الجهل بالتجربة الإسلامية

الجهل بالتجربة الإسلامية
TT

الجهل بالتجربة الإسلامية

الجهل بالتجربة الإسلامية

ما زلت منزعجًا من بعض الشطحات الفكرية الغربية الطائشة التي تدعو إلى عملية إصلاح ديني إسلامي على الغرار الغربي، فقد خرجت علينا بعض الآراء مؤخرًا تدعو إلى ضرورة اقتفاء مسيرة الإصلاح الإسلامي المنتظرة أو المرجوة، خطوات حركة الإصلاح الديني في أوروبا خلال القرن السادس عشر، بل إن البعض خص بالذكر ضرورة الاستفادة من حركة الإصلاح «الكالفينية» بالتحديد التي تناولناها منذ أسابيع قليلة في هذا الباب. وكانت فكرة أصحاب هذه الرؤية أن العالم الإسلامي سيكون أحسن حالاً لو أنه اتبع خطوات الحركة الإصلاحية نفسها أساسا للتوصل لمفاهيم الشرعية السياسية التي ستقي دول العالم الإسلامي شرورًا كثيرة عندما يتم إخراج الدين الإسلامي من المعادلة السياسية، وأن تجرى عملية إصلاح واسعة النطاق في بعض جوانبه على النحو الغربي منذ خمسة قرون مضت. وأذكر أنني تناولت في المقال نفسه خطورة مسعى بعض المفكرين الغربيين، وتهافت بعض المستغربين من العرب لمحاولة الخلط بين مسيرتي التجربة السياسية المسيحية والإسلامية، ومحاولة فرض بعض مسلمات التجربة المسيحية في الغرب على النموذج الإسلامي الحديث. ومن هذا المنطلق، فإنني أصوغ أهم النقاط التالية لمحاولة فصل التجربتين السياسيتين بشكل أكثر حسمًا: أولاً: إن نشأة المسيحية خاصة الكاثوليكية ودورها السياسي في تاريخ وسط وغرب أوروبا، تختلف تمامًا عن الإسلام ونشأته؛ فالمسيحية ولّدت قوة دفع جديدة في القارة الأوروبية من خلال استخدام الهياكل القائمة بالفعل في الإمبراطورية الرومانية الغربية حتى بعد إزهاق روحها سياسيًا، فقوة الدفع كان مصدرها الهيكل الفكري اليوناني والهيكل السياسي الروماني، فلقد بنى الباباوات هيكل الكنيسة على الهيكل الروماني تمامًا، كما أنها اقتبست من القانون الروماني وطورته وأدخلت عليه ما عُرف بـ«القانون الكنسي» Canon Law فيما بعد، الذي استقى كثيرا من أسسه من القانون الروماني. أما من الناحية الفكرية، فلقد وجدت المسيحية بيئة فكرية وروحية يونانية ساعدتها على سهولة الانتشار؛ حيث كانت بوادر مفهوم الأممية موجودًا، وتمثل في مفهوم العالمية الإنسانية كما دل عليه فكر «الرواقيين Stoics» الذين كان أبرز مفكريهم الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس الذي تناولناه أيضا في مقالة خاصة في هذا الباب. فقد رأى أصحاب هذا المذهب في الإنسانية أسرة واحدة، فدعوا إلى التقارب والأخلاقيات فيما بين أعضائها، كما دعوا للفضيلة المجردة بعيدًا عن المادية، وهي الحركة الفكرية التي كان لها أكبر الأثر في التمهيد للديانة المسيحية بروحانياتها وفتحت المجال أمام قبولها تدريجيًا.
أما التجربة الإسلامية، فكانت مختلفة تمامًا، فلقد ظهر الإسلام في مجتمع قبلي، وليس زراعيا ثابتا Sedentary كالمسيحية، كما أنه لم يكن هناك فكر أو حركة فكرية يمكن أن تدعم ظهوره أو انتشاره، فحتى مع وجود بعض المذاهب المحدودة مثل «الحنيفية»، فإنها لم تكن شائعة لدى القبائل العربية. ويضاف إلى ذلك أن الإسلام عند ظهوره لم يكن لديه أي هيكل أو قواعد قانونية يمكن أن يُبني عليها حتى مع وجود بعض الهياكل الفكرية للجاهلية التي سريعًا ما تغيرت مع الفتوحات المختلفة. بالتالي، فإن التجربة الإسلامية كانت مستقلة عن أي هيكل فكري أو سياسي قائم، على عكس المسيحية، وهو أمر جعل التجربة الإسلامية السياسية أو الفكرية فريدة ومختلفة تمامًا.
ثانيًا: أن التجربة المسيحية في أوروبا اعتمدت على المؤسسية الكنسية بشكل قاطع لأسباب مرتبطة بلب العقيدة ودور الكنيسة بوصفها أداة الاتصال بين البشر والإله، وهو الدور الذي طورته الكنيسة على مدار قرون ممتدة حتى أصبحت المؤسسة الروحية التي بيدها الغفران وإدخال المسيحي إلى الملة وإخراجه منها.. وغيرها من الحقوق؛ على رأسها حق الحرمان الكنسي، بما في ذلك على الملوك، كما أنها أصبحت وسيلة خطيرة لتقويض الأنظمة السياسية وسحب شرعيتها في حالة اختلافها معها، وهو ما أدخلها في صراع مباشر مع السلطة المدنية في دول كثيرة للغاية، وهي السمة التي اتسمت بها العلاقة المتوترة بين البابا وكنيسته من ناحية، والملوك والأمراء من ناحية أخرى.
أما التجربة الإسلامية السنية فإنها تختلف تمامًا عن مثيلتها الكاثوليكية، فبعد أن قبض الرسول عليه الصلاة والسلام، انتهى المزج الديني/ السياسي للدولة الإسلامية الذي كان قائمًا بحكم ارتباط القيادة السياسية لهذه الدولة بالرسالة السماوية، لذلك عندما بدأت دولة الخلافة الراشدة ومن بعدها دول أخرى كالأموية والعباسية، فإن المكون الديني لعب دوره في إضفاء الشرعية، وهذا لا خلاف عليه، ولكن الإدارة الدينية للدولة لم تكن موجودة أو متشابهة مع الحالة الكاثوليكية، فالدولة وقوتها السياسية كانت مصدر الدفع للعقيدة، وظلت المؤسسات السنية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالدولة، ولم تكن خارجة عليها، كما أنها لم تكن آخذة شكل المؤسسية؛ بل غلب عليها طابع الفردية، وهذا اختلاف آخر عن المسيحية.
ثالثا: وارتباطًا بما سبق، فإن طريق التجربتين كان مختلفًا بطبيعة الحال، فالمؤسسية الكنسية صارت قوة سياسية بطبيعة الحال حتى ولو لم تكن تمتلك الجنود والجيوش، ولكن قوتها كانت في امتلاكها، وفقًا للمذهب الكاثوليكي، مفتاح ملكوت السماوات وتنظيم حياة البشر على الأرض، بالتالي بدأت قوتها تنضح وتقوى مع مرور الوقت، كما أن الكنيسة هي التي لعبت الدور السياسي الأساسي في إدارة أوروبا بعد سقوط روما لفترات زمنية ممتدة حتى مجيء الدولة «الكارولينجية» وتتويج شارلمان إمبراطورا رومانيًا مقدسًا عام 800 على يد البابا، وهنا بدأت البابوية تلعب دورها الديني/ السياسي المزدوج لمحاولة فرض الأممية من خلال مفهوم «إله واحد.. إمبراطور واحد» فدخلت في تحالفات متغيرة للوصول لهذا الهدف، ولكن ليس دون صراعات مباشرة مع ملوك وأمراء أدت لصدامات مسلحة بين الدولة والفاتيكان، التي غالبًا ما انتهت بفرار الباباوات أمام جبروت جيوش بعض الملوك.
أما الإسلام، فإن تجربته تختلف تمامًا، فمنذ الخلافة الراشدة، فإن السلطة السياسية استطاعت السيطرة شبه الكاملة على المنابر الدينية المتفرقة وغير المؤسسية ولم يخرج عن هذه المعادلة إلا حالات قليلة كالخوارج وفرق أخرى. وبصفة عامة، فإن المؤسسية السياسية للدولة الإسلامية ممثلة في الخليفة، كانت قابضة على كل أمور الدولة، ولم يكن هناك مصدر مؤسسي يمكن الاعتماد عليه كما كانت الحال بالنسبة للكنيسة في روما.
