ليبيا.. لغز تمدد «داعش»

التهم مدنًا وبلدات {بتواطئ إخواني} .. وعينه على مثلث النفط

ليبيا.. لغز تمدد «داعش»
TT

ليبيا.. لغز تمدد «داعش»

ليبيا.. لغز تمدد «داعش»

هي خطة مُحكمة من جانب تحالفات المتطرفين، لإطالة أمد الأزمة الليبية وتشتيت الجيش، وصولا إلى نهاية المدة القانونية للبرلمان الشرعي التي يمكن أن تكون في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. خلال الأيام الأخيرة أخذ تنظيم داعش يتمدد وينتشر ويستعد للسيطرة على الهلال النفطي الليبي الواقع بين سرت وبنغازي بطول نحو 500 كيلومتر على البحر المتوسط. فجأة بدأت قوات من ميليشيات المتطرفين الأخرى تتسرب إلى طرابلس لتعزيز سيطرتها على العاصمة قبل دخول الجيش إليها.

الواقع على الأرض أكبر مما يمكن تصوره. حتى ما قاله رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الله الثني، عن وجود أمر مريب وراء ملابسات انتشار «داعش» في سرت وما حولها هذا الأسبوع، لا يقارن بالمجريات الخطيرة، وفقا لإفادات من مصادر عسكرية. فقد بدأ الجيش الليبي يستغيث بالمجتمع الدولي لمساعدته في كبح جماح التمدد والانتشار لهذا التنظيم الدموي الذي أصبح يهدد باقتحام بلدة هراوة المجاورة لسرت، بالإضافة إلى هيمنته على منطقة النوفلية في اتجاه بنغازي.
وتقع كل هذه البلدات في منطقة الهلال النفطي. مصادر في القوات الجوية الليبية تقول لـ«الشرق الأوسط» إن الطائرات الحربية القليلة التي يملكها الجيش تتعامل بصعوبة مع مقاتلي التنظيم، ورغم تمكنها من رصد تجمعاته على مشارف عدة بلدات ليبية، فإن مسألة توجيه ضربات له أمر ما زال صعب المنال. في درنة لم يتمكن الجيش من دخول المدينة رغم حصاره لها منذ أكثر من ستة أشهر. يقول أحد شيوخ القبائل في «هراوة»: «ربما لن يسمع أحد عن بلدتنا إلا بعد أن يرتكب داعش مجازر فيها.. سبق وفرَّ إلى هنا عدة مئات من العمال العرب الذين كانوا في مدينة سرت، خوفا من بطش التنظيم. نخشى ارتكاب داعش لمذابح بحق هؤلاء العمال وغالبيتهم من المصريين».
على الجانب الآخر تسعى قبائل ليبية إلى رفع الغطاء الاجتماعي عن أبنائها المتورطين في القتال مع التنظيمات المتطرفة، بما فيها «داعش». ويحذّر الدكتور صلاح الدين عبد الكريم، المستشار في الجيش الليبي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» من خطورة التطورات التي تشهدها البلاد خلال الفترة الأخيرة، بعد أن تمكن «داعش» من إتمام سيطرته على سرت، والنوفلية، وهي مناطق رئيسية للنفط الليبي، وتقع إلى الغرب من مدينة بنغازي.
الدكتور عبد الكريم يتهم مقاتلي مصراتة، أو ما يعرف بقوات «فجر ليبيا» التي تديرها جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة، بالتنسيق مع تنظيم داعش، لكي يحتل هذا التنظيم المناطق التي تقوم قوات فجر ليبيا بإخلائها، من أجل تشتيت جهود الجيش وفتح أكثر من جبهة أمامه سعيا لإرهاقه بعد أن تمكن من تحقيق إنجازات على الأرض في الشهور الماضية.
يضيف مستشار الجيش أن قوات مصراتة (فجر ليبيا) تريد تركيز وجودها في طرابلس لمواجهة القوات المسلحة الليبية التي تستعد لتحرير العاصمة من المتطرفين والميليشيات المسلحة، ولهذا تقوم بإخلاء المواقع التي كانت تحتلها في سرت والهلال النفطي، وتسليمها لقوات «داعش»، مشيرا إلى أنه جرى رصد أرتال لميليشيات مصراتة في الأيام الأخيرة وهي «تتسرب ساعة بعد ساعة إلى العاصمة طرابلس، فرادى، حتى لا يكتشفها الجيش وحتى لا تتعرض لقصف من القوات العسكرية».
