«كارلوفي فاري»: أفلام تنبش في حاضر قلق وماضٍ حزين

انتهت أعمال دورته الـ56 قبل أيام

بين المدينة والريف في «عليك أن تأتي وترى»
بين المدينة والريف في «عليك أن تأتي وترى»
TT

«كارلوفي فاري»: أفلام تنبش في حاضر قلق وماضٍ حزين

بين المدينة والريف في «عليك أن تأتي وترى»
بين المدينة والريف في «عليك أن تأتي وترى»

هناك متعة خاصّة حين يركب الناقد الطائرة من مدينة إلى مدينة أخرى ليحضر مهرجاناً يُقام فيها. متعة طبيعية عناصرها الاشتراك بحضوره في حفل سينمائي كبير ومشاهدة الأفلام حين تُعرض للمرّة الأولى عالمياً والالتقاء بالسينمائيين وبالأصدقاء، وأخيراً - وليس آخراً - الشعور الغامر بحب الكتابة بعد المشاهدة ليلحق الوقت المحدد لتسليم المواضيع كافّة.
هذه المتعة تنحسر، حين يفوز الناقد بمشاهدة أفلام من المهرجان عبر منصّات مدفوعة الثمن أو عبر اتصالات خاصّة أو لكونه عضواً في جمعيات نقدية أو صحافية، بالمشاهدة فقط وفي راحة منزله. كل ما سبق من عناصر الإمتاع تنسحب باستثناء عنصر المشاهدة على شاشة المنزل. مهما كانت كبيرة هي ليست بحجم شاشات المهرجانات طبعاً، لكنها تفي بتأمين فعل المشاهدة على أي حال. هذا كان حال أفلام مهرجان كارلوفي فاري الذي انتهت أعمال دورته السادسة والخمسين قبل أيام قليلة والذي عرض مجموعة كبيرة من الأفلام من بينها 27 فيلماً لم تعرض من قبل في أي مكان آخر (وورلد برميير).

- سيناريو بأزمات
حتى انهيار النظام الشيوعي في شرق أوروبا، كان هذا المهرجان التشيكي يُقام مرّة كل عامين بالتناوب مع مهرجان موسكو السينمائي عند الأخ الأكبر. بعد المتغيّرات، نفض المهرجان عن نفسه الانتماء السابق وتحوّل إلى مهرجان سنوي قائم بذاته ومنفتح على كل التجارب من دون آيديولوجيات مسبقة. حالياً هو في الصف الثاني من الأهمية لجانب لوكارنو (سويسرا) وسان سابستيان (إسبانيا) ولندن (بريطانيا) وصندانس (الولايات المتحدة). بينما تستحوذ مهرجانات فينيسيا وبرلين و«كان» على الصف الأول كالعادة.
شملت الدورة أفلاماً تعود إلى ذلك الماضي الداكن لتلك الفترة الشيوعية، وأخرى تحدّثت عن أحوال اجتماعية حاضرة (هي بدورها داكنة) في أكثر من بقعة حول العالم. والفيلم الفائز بالجائزة الأولى من بينها. لكن مشاهدته تثير التعجب كونه ليس العمل الجيد الذي يتوقعه المرء من فيلم فاز بالجائزة الأولى.
عنوانه «صيف مع أمل» (Summer With Hope) حققته المخرجة الإيرانية اللاجئة إلى كندا صدف فاروقي. لتنفيذ الفيلم عادت إلى إيران واستطاعت تسجيل انطباعات وذكريات تتمحور حول القمع الذي يتعرّض إليه الجيل الناشئ على صعيد العائلة، على الأقل.
على عكس مواضيع إيرانية في الآونة الأخيرة لا يعمد هذا الفيلم لتناول الحياة في القاع، فشخصيته الرئيسية هي ليلى (تقوم بها ليلى رشيدي) التي لديها منزل فاره في منطقة بعيدة عن طهران، يبدو أنها ملجأ الميسورين أمثال زوجها. معاملات طلاقها تدخل حيز التنفيذ قريباً لكن قبل ذلك عليها أن تحل - مع شقيقها - معضلة سببها أن مدرّب السباحة المستعان به لتدريب بعض الناشئة لدخول مسابقة وطنية لا يحمل المؤهلات اللازمة، ورغم ذلك هو مصر على القيام بالعمل المتفق عليه.
تحت ظل هذا الخط، تقوم المخرجة بزرع دراميات صغيرة متّصلة، على نحو غير مباشر، بالظروف التي تدفع البعض (كعُميد مثلاً) للهرب من الأوضاع إلى الأمام. يقود سيارته برعونة ويحاول السباحة في البحر الهائج معرضاً نفسه للخطر. إذ يتناوب الفيلم الانتقال من مشكلته إلى مشكلة ليلى ومنهما إلى مشاكل أخرى تفقد المخرجة فاروقي الميزان وتسرد سيناريو مكتظاً بأكثر مما يكفيه من مطبّات وأزمات.

«صيف مع أمل» فاز بالجائزة الأولى

- تأملات
على نحو مماثل مُنح الفيلم الإسباني «عليك أن تأتي وتراه» (You have to Come and See It) ليوناس ترويبا، جائزة لجنة التحكيم الكبرى. حكاية في نحو ساعة واحدة تنتقل بين ثلاثة مواقع فقط وتدور حول شخصيات تتسمّر الكاميرا طويلاً عند كل منها كما لو أن هذا سيخلق أسلوباً مثيراً للاهتمام.
في مطلع الفيلم هناك المشهد الذي يتم فيه تقديم الشخصيات الأربعة الأساسية: سوزانا وشريك حياتها غويلرمو، اللذان ينتظران طفلهما الأول، وإيلينا وصديقها دانيال. الثنائي الأول يدعو الثاني إلى زيارة منزلهما في الريف. ننتقل إلى الريف مع إيلينا ودانيال بعد فترة زمنية لنكتشف أن سوزانا خرجت من المستشفى بعدما خسرت وليدها. المزاج يبدأ بالتغير من هذه اللحظة ويزداد مع ملاحظة أن الزوجين ليسا سعيدين كما توقعا عندما تركا المدينة إلى الريف.
هناك رغبة في إثارة نواحٍ تأملية في الحياة ومساراتها الحاضرة وكيف أن الطبيعة هي الملاذ الأخير، لكن هذه الرغبة تبقى تحت طيّات ركام من الملاحظات البطيئة والحوارات التي لا تترك مجالاً كافياً لصمت جميل في البيئة التي يعرضها الفيلم ثم يعارضها.
هناك فيلم نال جائزتين مستحقتين هو «الكلمة» للتشيكية بييتا باكانوفا. هذه الدراما التي تقع أحداثها في الستينات، منحت مخرجة الفيلم جائزة أفضل إخراج ومنحت الممثل الأول مارتن فينغر، جائزة أفضل تمثيل رجالي.
هذه الدراما من تلك التي جنحت لسرد حكايات السنوات البعيدة عندما كانت تشيكوسلوفاكيا تحت حكم النظام السابق. ما إن شعر الاتحاد السوفياتي في صيف 1968 بأن هناك حركة قوية لتغيير الوضع حتى قام بالزحف على مدينة براغ لتضعه ونظامها الرسمي تحت الوصاية.
لا يعمد «الكلمة» لإدانة مباشرة أو خطابية. بديل ذلك بالنسبة إليه هو سرد حكاية عائلة من زوجين وطفليهما، في عام 1968. يكتشفان أن المستقبل لا يبدو سائراً حسب ما توقّعاه. الزحف على مدينة براغ قد يكون فعلاً لا علاقة وطيدة لهما به، لكنه سحاب أسود تختار المخرجة باركانوفا وضعه في إطار حكاية شخصية أولاً.

مشهد من فيلم «العم»

- حكاية فاسلاف
مثل «عليك أن تأتي وتراه»، يبدأ «الكلمة» بمشهد داخلي طويل الأمد (نحو عشر دقائق). على عكسه هو أكثر تنويعاً في اللقطات والممثل الرئيسي فيه يمتلك الدفّة مؤسساً لنفسه وللحكاية معاً. إنه كاتب عدل يحاول حل قضية زوجين وإرث عالق. إلى مكتبه - يدخل رجلان قدما إليه من دون موعد مسبق وجلسا على مقعديهما من دون دعوة ثم كشفا عن سبب الزيارة: طلبت منهما قيادة الحزب الشيوعي مقابلة المحامي، اسمه فاسلاف (مارتن فينغر)، وحثّه على الانضمام إلى الحزب. الطلب ليس سؤالاً عما إذا كان يريد الانضمام أو حتى إبداء رغبة في هذا الصدد، بل إصرار على هذا الانضمام. يكرران له بأن الحزب يتغيّر وإنه لم يعد صاحب اليد الحديدية المعروفة عنه. لكن فاسلاف يمانع رغم الإلحاح. حجّته أنه لا يكترث للانضمام إلى أي جهة سياسية وإن جدول أعماله مزدحم ولن يستطيع توفير الوقت المطلوب ليكون عضواً فاعلاً.
هذا من قبل الغزو السوفياتي الذي سيقلب الوضع الشخصي رأساً على عقب. فاسلاف الملتزم بكلمته ومبادئه مذهول من احتلال براغ. زوجته فيرا (غابرييلا ميكولكوفا) تنتقل في اتجاه معاكس. حين نتعرّف عليها أولاً، نجدها زوجة بيت مثالية. القرارات ملك زوجها والاهتمام به وبالأولاد وكل المسائل هي كل ما تهتم به وعن قناعة. لكن الأزمة السياسية تحوّلها إلى الموقع الذي كان زوجها يحتلّه.
هناك مطبّات في السيناريو يقع فيها هذا الفيلم من هذه النقطة وصاعداً، النقلة لرجل يهبط وامرأة تصعد كانت بحاجة لإظهار مبرر أقوى. فالرجل كان رفض الانضمام، وهذا بات وراء ظهره، لكن الأحداث تحوّله، بلا مبرر كاف، إلى رجل خائف مما يتيح لزوجته امتلاك القيادة.

- العمّ العائد
إلى ماضي أقرب قليلاً من الستينات، يتقدّم «العم»، لأندريا ماردشيس وديفيد كاباش، بخطى متعرجة لسرد حكاية كوميدية سوداء حول عائلة تنتظر عودة عمّ غائب للاحتفال بعودته. العودة تطول كذلك مدّة عرض الفيلم، ولو أنه يبقى مثيراً للمتابعة ما بين مرحلة وأخرى.
تقع الأحداث في سنة 1980 عندما كانت الدولة اليوغوسلافية ما زالت قائمة (الفيلم من إنتاج كرواتي وصربي). يبدأ الفيلم بتعريفنا بزوجين وابنهما الشاب وهم يحاولون تجهيز كل شيء قبل وصول العم عائداً من ألمانيا. هذا التجهيز يتضمن الكثير من التعليمات التي تبدو لنا غير مؤهلة لتكوين مشاهد كثيرة ومن حسن الحظ أن العم لا يتأخر بعد ذلك كثيراً. لا يصل في الموعد المحدد ولا في الموعد اللاحق، وهذا ما يترك للعائلة وقتاً تنشده للتمارين على حفل استقبال. وصوله مناسبة الفيلم للتحوّل إلى ما هو أجدى: لقاء بين عائلة تعيش في الماضي وبين عمّ عاد لتوّه منتمٍ إلى عالم أكثر تطوّراً. الفرحة تصبح توتراً والتوتر يكشف عن متضادات، وسريعاً ما يبدو العم كما لو أنه من سيمتلك زمام الأمور حتى في رحى تلك الأيام القليلة قبل عودته إلى حيث جاء.
بعض ما يرد في الفيلم مهم ومثل «الكلمة» تبقى السياسة خارج العرض لكنها في الظلال على أساس أن العائد أكثر علماً وإدراكاً بالفروقات بين كيف يعيش الناس تحت حكم السُلطة وكيف يعيشون في الخارج. لكن العم ليس ملاكاً ولا حتى رجلاً نظيفاً وعفيفاً. هذا الإيضاح بدوره موحى به وليس واضحاً.
أفضل منه الفيلم الياباني «ساحل بعيد» (A Far Shore) لماساكي كودو. مؤلم في معظمه لأنه يتناول حكاية زوجة ابتليت بزوج يسرق مالها ويشرب به. تعمل مرافقة سهرات لكنها، كسواها، هي رفيقة سهر وليس أكثر من ذلك إلى أن يضربها زوجها ذات يوم بقسوة تاركاً إياها بوجه مشوّه وغير قادرة على العمل. بعد فترة النقاهة تجد أن الطريق الوحيد أمامها، وقد تم القبض على زوجها إثر مشاجرة أخرى، هي التحوّل إلى «مومس». الأمور تهبط سلّماً لا نهاية له منتقلة من السيء إلى الأسوأ، والمخرج يقصد أن يدفع بوضع اجتماعي موجود في بلد ينتمي إلى الحداثة، وبذلك يتحدّث عن الجانبين الشخصي والاجتماعي.
الفيلم ثقيل الوطأة منذ بدايته، لكن اختيارات المخرج من المشاهد ليست عبثية، بل تقترح سينمائياً جديداً (هذا ثاني فيلم له) قد يترك وقعاً أفضل في الأعوام القليلة المقبلة.


مقالات ذات صلة

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
TT

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات، خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» المقام في لوس أنجليس بمفاجأة رائعة ترفع من أهميّته غير المحسوبة في إعلامنا العربي ومنهج صنع الفيلم العربي عموماً.

يوم الخميس، أغلق المهرجان الآسيوي دورته الجديدة بإعلان فوز فيلم «مندوب الليل» بجائزته الكبرى. الفيلم هو أول أعمال المخرج السعودي علي الكلثمي، وعند الناقد كاتب هذه السطور، هو أفضل فيلم سعودي طويل خرج في الأشهر الاثني عشر الماضية.

حين رشّحته للمهرجان المذكور، اتصل بي رئيسه جورج شمشوم معبّراً عن دهشته: «أذهلتني جودة الفيلم حرفة وموضوعاً. كانت مفاجأة كبيرة لي بعدما سمعت عن كثيرٍ من الأفلام السعودية الجديدة، وكيف أنها باتت تُسهم في تغيير السائد والتقليدي. مع ذلك، فإن هذا الفيلم كان روعة».

لمن لم يسمع به من قبل أو سمِع به ولم يشاهده، «مندوب الليل» هو عن شاب (الجيد محمد الدوخي) يُطرد من عمله في شركة اتصالات هاتفية إثر مشادة بينه وبين مسؤوليه. والده مُعتل وشقيقته مطلّقة عادت لبيت أهلها مع طفلها. سيجد عملاً بصفته مندوب توصيل البيتزا. لكنه يكتشف طريقة أخرى للثراء وهي، سرقة مؤونة من الكحول المخبأة التي يبيعها أصحابها للأثرياء. بذلك يضع قدميه عند نقطة تحوّلٍ واعدة غير مدركٍ مغبّة ما قام به وكيف سيضع نفسه وأهله في خطر جسيم.

فوز ناصع

الفيلم ليس قصّة بوليسية، لكنه قصّة تشويقية، والتشويق فيه مُحكم. فيلم متقن كتابة وإخراجاً وتأليفاً وتصويراً وتمثيلاً ومصمم بدقة. مُعالج بدراية وفعّال في عرض التفاصيل بذكاء. وهو نتيجة رائعة لعملية لا بدّ استغرقت كثيراً من التّصميم المُسبق والتنفيذ.

لجانب هذا الفوز الناصع لا يجب أن ننسى أن العام الآيل إلى الرحيل خلال 40 يوماً من الآن، شهد اشتراك السينما السعودية في إحدى مسابقات مهرجان «كان» رسمياً لأول مرّة. الفيلم هو عملٌ جيّد آخر، لكن من وزن مختلف، عنوانه «نورة» ومخرجه هو الطموح توفيق الزايدي.

الاشتراك السعودي الرسمي في «مهرجان القاهرة» الذي يُنهي أعماله مساء الجمعة تَوزّع بين فيلمين هما، «ثقوب» لعبد المحسن الضبعان، و«فخر السويدي» لثلاثة مخرجين هم هشام فتحي وعبد الله بامجبور وأسامة صالح.

