمة أعماله قبل 19 سنة.
هناك عدة عناصر منحت «خمس مقطوعات سهلة» قوته كعمل سينمائي جيد الكتابة (مع هفوات قليلة) والتنفيذ. يلعب جاك نيكولسن هنا دور رجل نأى بنفسه عن الأسرة الثرية التي ولد فيها وأقبل على العيش كعامل بسيط. هذا التباعد هو تعبير لنظرة معادية لحياة ذويه ولحاجته لتحقيق ذاته لوحده من دون مساعده. لكن روبرت لا يعرف فعلياً ماذا يريد. يبحث عن السعادة بالتقاط ما هو متاح له في ذلك الوضع. لديه صديقه تحبّه (الرائعة كارن بلاك) لكنه يخونها مع أخريات. تريده لنفسها رغم سوء معاملته وخشونته بينما لا يزال غير مستعد ليقول لها «أحبك». ذات يوم يصله نبأ إصابة والده، الذي لم يره منذ سنوات بعيدة، بأزمة قلبية. يؤم بيت العائلة مضطراً حيث يواجه تحديات أخرى تتركه وحيداً وبلا أي اتجاه.
بالعودة إلى «ساعي البريد يرن مرتين دائماً»، لا بد من الإشارة إلى أن هذا الفيلم هو وحيد رافلسن المستوحى من فيلم آخر بنفس العنوان قام تاي غارنت بتحقيقه سنة 1946 مع جون غارفيلد ولانا تيرنر. المصدر واحد وهو رواية بوليسية كتبها جيمس م. كاين، أضاف عليها رافلسن مشهداً عاطفياً بين نيكولسون وجسيكا لانغ بقي محط اهتمام وتداول لفترة طويلة.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز