الأمن في عهد الانقلابيين... رواتب الشرطة والسجون من جيوب اليمنيين

عناصر أمن لدى انتشارها في إحدى ساحات صنعاء (إ.ب.أ)
عناصر أمن لدى انتشارها في إحدى ساحات صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الأمن في عهد الانقلابيين... رواتب الشرطة والسجون من جيوب اليمنيين

عناصر أمن لدى انتشارها في إحدى ساحات صنعاء (إ.ب.أ)
عناصر أمن لدى انتشارها في إحدى ساحات صنعاء (إ.ب.أ)

لم يكن بمقدور «فيصل» -وهو مواطن يمني يقطن صنعاء- إدراك أن أقسام الشرطة وغيرها من أجهزة الأمن بمناطق سيطرة الحوثيين تلزم السكان بدفع تكاليف تحركها، أو تنفيذ أي مهمة، إلا عندما جرى خطف أحد أبناء جيرانه، إذ استنفر الحي بأكمله للبحث عن الفتى الذي رفض قسم الشرطة التحرك والبحث عنه؛ لأنه يحتاج إلى دفع إيجار سيارة الشرطة والأفراد الذين سينتقلون للبحث عن الضحية. ويعود ذلك إلى أن الميليشيات الحوثية توجه كافة عائدات الدولة لصالح مقاتليها ومشرفيها وعناصرها الأمنيين، بينما يحصل منتسبو الشرطة على نصف راتب شهري لا يزيد عما يعادل خمسين دولاراً، ويترك لهم مهمة الحصول على ما يحتاجون من السكان.
ويشرح «فيصل» كيف أن الطفل الذي رمز لاسمه بـ«ح.م.س» ويبلغ من العمر 13 عاماً، وهو ابن جاره، اختطف مساءً قبل أيام، حين اعترضه الخاطف، ووضع السكين حول عنقه وكمم فمه، واقتاده إلى مكان خارج الحي.
ويقول «فيصل» إن الحي بأكمله استفاق على صراخ الأطفال وعويل الأم وبكاء النساء وتداعي الرجال، ولكن قسم الشرطة المختص رفض التعامل مع البلاغ أو التحرك لمعاينة موقع الحادثة، وطالب بدفع تكاليف التحرك؛ لأن السيارة لا يوجد بها بترول، وطلب كذلك أتعاب الجنود الذين سينفذون المهمة.
«أفلت الطفل من قبضة الخاطف بعدما أوصله إلى مكان غير معروف»، بحسب «فيصل» الذي أضاف: «وعندما عاد إلى أسرته وتم إبلاغ الشرطة بهوية الجاني، طلبوا أيضاً نفقات التحرك للقبض على الجاني».
هذه الحادثة وفق «إيمان» -وهي ربة بيت يمنية في صنعاء- أصبحت ظاهرة معتادة بأقسام الشرطة، داخل المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات الحوثي. فإذا احتجت إلى تقديم شكوى وجب عليك دفع مبلغ مالي للشرطي أو الضابط الذي سيقيد الشكوى، ويعطيك طلب استدعاء لغريمك، وعندما تطلب منهم أن يذهب الجندي لإيصال إشعار طلب الحضور إلى خصمك فإن المبلغ يضاعف.
ويؤكد «صالح» -وهو صاحب متجر تجزئة في صنعاء- أن العاملين في أقسام الشرطة يعيشون منذ سنوات على ما يأخذونه من المواطنين؛ سواء من يريد تقديم شكوى أو تعميد وثيقة، أو من يرغب في استخراج وثيقة هوية أو شهادة ميلاد، وغيرها. ولا يقتصر الأمر على هذه الدفعات وحسب، وفق ما يشرحه «صالح»، إذ تفرض الميليشيات على الأشخاص الذين يتم إيقافهم احتياطياً أو نتيجة خلافات بسيطة لدى أقسام الشرطة، دفع رسوم إخراجهم من الحجز. وجرت العادة أن يرفض مسؤول الحجز إطلاق سراحهم حتى وإن صدر قرار بذلك من المسؤول عنه، إلا بعد دفع رسوم تسمى «فتح الزنزانة».
هذه الممارسات كانت معتادة إبان حكم الإمامة شمال اليمن، إذ كانت الحكومة حينها غير معنية برواتب الجنود، وبالتالي يعيشون على ما يأخذونه من السكان. وكان إرسال الجنود وبقاؤهم في منزل المشكو به أمر شائع، وكذلك رسوم فك القيود عن المساجين، أو رسوم إخراجهم من الزنازين.
«كل الممارسات التي كانت في عهد حكم الإمامة عادت بشكل كامل، خصوصاً أن الحوثيين تنصلوا من كافة التزاماتهم تجاه السكان؛ سواء في قطاع الخدمات أو فيما يتعلق برواتب مئات الآلاف من الموظفين، مدنيين وعسكريين»؛ هذا ما يقوله «جابر.ب» وهو موظف سابق في الإدارة المحلية بصنعاء، مضيفاً أن «هذا السلوك الحوثي فتح الباب أمام كل القطاعات، لفرض جبايات وابتزاز المواطنين عند مراجعتهم أي جهة حكومية، بغرض الحصول على أي خدمة من الخدمات، فالكهرباء سُلمت للتجار ورفعوا سعرها من 17 ريالاً يمنياً للكيلوواط الواحد إلى 500 ريال يمني (الدولار يساوي حوالي 600 ريال)، وكذلك المياه، وخدمات القطاع الصحي، فالمستشفيات الحكومية لا تقدم أي خدمات إلا للمقاتلين الحوثيين ومن لديهم وسطاء، وبقية السكان يلجأون للأقسام التي تديرها منظمات طبية دولية»
ومع ذلك، فإن «عبد الله» -وهو أحد منتسبي الشرطة في صنعاء- يرى أن ما يحدث ليس بالإكراه، ولكنه يبرر ذلك بأن «العاملين هناك يقدمون خدمات للناس، ويسهلون حصولهم عليها، ولا يفرضون مبلغاً معيناً، ويتركون الأمر لكرمهم؛ لأنهم يعرفون أن عناصر الشرطة يعيشون من دون رواتب، وما يحصلون عليه لا يغطي شيئاً».
ويقول «عبد الله» إن المطالبة بدفع تكاليف تحرك سيارة الشرطة «أمر طبيعي»، ويكرر التعليل بأنهم في قسم الشرطة لا يملكون وقوداً للسيارة ولا تكاليف صيانتها. كما عزا الأمر إلى أن الحوثيين «يهتمون بعناصرهم، أما أفراد الأمن العام الذين كانوا موجودين قبل الانقلاب فإنهم يعاملون بريبة وعدم ثقة؛ بل ويُتهمون دائماً بأنهم من أتباع النظام السابق أو بالعمل لصالح الحكومة الشرعية».


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.