هذا الكم لا يوقف المد القادم: حديثٌ عن اشتراك سعودي مقبل في «مهرجان برلين» في فبراير (شباط) 2025، وتحضيرٌ مبكر لجعل الدورة المقبلة من «كان» مايو (أيار) تُنجز أكثر ممّا أنجزت الدورة الماضية من حضورٍ كمي ونوعي كبيرين.

محمود حميدة و«الفن السابع»

كُتب وتكريمات

بالنسبة لـ«مهرجان القاهرة»، هناك محاورٌ عدّة للحكم له أو عليه. هو واحد من المهرجانات العربية التي تقع في الربع الأخير من كل عام. هذا يصلح كمسافة زمنية تمنح المهرجان فرصة عمل لجمع وتجميع أفلام من كل حدبٍ وصوب، لكنه توقيت يحرمه من أن يكون منصّة انطلاق لأي غاية. لا يخرج فيلم من هنا ليجوب العالم. حتى الفيلم الذي يربح جائزة كبرى فإن حدود جائزته تنتهي مع إقلاع المخرج عائداً إلى بلده.

هذا ليس شأنه فقط، بل شأن كلّ المهرجانات العربية تقريباً باستثناء «مهرجان البحر الأحمر» ولو إلى حدٍ. هو أصبح محطة انطلاق، على الرغم من وجوده في هذا الرُّكن الزمني من السنة، وذلك لأنه حرص على عرض أفلام سعودية تستطيع الانطلاق منه والسفر كونها في الأساس جيدة وتستحق. عاملٌ آخر هو أن الغرب بات يعرف أن السعودية أصبحت لاعباً ثقافياً وفنياً واضحاً. ما عاد الرِّهان عليه، بل على ارتفاع شأنه مستقبلاً.

ما هو عبثي في كثير من المهرجانات العربية، أن تلك التي تُوزّع التكريمات والاحتفاءات باتت أمام مفترق طرق: لقد كُرّم معظم الحاضرين والذين كانوا حاضرين وقت تكريمهم. هناك آخرون يستحقون (كُتاب سيناريو، مديرو تصوير، مؤلفو موسيقى، ممثلون ونقاد ومؤرخون) لكن أحداً قلّما شعر بهم.

«فخر السويدي» (مهرجان القاهرة السينمائي)

على «مهرجان القاهرة» أن ينفض عنه الالتزام بالواجب لأنه واجب، وأن يبحث في طيّات السينمات العربية عمن يستحق «تكريمه» فعلاً.

ما هو لافت كذلك في «مهرجان القاهرة» أكثر من سواه، هو إصداره كتباً سينمائية. هذه عادة توقّفت عنها غالبية مهرجانات العالم الرئيسية منذ عقود، مدركة أن كتب الاحتفاء لم تعد تأتي بجديد يُضاف إلى ما صدر عن كلّ محتفى به.

يمكن للمهرجان المصري إصدار كتابٍ قيّم واحد عوض ثلاثة أو حتى اثنين.

خلال العام الحالي أصدر المهرجان كتاباً مميّزاً ومهمّاً من إعداد ناجي فوزي بعنوان «مختارات من الفن السابع». وكانت مجلة «الفن السابع» السينمائية الرائعة التي أسسها محمود حميدة في عام 1997 قد سدّت ثغرة كبيرة آنذاك في ثقافة الفيلم المطبوعة.

الكتابان الآخران هما «حلم عز» لرامي المتولّي و«سينما يسري نصر الله» لأحمد عزّت عامر. الأول لا يعدو عن بضع صفحات لممثل لم يختم بعد عقداً واحداً من شهرته، والثاني لمخرج يستحق كتاباً يحلّل أفلامه ما لها وما عليها. كتاب من المهرجان لأي مخرج أو سينمائي، يعني انحيازاً للإيجابيات فقط.

عدم إصدارها في الغرب لا يعني أنه قرار صائب، خصوصاً أن البديل لدينا يجب أن يكون مختلفاً وهناك كثير من الأفكار في هذا الشأن.