قضايا تفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية وتوقيتات رفع العقوبات أهم عراقيل مفاوضات «النووي»

تفاؤل إيراني وإصرار أميركي على الالتزام بالموعد النهائي نهاية الشهر

قضايا تفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية وتوقيتات رفع العقوبات أهم عراقيل مفاوضات «النووي»
TT

قضايا تفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية وتوقيتات رفع العقوبات أهم عراقيل مفاوضات «النووي»

قضايا تفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية وتوقيتات رفع العقوبات أهم عراقيل مفاوضات «النووي»

وسط أجواء حذرة، تستمر مجموعة الدول الست (مجموعة 5+1 التي تشمل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا وألمانيا) مفاوضاتها في العاصمة النمساوية فيينا مع إيران للتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن البرنامج النووي الإيراني قبل حلول الموعد النهائي للمفاوضات بنهاية الشهر الحالي.
ولا تزال عدة قضايا عالقة تدور حولها مشاورات سياسية وأخرى فنية تقنية أهمها قضية رفع العقوبات الدولية، وقضية تفتيش كل المواقع النووية لدى إيران والسماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة أي منشآت عسكرية إيرانية تشتبه في قيامها بأنشطة نووية وإجراء المقابلات مع العلماء النوويين إيرانيين، إضافة إلى قضايا عالقة تتعلق بمدى التزام إيران بالشفافية في برنامجها أمام المجتمع الدولي. ورغم ما وصفه الخبراء بصعوبة تلك المناقشات فإن عدة مصادر أميركية استبعدت التفكير في تمديد الموعد النهائي بحلول الـ30 من يونيو (حزيران) الحالي.
وقد اجتمعت ويندي شيرمان وكيلة وزير الخارجية الأميركي مع نواب الخارجية الإيرانية عباس عراقجي وماجد تحت رافاتشي والنظراء الأوروبيين والروس في محاولة لصياغة اتفاق نهائي، إذ تستضيف العاصمة فيينا المحادثات على مستوى نواب وزراء الخارجية، كما جرت مفاوضات أخرى على مستوى الخبراء بين المخصصين من إيران والولايات المتحدة قادها حامد بيادنجاد من الجانب الإيراني وستيفن كليمان من الجانب الأميركي.
وأشار مسؤول بالخارجية الأميركية إلى أن ويندي شيرمان وكيلة وزير الخارجية كانت تتواصل عبر الهاتف خلال الاجتماعات مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي أجرى عملية في ساقه بعد تعرضه لحادث الأسبوع الماضي.
ونقلت وكالة الأنبار الإيرانية عن كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي قوله إن الأطراف المفاوضة حققت تقدما كبيرا في الاتفاق النهائية لكن التقدم في تنظيم الملاحق لا يزال طفيفا، وأضاف أنه يتعين إنحاز عمل صعب ومعقد، مشيرا إلى أن ما ينص عليه البرتوكول الإضافي هو إمكانية الوصول إلى مفتشي الوكالة الدولية بشكل له ضوابط إلى المواقع العسكرية. وقال: «الوصول المضبوط هو إجراء محدد تطبقه دول أخرى للسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للوصول إلى المواقع غير النووية، وهذا لا يعني بنظرنا زيارات وليس عمليات تفتيش»، مشيرا إلى أن القواعد المتعلقة بالوصول إلى القواعد العسكرية الإيرانية سيجري تحديدها في سياق الاتفاق النهائي.
وأشارت تقارير إلى عراقيل في المفاوضات تتعلق بآلية إعادة فرض العقوبات ما إذا تبين أن إيران قامت بخرق مادي لأي بند من بنود الاتفاق النهائي، ولمح السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة جيرار ارو للصحافيين إلى صعوبة تلك العراقيل التي تعد من العقبات الرئيسية التي تواجه مجموعة 5+1 في المفاوضات، مشيرا أن إزالة هذه العقبات مهمة للتوصل إلى اتفاق.
وتشير تسريبات إلى أن إيران لم توافق على حل مع القوي الست والوكالة الدولية للطاقة في ما يتعلق بالسماح للمفتشين برصد والإبلاغ عن أنشطتها النووية على أساس منتظم إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ولجنة تسوية المنازعات. وفي حال قامت إيران بانتهاك البنود فإن الدولة الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن (وهي الدول التي تتفاوض حاليا مع إيران) يمكنها اتخاذ القرار لإعادة العقوبات على طهران بناء على رأي لجنة المنازعات. وحتى في حال عدم توافق تقارير لجنة تسوية المنازعات مع أدلة الوكالة الدولية للطاقة فإن من حق مجلس الأمن اتخاذ قرار نهائي بشأن إعادة فرض أي عقوبات على إيران.
وتعد التهديدات التي أطلقها بعض نواب الكونغرس (الذين وقعوا على رسالة مفتوحة تشير إلى مكانية إلغاء أي صفقة يتم التوصل إليها مع مجيء رئيس أميركي جديد) نقطة أخرى مثيرة للقلق للإيرانيين ويريدون أن تكون الإدارة الأميركية المقبلة ملتزمة ببنود الاتفاق.
