في وقت يبدأ فيه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي زيارة رسمية لليونان، أكد مسؤول يوناني رفيع المستوى أن الزيارة ستؤسس لشراكة استراتيجية بين البلدين، في ظل اتفاقيات قائمة تعزز التعاون بمجالات الدفاع والأمن والاقتصاد والتجارة، مشيراً إلى شمولية التعاون بين الرياض وأثينا اقتصادياً وسياسياً، حيث وصل إلى مستوى توقيع وتنفيذ اتفاقية عسكرية ودفاعية.
وقال أدونيس جيورجيادس، وزير التطوير والاستثمار اليوناني، لـ«الشرق الأوسط»، إن سقف تطلعات مخرجات زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لليونان مرتفعة، وستشهد الزيارة مباحثات ثنائية مع رئيس الوزراء اليوناني لتنسيق المواقف والتشاور حول بعض القضايا ذات الاهتمام المشترك وتوقيع بعض الاتفاقيات التي ستكمل اتفاقيات تم توقيعها سابقاً، مشيراً إلى ضرورة تمتين العلاقات والمضيّ بها قدماً نحو آفاق أرحب تعزيزاً للشراكات الحالية والمستقبلية.
وأضاف جيورجيادس: «تصل إلينا مشاعر دافئة من الأمير محمد بن سلمان لليونان، وهي مشاعر متبادلة لأجل حماية أعمق علاقات صداقة بين بلدين والمضيّ بها قدماً نحو آفاق أرحب، إذ إن اليونان تؤمن تماماً بأهمية العلاقات الاستراتيجية مع السعودية، وتؤمن بأهمية الدور المحوري للمملكة كمفتاح للمنطقة فضلاً عن أهميتها للعالم، وكنت قد سعدت بزيارتي الأخيرة للمملكة للمشاركة في المنتدى السعودي اليوناني في الرياض في مارس (آذار) الماضي».
تعظيم التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري
ولفت وزير التطوير والاستثمار اليوناني إلى أن السعودية صاحبة مبادرات حيوية جديدة تعزز الاقتصاد الأخضر وتنقية المناخ والبيئة وفقاً لبرامجها التي اشتملت عليها «رؤية المملكة 2030» التي قدمها الأمير محمد بن سلمان، حيث يرى فيها مفتاحاً لتوسيع دائرة التعاون بين البلدين، مشيراً إلى توقيع مذكرة تفاهم بين بنك التنمية اليوناني «HDB»، وصندوق الاستثمارات العامة السعودي من أجل لتسهيل الاستثمار في البلدين يؤكد ذلك.
ويعتقد الوزير اليوناني أن التعاون بين البلدين، يرتكز على إرث طويل من العلاقات التاريخية المتجذرة ضمن جزء مهم من العلاقات بين اليونانيين والعرب التي تعود إلى عدة قرون مضت على حدّ تعبيره، مشدداً على أن هذه العلاقات ستمتد إلى الأبد، مشيراً إلى أن بلاده تعدّ من أولى الدول التي اعترفت باستقلال السعودية، لافتاً إلى أن الرياض وأثينا أسّستا علاقات متينة للبلدين على مر العقود.
وتابع جيورجيادس: «هناك شركات يونانية تستثمر في السعودية، بينما وجدنا إشارات على رغبة حقيقية من عدد من الشركات السعودية للاستثمار في اليونان، ونحن زرنا السعودية وأقمنا منتدى استثمارياً مشتركاً بُغية تعظيم التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، فعلاقتنا الآن على أفضل حالاتها على الإطلاق».
وزاد جيورجيادس: «قبل شهور قريبة وقّعنا اتفاقية دفاعية مع السعودية، وكانت هذه المرة الأولى التي يرسل فيها اليونان صواريخ باتريوت إلى السعودية مع جنود يونانيين للعمل على هذه المعدات، لحماية البنى التحية الحيوية في مجال الطاقة للمرة الأولى للوجود العسكري اليوناني خارج منطقة المتوسط منذ عقود ما عدا تلك المتعلقة بحلف (الناتو)».
