سنوات السينما

المخرج لوي بونييل‬‬
المخرج لوي بونييل‬‬
TT

سنوات السينما

المخرج لوي بونييل‬‬
المخرج لوي بونييل‬‬

- السنوات الخمس الأولى للمخرج لوي بونييل
في عام 1925 أو نحوه انخرط الإسباني لوي بونييل في مدرسة المخرج الفرنسي جان إبستين للسينما، وبعد أشهر قليلة وجد نفسه مساعداً في أفلامه التجريبية كما في أفلام روائية مختلفة لمخرجين آخرين من بينها فيلم «كارمن» (جاك فيدر - 1926). بعد عام انفصل بونييل عن جان إبستين (بسبب خلاف حول تقييم المخرج آبل غانس) وعاد إلى إسبانيا، حيث عاد إلى الحلقة الثقافية التي كان قد تعرّف عليها هناك وكتب سيناريو عن حياة «غويا» لم ير النور. اقترح عليه الفنان سلفادور دالي أن يصنعا فيلماً تجريبياً - سوريالياً مشتركاً وكتب بونييل لأمه طالباً عوناً مالياً، فأرسلت حصّته من الإرث الذي تركه والده الراحل خلال وجود المخرج في فرنسا. بهذا المال (على تواضعه) أنتج فيلمه الأول «الكلب الأندلسي» في باريس مستعيناً بالمصوّر ألبير دوفرجر الذي كان مصوّر جان إبستين (المفضّل كما أعتقد).
بعد أن أسس لحضوره السينمائي بهذا الفيلم القصير (17 دقيقة) بما حمله من مشهد صادم (موسى على عين فتاة لكن عين الفتاة في الواقع كانت عين بقرة)، عزم على تحقيق فيلم آخر.
شرع بونييل ودالي للتحضير لفيلمهما الثاني عن سيناريو آخر كتباه على أن يتم تصويره في إسبانيا. الفكرة كانت تحقيق فيلم يكون مرادفاً أو استكمالاً لـ«الكلب الأندلسي»، لكنهما سرعان ما أدركا بأنهما مختلفان في نواحٍ كثيرة، مما أدّى إلى انفصالهما. وحسب مذكّرات بونييل فكّر في اعتزال الإخراج لأنه لم يعرف من يموّل له فيلمه المقبل، لكنه عاد عن قراره عندما عرض عليه منتج اسمه فيكوم د نوايي كان أنتج فيلمين من قبل هما ‫Les Mysteres d Chateau ‬ («الغاز القصر») و«Le Sang d‪›‬un Poete («دم الشاعر») حل هذه المعضلة.‬‬
هكذا وُلد «العصر الذهبي» الذي شهد عرضه الأول سنة 1930. لم يكن تكملة من أي نوع للفيلم السابق، لكنه كان أيضاً سوريالياً يتبع البناء ذاته ويختار من سيل صوره الآتية من اللاوعي والوعي معاً، مما يكشف تأثيرات فرويد ونظرياته فيما يتعلّق بالنوازع الجنسية لدى البشر٠ إلى ذلك، فإن الهجوم على التفكير التقليدي لم يعد من خلال اعتماد الشكل الفيلمي (أو المنهج السوريالي) وحده، بل من خلال قصد الهجوم على الكنيسة والبرجوازية الأوروبية٠
يبدأ الفيلم بشريط وثائقي حول العقارب ويليه مشاهد لعصبة من الرجال على شاطئ البحر تتصدّى لها عصبة من الرهبان ثم بمجموعة تريد تأسيس الإمبراطورية الرومانية. بعد قليل نحن مع شريط صوتي يفصح عن لقاء جنسي بين رجل وامرأة. ثم ها هو الرجل وحده يهذي، بينما المرأة تدخل غرفتها وتجد بقرة ملقاة على فراشها٠ من هنا يمضي الفيلم في سرد بلا حبكة أو قصة درامية، بل بالكثير من المشاهد المتناقضة التي تبدو كما لو كانت هواجس وأحلام غير محقة.
حين خرج الفيلم للعروض انتقده سلفادور دالي بشدّة قائلاً إنه فيلم تعامل كاريكاتيرياً مع أفكاره٠ وهو لم يكن الوحيد بالطبع الذي هاجم الفيلم بل هوجم من قبل اليمين والكنيسة على حد سواء، وقام البوليس الفرنسي بإصدار قرار بمنع الفيلم «حفاظاً على النظام العام»، بعدما تعددت المظاهرات وأعمال الشغب ضد الفيلم (بما فيه اقتحام شبّان يمينيين إحدى الصالات وإلقاء حبر وبيض على الشاشة)٠ أما المنتج وزوجته حرما من عضوية النادي اللذان كانا ينتميان إليه٠
أما بونييل فحاول الاستمرار في منهجه في السينما الفرنسية وعندما لم يفلح طار إلى هوليوود وجدها غير ما أعتقد فطار منها إلى المكسيك حيث أخرج معظم أعماله فيها ومن دون رقابة.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
TT