وقالت ماري هارف المتحدثة باسم الخارجية الأميركية إن المفاوضات على المستوى السياسي والمفاوضات على المستوى التقني الفني تناولت القضايا العالقة بعدد أجهزة الطرد المركزي ووضع مفاعل آراك، والاتفاق على الوصول إلى وتفتيش المواقع النووية الإيرانية والتفاصيل المحيطة بهذه القضية، وتوقيتات القيام ببعض الخطوات المتعلقة بالبرنامج النووي وخطة رفع العقوبات، وهي القضايا التي تدور حولها المفاوضات الآن، وقد اتفق الجانبان على بعض الخطوات المبدئية لكن لا يوحد تفاصيل محددة ولا تزال المفاوضات جارية».
وأشارت هارف إلى بعض القضايا المعلقة وأوضحت أن وضع معايير وتفاصيل فنية وسياسية مفصلة للخروج لمخرجات جيدة ومرفقات مفصلة وترجمة ذلك يستغرق كثيرا من العمل من جانب الخبراء وكثيرا من القرارات السياسية.
وأوضح آلان إيرتريند المسؤول بالقسم الفارسي بالخارجية الأميركية أن هناك عددا من القضايا المتبقية مثل الجدول الزمني لرفع العقوبات والتزام إيران بالشفافية في برنامجها النووي وقدرة الدول الغربية على التحقق من التزام إيران وهي قضايا ضرورية للوصول إلى اتفاق نهائي.
واستبعد إيرترند إمكانية تمديد المحادثات، وقال: «نحن لا نفكر في تمديد الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق مع إيران. نحن نركز على 30 يونيو كموعد نهائي، وإذا عملنا بجدية وحسن نية فسوف نكون قادرين على الوصول إلى اتفاق بحلول التاريخ المذكور».
ومسألة التوقيت تعد القضية الشائكة للإدارة الأميركية بعد إصابة وزير الخارجية جون كيري في حادث دراجة مما أثر على جدول مباحثاته وسفرياته من جهة، إضافة إلى الضغوط التي تلوح بها إيران بعدم الموافقة على القيود الصارمة المفروضة على برنامجها النووي.
ويشير الخبراء إلى أن الخطر الأكبر هو احتمال أن تقدم إدارة الرئيس أوباما على تقديم تنازلات في مقابل الالتزام بالتوصل إلى اتفاق في الوقت المحدد.
ويقول غاري سامور المستشار السابق بالبيت الأبيض: «من وجهة نظري أن الإدارة الأميركية يجب ألا تشعر بأي ضغوط للتوصل إلى اتفاق بحلول 30 يونيو، وعلينا تجاهل محاولة الإيرانيين الضغط والمساومة للتمسك بالموعد النهائي».
ويتخوف محللون وخبراء غربيون من رغبة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بالتمسك بموعد 30 يونيو كموعد نهائي للمفاوضات مما قد يعطي طهران النفوذ في هذه المرحلة عالية المخاطر في المحادثات. وأوضح الخبراء أن الخطوط العريضة التي تم التوصل إليها مع إيران في أبريل (نيسان) الماضي لا تزال ينقصها كثير من التفاصيل التي تركت دون حل أو توضيح. فالخطوط العريضة هي منع طهران من امتلاك قنبلة نووية مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية.
ويقول روبرت اينهورن الزميل بمعهد بروكينغز والذي شارك في المفاوضات النووية خلال السنوات الأربع الأولى من ولاية الرئيس أوباما: «لا يزال هناك كثير من القضايا المعلقة ولم يتم التقدم بشكل كبير في المفاوضات منذ أبريل الماضي»، بينما أشار مارك فيزباتريك الخبير النووي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية والمسؤول السابق بالخارجية الأميركية بمكتب منع انتشار الأسلحة النووية إلى إمكانية تمديد الموعد النهائي لما بعد 30 يونيو بحجة إصابة وزير الخارجية الأميركي.
ويصر المسؤولون بالخارجية الأميركية على أن إصابة كيري لن تؤثر على الجدول الزمني للمحادثات النووية، وقالت ماري هارف المتحدثة باسم الخارجية: «نحن ملتزمون تماما بالجدول الزمني ونعمل نحو 30 يونيو كموعد نهائي للمحادثات».
ويمكن أن يؤدي تمديد المفاوضات إلى تعقيد الأمور في الكونغرس في ظل القانون الذي وافق عليه الرئيس أوباما على مضض، والذي يعطي الكونغرس الحق في إبداء الرأي في أي صفقة نووية نهائية يتم التوصل إليها. ويمنح القانون الكونغرس فترة 30 يوما للموافقة أو رفض الصفقة، وإذا تم تمديد المفاوضات إلى ما بعد الموعد النهاية فإن ذلك سيعطي الكونغرس شهرا إضافيا حيث تتضمن العطلة الصيفية للكونغرس. ولا يرغب المساندون للاتفاق من الحزب الديمقراطي في إعطاء فرصة فترة أطول للمعارضين للصفقة داخل الكونغرس بما يمكنهم من نسف الصفقة.
ويقول كيلسي دافنبورت مدير برنامج منع الانتشار النووي بجمعية مراقبة الأسلحة وهي مجموعة غير حزبية: «تمديد المفاوضات قد يعطي المعارضين للصفقة فرصة كبيرة لترويج نظريتهم أن إيران لا تتفاوض بحسن نية وليست جادة في التوصل إلى اتفاق، ومن غير المحتمل أن تقوم إدارة أوباما بتمديد المفاوضات لفترة أخرى».
وقد وضع الاتفاق المبدئي بنودا كثيرة تتعلق بتقليل عدد أجهزة الطرد المركزي لدى إيران وتقليل مخزونها من اليورانيوم المخصب وفرض قواعد شفافية وتفتيش ورصد لأنشطة طهران النووية خلال السنوات العشر القادمة، لكن لا يزال هناك فجوات واسعة في ما يتعلق بحرية المفتشين الدوليين للوصول إلى القواعد العسكرية الإيرانية التي يمكن أن تستخدمها إيران لمتابعة برنامجها النووي ومدى السرعة التي سيتم بها رفع العقوبات الاقتصادية على إيران.



«الرئاسي اليمني» يقيّم تقدم الإصلاحات ويشدّد على العمل المشترك

جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يقيّم تقدم الإصلاحات ويشدّد على العمل المشترك

جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)

جدد مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال اجتماعه، الأحد، التزامه بالمضي في مسار الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وتعزيز الشفافية واستعادة مؤسسات الدولة، بالتوازي مع إشادته بالدعمين الإقليمي والدولي المتواصل، ولا سيما الموقف الحازم لمجلس الأمن تجاه الانتهاكات الحوثية.

وركّز الاجتماع، الذي عقد في الرياض برئاسة رشاد العليمي وغاب عنه ثلاثة من أعضاء المجلس «بعذر» - بحسب الإعلام الرسمي - على أبرز التحديات الاقتصادية والخدمية، ومستوى تنفيذ خريطة الإصلاحات الحكومية، وسط تأكيدات على أهمية العمل المشترك، وتكامل الجهود لتخفيف معاناة المواطنين، وتحقيق استقرار اقتصادي وخدمي أوسع في المحافظات المحررة.

وذكرت وكالة «سبأ» أن المجلس استعرض، بحضور رئيس الوزراء سالم بن بريك، آخر التطورات على المستويات الاقتصادية والخدمية والأمنية، مع تقييم مستوى التقدّم في تنفيذ قرار المجلس رقم (11) لعام 2025، المتعلق بأولويات الإصلاحات والإجراءات اللازمة لمعالجة الاختلالات في تحصيل الموارد العامة مركزياً ومحلياً.

