الجهل بالتجربة الإسلامية

الجهل بالتجربة الإسلامية
TT

الجهل بالتجربة الإسلامية

الجهل بالتجربة الإسلامية

ما زلت منزعجًا من بعض الشطحات الفكرية الغربية الطائشة التي تدعو إلى عملية إصلاح ديني إسلامي على الغرار الغربي، فقد خرجت علينا بعض الآراء مؤخرًا تدعو إلى ضرورة اقتفاء مسيرة الإصلاح الإسلامي المنتظرة أو المرجوة، خطوات حركة الإصلاح الديني في أوروبا خلال القرن السادس عشر، بل إن البعض خص بالذكر ضرورة الاستفادة من حركة الإصلاح «الكالفينية» بالتحديد التي تناولناها منذ أسابيع قليلة في هذا الباب. وكانت فكرة أصحاب هذه الرؤية أن العالم الإسلامي سيكون أحسن حالاً لو أنه اتبع خطوات الحركة الإصلاحية نفسها أساسا للتوصل لمفاهيم الشرعية السياسية التي ستقي دول العالم الإسلامي شرورًا كثيرة عندما يتم إخراج الدين الإسلامي من المعادلة السياسية، وأن تجرى عملية إصلاح واسعة النطاق في بعض جوانبه على النحو الغربي منذ خمسة قرون مضت. وأذكر أنني تناولت في المقال نفسه خطورة مسعى بعض المفكرين الغربيين، وتهافت بعض المستغربين من العرب لمحاولة الخلط بين مسيرتي التجربة السياسية المسيحية والإسلامية، ومحاولة فرض بعض مسلمات التجربة المسيحية في الغرب على النموذج الإسلامي الحديث. ومن هذا المنطلق، فإنني أصوغ أهم النقاط التالية لمحاولة فصل التجربتين السياسيتين بشكل أكثر حسمًا: أولاً: إن نشأة المسيحية خاصة الكاثوليكية ودورها السياسي في تاريخ وسط وغرب أوروبا، تختلف تمامًا عن الإسلام ونشأته؛ فالمسيحية ولّدت قوة دفع جديدة في القارة الأوروبية من خلال استخدام الهياكل القائمة بالفعل في الإمبراطورية الرومانية الغربية حتى بعد إزهاق روحها سياسيًا، فقوة الدفع كان مصدرها الهيكل الفكري اليوناني والهيكل السياسي الروماني، فلقد بنى الباباوات هيكل الكنيسة على الهيكل الروماني تمامًا، كما أنها اقتبست من القانون الروماني وطورته وأدخلت عليه ما عُرف بـ«القانون الكنسي» Canon Law فيما بعد، الذي استقى كثيرا من أسسه من القانون الروماني. أما من الناحية الفكرية، فلقد وجدت المسيحية بيئة فكرية وروحية يونانية ساعدتها على سهولة الانتشار؛ حيث كانت بوادر مفهوم الأممية موجودًا، وتمثل في مفهوم العالمية الإنسانية كما دل عليه فكر «الرواقيين Stoics» الذين كان أبرز مفكريهم الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس الذي تناولناه أيضا في مقالة خاصة في هذا الباب. فقد رأى أصحاب هذا المذهب في الإنسانية أسرة واحدة، فدعوا إلى التقارب والأخلاقيات فيما بين أعضائها، كما دعوا للفضيلة المجردة بعيدًا عن المادية، وهي الحركة الفكرية التي كان لها أكبر الأثر في التمهيد للديانة المسيحية بروحانياتها وفتحت المجال أمام قبولها تدريجيًا.
أما التجربة الإسلامية، فكانت مختلفة تمامًا، فلقد ظهر الإسلام في مجتمع قبلي، وليس زراعيا ثابتا Sedentary كالمسيحية، كما أنه لم يكن هناك فكر أو حركة فكرية يمكن أن تدعم ظهوره أو انتشاره، فحتى مع وجود بعض المذاهب المحدودة مثل «الحنيفية»، فإنها لم تكن شائعة لدى القبائل العربية. ويضاف إلى ذلك أن الإسلام عند ظهوره لم يكن لديه أي هيكل أو قواعد قانونية يمكن أن يُبني عليها حتى مع وجود بعض الهياكل الفكرية للجاهلية التي سريعًا ما تغيرت مع الفتوحات المختلفة. بالتالي، فإن التجربة الإسلامية كانت مستقلة عن أي هيكل فكري أو سياسي قائم، على عكس المسيحية، وهو أمر جعل التجربة الإسلامية السياسية أو الفكرية فريدة ومختلفة تمامًا.
ثانيًا: أن التجربة المسيحية في أوروبا اعتمدت على المؤسسية الكنسية بشكل قاطع لأسباب مرتبطة بلب العقيدة ودور الكنيسة بوصفها أداة الاتصال بين البشر والإله، وهو الدور الذي طورته الكنيسة على مدار قرون ممتدة حتى أصبحت المؤسسة الروحية التي بيدها الغفران وإدخال المسيحي إلى الملة وإخراجه منها.. وغيرها من الحقوق؛ على رأسها حق الحرمان الكنسي، بما في ذلك على الملوك، كما أنها أصبحت وسيلة خطيرة لتقويض الأنظمة السياسية وسحب شرعيتها في حالة اختلافها معها، وهو ما أدخلها في صراع مباشر مع السلطة المدنية في دول كثيرة للغاية، وهي السمة التي اتسمت بها العلاقة المتوترة بين البابا وكنيسته من ناحية، والملوك والأمراء من ناحية أخرى.
أما التجربة الإسلامية السنية فإنها تختلف تمامًا عن مثيلتها الكاثوليكية، فبعد أن قبض الرسول عليه الصلاة والسلام، انتهى المزج الديني/ السياسي للدولة الإسلامية الذي كان قائمًا بحكم ارتباط القيادة السياسية لهذه الدولة بالرسالة السماوية، لذلك عندما بدأت دولة الخلافة الراشدة ومن بعدها دول أخرى كالأموية والعباسية، فإن المكون الديني لعب دوره في إضفاء الشرعية، وهذا لا خلاف عليه، ولكن الإدارة الدينية للدولة لم تكن موجودة أو متشابهة مع الحالة الكاثوليكية، فالدولة وقوتها السياسية كانت مصدر الدفع للعقيدة، وظلت المؤسسات السنية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالدولة، ولم تكن خارجة عليها، كما أنها لم تكن آخذة شكل المؤسسية؛ بل غلب عليها طابع الفردية، وهذا اختلاف آخر عن المسيحية.
ثالثا: وارتباطًا بما سبق، فإن طريق التجربتين كان مختلفًا بطبيعة الحال، فالمؤسسية الكنسية صارت قوة سياسية بطبيعة الحال حتى ولو لم تكن تمتلك الجنود والجيوش، ولكن قوتها كانت في امتلاكها، وفقًا للمذهب الكاثوليكي، مفتاح ملكوت السماوات وتنظيم حياة البشر على الأرض، بالتالي بدأت قوتها تنضح وتقوى مع مرور الوقت، كما أن الكنيسة هي التي لعبت الدور السياسي الأساسي في إدارة أوروبا بعد سقوط روما لفترات زمنية ممتدة حتى مجيء الدولة «الكارولينجية» وتتويج شارلمان إمبراطورا رومانيًا مقدسًا عام 800 على يد البابا، وهنا بدأت البابوية تلعب دورها الديني/ السياسي المزدوج لمحاولة فرض الأممية من خلال مفهوم «إله واحد.. إمبراطور واحد» فدخلت في تحالفات متغيرة للوصول لهذا الهدف، ولكن ليس دون صراعات مباشرة مع ملوك وأمراء أدت لصدامات مسلحة بين الدولة والفاتيكان، التي غالبًا ما انتهت بفرار الباباوات أمام جبروت جيوش بعض الملوك.
أما الإسلام، فإن تجربته تختلف تمامًا، فمنذ الخلافة الراشدة، فإن السلطة السياسية استطاعت السيطرة شبه الكاملة على المنابر الدينية المتفرقة وغير المؤسسية ولم يخرج عن هذه المعادلة إلا حالات قليلة كالخوارج وفرق أخرى. وبصفة عامة، فإن المؤسسية السياسية للدولة الإسلامية ممثلة في الخليفة، كانت قابضة على كل أمور الدولة، ولم يكن هناك مصدر مؤسسي يمكن الاعتماد عليه كما كانت الحال بالنسبة للكنيسة في روما.
وإذا ما أخذنا العناصر الثلاثة المشار إليها عاليه، فإنه لن يغيب علينا أن حركة الإصلاح الديني في وسط وغرب أوروبا في القرن السادس عشر كان لها مسارها المتفرد غير القابل للتكرار، فهي حركة إصلاح كانت موجهة للهيكل المسيحي ممثلا في الكنيسة وليس في لب العقيدة، اللهم إلا بعض الاستثناءات، وعلى رأسها مسألة تحول الخبز والنبيذ إلى جسد ودم السيد المسيح فيما عرف بقضية «القربان المقدس Eucharist» حيث اختلفت التأويلات فيه بين مؤمن بحقيقة التحول، ومن يراه مجازًا للتقرب للسيد المسيح. ومن هنا، فإن هذه الحركة ممثلة أساسًا في مارتن لوثر في ألمانيا، وجون كالفين في سويسرا، إنما كان هدفها إصلاح الفساد الكنسي وكسر فكرة تكريس الخلاص الذي تركز في يد البابا وكنيسته باعتباره الوسيط بين العبد والإله. كما أن هذه الحركة كان هدفها الأساسي فتح المجال أمام العامة للتعرف على ديانتهم المسيحية من خلال الكتب المقدسة مباشرة دون الوساطة المفروضة عليهم من قبل الكنيسة التي احتكرت هذا المجال تمامًا من خلال تفاسيرها المعتمدة دون غيرها، وعدم وجود ترجمة لهذه الكتب التي كانت باللاتينية، ومن ثم لجأت قيادات حركة الإصلاح إلى إتاحة الكتب باللغات المستخدمة لدى العامة.
إن النتيجة الحتمية لكل ما سبق تدعونا لأهمية إدراك اختلاف التجربة الكاثوليكية الغربية عن الإسلامية، ومن ثم صعوبة تطبيق الفكر الإصلاحي على الإسلام لانتفاء السبب واختلاف المضمون، فالكالفينية التي طُرحت نموذجا للتدليل على الإصلاح لم تأت برؤية دينية جديدة، بل إنها ناقشت في مجملها قضايا قديمة ليست مطروحة على الساحة الإسلامية اليوم، حتى إن فكرة «كالفين» حول أن «الإنسان مسير»، ووجود «انتقاء إلهي» لمن سيتم منحهم الخلاص بشكل مسبق، تتعارض ولب العقيدة المسيحية والإسلامية على حد سواء، التي ترى أن الإنسان مسؤول عن خياراته، وأنه مخير في الأساس. وهذا الجدل الفكري حدث في الإسلام منذ أكثر من اثني عشر قرنًا من الزمان في كتابات مثل الباقلاني والحسن البصري والمعتزلة وغيرهم؛ كذلك فإن التجربة الكالفينية في أوروبا مثلت في التقدير الجيل الثاني أو الثالث لمفهوم الدولة الثيوقراطية التي أقامها «كالفين» بنفسه وأشرف عليها في جنيف، والتي تهاوت أيضا بعد موته مباشرة. ومن ثم، فإنه لا مجال لمقارنة التجربة السياسية الكالفينية مع الإسلام الحديث كما يسعى البعض لتطبيقها.
من كل ما سبق، فإننا لا نزال نشفق على أنفسنا من فكرة اقتفاء أثر الغير وتكرار تجاربه بشكل حرفي كما لو أنها فريضة فكرية وسلوكية، كما أننا نشفق أيضا على المستغربين الداعين إلى علو تجربتهم وحتمية اقتفاء أثرها يوصفها نموذجا للتقدم والتطور بلا مبرر حقيقي. وهذه قضية ترتبط في الأساس بنوع من التمترس الفكري النابع من الفكر الذاتي الغربي لدى كثير من مفكريهم، فالإسلام تجربة منفصلة وفريدة في مسارها، وهو لم يكن في أي وقت من الأوقات أداة لقمع أو وسيلة لسيطرة فئة أو مؤسسة على عباد الله، ومن ثم يتوجب احترام خصوصيته ومساره.



دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي
تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي
TT

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي
تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي

أدَّى دانيال تشابو، الأربعاء الماضي، اليمين الدستورية، رئيساً لموزمبيق، مركِّزاً على اعتبار استعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي «أولوية الأولويات». وجاء تولي السياسي المتخصص في القانون، بعد أكثر من 3 أشهر من انتخابات مثيرة للجدل، دفعت البلاد إلى موجة احتجاجات دامية راح ضحيتها أكثر من 300 شخص حتى الآن، وفق تقديرات منظمات حقوقية محلية ودولية. وبالفعل استمرت الاحتجاجات حتى أثناء مراسم حفل التنصيب؛ إذ بينما كان تشابو (البالغ من العمر 48 سنة) يخطب أمام حشد متحمس من أنصاره في العاصمة مابوتو، كان مناصرو المعارضة يتظاهرون ضده على بعد أمتار قليلة، بعدما منعتهم قوات الأمن من الوصول إلى مكان الحفل.

بدأ الرئيس الموزمبيقي الجديد دانيال تشابو القسم وسط حشد من أنصاره، وكذلك على مقربة من مظاهرات رافضة نتيجة الانتخابات التي وضعته على رأس السلطة في المستعمرة البرتغالية الكبيرة التي يقترب عدد سكانها من 34 مليون نسمة، وتقع على الساحل الغربي للمحيط الهندي بجنوب شرقي أفريقيا. ولقد نقلت وكالات الأنباء عن شهود عيان قولهم إن وسط العاصمة مابوتو كان شبه مهجور مع وجود كثيف للشرطة والجيش.

أما تشابو فقد قال في خطاب تنصيبه: «سمعنا أصواتكم قبل وأثناء الاحتجاجات، وسنستمر في الاستماع». وأقرَّ الرئيس الجديد بالحاجة إلى إنهاء حالة الاضطراب التي تهز البلاد، مضيفاً: «لا يمكن للوئام الاجتماعي أن ينتظر، لذلك بدأ الحوار بالفعل، ولن نرتاح حتى يكون لدينا بلد موحد ومتماسك».

والواقع أنه منذ إعلان المجلس الدستوري في موزمبيق، خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فوز تشابو في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بنسبة 65.17 في المائة من الأصوات، دخلت البلاد في موجة عنف جديدة، ولا سيما مع طعن فينانسيو موندلاني زعيم المعارضة الشعبوية اليمينية (الذي حلَّ ثانياً بحصوله على 24 في المائة من الأصوات) في صحة نتائجها، ودعوته للتظاهر، واستعادة ما سمَّاه «الحقيقة الانتخابية».

هذا، وتتهم المعارضة -ممثلةً بحزب «بوديموس» الشعبوي- حزب «فريليمو» الاستقلالي اليساري بتزوير الانتخابات، وهي تهمة ينفيها «فريليمو» الذي يحكم البلاد منذ الاستقلال عن البرتغال عام 1975. أما تشابو فقد بات الرئيس الخامس لموزمبيق منذ استقلالها. وكان في مقدمة حضور حفل تنصيبه الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، وزعيم غينيا بيساو عمر سيسوكو إمبالو، بينما أرسلت عدة دول أخرى -بما في ذلك البرتغال- ممثلين عنها.

الخلفية والنشأة

ولد دانيال فرنسيسكو تشابو، يوم 6 يناير (كانون الثاني) 1977 في بلدة إينهامينغا، المركز الإداري لمنطقة شيرينغوما بوسط موزمبيق. وهو الابن السادس بين 10 أشقاء. وكان والده فرنسيسكو (متوفى) موظفاً في سكك حديد موزمبيق، بينما كانت والدته هيلينا دوس سانتوس عاملة منازل. وهو متزوّج من غويتا سليمان تشابو، ولديهما 3 أولاد، وهو يهوى كرة القدم وكرة السلة، ويتكلم اللغتين البرتغالية والإنجليزية بطلاقة.

النزاع المسلح الذي اندلع بين «فريليمو» (جبهة تحرير موزمبيق) الاستقلالية اليسارية، ومنظمة «رينامو» اليمينية التي دعمها النظامان العنصريان السابقان بجنوب أفريقيا وروديسيا الجنوبية (زيمبابوي حالياً) وبعض القوى الغربية، دفع عائلة تشابو إلى مغادرة إينهامينغا، ولذا أمضى دانيال تشابو طفولته في منطقة دوندو؛ حيث التحق بمدرسة «جوزينا ماشيل» الابتدائية، ومن ثم، تابع دراسته في دوندو، وبعد إنهاء تعليمه الثانوي عمل مذيعاً في راديو «ميرامار»؛ حيث قدم برنامجاً رياضياً بين عامي 1997 و1999.

بعدها، التحق تشابو بجامعة «إدواردو موندلاني» في العاصمة مابوتو، وتزامناً مع دراسته الجامعية عمل في تلفزيون «ميرامار»، وقدَّم برنامجاً باسم «أفوكس دو بوفو».

ثم في عام 2004 حصل على شهادته الجامعية في القانون، واجتاز دورة المحافظين وكتَّاب العدل في «مركز ماتولا للتدريب القانوني» في العام نفسه. وهكذا شكَّلت خلفيته الأكاديمية أساساً قوياً لمسيرته المهنية اللاحقة في الخدمة العامة والإدارة.

من القانون إلى السياسة

بدأ تشابو حياته المهنية عام 2005، في مكتب كتَّاب العدل بمدينة ناكالا بورتو، وواصل عمله هناك حتى عام 2009. كما عمل أستاذاً للقانون الدستوري والعلوم السياسية في الجامعة.

وفي عام 2009 انضم إلى حزب «فريليمو» (جبهة تحرير موزمبيق)، وعُيِّن بسبب عمله ومشاركته السياسية في منصب إداري في مقاطعة ناكالا- آ- فيليا، ووفق موقعه الإلكتروني فإنه عمل خلال تلك الفترة على «خلق فرص عمل للشباب دون تمييز».

ضغط الأعمال الإدارية لم يمنع في الواقع تشابو من إكمال دراسته، وفعلاً التحق بجامعة موزمبيق الكاثوليكية للحصول على ماجستير التنمية عام 2014. كما حصل على تدريب في نقابة المحامين التي أوقف عضويته فيها طواعية بسبب عمله السياسي.

وعام 2015 عُيِّن تشابو مديراً لمقاطعة بالما؛ لكنه لم يمكث في المهمة طويلاً؛ لأن الرئيس السابق فيليبي غاستينيو نيوسي عيَّنه عام 2016 حاكماً لإينهامباني. وبعدها، في أبريل (نيسان) 2019 وافق البرلمان الموزمبيقي على حزمة تشريعية جعلت تعيين منصب حكام المقاطعات بالانتخاب، وكان تشابو على رأس قائمة «فريليمو» في إينهامباني، ليصبح أول حاكم منتخب للمحافظة التي ظل يحكمها حتى مايو (أيار) 2024.

دعم رئاسي

حظي دانيال تشابو بدعم قوي من الرئيس فيليبي نيوسي الذي شهد بكفاءته، وقال عنه: «مع أنه لم يبقَ في بالما سوى 6 أشهر، فإنه اكتسب تأييداً في هذا الجزء من البلاد، لدرجة أن قرار الرئيس بنقله إلى مقاطعة أخرى كان مثار تساؤلات عما إذا كانت بالما لا تستحق أن يحكمها شخص بكفاءة تشابو».

وخلال السنوات الثماني (2016 إلى 2024) التي أمضاها حاكماً لمحافظة إينهامباني، قاد تشابو المحافظة كي تغدو الأولى في البلاد التي تكمل تنفيذ البنوك في جميع المناطق، في إطار المبادرة الرئاسية «منطقة واحدة، بنك واحد».

وتشير وسائل إعلام محلية إلى أنه في عهد تشابو، وتحت قيادته، نظمت محافظة إينهامباني مؤتمرين دوليين للاستثمار، فضلاً عن منتديات لتنمية المناطق، ما حفَّز الاقتصاد المحلي، وقاد عجلة التنمية.

