«حلول مؤقتة» لأزمة الكهرباء تُبقي لبنان مهدداً بالعتمة

تجاذبات سياسية وشروط دولية تؤخر «الحل الشامل»

مبنى مصلحة كهرباء لبنان (أ ف ب)
مبنى مصلحة كهرباء لبنان (أ ف ب)
TT

«حلول مؤقتة» لأزمة الكهرباء تُبقي لبنان مهدداً بالعتمة

مبنى مصلحة كهرباء لبنان (أ ف ب)
مبنى مصلحة كهرباء لبنان (أ ف ب)

لم يتجاوز لبنان مسار «الحلول المؤقتة» التي يمضي بها لتوفير التغذية الكهربائية العالقة عند الإصلاحات الإدارية والتجاذبات السياسية المحلية، وشروط دولية لقاء دعم القطاع للوصول إلى حل نهائي لأزمة انقطاع الكهرباء، وهو حل لا يتوقع اللبنانيون أن يكون سريعاً.
وتطرأ ضغوط إضافية يومياً على أزمة انقطاع الكهرباء، وتتكرر التحذيرات من الغرق بالعتمة، مرة بسبب النقص في مادة الفيول المشغلة لمحطات الإنتاج، ومرة أخرى بسبب أعطال أو تأخر في دفع مستحقات الفيول، وأخيراً بسبب العجز عن دفع مستحقات الشركة المشغلة لأكبر محطات الإنتاج، وهي أسباب تتكرر منذ أشهر، وتتكرر معها التحذيرات من غرق لبنان في عتمة شاملة.
وانضم التخلف عن دفع مستحقات مشغل معملين لإنتاج الكهرباء في لبنان الأربعاء، إلى جملة الأسباب التي أدت إلى تراجع التغذية الكهربائية، وزيادة التقنين، حيث هددت الشركة المشغلة لمعملي الإنتاج في الزهراني (الجنوب) ودير عمار (الشمال) بإطفاء المعملين، قبل أن يتدخل وزير الطاقة وليد فياض الذي أجرى محادثات مكوكية مع رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لحل القضية، ما حال دون انقطاع الكهرباء عن مرافق أساسية مثل مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت والمرفأ.
وأظهرت وثيقة حصلت عليها «الشرق الأوسط» تحويل مبلغ 23 مليوناً وثمانين ألف دولار عبر مصرف لبنان المركزي، لصالح الشركة المشغلة والمكلفة صيانة محطتي الإنتاج بموجب عقد مع الدولة اللبنانية. وتعد هذه الدفعة جزءاً من قيمة العقد البالغة قيمته 60 مليون دولار لتشغيل معملي الإنتاج.
وتزايد انقطاع الكهرباء في لبنان، خلال العامين الأخيرين بشكل قياسي، في مشهد لم يعهده لبنان منذ انتهاء الحرب اللبنانية. ويغرق لبنان بعتمة تمتد إلى نحو عشرين ساعة يومياً، ولاذ اللبنانيون بشبكة الكهرباء البديلة (مولدات كهربائية). ولم يقتصر أثر انقطاع الكهرباء على النور، بل وصلت تداعياته إلى التغذية بمياه الشفة، حيث تحتاج محطات ضخ المياه للكهرباء.
ويُظهر سياق الأزمة المتواصلة أن مشكلة انقطاع الكهرباء عائدة إلى العجز عن تأمين ثمن الفيول المشغل لمحطات الإنتاج، بعد رفض مجلس النواب دفع مستحقات على شكل سلف من الموازنة لصالح الشركة، من دون تنفيذ الخطة الإصلاحية التي تعرضت لتجاذب سياسي على مدى خمس سنوات. ويضغط المجتمع الدولي، كما القوى السياسية الداخلية وجمعيات أهلية باتجاه إصلاح القطاع الذي استنزف الخزينة بأكثر من 24 مليار دولار على قطاع الطاقة واستيراد الفيول لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، حسب بيانات مصرف لبنان.
وتطالب القوى السياسية بتنفيذ الخطة بدءاً من تعيين هيئة ناظمة للقطاع، تعني «سحب الصلاحيات من وزير الاختصاص لصالح الهيئة التي تضم خبراء ومسؤولين حكوميين»، وهو ما يعرقل الاتفاقات السياسية على تعيينها، حسبما تقول مصادر مواكبة للنقاشات حول الأزمة. وينسحب الأمر على المؤسسات الدولية. وقالت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» إن ممثلي المؤسسات المالية الدولية بينها «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي» يلحّون في السؤال عن مصير الهيئات الناظمة للقطاعات الحيوية المنتجة وفي طليعتها الكهرباء، موضحةً أن المؤسسات المالية الدولية تعد تشكيل الهيئات الناظمة خطوة أساسية «لا مفر منها للشروع بالإصلاح الهيكلي عبر استقلالية الهيئات وشفافية بياناتها المالية، كما أنها تفتح باب الإصلاح لموارد الخزينة»، وهي وردت في تعهدات الحكومة في مؤتمر «سيدر» في عام 2017.
ومنذ التوقف عن صرف سلف الخزينة التي تعاني أساساً من عجز كبير على ضوء الأزمة المالية وتدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار، بدأت الحكومة بالبحث عن بدائل لتأمين تغذية «بالحد الأدنى» في وزارة الطاقة، وتقول مصادرها لـ«الشرق الأوسط» إن الوزير الحالي وليد فياض «يبذل جهداً كبيراً لتأمين الطاقة عبر التواصل مع الدول المعنية»، وكان آخرها في العراق، بهدف تمديد العقد الموقّع مع الحكومة العراقية منذ العام الماضي، لتسليف لبنان الفيول.
ولبنان الذي يحتاج إلى نحو 3 آلاف ميغاوات من الكهرباء، انحصر إنتاجه أخيراً بالمحطات الكهرومائية «التي تصل قدرتها الإنتاجية إلى نحو 100 ميغاواط»، وبمحطات عاملة على الفيول يزودها بها الاتفاق مع الحكومة العراقية. فقد بدأ لبنان منذ أغسطس (آب) الماضي تنفيذ الاتفاق القاضي بإعطاء لبنان شحنات من النفط الخام، تتم مبادلتها مع شركات أجنبية بنحو 40 ألف طن شهرياً من الفيول المشغل لمحطات الإنتاج.
وقبل نهاية العقد، زار فياض العراق حيث التقى وزيري النفط والمالية العراقيين، وحاكم المصرف المركزي العراقي. وقالت مصادر وزارة الطاقة إن الزيارة «كانت ناجحة جداً»، مشيرة إلى «احتمال كبير بتمديد العقد مع العراق»، لافتةً إلى أن المحادثات بحثت في ضرورة بدء لبنان في دفع مستحقات العقد الساري، وتفعيل المبادلات المتفق عليها (صحية وتربوية وغيرها).
ويعمل لبنان على خط موازٍ لضخ الغاز من مصر لتشغيل معمل إنتاج على الغاز في الشمال، واستجرار الكهرباء من الأردن، للتخفيف من حدة الأزمة، وهي خطة تنتظر تمويل البنك الدولي، كما ضمانات أميركية بعدم تعرض مصر والأردن لتداعيات قانون «قيصر» كون الغاز والكهرباء سيتم نقلهما عبر الأراضي السورية.
وتقول مصادر وزارة الطاقة لـ«الشرق الأوسط» إن الوزير فياض «أنجز كل الأمور المطلوبة منذ وصوله إلى الوزارة عبر إقرار خطة كهرباء نالت موافقة الحكومة قبل تحولها إلى تصريف الأعمال، وتوقيع العقود مع مصر والأردن وسوريا لاستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، ولم يتوقف عن التواصل مع الدول والمؤسسات المعنية مثل الولايات المتحدة الأميركية والبنك الدولي وغيرها لتأمين الكهرباء وإنجاز الترتيبات التقنية مثل إعادة تأهيل الخطوط»، فضلاً عن زياراته الأخيرة إلى العراق، ووضع خطط طوارئ، والتعامل مع المستجدات بسرعة وجدية.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