وقدم رئيس الوزراء - وفق الوكالة - إحاطة شاملة حول ما أنجزته الحكومة في مجال ضبط الإيرادات، وتفعيل أدوات الرقابة، وتحسين الأداء المالي والإداري، مشدداً على التزام الحكومة بتوجيهات مجلس القيادة، والسعي إلى معالجة التحديات التي تواجه المؤسسات العامة ورفع كفاءتها.

طلاب يمنيون يمشون في ممر مدرسة بتمويل سعودي في مدينة عدن (أ.ف.ب)

وأكد مجلس القيادة دعمه الكامل لإجراءات الحكومة والبنك المركزي في تنفيذ الإصلاحات الشاملة، والحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي، والعمل بمعايير الشفافية والمساءلة. وعدّ المجلس أن هذه المنهجية تمثل أساساً لتعزيز الثقة مع المانحين والشركاء الدوليين، وضمان قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين ورواتبهم وخدماتهم الأساسية.

كما شدّد المجلس على ضرورة تعزيز العمل المؤسسي بروح الفريق الواحد، والالتزام بتنفيذ المصفوفة الكاملة للإصلاحات الاقتصادية والمالية، بوصفها المسار الأكثر فاعلية لإحداث تغيير ملموس في المحافظات المحررة، وتمكين الدولة من الاضطلاع بدورها في استعادة مؤسساتها وإنهاء معاناة اليمنيين.

إشادة بالإنجازات والدعم الدولي

أبدى مجلس القيادة ارتياحه للتقدم المحرز في مسار الإصلاحات، موجهاً الحكومة بالمضي قدماً في تنفيذ الخطوات الواردة في القرار رقم (11)، وضمان وصول الدولة إلى كامل إيراداتها السيادية بما يمكّنها من الاستمرار في تقديم الخدمات وصرف الرواتب.

كما ثمّن المجلس الدعم السعودي والإماراتي لخطة التعافي وبرنامج الإصلاحات، مشيداً خصوصاً بإجراءات الحكومة السعودية المتعلقة بتسريع إيداع الدفعتين الأولى والثانية من منحتها المخصصة لدعم الموازنة العامة، الأمر الذي أسهم مباشرة في تسريع صرف رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، مع إعطاء الأولوية لأسر الشهداء والجرحى.

مسلحون حوثيون يستعرضون قوتهم في منطقة خاضعة للجماعة شمال صنعاء (أ.ف.ب)

وفي السياق السياسي، رحّب مجلس القيادة بقرار مجلس الأمن بتجديد ولاية فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات، مؤكداً أهمية هذه الخطوة في ردع الممارسات الحوثية التي تهدد استقرار اليمن والمنطقة. كما أشاد المجلس بما تضمنه تقرير فريق الخبراء من «دلائل حاسمة» حول الطبيعة الإرهابية للجماعة الحوثية، وارتباطها بالأنشطة العابرة للحدود ودعم النظام الإيراني.

وأشاد مجلس الرئاسة اليمني أيضاً بما ورد في إحاطات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن من انتقادات واضحة للممارسات الحوثية، بما في ذلك احتجاز موظفي الأمم المتحدة وتصاعد الهجمات الإرهابية على الملاحة الدولية. وأكد أهمية استمرار الموقف الدولي الموحد إلى جانب الحكومة الشرعية لدعم جهود إحلال السلام وحماية الأمن الإقليمي والدولي.


برد قارس يضرب اليمن... واحتياجات عاجلة للنازحين

أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
TT

برد قارس يضرب اليمن... واحتياجات عاجلة للنازحين

أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)

يشهد اليمن طقساً بارداً أكثر من المعتاد في منتصف الخريف وقبل قدوم الشتاء، بالتزامن مع زيادة في أعداد المحتاجين إلى المساعدة، وسط تحذيرات من انخفاض أشد في درجات الحرارة خلال الأسابيع المقبلة، وتفاقم معاناة النازحين، وطلب تمويل بـ7 ملايين دولار لتأمين احتياجات مئات الآلاف منهم.

ويتوقع خبراء الأرصاد أن تعيش البلاد خلال الأيام المقبلة موجة برد شديدة في مناطق المرتفعات، ما يؤثر على صحة السكان من الأطفال وكبار السن، إلى جانب تأثيرها على المحاصيل الزراعية، وتزداد قسوتها خلال ساعات الليل والصباح الباكر، خصوصاً في محافظات شمال البلاد، وتقل حدتها نسبياً باتجاه الجنوب والجنوب الغربي والشمال الشرقي.