قوات فجر ليبيا تقوم أيضا - وفقا لعبد الكريم - بتعزيز مواقعها في مصراتة لمواجهة التقدم الذي أحرزه الجيش الوطني في الأسابيع الماضية، لكنه أوضح أن التطور الخطير هو قيام قوات مصراتة بترك الساحة في سرت وما حولها لـ«داعش» الذي يسعى بدوره للسيطرة على النفط، ويقول: «لا بد من تعزيز التحالف الإقليمي لمساعدة الجيش. لو وصل تنظيم داعش لمنابع النفط ستكون كارثة. لا بد من تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك لإنقاذ ليبيا من التنظيمات المتطرفة».
وجود «داعش» في ليبيا يتركز في ثلاث مناطق هي درنة وسرت في الشرق، وصبراتة القريبة من الحدود الليبية التونسية من ناحية الغرب، ومحيط مدينة سبها في الجنوب. وينخرط في هذا التنظيم مقاتلون عرب وأجانب، وارتكب خلال الشهور الماضية مذابح ضد عمال مصريين وأفارقة، ويحظى بغطاء من جانب عدة تنظيمات متطرفة أخرى بما فيها جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة، وهي تنظيمات تقول عنها السلطات الليبية إنها تغض الطرف عن تحركات «داعش» وتسهل وصول الأسلحة والمقاتلين إليه عبر الممرات التي تهيمن عليها سواء الممرات البرية عبر الصحراء أو الموانئ البحرية، إلى جانب ثلاثة مطارات على الأقل موجودة قرب طرابلس وفي مصراتة وفي تمنهد في الجنوب.
ومنذ مطلع هذا العام اضطر مئات المقاتلين الدواعش خاصة الأجانب للهروب من درنة بسبب حصار الجيش لهذه المدينة منذ عدة أشهر، واشتراك هؤلاء المقاتلين في مواجهة ضد الجيش في بنغازي والفرار إلى مناطق سرت والنوفلية إلى الغرب من بنغازي.
يقول الشيخ القبلي، عبد الناصر العبيدي، أحد قيادات لجنة المصالحة الليبية، والذي يقيم على مشارف درنة، في رده على أسئلة: «الشرق الأوسط» بشأن «داعش» إن «الدواعش جزء من الليبيين.. هم مجموعة من الشباب يتبنون مثل هذا الفكر، وليسوا جميعهم من خارج البلاد كما تقول بعض وسائل الإعلام. أنا أسكن في مدينة القبة القريبة من درنة وليس لي تعامل مع داعش. كل منا في حاله. لكن إذا جرى التوصل إلى مصالحة بين الليبيين فإن هذه التنظيمات المتطرفة ستختفي».
الشيخ العبيدي يشغل أيضا موقع «المنسق العام لمجلس حكماء مدينة القبة»، وهي مدينة شهدت تفجيرات بسيارات مفخخة على يد «داعش» خلال الفترة الأخيرة. وعما إذا كان تنظيم «داعش» يمثل قوة كبيرة في درنة على سبيل المثال، قال إنه «يوجد تهويل إعلامي كبير بهذا الخصوص.. الجيش قادر على سحقهم في لحظات في حال دخل إلى درنة، لكنه حتى الآن لم يقرر دخولها بسبب وجود سكان ومدنيين، ويكتفي بفرض حصار عليها».
وفيما يتعلق بما إذا كانت هناك صلة بين «داعش» في سرت و«داعش» في درنة، قال إن العلاقة المشتركة بينهما ربما لا تزيد عن اسم «داعش» فقط، لأن درنة محاصرة من كل الجهات على يد الجيش.. من الغرب والشرق. أحيانا يقوم «داعش» بعملية تفجير أو ما أشبه ذلك.
ووقعت هذه التطورات الخاصة بتمدد «داعش» وانتشاره في منطقة الهلال النفطي رغم الجهود التي يبذلها السيد برناردينو ليون، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، ومساعي دول الجوار للمصالحة بين أطراف النزاع في ليبيا. لكن الشيخ العبيدي، والكثير من زعماء القبائل الليبية ينظرون بتشكك لموقف المجتمع الدولي تجاه بلادهم.