التعاون الدفاعي يعكس رسوخ العلاقة بين البلدين
وأضاف: «كان ذلك القرار بتوقيع الاتفاقية الدفاعية يوضح بجلاء إلى أي مدى اليونان حريصة على دعم السعودية وتعزيز إمكانياتها في هذا الصدد، حيث جاء عدد كبير مع بعثة الجنود وهم مهتمين جداً بذلك، كما سبق أن جئنا للمملكة في وفد كبير جداً ضم عدداً كبيراً من الشركات اليونانية للمملكة في مختلف القطاعات المالية والمصرفية والبناء والإنشاءات والبنى التحتية وقطاع الصناعات والمدن الصناعية والبترول والطاقة المتجددة والرعاية الصحية».
وأفاد وزير التطوير والاستثمار اليوناني: «كانت لدينا لقاءات مهمة مع المسؤولين في القطاعات الرئيسية، حيث شهد المنتدى الاستثماري الذي عقدناه في الرياض أكثر من 200 مشارك (Business - to - Business أو B2B) تبادلاً بين الأعمال التجارية والأعمال، وكحكومة عملنا عدة لقاءات مع الجانب الحكومي السعودي وشركات القطاع الخاص لبحث سبل آليات الدفع بالتعاون في هذا المجال إلى آفاق أرحب».
وقال الوزير اليوناني: «على المستوى الاستثماري نحن نعمل معاً لجذب الاستثمارات السعودية إلى اليونان والعكس بالعكس في قطاعات متعددة منها السياحة حالياً، ونتطلع في المستقبل القريب لاستثمار سعودي ضخم في قطاعات الطاقة المتجددة، والأمن السيبراني والزراعة، وبالتعاون الاقتصادي المدفوع بالتعاون العسكري نصل إلى أعلى مستوى التعاون الاستراتيجي بين البلدين».
آثار الحرب الروسية - الأوكرانية على أوروبا حقيقية
وفيما يتعلق بالموقف اليوناني من الحرب الروسية - الأوكرانية وأثرها على بلاده، قال جيورجيادس: «كان موقفنا من الحرب الروسية على أوكرانيا واضحاً، حيث شجبنا الغزو الروسي لأوكرانيا بوصفه يخرق للقوانين الدولية، ولا شك أن أوروبا تعاني من قطع الغاز الطبيعي والنفط والكهرباء بسبب التوجه الروسي، وبالتالي تأثيره على الاقتصاد الأوروبي واليونان جزء من أوروبا، ما يعني تأثرها مباشرةً بالحرب».
غير أن الاتجاه العام نحو إيجاد البديل للغاز ومصادر الطاقة الروسية لصنع حالة من التوزان قال وزير التطوير والاستثمار اليوناني إنه أصبح ضرورياً، مشيراً إلى أن السعودية قادرة على إيجاد سبيل لاستقرار سوق الطاقة العالمية، وهذا ما يؤكد عمق العلاقات السعودية - الأوروبية بشكل عام، والسعودية - اليونانية بشكل خاص، على حدّ تعبيره.
وعلى صعيد التحديات التي أفرزتها موجة الهجرة واللجوء من الفارين من الحرب الروسية - الأوكرانية خاصة، واللاجئين بشكل عام على بلاده، قال جيورجيادس: «نحن قبلنا استقبال اللاجئين الأوكرانيين ونعمل على تهيئة الوضع لهم، أما بالنسبة للاجئين القادمين من أنحاء مختلفة من العالم خصوصاً اللاجئين من مناطق النزاعات والحروب بمن في ذلك المهاجرون من أفريقيا، فحقيقة هذه تمثل معضلة كبيرة لدى اليونان».
تأمين الملاحة البحرية في المنطقة
وفيما يتعلق بأهمية تأمين الملاحة البحرية في المنطقة، قال وزير التطوير والاستثمار اليوناني: «فيما يتعلق بالممرات المائية، نعمل مع السعودية لتأمين الملاحة البحرية، وسبق أن أرسلنا جنوداً معنيين بذلك، ومستمرون في الدفاع عن المملكة، ونؤمن بأنه علينا جميعاً العمل من أجل استقرار المنطقة لأهميته لكل العام».
وفي ختام حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قال وزير التطوير والاستثمار اليوناني: «أرسل رسالتي للشعب السعودي، فهم أصدقاء مرحَّب بهم في اليونان، وستجدون الشراكة الحقيقية والاحترام والتعاون مع (رؤية المملكة 2030) التي نؤمن بأنها مفتاح الازدهار والتقدم للسعودية وللمنطقة».