ورجّح عدد من الخبراء أن تكون محافظات صعدة وعمران وصنعاء شمالاً، وذمار والبيضاء جنوب وجنوب شرقي العاصمة صنعاء، هي الأكثر عرضة لهذه الموجة، تليها المناطق المرتفعة في محافظات إبّ وتعز ولحج والضالع، في الجنوب والجنوب الغربي للبلاد، بالإضافة إلى الأجزاء الغربية من محافظة الجوف (شمال شرقي).

ولا تُستثنى المحافظات الشرقية مثل حضرموت وشبوة وأبين ومأرب، والغربية والشمالية الغربية مثل ريمة وحجة والمحويت، من تلك الموجة، لكن بدرجة أقل، ما يدعو إلى اتخاذ احتياطات لحماية الأطفال وكبار السن من تأثيراتها، واتخاذ تدابير لحماية المزروعات من التلف.

لا تختلف أزمة المأوى بالنسبة للنازحين بين الصيف والشتاء بسبب قسوة الظروف المناخية المتبدلة (رويترز)

وحذرت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب، خلال الأيام الماضية، من زيادة معاناة النازحين وأشد الفئات ضعفاً مع اقتراب فصل الشتاء، ووجهت دعوة لشركاء العمل الإنساني والجهات المانحة للتحرك العاجل وتقديم المساعدات الشتوية الضرورية.

فجوة تمويلية

ذكرت الوحدة التنفيذية المعنية بالنازحين، وهي هيئة رسمية، أن تقاريرها الميدانية كشفت عن أوضاع مؤلمة للأطفال والنساء وكبار السن الذين يعيشون في خيام مهترئة بلا أغطية كافية أو وسائل تدفئة، مما يضاعف من خطر البرد القارس عليهم، منبهة إلى أن تأخير الاستجابة يهدد حياة الفئات الهشة ويضاعف معاناتها.

وذكّرت بحوادث وفاة عدد من الأطفال وكبار السن خلال الأعوام الماضية بسبب مضاعفات البرد الشديد ونقص الدعم الإنساني، وطالبت ببذل الجهود لعدم تكرار المأساة هذا العام، من خلال توفير الملابس الشتوية والبطانيات وأدوات التدفئة والعوازل والفرش الأرضية بشكل عاجل، والاهتمام بأكثر العائلات تضرراً.

وكانت «كتلة المأوى» وجهت نداءً عاجلاً للحصول على تمويل بقيمة 7 ملايين دولار لتأمين احتياجات الشتاء لنحو 217 ألف شخص من النازحين والعائدين والمجتمعات المضيفة في اليمن.

نازحة يمنية تنتظر حصولها على مساعدات شتوية من المنظمة الدولية للهجرة العام الماضي (الأمم المتحدة)

وأشارت «الكتلة» إلى أن ضعف الاستجابة الإنسانية سيعرض عشرات الآلاف لمخاطر البرد القارس، خاصة في 45 موقعاً موزعة على 12 محافظة يواجه سكانها ظروفاً معيشية صعبة تحدّ من قدرتهم على شراء المستلزمات الشتوية الأساسية.

وبحسب تحليل حديث أجرته «الكتلة»، وهي آلية أممية تعمل على تنسيق جهود المنظمات الإنسانية والجهات الفاعلة الأخرى لتقديم الدعم في مجال المأوى للأشخاص المتضررين من الكوارث والنزاعات؛ فإن نحو 642 ألف نازح، يعيشون في 45 مديرية موزعة على عدد من المحافظات، يحتاجون لمساعدة شتوية، من بينهم 563 ألفاً تقريباً معرضون لدرجات التجمد.

ولا يُغطّى من التمويل المطلوب سوى 5 في المائة فقط، ما يترك فجوة تمويلية خطيرة بنسبة 95 في المائة.

وحددت الكتلة الأممية استراتيجيتها لمواجهة هذه الأزمة بإصلاح المأوى أو استبدال الخيام والمساكن التالفة وعزلها بدرجة كافية، وتوزيع «حزمة شتوية» من بطانيات عالية العزل لكل فرد، وملابس شتوية متنوعة، وفق عدد أفراد كل عائلة، إلى جانب إمكانية تقديم المساعدة النقدية، بحسب تقييم الأسواق المحلية والقدرة الشرائية.

