تعود آخر زيارة دولة لرئيس دولة الإمارات إلى عام 1991 التي قام بها وقتها الراحل الشيخ زايد بن سلطان عندما كان فرنسوا ميتران رئيساً للجمهورية الفرنسية وقامت بين الرئيسين علاقة صداقة واحترام كان لها انعكاساتها الإيجابية على العلاقات العامة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية بين باريس وأبوظبي... وبعد مرور ثلاثين عاماً، يقوم الشيخ محمد بن زايد بزيارة مماثلة وليس سراً أن علاقة خاصة تربطه بالرئيس إيمانويل ماكرون الذي زار الإمارات العديد من المرات كانت آخرها في شهر مايو (أيار) الماضي للتعزية بوفاة الشيخ خليفة بن زايد. وهذه المرة الأولى التي يزور فيها الشيخ محمد بن زايد باريس بصفته رئيساً لدولة الإمارات.
ولزيارة الدولة هذه التي تعد الأعلى والأهم بين كافة الزيارات الرسمية، أعدت باريس برنامجاً حافلاً يستعيد كافة ما ينص عليه البروتوكول. ويصل الشيخ محمد بن زايد عصر غد الأحد وتبدأ الزيارة الرسمية يوم الاثنين باحتفال استقبال رسمي وعسكري في ساحة الأنفاليد بعدها ينتقل رئيس الإمارات بموكب رسمي إلى قصر الإليزيه من أجل لقاء مغلق مع الرئيس إيمانويل ماكرون يتبعه غداء يجمع الرئيسين فقط. وأعدت لمحمد بن زايد لقاءات رسمية أهمها مع رئيسي مجلس الشيوخ والنواب جيرار لارشيه ويائيل براون بيفيه ومع رئيسة الحكومة إليزابيث بورن فيما يعقد الوزراء الإماراتيون اجتماعات مع نظرائهم الفرنسيين. ويوم الثلاثاء يلتئم منتدى رجال الأعمال الفرنسيين ــ الإماراتيين. وكلفتة استثنائية، يقام على شرف الشيخ محمد بن زايد وأعضاء وفده عشاء دولة في مقصف «غراند تريانون» الواقع في حديقة قصر فرساي التاريخي بحضور رؤساء الجمهورية السابقين ومجموعة من الوزراء ورؤساء لجان الخارجية والدفاع ومجموعات الصداقة فضلاً عن رجال الأعمال والثقافة والصحة والبحث العلمي والرياضة.
واضح أن باريس تريد من خلال الزيارة إبراز العلاقة الاستثنائية التي تربط البلدين. وعصر أمس وزعت رئاسة الجمهورية مذكرة جاء فيها أن رئيسي الدولتين «سيعملان على مواصلة تعميق الشراكة الاستراتيجية التي تربط بينهما خصوصاً في مجالات الأمن والدفاع والطاقة وتكنولوجيات المستقبل».
وتجدر الإشارة إلى أن معاهدة دفاعية تربط باريس وأبوظبي وأن فرنسا تشغل قاعدتين عسكريتين في إمارة أبوظبي تعود للفترة التي كان فيها نيكولا ساركوزي رئيساً للجمهورية ما بين عامي 2007 و2012 وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقع الطرفان عقداً ضخماً ينص على شراء الإمارات أربعين طائرة رافال تصنعها شركة داسو الفرنسية للطيران. وتضيف المذكرة أن باريس وأبوظبي، في إطار سعيهما لتعزيز العلاقة الثنائية القوية، تعملان على الذهاب أبعد من ذلك في مجالات الاستثمارات والثقافة والتعليم والأنشطة الفضائية. ولا ينتظر توقيع اتفاقيات دفاعية في هذه المناسبة.
وتقول مصادر الرئاسة الفرنسية، في معرض تقديمها للزيارة، إنها ستدور حول ثلاثة محاور رئيسية أولها سياسي ــ استراتيجي ويتناول المسائل الإقليمية وقضايا الأمن والحرب على الإرهاب. وبحسب الإليزيه، فإن المحادثات ستتناول الأمن والاستقرار الإقليميين والجهود التي يبذلها الطرفان على هذا الصعيد. وفي هذا السياق، من المفترض أن يحتل الملف النووي الإيراني وسياسة طهران الإقليمية المرتبة الأولى في محادثات الرئيسين. ويضاف إلى ما سبق الوضع في الشرق الأوسط والملف الفلسطيني ــ الإسرائيلي بالنظر إلى أن ماكرون استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد الأسبوع الماضي وسيستقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم الأربعاء. ثم إن جولة الرئيس الأميركي بايدن في المنطقة وزيارته إلى الأراضي المحتلة ولقاءه الرئيس الفلسطيني سلطت الضوء وإن جزئياً على هذا الملف.
كذلك ينتظر أن يكون الملف اللبناني حاضراً على طاولة المباحثات علماً بأن الرئيس ماكرون، كما قالت مصادره، يستفيد من كل مناسبة للعودة إلى هذا الملف. وذكر سابقاً أن أبوظبي يمكن أن تنضم إلى الصندوق الذي أنشأته باريس والرياض من أجل دعم الأنشطة الإنسانية والاستجابة للحاجات الأساسية للشعب اللبناني.
ويمثل التعاون الاقتصادي في كافة قطاعاته الملف الثاني الرئيسي الذي سيشمل موضوع الطاقة والنفط على وجه الخصوص. وأفادت المصادر الرئاسية بأن عدة مذكرات تفاهم سوف يتم توقيعها بمناسبة الزيارة أولاها تحت عنوان «الطاقة: استراتيجية شاملة» فيما تنص مذكرة أخرى على ضمان تزويد الإمارات لفرنسا بكميات من مادة الديزل. كذلك هناك مذكرة اقتصادية ــ مالية للاستثمار في قطاع الهيدروجين وثمة بحث في إنشاء صندوق للبيئة. وفي مجال الاستثمارات، فإن البلدين وقعا اتفاقية نهاية العام الماضي، بمناسبة زيارة ماكرون إلى الإمارات تنص على استثمار مبلغ 15 مليار دولار.
وتعمل فرنسا، بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، كغيرها من بلدان الاتحاد الأوروبي على إيجاد بديل للنفط والغاز الروسيين وتنويع مصادر الطاقة ومنها الطاقة المتجددة. أما الملف الثالث فيتناول ما تسميه المصادر الفرنسية «التحديات الشاملة «التي تضم الأزمة الغذائية في العالم التي تسببت بها الحرب الأوكرانية والتحديات البيئية. وعلى هذا الصعيد، تجدر الإشارة إلى أن الإمارات سوف تستضيف العام القادم مؤتمر البيئة 28. وأخيراً، فإن البلدين يطمحان لتعزيز تعاونهما في المجالات الثقافية وحتى اليوم، برز هذا التعاون في مشروعين أساسيين هما جامعة السوربون ــ أبوظبي ومتحف اللوفر ــ أبوظبي. وتم مؤخراً تمديد الاتفاق القائم بين الجانبين بخصوص استخدام اسم متحف اللوفر ــ أبوظبي الذي دشن في عام 2017 بحضور الرئيس الفرنسي حتى عام 2047.
محمد بن زايد في «زيارة دولة» لفرنسا بهدف تعميق العلاقات
مصادر في الإليزيه حددت ثلاثة محاور لها: سياسي واستراتيجي وأمني
محمد بن زايد في «زيارة دولة» لفرنسا بهدف تعميق العلاقات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة