«كارثة» تواجه التعليم الجامعي في سوريا

قفز الحديث الذي يتداوله السوريون عن تراجع مستوى التعليم الجامعي في بلدهم و«الكارثة» التي تحل به إلى السطح أخيراً بعدما أعلن العراق سحب اعترافه بالشهادات الجامعية التي يأتي بها أبناؤه، ما دفع بأستاذ جامعي إلى توجيه رسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد يقول له فيها: «ليتكم التقيتم أساتذة الجامعات بقدر ما التقيتم علماء الدين».
وبعد أيام من الجدل حول سحب العراق اعترافه بالجامعات السورية، أوضحت السفارة العراقية في دمشق أنه تم إلغاء الاعتراف بالشهادات العلمية الصادرة عن الجامعات السورية استناداً لكتاب من وزارة التعليم العالي العراقية، وهو يتعلق بطلبة «النفقة الخاصة – طلبة الابتعاث»، وليس للطلبة الحاصلين على الشهادة السورية عن طريق التسجيل في الجامعات من خلال المفاضلة العامة وليس الاعتراف بشهادات الجامعة ككل، على أن يتم العمل بذلك ابتداءً من 1 سبتمبر للعام الدراسي 2022 - 2023.
وأكدت السفارة العراقية في بيان أمس (الخميس)، أن «الطلبة العراقيين المقيمين والحاصلين على تسلسل دراسي كامل فإن الشهادات أصولية ومعترف بها».
وكان مصدر مسؤول في وزارة التعليم العالي في دمشق قد نفى في تصريح للإعلام المحلي تبلُّغ الوزارة «بأي شيء رسمي حول سحب الجانب العراقي الاعتراف بالشهادة السورية»، مع التأكيد أن «الشهادات الممنوحة من الجامعات السورية معترَف بها ومعتمدة في كل الدول».
جاء ذلك رداً على بيان نشرته السفارة العراقية في دمشق الأسبوع الماضي عبر حسابها في «فيسبوك» أعلنت فيه، إلغاء الاعتراف بجميع الجامعات السورية الحكومية منها والخاصة. ومن ضمنها جامعة دمشق وحلب وتشرين والأندلس الخاصة.
ويوجد في سوريا نحو 14 جامعة منها ست جامعات حكومية، ومن المنتظر أن تستوعب هذا العام نحو 163 ألف طالب ممن نالوا شهادة الثانوية العامة.
مصادر في جامعة سورية خاصة رجحت أن يكون سبب قرار الجانب العراقي استفحال ظاهرة الحصول على الشهادات العلمية المزورة، مشيرةً إلى كشف العراق عن 27 ألف شهادة علمية جامعية مزوَّرة معظمها حصل عليها أصحابها من جامعات دول مجاورة.
إلا أن معاون وزير التعليم العالي السوري فادية ديب، علّقت على أنباء إلغاء العراق الاعتراف بالجامعات السورية قائلة إنه «لم يحدث إطلاقاً أن سحبت دولة ما اعترافها بالشهادة السورية حتى في ظروف الحرب... وهناك تبادل ثقافي مع كل دول العالم لا يزال قائماً ومعتمداً». وعن موضوع تزوير الشهادات قالت ديب: «قد تحدث حالات فردية قليلة عن تزوير للشهادة تتم ملاحقتها قضائياً». وأضافت: «تم في دمشق تطبيق علامات أمنية لحماية الشهادة».
ورغم ظروف الحرب ظلت الجامعات السورية تستقبل الطلاب العرب والأجانب من الدول الصديقة وقُدِّر عددهم بداية الحرب بنحو 8000 طالب، منهم 1000 طالب عراقي. مع الإشارة إلى أن العدد كان قبل الحرب الضعف، فمن تونس فقط كان هناك 12 ألف طالب ومن اليمن 1000 طالب، في مرحلة الدراسة الجامعية الأولى، حيث كانت سوريا تقدم التعليم الحكومي والسكن للطلبة العرب مجاناً كما تستثني الطلاب العرب من شرط المعدل، إلا أن ذلك تراجع مع انخفاض ميزانية التعليم وحددت العام الماضي رسوم التعليم في الجامعات السورية للطلبة العرب والأجانب من 4000 دولار إلى 10000 دولار.