إسرائيل تدشن مرحلة جديدة من القصف بجنوب لبنان

عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)
عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل تدشن مرحلة جديدة من القصف بجنوب لبنان

عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)
عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)

دشّنت إسرائيل مرحلة جديدة من القصف في جنوب لبنان، تتركز في منطقة شمال الليطاني، قبل نحو أسبوع على إعلان الجيش اللبناني عن الانتهاء من المرحلة الأولى لتنفيذ «حصرية السلاح» في منطقة جنوب الليطاني، وسط تهديد إسرائيلي بمواصلة العمل لإلزام الحكومة اللبنانية بنزع سلاح «حزب الله».

وشن الطيران الحربي الإسرائيلي، الأربعاء، سلسلة غارات استهدفت وديان تقع بين قضائي الزهراني والنبطية في جنوب لبنان، كما استهدفت إحدى الغارات ساحل الزهراني في منطقة تبنا، حسبما أفادت مصادر محلية في الجنوب.

ووفق «الوكالة الوطنية للإعلام»، الرسمية اللبنانية، «نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي صباح الأربعاء عدواناً جوياً مستهدفاً وادي النميرية في منطقة النبطية بسلسلة غارات، ملقياً خلالها عدداً من صواريخ جو - أرض أحدث انفجارها دوياً تردد في أرجاء المنطقة».