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع الشتاء الماضي (إكس)

وأعادت التحذير من أن يشهد الشتاء المقبل ظروفاً مشابهة لسابقه، ما يجعل توفير التمويل ضرورة ملحة لضمان سلامة نحو 31 ألف عائلة تعيش في بيئات شديدة البرودة، ومنحهم الحد الأدنى من الأمان والدفء.

موسم التدهور المعيشي

توقعت مبادرة تصنيف المراحل المتكاملة للأمن الغذائي (IPC) أن يرتفع عدد اليمنيين الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمان الغذائي إلى 18.1 مليون شخص، خلال الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وحتى فبراير (شباط) المقبل، بنحو 52 في المائة من السكان الذين قامت بدراسة أوضاعهم المعيشية.

وطبقاً للمبادرة، فإن من المحتمل أن يدخل نحو 41 ألف شخص في المرحلة الخامسة المصنفة بالكارثة في بعض المديريات، وأكثر من 5.5 مليون شخص في المرحلة الرابعة، وهي مرحلة الطوارئ، في حين سيقع نحو 12.574 مليون شخص في المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الأزمة، مع ترجيح أن يرتفع عدد المديريات التي قد تقع في فئة الطوارئ من 143 إلى 166 مديرية خلال نفس الفترة.

الحاجة إلى المأوى تتزاحم إلى جانب احتياجات الغذاء لدى النازحين طوال فصول العام

ومن دون حدوث تدخل سريع، فإن المبادرة، وهي تجمع متعدد الأطراف من وكالات أممية ومنظمات تقنية وإنسانية يهدف إلى تحسين تحليل الأمن الغذائي والتغذية واتخاذ القرارات الإنسانية، تبدي مخاوفها من انهيار كامل لسبل المعيشة.

وحددت المبادرة العوامل المحرّكة للأزمة الإنسانية بالصراع المستمر الذي يعوق الوصول إلى الأسواق، والضائقة الاقتصادية المتمثلة في ضعف العملة وانخفاض الدخل وتراجع فرص العمل، والصدمات المناخية، وانخفاض المساعدات الإنسانية وآليات التكيّف المنهكة.

وتتفاقم معاناة اليمنيين في فصل الشتاء، الذي يعد موسماً للجفاف، بسبب توقف الأمطار التي تعتمد عليها غالبية الأنشطة الزراعية، في حين تواجه المحاصيل الموسمية مخاطر التلف بسبب الصقيع.


صنعانيون مخنوقون بالديون... والمعاناة يفاقمها غياب الرواتب

بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
TT

صنعانيون مخنوقون بالديون... والمعاناة يفاقمها غياب الرواتب

بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)

تزداد المخاوف في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء من انهيار الوضع الإنساني بصورة غير مسبوقة، في ظل استمرار الحرب، وتعطل مؤسسات الدولة، وانقطاع رواتب معظم الموظفين منذ سنوات.

وفي حين ترتفع أسعار السلع الأساسية بوتيرة لا تتيح لغالبية السكان اللحاق بها، يغرق آلاف الأسر بدوامة الديون اليومية التي باتت الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة.

يقول «عادل»، وهو اسم مستعار لمعلم حكومي في صنعاء، إن حياته تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى سباق مرير مع متطلبات أسرته، بعدما اضطر إلى ترك مهنته في التعليم قبل عامين والعمل في متجر صغير للمواد الغذائية داخل مديرية معين.

لكن دفع تراجع القوة الشرائية للسكان وممارسات الحوثيين التي يخضع لها التجار صاحب المتجر إلى الإغلاق وتسريح العمال، ليجد عادل نفسه من دون مصدر رزق يعيل به زوجته وخمسة أطفال.

الملايين في اليمن فقدوا مصادر عيشهم تحت وطأة الانقلاب الحوثي (الأمم المتحدة)

يؤكد عادل لـ«الشرق الأوسط» أنه يلجأ كل شهر إلى الاقتراض لتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات، بدءاً من المواد الغذائية وحتى العلاج. ويوضح: «كان الدين بسيطاً ويمكن السيطرة عليه، لكنه تضاعف اليوم مرات كثيرة... لم أعد قادراً على السداد ولا على التوقف». ويضيف أنه بدأ بالاستدانة من بقالة الحي، ثم من الأقارب والجيران، إلا أنه يخشى اليوم أن يأتي الوقت الذي لن يجد فيه من يقبل بمنحه ديناً جديداً.