وجدد الجدل حول القرار العراقي، الانتقادات المتزايدة لواقع التعليم الجامعي في سوريا الآخذ في التراجع، حتى بات الفساد بكل أشكاله في الجامعات السورية واحداً من أبرز الموضوعات التي تطرحها الدراما المحلية في كل موسم رمضاني. وفي الموسم الأخير، تناول مسلسل «كسر عظم» الذي حظي بمشاهدة واسعة، الفساد في الجامعة وانتشار المخدرات والدعارة، عبر مسؤولين إداريين.
*سابقة الأستاذ
وفي سابقة لأستاذ جامعي، وجه الأستاذ في «جامعة تشرين» في اللاذقية زهير جبور، رسالة مفتوحة إلى الأسد عبر حسابه على «فيسبوك» حذّر فيها من «الكارثة» التي ستترتب على استمرار تدهور واقع التعليم في سوريا. وقال إن «استمرار هذا التدهور في (حال الجامعات والمدارس السورية) سيكون كارثياً علينا خلال وقت قريب وذلك وفق كل منظومات المقاييس والمؤشرات العالمية الموضوعية والجائرة» متمنياً على الرئيس الاهتمام بأساتذة الجامعات بقدر اهتمامه برجال الدين.
وقال جبور: «سيادة الرئيس: ليتكم التقيتم أساتذة الجامعات وعلماءها بالقدر نفسه من لقاءاتكم علماء الدين (مع يقيني أن أغلبهم ليس عالماً في الدين بل مؤدي طقوس وشعائر، لأن أغلبهم لم يقدم بحثاً واحداً أصيلاً في علم اللاهوت) والمسألة ليست هنا، بل في أنّ دورات العنف تتكرّر في سوريا كل ربع قرن أو أكثر ولم يستطع علماء الدين إيقاف ذلك، لأن ما يوقف العنف هو مناعة الدولة ومؤسساتها، ومناعة الدولة بقوتها، وقوتها بازدهارها اقتصادياً وغنى حياة مواطنيها، ولا غنى ولا ازدهار إلا بالإنتاج العلمي والمعرفي والتقني والزراعي على نحو خاص»، لافتاً إلى أن «كل ذلك متوقف على إنتاج علماء الجامعات السورية وخريجيها».
واتهم جبور مستشاري الرئيس بـ«إخفاء البيانات الحقيقية عنه»، وقال: «سيادة الرئيس: لا أحسب أن مستشاريك لامسوا يوماً ولو لمرة واحدة وبشكل علني مسألة التعليم ولو كانوا فعلاً منشغلين بهذه المسألة الحيوية لوضعوا البيانات الحقيقية بين أيديكم». ورأى جبور أن مأساة التعليم في سوريا هي أن «من يملكون زمام التعليم العالي والأساسي ليس لديهم أي مشروع جدّي لاستنهاض التعليم والبحث العلمي في سوريا».
ورغم مرور خمسة أيام على نشر الرسالة المفتوحة لم يتلقّ أي رد فعل رسمي يُظهر تأثير تلك الرسالة. وتوقعت مصادر في جامعة سورية خاصة ألا تلقى هذه الرسالة «أي اهتمام، اللهمّ سوى قمع صاحبها». وقالت المصادر: «بين فترة وأخرى تضجّ وسائل التواصل الاجتماعي بفضائح وقضايا أخلاقية تحصل في الجامعات ثم تُسحب من التداول ولا تترك أثراً». ورأت المصادر أن «السبب في تردي واقع الجامعات السورية لا سيما الحكومية هو غياب الاستقلالية وتدخل السلطات غير المعنية في تسيير أمور الجامعات وتعيين الإداريين والكادر التدريسي بعيداً عن المعايير العلمية وحسن السيرة والسلوك».
ويشهد التعليم العالي في سوريا تدهوراً متواصلاً منذ اندلاع الحرب في سوريا، ما أثّر على ترتيب الجامعات السورية، واعتماد الدول لشهاداتها، جراء استفحال الفساد والمحسوبيات في الكوادر الإدارية والتدريسية وانتشار عمليات التزوير في ظل غياب الرقابة العلمية ضمن أجواء مسمومة فرضتها القبضة الأمنية المشددة والاعتقالات، في الوقت الذي تتدنى فيه أجور الأساتذة الجامعيين إلى ما دون 100 دولار أميركي، وتنعدم فرص العمل أمام الخريجين وغيرها من أسباب دفعت النخب العلمية إلى الهجرة.