وأشارت إلى أن «الطيران الحربي المعادي شن بعدها بدقائق غارة جوية مستهدفاً وادي حومين»، لافتة إلى أن «العدوان الجوي تزامن مع تحليق مكثف للطيران المسير في أجواء بلدات الدوير، الشرقية، النميرية، تول، النبطية، زبدين وجبشيت وعلى علو متوسط».

بدوره، أعلن الجيش الإسرائيلي مهاجمة مواقع إطلاق تابعة لـ«حزب الله» في جنوب لبنان. وقال إن الغارات استهدفت مواقع لـ«حزب الله»، وأنه «تم تدمير مبانٍ عسكرية وبنى تحتية إرهابية إضافية عمل منها عناصره في الفترة الأخيرة»، لافتاً إلى أن «وجود مواقع الإطلاق التي تم استهدافها يشكل خرقاً للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان».

شمال الليطاني

وتقع جميع المناطق التي تعرضت للغارات، شمال نهر الليطاني، وهي من المرات النادرة التي تكون الغارات محصورة في منطقة شمال النهر، بعدما تركزت الغارات في الأشهر الماضية في نطقة جنوب النهر أو على ضفافه والمناطق الممتدة له. وتركزت غارات الأربعاء على مجرى نهر الزهراني الواقع إلى العمق في جنوب لبنان، ويبعد عن الحدود مسافات تصل إلى 40 كيلومتراً.

عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)

وجاءت هذه الغارات والتهديدات قبل نحو أسبوع على إعلان الجيش اللبناني عن الانتهاء من مرحلة تنفيذ «حصرية السلاح» في جنوب الليطاني، وهي المرحلة الأولى من خمس مراحل تتضمنها خطة الجيش اللبناني، ووافقت عليها الحكومة اللبنانية في 5 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس في تصريح، الأربعاء: «نواصل العمل لتنفيذ التزام حكومة لبنان بنزع سلاح (حزب الله) وإبعاده عن الحدود».

كما نقلت «القناة 13» الإسرائيلية عن مصادر قولها إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «سيطلب من الرئيس الأميركي دونالد ترمب (خلال لقائهما المتوقع بعد أيام) ضوءاً أخضر لشن عملية واسعة النطاق ضد (حزب الله)».

تقرير قائد الجيش

ومن المتوقع أن يقدم قائد الجيش العماد اللبناني رودولف هيكل، التقرير الرابع والنهائي لمرحلة تنفيذ السلاح جنوب الليطاني، في أولى جلسات الحكومية اللبنانية في العام الجديد، ويطلع مجلس الوزراء على الإنجازات التي تحققت لجهة مصادرة الأسلحة، وتفكيك الأنفاق والبنية التحتية العسكرية لـ«حزب الله» في المنطقة، ويقدم أرقاماً على هذا الصعيد.

وكان رئيس الحكومة نواف سلام أبلغ «الشرق الأوسط» في الأسبوع الماضي، أن المرحلة الثانية من تنفيذ «حصرية السلاح»، ستكون في المنطقة الواقعة بين شمال نهر الليطاني وجنوب نهر الأولي.

انتقادات «حزب الله»

وتتعرض خطة الحكومة، لانتقادات من قِبل «حزب الله» الذي أعلنت كتلته النيابية (الوفاء للمقاومة)، الأربعاء، أن لبنان «يستصرخ همم أبنائه ‏واهتمامات مسؤوليه ليسلكوا المسار الوطني الصحيح الذي يفضي ‏إلى وقف العدو لأعماله العدائيّة وانسحابه الكامل ‏وغير المشروط من بقية أرض وطننا المحتل، ‏وقطع الطريق أمام ألوان المطالب التي يستدرج عبرها السلطة لتقديم ‏التنازل تلو الآخر دون أي التزامٍ ‏منه لا بوقف إطلاق النار والاعتداء، ولا بالانسحاب وإنهاء احتلاله الغاشم».‏

وقالت، في بيان بعد اجتماعها الأسبوعي، إن «الأولويّة الوطنيّة اليوم هي إنهاء الاحتلال الصهيوني للمناطق والمساحات التي لم ينسحب ‏منها العدو ‏الصهيوني حتى الآن، رغم إعلان اتفاق وقف إطلاق النار منذ 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، أي منذ ما يزيد على عامٍ بأكمله».

أضافت: «ليعلم العدو وحُماته الدوليون أن حق اللبنانيين بمقاومة الاحتلال إذا ما استمرَّ لأرضهم هو ‏حقٌّ مشروع بكل المعايير ‏والاعتبارات والمواثيق الدوليّة ولا يحتاج إلى شرعنة من المتخاذلين ‏أو المتواطئين».‏

وقالت الكتلة: «على الحكومة، بدل أن تتبرع مسبقاً ‏للمسارعة إلى استئناف ما يرتاح له العدو من خطوات، أن تقوم ‏بإجراءٍ حازمٍ يدفعه لتنفيذ ما ‏عليه، دون مراوغةٍ أو ابتزاز».


