ترتفع أسعار الأضاحي لتبلغ أرقاماً يعجز أمامها المشترون، في حين يشكو التجار من عدم قدرتهم على تغطية كلفة الإنتاج، ومن أن الأسعار الحالية لا تحقق لهم سوى أرباح بسيطة، الأمر الذي ينذر بحدوث كساد في سوق المواشي في اليمن.
وذكر متسوقون وتجار أن أسعار المواشي في محافظات عدن ولحج والضالع الجنوبية بلغت أكثر من 300 دولار أو 1200 ريال سعودي، لرأس الماعز أو الضأن الذي يزن ما بين 20 و25 كيلوغراماً، وتوجد مواشٍ بأسعار أقل؛ إلا أنها لا تصلح للأضحية بسبب عمرها وفقاً لأحكام الشريعة.
يقول صالح عبيدان، وهو ناشط في المجال الإنساني في عدن، لـ«الشرق الأوسط»، إنه بحكم خبرته في شراء وتوزيع أضاحي المغتربين على المحتاجين في المدينة؛ يجد الجميع متضرراً من هذه الأسعار، فالمواطن غير قادر على الشراء بسبب البطالة وتراجع الدخل وانقطاع الرواتب، ومربو المواشي لا يبيعون بما يحقق لهم الأرباح.
ويرى عبيدان أنه بالنظر إلى كلفة إنتاج وتربية المواشي، وارتفاع أسعار الأعلاف، فإن الأسعار الحالية لا تحقق الفائدة للتجار؛ بل إن منهم من يبيع بأقل من سعر التكلفة ليتجنب الكساد، منوهاً إلى أن كثيراً من الأراضي الزراعية في محافظات عدن ولحج وأبين تم استثمارها في أعمال البناء، ما قلل من كمية الأعلاف الزراعية ومساحات التربية.
ويلجأ غير القادرين على شراء الأضاحي إلى الاستعاضة بالمواشي الصغيرة غير الصالحة للأضاحي، لما يتطلبه عيد الأضحى من استهلاك اللحوم وفقاً للعادات والتقاليد؛ خصوصاً أن أغلبهم يُحرمون منها فترات طويلة.
وبرغم توفر المواشي المستوردة التي تقل أسعارها عن أسعار المواشي المحلية بحوالي النصف، وهي ليست محببة لدى اليمنيين؛ فإن المستهلكين يعدونها غالية أيضاً، ولا قدرة لهم على شرائها.
فارق العملة وجباية الميليشيات
وأفاد عبد الله العتواني -وهو طالب من مديرية سامع في محافظة تعز وسط البلاد- لـ«الشرق الأوسط»، بأن أسعار الأضاحي ارتفعت إلى مستويات غير معقولة، وبرغم أنها شهدت تراجعاً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية نتيجة القيود المفروضة على تصدير الماشية؛ فإن موسم عيد الأضحى وارتفاع الطلب ساهم في ارتفاعها مجدداً.
وبحسب العتواني، فإن منطقة الحجرية المترامية الأطراف وكثيفة السكان جنوب محافظة تعز؛ تجاوز فيها سعر العجل ذي العامين، وهو أقل سن يصلح للأضحية، المليون ريال، ما يعادل ألف دولار تقريباً، في حين لا يقل سعر الضأن أو الماعز عن 200 ألف ريال.
ويوضح أنه برغم فارق الأسعار في كل السلع والخدمات بين الموسمين الماضي والحالي؛ فإن أسعار المواشي لم ترتفع بزيادة كبيرة بسبب ضعف القدرة الشرائية لدى غالبية المستهلكين، وقرار منع تصدير المواشي، ناقلاً عن التجار شكواهم من أن الأسعار المعروضة لا تحقق لهم إلا أرباحاً بسيطة لا تساوي تكاليف وجهد الإنتاج.