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)

سلمى التي تحارب وحدها

(جيد)

يواصل المخرج السوري جود سعيد سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا من خلال أحداث معاصرة يختار فيها مواقف يمتزج فيها الرسم الجاد للموضوع مع نبرة كوميدية، بالإضافة إلى ما يطرحه من شخصيات ومواقف لافتة.

وهذا المزيج الذي سبق له أن تعامل معه في فيلمي «مسافرو الحرب» (2018)، و«نجمة الصباح» (2019) من بين أفلام أخرى تداولت أوضاع الحرب وما بعدها. في «سلمى» يترك ما حدث خلال تلك الفترة جانباً متناولاً مصائر شخصيات تعيش الحاضر، حيث التيار الكهربائي مقطوع، والفساد الإداري منتشرٌ، والناس تحاول سبر غور حياتها بأقلّ قدرٍ ممكن من التنازل عن قيمها وكرامتها.

هذا هو حال سلمى (سُلاف فواخرجي) التي نجت من الزلزال قبل سنوات وأنقذت حياة بعض أفراد عائلتها وعائلة شقيقتها وتعيش مع والد زوجها أبو ناصيف (عبد اللطيف عبد الحميد الذي رحل بعد الانتهاء من تصوير الفيلم). أما زوجها ناصيف فما زال سجيناً بتهمٍ سياسية.

هذه انتقادات لا تمرّ مخفّفة ولا ينتهي الفيلم بابتسامات رِضى وخطب عصماء. قيمة ذلك هي أن المخرج اختار معالجة مجمل أوضاعٍ تصبّ كلها في، كيف يعيش الناس من الطبقة الدنيا في أسرٍ واقعٍ تفرضه عليها طبقة أعلى. وكما الحال في معظم أفلام سعيد، يحمل هذا الفيلم شخصيات عدة يجول بينها بسهولة. سلمى تبقى المحور فهي امرأة عاملة ومحرومة من زوجها وعندما تشتكي أن المدرسة التي تُعلّم فيها بعيدة يجد لها زميل عملاً في منزل رجل من الأعيان ذوي النفوذ اسمه أبو عامر (باسم ياخور) مدرّسة لابنته. لاحقاً سيطلب هذا منها أن تظهر في فيديو ترويجي لأخيه المرّشح لانتخابات مجلس الشعب. سترفض وعليه ستزداد حدّة الأحداث الواردة مع نفحة نقدية لم تظهر بهذه الحدّة والإجادة في أي فيلمٍ أخرجه سعيد.