«مصرف لبنان» ينسف المشروع الحكومي لرد الودائع قبل إقراره

نواف سلام متحدثاً عن «مشروع قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع» بحضور وزير المالية ياسين جابر ووزير الاقتصاد عامر البساط وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد الأسبوع الماضي (رئاسة الحكومة)
نواف سلام متحدثاً عن «مشروع قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع» بحضور وزير المالية ياسين جابر ووزير الاقتصاد عامر البساط وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد الأسبوع الماضي (رئاسة الحكومة)
TT

«مصرف لبنان» ينسف المشروع الحكومي لرد الودائع قبل إقراره

نواف سلام متحدثاً عن «مشروع قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع» بحضور وزير المالية ياسين جابر ووزير الاقتصاد عامر البساط وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد الأسبوع الماضي (رئاسة الحكومة)
نواف سلام متحدثاً عن «مشروع قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع» بحضور وزير المالية ياسين جابر ووزير الاقتصاد عامر البساط وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد الأسبوع الماضي (رئاسة الحكومة)

اختزل حاكم مصرف لبنان المركزي كريم سعيد، النزاع سواء السياسي أو القطاعي المرافق لمناقشات مجلس الوزراء الخاصة بمشروع قانون استرداد الودائع (الفجوة المالية)، بتوصية مكتوبة تطلب إخضاعه لـ«مراجعة دقيقة وشاملة وبنّاءة، تهدف إلى إدخال التحسينات والتحصينات اللازمة بما يضمن العدالة والمصداقية وقابلية التطبيق العملي، وذلك قبل إحالته إلى مجلس النواب».

وبموجب هذه الخلاصة التي رفعها سعيد، قبيل مغادرته في زيارة عمل خارج لبنان، يُرتقب أن ترتفع حماوة المداخلات الوزارية وحدّتها في الجلسة الثالثة لاستكمال مناقشة المشروع المقررة يوم الجمعة، على أساس أن البنك المركزي هو المرجع الأساسي الذي تحدّده المندرجات في القانون المنشود، لضخ وإدارة عمليات السداد النقدي لصالح المودعين، والمولج بإصدار سندات بديلة، ومضمونة لفئات المدخرات التي تتعدّى مائة ألف دولار.

جلسات متتالية

وبدأت الحكومة اللبنانية، الاثنين الماضي، دراسة مشروع القانون، وواصلت دراسته الثلاثاء، على أن تستكمل البحث فيه يوم الجمعة المقبل في جلسة تُعقد بالقصر الجمهوري أيضاً. وقال وزير الإعلام بول مرقص بعد الجلسة، إن أبرز الخلاصات هي حفظ التزامات الدولة تجاه مصرف لبنان، وتعريف الفجوة المالية بالتعاون مع مصرف لبنان، وتوسيع المشمولين بدائرة التحويلات لكي يشملوا الوزراء العاملين في الحقبة المذكورة لهذه التحويلات، وحاكم مصرف لبنان ونوابه، والمديرين الرئيسيين في مصرف لبنان، إضافة إلى رئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف وأعضاء المجلس المركزي.

وبرز في إطار استهداف المشروع الحفاظ على الاستقرار المالي، إشهار الحاكم «تحفّظات جدّية، تستند إلى مبادئ قانونية راسخة، ومعايير محاسبية معتمدة، وسوابق دولية، إزاء أي مقاربة من شأنها أن تؤدي إلى الاستنزاف المنهجي أو الإلغاء الكامل لرأس المال الخاص بالمصارف قبل إزالة المطالبات غير النظامية من ميزانياتها العمومية، وقبل التطبيق اللاحق لتدرّج ترتيب المطالبات».

وأكد أنه بموجب مندرجات مشروع القانون، «تُعدّ المصارف التجارية شركاء في إطار سداد الودائع، وتشكل المحرّك الأساسي للوساطة الائتمانية اللازمة لتحقيق التعافي الاقتصادي. وعليه، فإن أي حلّ يؤدي إلى القضاء المنهجي على رؤوس أموال المصارف من شأنه أن يلحق ضرراً بالمودعين، ويقوّض آفاق التعافي الاقتصادي، ويُعمّق توسّع الاقتصاد النقدي غير الرسمي».