هذه القصة لا تبدو حالة فردية، بل تعكس واقع شريحة واسعة من سكان مناطق سيطرة الحوثيين، بينهم موظفون حكوميون وعمال بأجر يومي، باتوا عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم المالية بسبب انقطاع الرواتب وتراجع فرص العمل.

وتشير تقديرات محلية إلى أنّ نحو 75 في المائة من الأسر في تلك المناطق الخاضعة للحوثيين تعتمد على الديون لتأمين ضرورياتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء والإيجار.

ديون تتحول إلى نمط حياة

يرى اقتصاديون في صنعاء أن الدين لم يعد مجرد وسيلة لتجاوز أزمة طارئة، بل أصبح نمط حياة مفروضاً على آلاف الأسر التي تعيش تحت سلطة الحوثيين. ويقول خبراء إن تدهور الدخل، مقابل ارتفاع الأسعار وغياب الرقابة، خلق فجوة معيشية تستحيل السيطرة عليها دون اللجوء إلى الاقتراض المتكرر.

«أم عماد»، أم لثلاثة أطفال، تؤكد أنها تعيش بالكامل على الديون منذ فقدان زوجها عمله قبل أكثر من عام. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم آخذ ما أحتاجه بالدَّين... لا يمكنني ترك أطفالي دون طعام، لكنني لا أعرف متى سأستطيع السداد». وتوضح أن البقالة القريبة من منزلها تمتلك سجلاً كبيراً يحتوي على ديونها إلى جانب عشرات الأسر الأخرى في الحي ذاته.

يمنيون في صنعاء يتناولون وجبة «السلتة» الشعبية بأحد المطاعم (رويترز)

ويعاني التجار بدورهم من تراكم الديون عليهم، ما يهدد قدرتهم على الاستمرار في العمل. وبحسب أحد ملاك المتاجر في صنعاء، فإن 60 في المائة من بضاعته تُصرف يومياً بالدين، موضحاً أنه لم يعد قادراً على شراء شحنات جديدة من السلع بسبب نقص السيولة. ويشير إلى سجل ضخم يحتفظ به لمعاملات مؤجلة لأسر متعددة، تبدأ من شراء الخبز والأرز مروراً بالأدوية واحتياجات الأطفال.

ويحذر اقتصاديون من أنّ هذه الدائرة المغلقة من الديون ستقود إلى انهيار اجتماعي واقتصادي واسع إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه. ويؤكدون أن استمرار الانقلاب، وتعدد الجبايات، وتراجع النشاط التجاري، وانقطاع الرواتب منذ سنوات، إضافة إلى عدم وجود آليات رقابية فاعلة في الأسواق، كلها عوامل تدفع المواطنين إلى مزيد من الفقر والاعتماد الكامل على الديون.

مجاعة على الأبواب

في خضم هذا التدهور، أصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي تقريراً مشتركاً حذّرا فيه من خطر وشيك بوقوع مجاعة كارثية في ست دول، من بينها اليمن.

التقرير أوضح أن تفاقم الصراعات والعنف وسوء الأوضاع الاقتصادية يدفع الملايين في اليمن نحو حافة الجوع الحاد، مشيراً إلى أن الوضع الإنساني مرشح للتدهور خلال الأشهر المقبلة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة.

وأكد التقرير أن المجاعة «ليست مفاجئة، بل متوقعة»، ويمكن تفاديها من خلال إعادة تركيز الجهود الدولية على توفير التمويل الكافي لبرامج الإغاثة، وزيادة الاستثمارات في الأمن الغذائي، وتعزيز صمود الأسر المتضررة في مواجهة الأزمات الممتدة. وشدّد على أن منع وقوع المجاعة يتطلب تحركاً سريعاً قبل «فوات الأوان».

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)

في ظل هذه التحذيرات، تبقى معاناة السكان في مناطق سيطرة الحوثيين مرآة لحجم الانهيار المعيشي، وسط غياب أي حلول ملموسة أو سياسات تُعيد الحد الأدنى من القدرة الشرائية للأسر.

وبينما يواصل الأهالي الغرق في الديون اليومية لتأمين رغيف الخبز وأبسط الاحتياجات، يلوح شبح الجوع في الأفق أكثر من أي وقت مضى، ما يجعل اليمن أمام تحدٍّ إنساني خطير قد يتفاقم سريعاً ما لم تتكاتف الجهود المحلية والدولية لاحتوائه.