ويتذمر تجار المواشي في محافظة تعز والمحافظات المجاورة من ارتفاع تكاليف إنتاج وتربية المواشي؛ حيث ضرب الجفاف غالبية مناطق البلاد، وارتفعت أسعار الحبوب والأعلاف بسبب الحرب في أوكرانيا، وتراجع حجم تبادل تجارة المواشي بين محافظات البلاد، نظراً لفارق سعر العملة بين المناطق المحررة والواقعة تحت سيطرة الميليشيات الحوثية.
وفي محافظة مأرب شرق العاصمة صنعاء، تجاوز سعر الأضحية من الماعز أو الضأن بوزن أكثر من 20 كيلوغراماً، 300 ألف ريال يمني؛ حيث تأتي غالبية المواشي إلى المحافظة من مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، وبسبب فارق سعر العملات المحلية والأجنبية بين المحافظة وتلك المناطق، فإن الأسعار تزيد إلى ما يقارب الضعف.
وينشط عدد من التجار في نقل المواشي إلى مأرب، نظراً لتراجع القدرة الشرائية للمواطنين في مناطق سيطرة الميليشيات، وازدياد الكثافة السكانية في المحافظة، متوقعين أن بإمكانهم تحقيق فارق أرباح كبير خلال موسم العيد.
وحافظت الأسعار في مناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين على ارتفاعها المتواصل، وتراوحت أسعار الماعز والضأن ما بين 90 و120 ألف ريال، وتجاوزت أسعار العجول 800 ألف ريال يمني للعجل الصالح للأضحية، ويبلغ سعر صرف الدولار في هذه المناطق 560 ريالاً.
ومنذ أكثر من أسبوعين؛ فرضت الميليشيات الحوثية جبايات على المواشي عند البيع، وعند الدخول إلى المدن، بواقع ألف ريال على كل رأس من الغنم، وثلاثة آلاف على العجول، وخمسة آلاف على كل رأس من الثيران.
ويعبر السكان في صنعاء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي عن شعورهم بالغضب والحسرة، لعدم مقدرتهم على شراء الأضاحي التي أصبحت مقصورة على أثرياء الحرب الجدد، من قادة الميليشيات الحوثية والموالين لهم الذين تسببوا من خلال سياسات الإفقار وفرض الجبايات على التجار؛ في رفع أسعار المواشي ومختلف السلع.
بدء الكساد في أبين
وحدها محافظة أبين جنوب البلاد، شهدت أسواقها انخفاضاً في أسعار المواشي خلال الأيام الأخيرة قبيل عيد الأضحى، فبعدما تجاوزت 200 ألف ريال يمني لرأس الماعز والضأن؛ انخفضت إلى ما يقارب النصف خلال الأيام الماضية، قبل أن تعاود الانخفاض أكثر قبل العيد بيومين.
وترجح مصادر في مدينة زنجبار مركز المحافظة؛ أن هذا التراجع حدث بسبب زيادة العرض على القدرة الشرائية، مترافقاً مع رغبة التجار في التخلص من أعباء وتكاليف الاحتفاظ بالمواشي خلال الأسابيع القادمة بسبب الجفاف، والذي سيكون مصحوباً بتراجع أكبر في القدرة الشرائية للمواطنين، نتيجة الأعباء التي فرضتها عليهم متطلبات العيد.
ويرى الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن تمكين المستهلكين من الشراء، وحماية المزارعين والتجار من الكساد؛ يتطلب تدخلاً مباشراً من السلطة الشرعية بمنح الفرصة للمستثمرين لإنتاج الأعلاف داخل البلاد بدلاً من استيرادها، ومنح امتيازات تشجيعية لمنتجي المواشي بالإعفاء من الضرائب ودعم أسعار الوقود، وتسهيل أعمال النقل.
ويشدد على ضرورة منح موظفي الدولة رواتبهم باستمرار ودون انقطاع، وزيادة هذه الرواتب لاستعادة القدرة الشرائية، وتوقف الميليشيات الحوثية عن أعمال الجباية وفرض الإتاوات وكافة الإجراءات التي تزيد الأعباء على المزارعين ومنتجي المواشي.