غير سالكة

ويبدو، وفق تحليل مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، أن انطلاقة المشروع لدى السلطة التنفيذية ليست «غير آمنة» فحسب، بل مرشحة لاكتساب صفة «غير سالكة»، نظير ما يعتريها من ثغرات وشوائب قانونية وإجرائية، بما يشمل توصيف أساس الأزمة التي أنتجت الانهيارات المالية والنقدية، والإبهام الصريح في تحديد مسؤولية الحكومات المتعاقبة في تفلّت الإنفاق واستجرار التمويل المفتوح من ميزانية المركزي عبر توظيفات البنوك لديه، والعائدة بمعظمها للمودعين.

حاكم «مصرف لبنان» الجديد كريم سعيد خلال مراسم تسلم مهام منصبه في بيروت (أرشيفية - رويترز)

ومن اللافت في هذا السياق، التباين الأقرب إلى العشوائية، في التقديرات الخاصة بنفاذ مواد المشروع وعمليات «تنظيف» القيود الرقمية المطلوبة في جانبي الأصول والخصوم (الموجودات والمطلوبات) لدى البنك المركزي والبنوك على حد سواء، رغم الإجماع المسبق بتصنيفها بأنها بيانات أساسية لتحديد الحجم النهائي للفجوة، واستتباع استنباط الوسائط السليمة لتوزيع المسؤوليات والأحمال لردمها ضمن الإمكانات والمهل الملائمة، لدى ثلاثي الدولة والمركزي والمصارف، ما يشكل الحل الناجع لإنهاء معاناة المودعين والاكتفاء بما تكبدوه من خسائر جسيمة خلال السنوات الست الأخيرة.

توزيع الأعباء والمسؤوليات

ولوحظ في مستهل المراسلة المرفوعة من الحاكم، التي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منها مساء الثلاثاء، إدراج مسألة «توزيع الأعباء والمسؤوليات المالية بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف التجارية»، ضمن لائحة المبادئ الأساسية التي جرى تأكيدها خلال مشاركته «الفعّالة» في مداولات اللجنة الوزارية المولجة بإعداد مشروع قانون «الاستقرار المالي وسداد الودائع». فضلاً عن العناوين المحورية التي تخص خفض العجز المالي من خلال إزالة المطالبات غير النظامية، وتصنيف الودائع ضمن فئات محددة بوضوح (صغيرة، وكبيرة، وكبيرة جداً)، وعمليات السداد عبر مزيج من المدفوعات النقدية والأدوات المالية المدعومة بالأصول، على مراحل وضمن حدود السيولة المتاحة.

وفي نطاق المعايير الأساسية لتقييم التشريع، يشدد الحاكم على وجوب قياس متانة واستدامة القانون المنشود وفق معيارين جوهريين. أولاً، العدالة وحُسن توزيع الأعباء المالية بين مختلف الأطراف. وثانياً، قابلية التطبيق الواقعي والتنفيذ الفعلي. ليؤكد تالياً أن المشروع «احترم مبدأ العدالة، مع التشديد على أن كل طرف معنيّ يجب أن يتحمّل نصيبه المناسب من المسؤولية».

التزامات الدولة

ولم تغفل المراسة، الدور المبهم للدولة بصفتها طرفاً أساسياً في حمل مسؤولية المودعين، حيث أكد سعيد، في هذا الإطار، «أن المشروع يحتاج إلى مزيد من التوضيح والتعزيز فيما يتعلّق بالتزامات الدولة. ولأن الدولة الجهة النهائية التي استخدمت هذه الأموال على مدى سنوات طويلة، فإن مساهمتها يجب أن تكون محددة بشكل صريح، وقابلة للقياس، وملزمة قانوناً، ومقترنة بجدول زمني واضح وموثوق».

وفي مخاطبة مباشرة لجموع المودعين، استخلص سعيد أنَّ «سداد الودائع هو حقٌّ قانوني ثابت، وليس خياراً سياسياً أو إجراءً تقديرياً. غير أنّ ممارسة هذا الحق تقتضي الاستناد إلى برنامج سداد يتمتع بالمصداقية. وتقوم المصداقية المالية على توافر الأصول، ووجود سيولة فعلية، واعتماد جدولٍ زمنيٍّ للسداد قابلٍ للتنفيذ عملياً».

وبذلك، فإنّ الجدول الزمني المقترح لسداد الجزء النقدي من الودائع يُعد طموحاً إلى حدٍّ ما، وفق الحاكم. ويمكن عند الاقتضاء «تعديله من دون المساس بحقوق المودعين، وذلك بهدف ضمان انتظام المدفوعات واستمراريتها واستكمالها بالكامل على مدى الزمن».