«سلمى» هو نشيدٌ لامرأة وعزفٌ حزين لوضع بلد. النبرة المستخدمة تراجي - كوميدية. التمثيل ناضج من الجميع، خصوصاً من فواخرجي وياخور. وكعادته يعني المخرج كثيراً بتأطير مشاهده وبالتصوير عموماً. كاميرا يحيى عز الدين بارعة في نقلاتها وكل ذلك يكتمل بتصاميم إنتاج وديكورٍ يُثري الفيلم من مطلعه حتى لقطاته الأخيرة. هذا أنضج فيلم حققه سعيد لليوم، وأكثر أفلامه طموحاً في تصوير الواقع والبيئة وحال البلد. ثمة ثغرات (بعض المشاهد ممطوطة لحساب شخصيات ثانوية تتكرّر أكثر مما ينبغي) لكنها ثغراتٌ محدودة التأثير.

لقطة من «غلادياتير 2» (باراماونت بيكتشرز)

Gladiator II

(جيد)

ريدلي سكوت: العودة إلى الحلبة

السبب الوحيد لعودة المخرج ريدلي سكوت إلى صراع العبيد ضد الرومان هو أن «غلاديايتر» الأول (سنة 2000) حقّق نجاحاً نقدياً وتجارياً و5 أوسكارات (بينها أفضل فيلم). الرغبة في تكرار النجاح ليس عيباً. الجميع يفعل ذلك، لكن المشكلة هنا هي أن السيناريو على زخم أحداثه لا يحمل التبرير الفعلي لما نراه وإخراج سكوت، على مكانته التنفيذية، يسرد الأحداث بلا غموض أو مفاجآت.

الواقع هو أن سكوت شهِد إخفاقات تجارية متعدّدة في السنوات العشر الماضية، لا على صعيد أفلام تاريخية فقط، بل في أفلام خيال علمي (مثل Alien ‪:‬ Covenant في 2017)، ودرامية (All the Money in the World في العام نفسه) وتاريخية (The Last Duel في 2021)؛ آخر تلك الإخفاقات كان «نابليون» (2023) الذي تعثّر على حسناته.

يتقدم الفيلم الجديد لوشيوس (بول ميسكال) الذي يقود الدفاع عن القلعة حيث تحصّن ضد الجيش الروماني بقيادة الجنرال ماركوس (بيدرو باسكال). لوشيوس هو الأحق بحكم الإمبراطورية الرومانية كونه ابن ماكسيموس (الذي أدّى دوره راسل كراو في الفيلم السابق)، وهو ابن سلالة حكمت سابقاً. يُؤسر لوشيوس ويُساق عبداً ليدافع عن حياته في ملاعب القتال الرومانية. يفعل ذلك ويفوز بثقة سيّده مكرينوس (دنزل واشنطن) الذي لديه خطط لاستخدام لوشيوس ومهارته القتالية لقلب نظام الحكم الذي يتولاه شقيقان ضعيفان وفاسدان.

هذا كلّه يرد في الساعة الأولى من أصل ساعتين ونصف الساعة، تزدحم بالشخصيات وبالمواقف البطولية والخادعة، خصوصاً، بالمعارك الكبيرة التي يستثمر فيها المخرج خبرته على أفضل وجه.

فيلم ريدلي سكوت الجديد لا يصل إلى كل ما حقّقه «غلاديايتر» الأول درامياً. هناك تساؤل يتسلّل في مشاهِد دون أخرى فيما إذا كان هناك سبب وجيه لهذا الفيلم. «غلاديايتر» السابق كان مفاجئاً. جسّد موضوعاً لافتاً ومثيراً. أفلام سكوت التاريخية الأخرى (مثل «مملكة السماء» و«روبِن هود») حملت ذلك السبب في مضامينها ومفاداتها المتعددة.

لكن قبضة المخرج مشدودة هنا طوال الوقت. مشاهدُ القتال رائعة، والدرامية متمكّنة من أداءات ممثليها (كوني نيلسن وبيدرو باسكال تحديداً). في ذلك، سكوت ما زال الوريث الشّرعي لسينما الملاحم التاريخية التي تمزج التاريخ بالخيال وكلاهما بسمات الإنتاجات الكبيرة.

عروض تجارية.