يقول العبيدي عن السيطرة المفاجئة لـ«داعش» على سرت: «لا أعرف كيف أفسر الموضوع». لكنه يرى أن هناك خطوات يمكن اتباعها للتخلص من «داعش» في ليبيا ومن المتطرفين.. «هذا ممكن.. أولا الناس الذين جاءوا من الخارج والتحقوا بداعش ووجدوا من يحميهم، ويوفر لهم الغطاء للإقامة والتحرك.. نحن نسعى لرفع الغطاء الاجتماعي عمن يوفر الحماية لهؤلاء المتطرفين الأجانب».
ويوضح أنه توجد منذ فترة مشاورات قبلية عن أن كل من يثبت أنه يحمي «داعش» من أبناء القبائل لا بد من رفع الالتزام القبلي تجاهه، بحيث لا يتم المطالبة بدماء مثل هؤلاء أو الثأر لهم في حال تعرضهم للقتل. بهذا يمكن تحجيم «داعش» خاصة أن هذا التنظيم يعتمد على منح المقاتلين الذين يعملون معه أموالا.. «كلها أموال تأتي من الخارج. هناك أناس ضعفاء تجاه المادة، خاصة أولئك الذين تقل أعمارهم عن 20 سنة، ونعدهم أطفالا، وصبية.. أمام الأموال يمكن أن يقوموا بأي شيء».
وعن علاقة «داعش» بالقبائل الليبية، يرى الشيخ العبيدي، أن «داعش» لا يشكل أي شيء في وسط القبائل لأنه لم يتغلغل فيها.. «نحن نعد هذا التنظيم جسما غريبا وكل الناس ضده. بمجرد اجتماع الليبيين مع بعهم في مؤتمر أو اجتماع للمصالحة خال من أي أجندات خارجية، وهدفه الوطن، فهذا يمكن أن يؤدي للقضاء على داعش».
ويشير إلى أن آخر الإجراءات التي قامت بها لجنة الحكماء والمصالحة المحلية، هي الاتفاق على أنه لا بد أن تكون المصالحة من الداخل الليبي، وليس بعقد لقاءات في الخارج.. «الناس تقول ما حكَّ جسمك مثل ظفرك. لا نريد اجتماعات في الخارج تحيط بها الشكوك عن تمويلات ومصالح لا تهدف لتحقيق المصلحة الليبية».
وعن التطورات الجديدة يقول إن لجنة الحكماء والمصالحة تتواصل في الوقت الحالي مع كل القبائل بما فيها قبائل الغرب، و«الكل يمد يده للسلام والرغبة الحقيقية في التوصل للمصالحة بعد أن جرب الجميع ويلات الحرب.. كل واحد أخذ نصيبه من الحرب.. من قتل وتشريد وغيره. ولذلك الكل يسعى للخير والسلام». ويضيف أنه سيكون هناك اجتماع قريب في الغرب وبالتحديد في مدينة «جادو» في جبل نفوسة.. «سوف يشارك فيه جميع ممثلي القبائل الليبية، من دون استثناء».
وعن الطريقة التي ينظر بها لجهود السيد ليون، يقول الشيخ العبيدي إن هذه الجهود «فيها أشياء غير واضحة، ويتحدث مع الطرفين.. مع الجسم الشرعي والجسم غير الشرعي، وهناك من يفسر أن هذا الأمر وراءه أجندة خفية غير واضحة. نحن ضد الاجتماعات التي تعقد خارج ليبيا. نحن نريد حوارا في داخل ليبيا يحضره الجميع من أولياء الدم ومن المتضررين وغير المتضررين». ويوضح أنه «حين تكون اللقاءات في الخارج، فإن كل مجموعة تقوم بحشد من يسير معها في نفس الخط، بينما نحن أمام قضية وطن ومصير دولة».
مصادر في الجيش الليبي، رغم هذا، تكشف عن صعوبات تواجه القوات المسلحة في الحرب ضد المتطرفين والتي بدأت منذ منتصف العام الماضي، لعدة أسباب على رأسها استمرار الحظر الدولي على مد الجيش بالسلاح، واتساع مساحة الأراضي الليبية التي تحتاج إلى قدرات أكبر من العتاد لمطاردة المتطرفين الذين يتحركون في مجموعات بسيارات الدفع الرباعي عبر الدروب الصحراوية.