كيف ينسق المستوطنون الإسرائيليون على قمم التلال هجماتهم لطرد الفلسطينيين؟

ترفرف الأعلام الإسرائيلية عند مدخل مستوطنة إيفياتار الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة (رويترز)
ترفرف الأعلام الإسرائيلية عند مدخل مستوطنة إيفياتار الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة (رويترز)
TT

كيف ينسق المستوطنون الإسرائيليون على قمم التلال هجماتهم لطرد الفلسطينيين؟

ترفرف الأعلام الإسرائيلية عند مدخل مستوطنة إيفياتار الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة (رويترز)
ترفرف الأعلام الإسرائيلية عند مدخل مستوطنة إيفياتار الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة (رويترز)

تقع بؤرة أور مئير الاستيطانية الصغيرة التي تضم عدداً قليلاً من المساكن البيضاء الجاهزة في نهاية مسار ترابي قصير على تل يصعد من الطريق 60، وهو طريق رئيسي يشق الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل.

ومع مرور الوقت، تتحول مساكن متواضعة مشابهة إلى مشاريع إسكان إسرائيلية مترامية، ضمن خطة يقر أعضاء في حكومة إسرائيل بتنفيذها لمنع إقامة دولة فلسطينية.

هذا التوسع غالباً ما يشوبه العنف. فقد روت عائلة بدوية لـ«رويترز» أن مهاجمين ​نزلوا من أور مئير وألقوا زجاجات حارقة وأجبروها على مغادرة أرض قريبة مملوكة لفلسطينيين العام الماضي. وتخشى ألا تتمكن من العودة أبداً.

وتحتفي رسائل منشورة على قناة «أور مئير» على منصة «تلغرام» بطرد رعاة بدو، وتُظهر إصرار المستوطنين الجدد على ترسيخ سيطرة دائمة على ما يصفونها بأنها أراض «استراتيجية».

ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، كان هذا العام من بين الأعوام الأكثر عنفاً على الإطلاق فيما يتعلق بهجمات مدنيين إسرائيليين على فلسطينيين في الضفة الغربية؛ إذ تُظهر البيانات وقوع أكثر من 750 إصابة والانتشار السريع للبؤر الاستيطانية في أنحاء أراض يأمل الفلسطينيون أن تشكل قلب دولتهم المستقبلية.

صورة لمستوطنة إسرائيلية بشرق مدينة نابلس في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

وسجلت منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية غير الحكومية بناء 80 بؤرة استيطانية في 2025، وهو العدد الأكبر منذ أن بدأت المنظمة توثيقها في 1991. وفي 21 ديسمبر (كانون الأول)، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على إقامة 19 مستوطنة جديدة، بينها مستوطنات كانت تجمعات استيطانية في السابق. وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن الهدف هو عرقلة قيام دولة فلسطينية.

وعلى مدى عقود، أقامت مجموعات من المستوطنين تجمعات على أراضٍ في الضفة الغربية دون تفويض رسمي من السلطات الإسرائيلية. وأحياناً تهدم السلطات الإسرائيلية في الضفة الغربية مثل هذه التجمعات، لكنها غالباً ما تعود للظهور، وفي حالات كثيرة ينتهي الأمر بقبول إسرائيل لها بصفتها مستوطنات رسمية. ويدفع سموتريتش باتجاه إضفاء الطابع الرسمي على المزيد من البؤر الاستيطانية.

وتعدّ معظم دول العالم أن جميع أنشطة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية بموجب القانون الدولي المتعلق بالاحتلال العسكري. وتعارض إسرائيل هذا الرأي.

وجاء في منشور في سبتمبر (أيلول) لحساب يمثل مستوطني أور مئير: «منذ أن رسخنا وجودنا على الأرض، طردنا تسع بؤر بدوية غير قانونية، وأعدنا 6000 دونم إلى الأيدي اليهودية»، مستخدماً وحدة الدونم التي تعادل نحو 1000 متر مربع.

وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش يستعرض خريطة لتوسيع مستوطنة «معاليه أدوميم» في الضفة الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)

ولم تتمكن «رويترز» من التحقق بشكل مستقل من جميع الهجمات على البدو أو تحديد هوية من نشر بالنيابة عن سكان تجمع ‌أور مئير ⁠الذي تأسس قبل ​نحو عامين. ورفض ‌مستوطنون هناك التحدث إلى «رويترز».

ورداً على أسئلة «رويترز» بشأن تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية، حمَّل مسؤول إسرائيلي «أقلية هامشية» المسؤولية، وقال إن الهجمات الفلسطينية على إسرائيليين لا تحظى بتغطية كافية من وسائل الإعلام. ولم ترد السلطة الفلسطينية على طلبات للتعليق.