المسيرة الحزبية

مسيرة دانيال تشابو الحزبية والسياسية بدأت مبكراً؛ إذ شغل بين عامي 1995 و1996 منصب سكرتير منطقة في «منظمة الشباب الموزمبيقي» (OJM) في دوندو. ثم شغل بين عامي 1998 و1999 منصب أمين سر لجنة التثبيت بمجلس شباب المنطقة، إضافة إلى عضويته في «منظمة الشباب الموزمبيقي». وفي عام 2008 عُين مديراً للحملة الانتخابية للمرشح شالي إيسوفو، من «فريليمو»، في بلدية ناكالا بورتو، ويومها فاز الحزب بالانتخابات، وأطاح بالمعارضة.

بعدها، عام 2017، انتُخب دانيال تشابو عضواً في اللجنة المركزية لـ«فريليمو». وفي مايو 2024 اختارته اللجنة المركزية مرشحاً لـ«فريليمو» في الانتخابات الرئاسية. وهي الانتخابات التي فاز فيها أخيراً وسط اعتراضات المعارضة.

وبناءً عليه، يبدأ تشابو فترة رئاسته وسط تحدِّيات كبرى، وفي ظل مظاهرات واحتجاجات هي الأكبر ضد حزب «فريليمو». وراهناً تتصاعد المخاوف على استقرار موزمبيق، مع تعهد منافسه المعارض موندلاني (وهو مهندس زراعي يبلغ من العمر 50 سنة) باستمرار المظاهرات، قائلاً إن «دعوته للحوار قوبلت بالعنف».

وجدير بالذكر أن موندلاني كان قد عاد إلى موزمبيق من منفاه الاختياري، وسط ترحيب من أنصاره، يوم 9 يناير، وادَّعى أنه «غادر موزمبيق خوفاً على حياته، بعد مقتل اثنين من كبار أعضاء حزبه المعارض داخل سيارتهما على يد مسلحين مجهولين، في إطلاق نار خلال الليل في مابوتو، بعد الانتخابات».

في أي حال، يثير الوضع الحالي في موزمبيق مخاوف دولية، ولاحقاً أعرب مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأسبوع الماضي، عن قلقه. وقال في بيان: «نحن في غاية القلق بشأن التوترات المستمرة عقب الانتخابات في موزمبيق».

من ناحية ثانية، بصرف النظر عن الاحتجاجات التي أشعلتها الانتخابات الرئاسية، فإن تشابو يواجه تحديات عدة يتوجب عليه التعامل معها، على رأسها «التمرد» المستمر منذ 7 سنوات في مقاطعة كابو ديلغادو الشمالية الغنية بالنفط والغاز. وهذا إضافة إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية، واستغلال موارد الغاز الطبيعي، وإدارة تأثيرات التغير المناخي والكوارث الطبيعية التي أثرت على موزمبيق في السنوات الأخيرة.

وراثة الإرث الثقيل

لا شك، ثمة إرث ثقيل ورثه دانيال تشابو، ذلك أنه يقود بلداً مزَّقه الفساد والتحديات الاقتصادية العميقة، بما فيها ارتفاع معدلات البطالة والإضرابات عن العمل المتكرِّرة التي جعلت موزمبيق -رغم مواردها الكبيرة- واحدة من أفقر دول العالم، وفقاً للبنك الدولي.

الرئيس الجديد قال -صراحة- في خطاب تنصيبه الأربعاء الماضي: «لا يمكن لموزمبيق أن تظل رهينة للفساد والجمود والمحسوبية والنفاق وعدم الكفاءة والظلم». وأردف -وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس»- بأنه «لمن المؤلم أن كثيراً من مواطنينا ما زالوا ينامون من دون وجبة لائقة واحدة على الأقل».

وعليه، في مواجهة هذا الإرث الثقيل، تعهد بتقليص عدد الوزارات والمناصب الحكومية العليا. ورأى أن من شأن هذا التدبير توفير أكثر من 260 مليون دولار، سيعاد توجيهها لتحسين حياة الناس.

بالطبع فإن المعارضين والمشككين غير مقتنعين، ويقولون إنهم استمعوا كثيراً إلى النغمة نفسها تتكرَّر بلا تغيير يُذكر. بيد أن رئاسة تشابو تمثِّل اليوم فصلاً جديداً في تاريخ موزمبيق، أو «مفترق طرق»، حسب تعبير تشابو الذي قال في خطاب فوزه: «تقف موزمبيق عند مفترق طرق، وعلينا أن نختار طريق الوحدة والتقدم والسلام».