مستشار الجيش، الدكتور عبد الكريم، يكشف عن نوايا «داعش» للسيطرة على النفط للحصول على أموال للإنفاق على التنظيم المتطرف في ليبيا. يقول: الآن يمكن الحديث عن أنه أصبحت توجد خطورة كبيرة.. هؤلاء الدواعش سيتجهون للنفط الليبي. برميل البترول يبيعونه بـ25 دولارا في السوق السوداء. أحد أسباب انخفاض أسعار النفط في السوق الدولية هو «داعش» في العراق حيث يبيعه لشركات تركية، ويريدون تكرار التجربة في ليبيا، لأن بيع بترول ليبيا سيكون أسهل بكثير بالنسبة لهم، حيث لا تمر شحنات النفط عبر دول أخرى كما هو الحال في العراق، ولكن عبر البحر المتوسط مباشرة.
وعن إتمام «داعش» سيطرته على سرت التي بدأ نشاطه فيها منذ أواخر العام الماضي، يضيف عبد الكريم قائلا إن الأمر يتطور سريعا وإنه حان الوقت للاستعانة بقوات عربية مشتركة، لمساعدة الجيش الليبي في بسط سلطة الدولة على أراضيها. يتخوف الكثير من القادة الليبيين من وجود خطة للمتطرفين بمساعدة بعض الأطراف الإقليمية والدولية لتعطيل حسم الجيش لعملياته ضد الميليشيات المسلحة وصولا إلى شهر أكتوبر المقبل، وهو موعد انتهاء عمل البرلمان الحالي المعترف به دوليا، وهو البرلمان الداعم لحملة الجيش ضد المتطرفين والمنبثقة عنه حكومة السيد الثني. الثني نفسه اتهم قبل يومين قوات «فجر ليبيا» بتسليم مدينة سرت إلى «داعش»، ووصف ذلك بأنه «تواطؤ كبير جدا».
اتهامات الثني لفجر ليبيا التي يهيمن عليها قادة من جماعة الإخوان ومن مدينة مصراتة، تأتي رغم أن الكثير من القوات المحسوبة على المدينة، صاغت اتفاقات للتهدئة مع قبائل في محيط العاصمة طرابلس منذ مطلع الشهر الماضي.
المستشار عبد الكريم، من جانبه، يرى أن الهدف من اتفاقات مصراتة هو كسب الوقت.. «قاموا بالإفراج عن بعض الأسرى لإرضاء بعض العائلات. هذه محاولة لكسب الوقت للوصول إلى يوم 21 أكتوبر 2015، وهو اليوم الذي يروجون له على أنه نهاية المدة القانونية للبرلمان، رغم أن الإعلان الدستوري يقول إنه لا بد أن يسلم البرلمان سلطته إلى مجلس منتخب آخر».
يتابع موضحا أن قوات فجر ليبيا وقادة من مصراتة والإخوان، بدأوا يتحدثون عن قرب انتهاء مدة البرلمان الحالي رغم أنه لا يوجد تاريخ محدد لنهاية عمله. ويضيف: الآن السيد ليون، وفجر ليبيا، يريدون الوصول إلى هذه النتيجة. ويشير إلى أن المجتمع الدولي الذي يرفض تسليح الجيش الوطني يغض الطرف عن الطيران الذي يأتي بمدد للإرهابيين في ليبيا، من تركيا إلى مطار مصراتة.. «ويغض الطرف أيضا عن المراكب التي تحمل الإرهابيين والإمدادات للمتطرفين، وهو يرى هذه المراكب وهي تأتي من تركيا للسواحل الليبية أمام أعين الأساطيل الغربية في البحر المتوسط».
من جانبه يوضح الشيخ محمد الشحومي، أمين سر اللجنة التحضيرية لملتقى القبائل الليبية، أن ثورة المصريين على حكم جماعة الإخوان، في 30 يونيو (حزيران) 2013. قلبت الموازين في المنطقة، خاصة في ليبيا، ويضيف أن «فشل المخطط الدولي لتمكين الإخوان من السلطة في مصر وليبيا، غيَّر الكثير من الاستراتيجيات»، مشيرا إلى أن الاستراتيجية الجديدة أصبحت تتلخص في أنه «لا بد من السيطرة على ليبيا من أجل العودة للسيطرة على مصر».
وسبق لمصر توجيه ضربات لمواقع لتنظيم «داعش» قرب مدينة درنة، كما أن لها علاقات تعاون رسمية مع السلطات الشرعية والجيش الوطني، لكن بعض القادة الليبيين يتحدثون عن الحاجة لمزيد من الدعم المصري للحرب على الإرهاب في بلادهم. يقول الشيخ الشحومي لـ«الشرق الأوسط»: «مصر هي القلب. من يسيطر على مصر يسيطر على المنطقة كلها. في الحقيقة ما يحدث في ليبيا من صراع هو من أجل السيطرة على مصر، والليبيون يخوضون الآن قتالا من أجل مصر».