وتشير الرسائل على قناة «أور مئير» على تطبيق «تلغرام»، وهي قناة عامة، إلى خطة منظمة جيداً للسيطرة على الأراضي. ويدعم هذا الاستنتاج فحص أجرته «رويترز» لعشرات الرسائل في نحو اثنتي عشرة مجموعة أخرى على تطبيقي «تلغرام» و«واتساب» تمثل مجموعات مشابهة، إضافة إلى ثلاث مقابلات مع مستوطنين وجماعات مؤيدة للمستوطنين، وتقارير ميدانية قرب أور مئير ومستوطنة جديدة.

وقالت ميلينا أنصاري، باحثة منظمة «هيومن رايتس ووتش» المقيمة في القدس والتي يشمل عملها أبحاثاً عن المستوطنات في الضفة الغربية «تُظهر الأدلة أن هذا نمط منهجي من العنف».

وقالت عائلة مصابح البدوية إنها تعرضت لهجوم ليلاً في يونيو (حزيران) من جهة أور مئير. وكانت أنقاض منزلهم وحظيرة محترقة لا تزال مرئية لفريق من «رويترز» في ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وقال شحادة مصابح (39 عاماً)، الذي لجأ للعيش في قرية دير دبوان الفلسطينية القريبة، وقال: «إحنا كنا عايشين هون وقاعدين بأمان الله، نزلوا علينا المستوطنين عند شارع 60 من هاي (الناحية)... بلشوا يحرقوا ويكسروا ويخربوا.. ما خلولناش ولا إشي بالمرة».

ورداً على أسئلة بشأن الواقعة، قال الجيش الإسرائيلي لـ«رويترز» إن عشرات المدنيين الإسرائيليين أضرموا النار في ممتلكات في دير دبوان في الليلة المشار إليها. وأضاف أن جميع المشتبه بهم كانوا غادروا بحلول وقت ⁠وصول قوات الأمن. وقال مسؤول في مجلس دير دبوان لـ«رويترز» إن ما يصل إلى 60 مستوطناً شاركوا، فألقوا الحجارة وأحرقوا منزل عائلة مصابح وممتلكات أخرى، إضافة إلى سيارات. وأُصيب قرويون عدة جراء رشقهم بالحجارة.

وفي اتصال هاتفي، أبلغ مستوطن من أور مئير يُدعى إلكانا ناخماني مراسلي «رويترز» ألا يتقدموا على الطريق الترابي المؤدي إلى البؤرة من الطريق 60 ‌وألا يتواصلوا مرة أخرى.

ورد نخماني على طلب للتعليق من «رويترز»، لكنه لم يتطرق إلى القضايا التي أثارتها الأسئلة. وفي قناة «تلغرام»، اتهم مستوطنو أور مئير فلسطينيين بتسميم أغنامهم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وهو اتهام تنفيه عائلة مصابح.

وقالت منظمة «ييش دين» الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان إن اثنين في المائة فقط من مئات قضايا عنف المستوطنين التي وثقتها منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 انتهت بتوجيه اتهامات.

ولم تتمكن «رويترز» من تأكيد نتائج المنظمة. ولم ترد الشرطة والجيش الإسرائيليان على طلبات للتعليق.

ووفقاً للأمم المتحدة، قُتل أكثر من ألف فلسطيني في الضفة الغربية من السابع من أكتوبر 2023 إلى 17 أكتوبر 2025، معظمهم في عمليات نفذتها قوات الأمن وبعضهم نتيجة عنف المستوطنين. وفي الفترة نفسها، قُتل 57 إسرائيلياً في هجمات شنها فلسطينيون.

مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز)

تحويل تجمعات المستوطنين إلى مستوطنات

كانت مجموعة أور مئير واضحة بشأن أهدافها. ففي نوفمبر، نشر حساب أور مئير أنه يهدف إلى الاستقرار في «تلة استراتيجية قرب مستوطنة عوفرا»؛ سعياً لتأسيس «وجود استيطاني يهودي مستمر».

وقال درور إتكيس، الناشط الإسرائيلي في مجال السلام، إن بؤراً استيطانية أخرى تخدم الغرض ذاته؛ إذ تقطع أوصال الضفة الغربية و«تحد من إمكانية وجود فلسطينيين في تلك الأماكن».

ورغم تحركات من الحكومة للاعتراف بشرعية العشرات من المواقع التي كانت من قبل عشوائية، قال الجيش الإسرائيلي لـ«رويترز» في بيان إن أور مئير «غير قانونية وأخلتها قوات الأمن مرات عدة». لكن الجيش لم يقدم تفاصيل عن سبب عدّ هذا ​الموقع غير قانوني أو لماذا تم «إخلاؤه»، وهي اللفظة التي يستخدمها الجيش ليقصد بها إغلاق أو هدم بؤر استيطانية في الضفة الغربية.

وذكر موقع «أور مئير» الإلكتروني على الإنترنت أن المستوطنة عادت بمساعدة جمع تبرعات بلغت نحو مائة ألف شيقل (30 ألف دولار) بعد أحدث إخلاء في مارس (آذار).

