تجديد الثقة في مراد القادري رئيساً لـ«بيت الشعر» في المغرب

جرى مساء أول من أمس، بالرباط، تجديد الثقة في الشاعر مراد القادري رئيساً لـ(بيت الشعر) في المغرب، وذلك في نهاية أشغال مؤتمره العادي الذي انتخب هيئة تنفيذية جديدة.
وناقش المؤتمر، الذي انعقد تحت شعار «الارتقاء بصورة الشاعر المغربي المعاصر»، الورقة الثقافية، وصادق عليها موصياً بإدخال جملة من التعديلات عليها، كما ناقش وصادق بالإجماع على التقريرين الأدبي والمالي للفترة السابقة.
وتفاعل عدد كبير من الكتاب المغاربة مع تجديد الثقة في القادري أن هذا التجديد «مستحق»، نظير ما يتميز به الرجل من «صفات لا يمكن القفز عليها»، من قبيل «التواضع» و«الإصغاء» و«إرجاء ما هو ذاتي»، و«حسن التواصل والتفكير الجماعي في الشأن الثقافي»، و«السعي الدؤوب وراء مبادرات جديدة». وتأسف هؤلاء الكتّاب في الوقت نفسه على تواضع ميزانية بيت الشعر في السنوات الخمس الأخيرة. وكتب الشاعر عبد الرحيم الخصار، على حسابه بـ«فيسبوك»، مستغرباً: «كيف نريد في بلد يتخذ الحداثة شعاراً أن يتم تدبير جزء كبير فيه من الشأن الثقافي، على مدار خمس سنوات، بثمن شقة صغيرة على هامش المدينة»؛ فيما شدد الكاتب والباحث عبد العزيز الراشدي، في سياق تفاعله مع هذا الوضع، على أن «البيت» يستحق «مقراً مناسباً وميزانية معقولة»، وأن «هذا دور وزارة الثقافة».
وشكل الحرص على الارتقاء بصورة الشاعر المغربي، كما جاء في مفتتح الورقة الثقافية التي قدمت أمام المؤتمرين وكانت محط مناقشة، «أس انشغالات بيت الشعر في المغرب منذ تأسيسه»، حيث لم يكن هذا الحرص منفصلاً عن الوعي بـ«ضرورة صون ذاكرة الشعر المغربي المعاصر، وإعادة كتابتها بمعرفة نقدية وفكرية متجددتين»، وعن الوعي بـ«المسؤولية تجاه مستقبل هذا الشعر»، ما دام أن «النهوض بكتابة ذاكرة حية للشعر المغربي وتأمين امتدادها برؤية نقدية مسؤولية دقيقة، وهي، فضلاً عن متطلباتها المعروفة وعن انفتاحها دوماً على التأويل، جزء من الارتقاء بصورة من أرسوا هذه الذاكرة، ومن يسهمون في تجديدها بنفس مستقبلي، ومن يحمونها، بحس نقدي».
وتوسعت الورقة في استعراض مكانة وإسهامات «بيت الشعر»، مشيرة إلى أنه أدرك، انطلاقاً مما سطره دوماً من لقاءات شعرية ومن ندوات أكاديمية ومما اضطلع به من دينامية في النشر وفي إنتاج خطاب معرفي عن الشعر، أن «الهوية الشعرية المغربية المعاصرة تقوم أساساً على محاورة الكوني»، كما كان الإسهام الذي اضطلع به للارتقاء بصورة الشاعر المغربي، وللارتقاء أيضاً بالخطاب عن الشعر المغربي «تجسيداً لتأويل البيت للشعر، ولتأويله للخطاب عن الشعر»، فيما كان حريصاً دوماً، بما ينجزه من أعمال وما ينتجه من خطابات ويقيمه من لقاءات، على أن «يسهم بنصيبه في إغناء هذا التصور داخل المشهد الثقافي المغربي»، هو الذي كان «يجسد، منذ تأسيسه، حرصه على الإسهام في هذا الأفق التأويلي الرحب، مستوعباً ما ينجزه من أعمال وما يتخذه من مبادرات بوصفها تأويلاً محتكماً إلى خلفية، ومجسداً في الوقت نفسه عبر إجراءات ملموسة»، وهو ما تجلى في «إرساء يوم عالمي للشعر بكل الحمولة الرمزية التي ينطوي عليها هذا الإرساء، وفي تنظيم مهرجانات شعرية عالمية، وأمسيات تحتفي بتجارب الشعراء المغاربة، وفي إطلاق جائزة الأركانة العالمية للشعر، التي شكلت مجاورة شعرية بين شعراء مغاربة فازوا بها وشعراء من مختلف القارات، على نحو كشف نسب قصائد الشعراء المغاربة إلى العالم، وعن صوت هذه القصائد المتفاعل مع اللغات والشعريات»، فضلاً عن «انتظام صدور مجلة «البيت» التي بلغت عددها الأربعين، وفي إعداد ترجمات لنصوص من شعريات عالمية (إسبانية، وبرازيلية ومكسيكية... وغيرها) وفي إعداد ملفات عن شعريات بلدان عربية (السعودية والبحرين) بوعي يروم توسيع هذا المسعى ليشمل شعريات بلدات أخرى لاحقاً»، علاوة على «تجربة النشر؛ نشر المجاميع الشعرية، والترجمات الشعرية، والدراسات النقدية عن الشعر، في زمن يشاع فيه أن الشعر غير مقروء، وتعمل فيه دور النشر على تجنب نشر الشعر عبر تسويغ هذه الإشاعة أو الإسهام في ترسيخها بالعزوف عن نشر الشعر». وهي شائعة يتعين العمل على دحضها، حسب الورقة الثقافية، وعلى «مقاومة كل ما يعمل على طمس الحضور الشعري في الحياة وفي العلاقات وفي الوعي باللغة»، وفي مقدمة السبل «الممكنة» لهذه المقاومة «إدماج الشاعر المغربي المعاصر في المقررات اعتماداً على خلفية ثقافية واضحة، وإيلاء الجامعة درس الشعر الأهمية التي يستحقها، وانخراط وزارة الثقافة في الارتقاء بصورة الشاعر المغربي المعاصر عبر إيلائه مكانة رفيعة في برامجها، وعبر نشر أعمال الشعراء المغاربة المعاصرين».
وبعد أن استعرضت عدداً من «الوقائع المؤسفة» التي عرفها المشهد الشعري المغربي، خلصت الورقة الثقافية إلى أن الارتقاء بصورة الشاعر المغربي المعاصر «ليس مهمة دعائية» ولا يمكن لها أن تحتكم إلى أي «ادعاء فج»، مشيرة إلى أنها «مسؤولية ذاتية منوطة، في المقام الأول، بالشاعر نفسه وبما تلزمه به الكتابة الشعرية من مسؤولية معرفية وجمالية وقيمية. وهي بعد ذلك مسؤولية أطراف مجتمعية أخرى؛ منها المنظومة التعليمية بمختلف أسلاكها وتصور هذه المنظومة التعليمية لهويتها الثقافية، ومختبرات البحث العلمي الجامعي، ووزارة الثقافة، ودور النشر، والإعلام المسؤول الذي يقاوم الاختلالات التي تسربت إلى جسمه ونمَت بفعل التقنية».