وإذا ما أخذنا العناصر الثلاثة المشار إليها عاليه، فإنه لن يغيب علينا أن حركة الإصلاح الديني في وسط وغرب أوروبا في القرن السادس عشر كان لها مسارها المتفرد غير القابل للتكرار، فهي حركة إصلاح كانت موجهة للهيكل المسيحي ممثلا في الكنيسة وليس في لب العقيدة، اللهم إلا بعض الاستثناءات، وعلى رأسها مسألة تحول الخبز والنبيذ إلى جسد ودم السيد المسيح فيما عرف بقضية «القربان المقدس Eucharist» حيث اختلفت التأويلات فيه بين مؤمن بحقيقة التحول، ومن يراه مجازًا للتقرب للسيد المسيح. ومن هنا، فإن هذه الحركة ممثلة أساسًا في مارتن لوثر في ألمانيا، وجون كالفين في سويسرا، إنما كان هدفها إصلاح الفساد الكنسي وكسر فكرة تكريس الخلاص الذي تركز في يد البابا وكنيسته باعتباره الوسيط بين العبد والإله. كما أن هذه الحركة كان هدفها الأساسي فتح المجال أمام العامة للتعرف على ديانتهم المسيحية من خلال الكتب المقدسة مباشرة دون الوساطة المفروضة عليهم من قبل الكنيسة التي احتكرت هذا المجال تمامًا من خلال تفاسيرها المعتمدة دون غيرها، وعدم وجود ترجمة لهذه الكتب التي كانت باللاتينية، ومن ثم لجأت قيادات حركة الإصلاح إلى إتاحة الكتب باللغات المستخدمة لدى العامة.
إن النتيجة الحتمية لكل ما سبق تدعونا لأهمية إدراك اختلاف التجربة الكاثوليكية الغربية عن الإسلامية، ومن ثم صعوبة تطبيق الفكر الإصلاحي على الإسلام لانتفاء السبب واختلاف المضمون، فالكالفينية التي طُرحت نموذجا للتدليل على الإصلاح لم تأت برؤية دينية جديدة، بل إنها ناقشت في مجملها قضايا قديمة ليست مطروحة على الساحة الإسلامية اليوم، حتى إن فكرة «كالفين» حول أن «الإنسان مسير»، ووجود «انتقاء إلهي» لمن سيتم منحهم الخلاص بشكل مسبق، تتعارض ولب العقيدة المسيحية والإسلامية على حد سواء، التي ترى أن الإنسان مسؤول عن خياراته، وأنه مخير في الأساس. وهذا الجدل الفكري حدث في الإسلام منذ أكثر من اثني عشر قرنًا من الزمان في كتابات مثل الباقلاني والحسن البصري والمعتزلة وغيرهم؛ كذلك فإن التجربة الكالفينية في أوروبا مثلت في التقدير الجيل الثاني أو الثالث لمفهوم الدولة الثيوقراطية التي أقامها «كالفين» بنفسه وأشرف عليها في جنيف، والتي تهاوت أيضا بعد موته مباشرة. ومن ثم، فإنه لا مجال لمقارنة التجربة السياسية الكالفينية مع الإسلام الحديث كما يسعى البعض لتطبيقها.
من كل ما سبق، فإننا لا نزال نشفق على أنفسنا من فكرة اقتفاء أثر الغير وتكرار تجاربه بشكل حرفي كما لو أنها فريضة فكرية وسلوكية، كما أننا نشفق أيضا على المستغربين الداعين إلى علو تجربتهم وحتمية اقتفاء أثرها يوصفها نموذجا للتقدم والتطور بلا مبرر حقيقي. وهذه قضية ترتبط في الأساس بنوع من التمترس الفكري النابع من الفكر الذاتي الغربي لدى كثير من مفكريهم، فالإسلام تجربة منفصلة وفريدة في مسارها، وهو لم يكن في أي وقت من الأوقات أداة لقمع أو وسيلة لسيطرة فئة أو مؤسسة على عباد الله، ومن ثم يتوجب احترام خصوصيته ومساره.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.