وتشمل البؤر الاستيطانية السابقة التي أضفت عليها إسرائيل صفة المستوطنات الرسمية على مر السنين بؤراً أخلاها الجيش من قبل. وبدأت ⁠مستوطنة عوفرا أيضاً، التي تقع أيضاً على الطريق 60 إلى الشمال مباشرة من أور مئير، على شكل بؤرة استيطانية، لكنها تحولت الآن مستوطنة بتطوير كبير للمنازل.

وسأل منشور على حساب أور مئير على «تلغرام» في مارس بعد الإخلاء «لماذا نواصل ذلك؟»، ورد المنشور نفسه على السؤال الذي طرحه قائلا «كل المكاسب التي تحققت في الاستيطان جرت بهذه الطريقة. في البداية، ترفض الدولة قبول أي أنشطة على الأرض وتكافحها بضراوة، لكن بسبب إصرار المواطنين اضطرت في النهاية إلى قبولها».

في ديسمبر كانون الأول، قال سموتريتش إن 51الف و370 وحدة سكنية حصلت على موافقات في مستوطنات بالضفة الغربية منذ أن تولى منصبه في أواخر 2022، في إطار ما تصفه الأمم المتحدة بأنه أسرع وتيرة توسع في المستوطنات منذ أن بدأت مراقبة هذا الملف في 2017. ولم يرد مكتب سموتريتش على طلب للحصول على تعليق.

وفي 30 سبتمبر أيلول، نشر حساب أور مئير على تيلغرام خريطة تظهر موقع البؤرة الاستيطانية. ووضعت الخريطة علامات واضحة على منطقة كبيرة بحدود زرقاء تمتد إلى حافة دير دبوان. وقالت المجموعة إن المنطقة التي تشملها العلامة تخضع لسيطرة بؤرتهم الاستيطانية.

وذكر مجلس دير دبوان أن بلاغات وصلت عن وقوع أربعة هجمات على الأقل على فلسطينيين في نطاق تلك الحدود الزرقاء وأضاف أن الفلسطينيين لم يعد بمقدورهم الدخول إلى المنطقة بما شمل 250 دونما تتبع المجلس نفسه.

كما أظهرت الخريطة ثماني علامات سوداء أغلبها داخل الحدود الزرقاء وكتب عليها أنها «مواقع هجرها الاحتلال العربي» في إشارة إلى أماكن قيل إن البدو طردوا منها.

الطريق إلى غور الأردن

تحيط مستوطنات بالطريق 60 الذي يتقاطع معه الطريق 505 الممتد بين الغرب والشرق صوب غور الأردن وتنتشر أيضاً مستوطنات على جانبيه منها مستوطنة أفيتار قرب بلدة بيتا الفلسطينية.

وبدأت أفيتار على شكل تجمع صغير من الخيام في 2019. وأخلتها السلطات في 2021، لكنها حصلت على اعتراف الحكومة الإسرائيلية في 2024. ونسب ملكيئيل بارحاي، رئيس بلدية مستوطنة أفيتار، الفضل في ذلك لسموتريتش.

منظر عام لمستوطنة إسرائيلية في غور الأردن (رويترز)

وقال من المستوطنة، وهو يضع مسدساً في بنطاله ذكر أنه للحماية، إن المستوطنة لها أهمية حيوية لإبقاء الطريق 505 مفتوحاً؛ «لأن لدينا قرى عربية، قرى عربية معادية.. في الجوار».

وقال عضو في مجلس بلدية بيتا لـ«رويترز» إن مستوطنين من بؤر محيطة ومستوطنات منها أفيتار قتلوا 14 شخصاً في المنطقة المحيطة بالبلدة بين 2021 و2024. ولم يتسن لـ«رويترز» التحقق من عدد القتلى ولا المسؤولين عن مقتلهم.

وفي الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني)، شهدت «رويترز» هجوماً نفذه مستوطنون يحملون العصي والهراوات ويلقون حجارة ضخمة على فلسطينيين وهم يحصدون الزيتون قرب بيتا. وأصيب اثنان من طاقم «رويترز»، هما صحافية ومستشار أمني في الواقعة.

ونفى رئيس بلدية مستوطنة أفيتار مسؤولية المستوطنين عن الهجمات وألقى بها على الفلسطينيين.

وقال سامر يونس، وهو مزارع يعيش قرب أفيتار وأصيب بكسر في الساق في هجوم نفذه مستوطنون، إنه لن يترك الأرض مهما كانت العواقب.

وتابع قائلاً: «هذا مكاني... منزلي. أين أذهب؟». وهناك فوق تلة، تظهر بؤرة استيطانية أخرى عند أشجار الزيتون.