وللشيخ الشحومي نظرة مختلفة فيما يتعلق بالاتفاقات التي عقدتها ميليشيات محسوبة على مصراتة خلال الأسابيع الماضية. فبينما يرى البعض، مثل الدكتور عبد الكريم، أنها محاولة لكسب الوقت، يقول الشحومي إن هذه الاتفاقات بين مصراتة وبعض القبائل في الغرب تعكس درجة من الوعي لتصحيح المسار، مشيرا إلى أن قوات مثل كتيبة «الحلبوص» و«حطين» و«المجدوب»، إضافة إلى مجلس بلدية مصراتة المنتخب، أصدرت بيانات تحمل توجهات عن رغبتها في الخروج من تحت عباءة الإخوان المسلمين.
وأعطت بوادر حسن نية من جانب مصراتة بعض الأمل في إمكانية التوصل إلى مصالحة وطنية شاملة يمكنها تعضيد الجيش في حربه ضد «داعش» والمتطرفين الذين يصرون على مواصلة حمل السلاح والهجوم على رموز السلطات الشرعية. ويقوم عدد من وجهاء مصراتة منذ أيام بهدم منصات كانت منصوبة في شوارع المدينة، وتحرض ضد الجيش والبرلمان، ويسيطر عليها قادة من جماعة الإخوان، بالتزامن مع تراجع ميليشيات محسوبة على المدينة عن خوض المعارك ضد الجيش في المنطقة الغربية.
لكن الانسحاب المفاجئ لكتائب أخرى تابعة لمصراتة من سرت وما حولها، واتجاهها إلى طرابلس، أعاد الشكوك مرة ثانية في نوايا هذه الميليشيات. تبدو هذه الخطوة، وفقا لشهادات من قادة في الجيش وقادة من القبائل، نذير خطر. يقول أحد شيوخ بلدة «هرواة» التي تقع على البحر المتوسط على بعد نحو 65 كيلومترا إلى الشرق من مدينة سرت، في اتصال مع «الشرق الأوسط»: «الدواعش يحاصرون البلدة منذ أيام.. خاطبنا العمليات الجوية في الجيش لسرعة التدخل. الأمور خطيرة في المنطقة الوسطى».
بالإضافة إلى مسؤولي الجيش يشعر الكثير من قادة القبائل بالقلق من تعاطي المجتمع الدولي مع القضية الليبية وتمدد «داعش». من بين هؤلاء الشيخ عادل الفايدي، منسق مؤتمر القبائل الليبية. يقول في رده على أسئلة «الشرق الأوسط» بهذا الخصوص إن تركيز الليبيين في الوقت الحالي ينصب على دعم البرلمان والجيش في هذه المرحلة الحرجة من أجل التخلص من «الإرهاب الأسود» الذي يضرب البلاد، مشيرا إلى قيام المتطرفين بأعمال وحشية من الابتزاز إلى الاختطاف وقطع الرؤوس.
وهو يتفق مع وجهة نظر الشيخ العبيدي بشأن رفع الغطاء الاجتماعي عن أي شخص يتعاون مع الميليشيات ومع «هذه التنظيمات الإرهابية والأجسام الغريبة». ورغم تأكيده على دعمه لها، إلا أنه يرى أن ما تقوم به السلطات الشرعية حتى الآن ما زال دون المستوى، خاصة فيما يتعلق بإيجاد حلول وفرص عمل للشباب الذين انخرطوا في تلك الميليشيات سواء بدمجهم في الجيش أو في الشرطة أو غيرهما. ويضيف أن استمرار الأحوال على ما هي عليه دون تقدم يجعل الأمور تمضي من سيئ إلى أسوأ.
وعن موقف دول الجوار من القضية الليبية، يعبّر الشيخ الفايدي عن تفاؤله بالاجتماعات التي عقدت حول مشكلة الإرهاب في ليبيا، منذ أواخر العام الماضي، لكنه يقول إنه، للأسف، لم ينتج عنها شيء ذو شأن. يقول: «لقد أثلج صدورنا ما نتج عن لقاء السادة وزراء خارجية دول الجوار الليبي، من مقررات، وبالأخص ما يتعلق بتجفيف منابع دعم الإرهاب في ليبيا، لكن للأسف لم يجففوا أي شيء، وربما تسببوا في زيادة هذه المنابع أكثر من السابق».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».