بوتين يثير مخاوف من مرحلة «ما بعد دونباس» في أوكرانيا

تحذير من توسيع نطاق المعركة

بوتين خلال اجتماعه مع مدير عام شركة الحبوب المتحدة الروسية ديمتري سيرجاييف (أ.ب)
بوتين خلال اجتماعه مع مدير عام شركة الحبوب المتحدة الروسية ديمتري سيرجاييف (أ.ب)
TT

بوتين يثير مخاوف من مرحلة «ما بعد دونباس» في أوكرانيا

بوتين خلال اجتماعه مع مدير عام شركة الحبوب المتحدة الروسية ديمتري سيرجاييف (أ.ب)
بوتين خلال اجتماعه مع مدير عام شركة الحبوب المتحدة الروسية ديمتري سيرجاييف (أ.ب)

أثارت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول، أن بلاده «لم تبدأ حتى الآن أي من مهامها الجدية في أوكرانيا» مخاوف وتساؤلات حول طبيعة «المهام» التي يقصدها، وما إذا كانت مرتبطة بمرحلة جديدة من العمليات العسكرية تعقب السيطرة الروسية الكاملة على منطقة دونباس في جنوب شرقي أوكرانيا. كان بوتين قد قال مساء الخميس، إن «كل الأطراف تعلم جيداً أننا لم نبدأ بعد أي شيء جدي في أوكرانيا»، وأوضح خلال اجتماع مع زعماء الكتل النيابية في مجلس الدوما (النواب)، أنه «يجب أن يعلم الجميع أننا، بشكل عام، لم نبدأ أي شيء جدي بالفعل».
وزاد «نسمع أننا بدأنا حرباً في دونباس، في أوكرانيا. لا، لقد أطلقها هذا الغرب الجماعي، حيث نظم ودعم انقلاباً مسلحاً غير دستوري في أوكرانيا في عام 2014، ثم شجع وبرر الإبادة الجماعية ضد الناس في دونباس»، مؤكداً أن «هذا الغرب الجماعي نفسه هو المحرض المباشر والمذنب فيما يحدث اليوم».
واتهم بوتين الغرب بالعدوان على موسكو على مدى عقود، وحذر من أنه إذا أراد الغرب محاولة التغلب على روسيا في ساحة المعركة فليحاول، لكن هذا من شأنه أن يجلب مأساة لأوكرانيا. وقال بوتين «سمعنا مرات عديدة أن الغرب يريد قتالنا حتى آخر أوكراني. إنها مأساة للشعب الأوكراني، لكن يبدو أن كل شيء يسير في هذا الاتجاه». وأضاف بوتين، أن الغرب فشل في محاولته لكبح روسيا، وأن العقوبات التي فرضها على موسكو تسببت في صعوبات ولكن «ليس بالحجم المقصود». وقال، إن روسيا لم ترفض محادثات السلام، لكن كلما استمر الصراع، زادت صعوبة التوصل إلى اتفاق. ورفض كبير المفاوضين الأوكرانيين ميخايلو بودولياك تصريحات بوتين. وقال «لا توجد خطة جماعية عند الغرب»، ملقياً باللوم فقط على الجيش الروسي «الذي دخل أوكرانيا التي تتمتع بالسيادة وقصف المدن وقتل المدنيين».
أثارت التصريحات تكهنات كثيرة، خصوصاً بسبب «اعتياد الرئيس الروسي على توجيه إشارات واضحة ومباشرة أحياناً، إلى خطواته المقبلة عند الاستحقاقات الكبرى». كما قال لـ«الشرق الأوسط» مصدر روسي مقرب من المؤسسة الدبلوماسية. وأضاف، أن بوتين «لم يخف في أوقات سابقة توجهه إلى اتخاذ قرارات مصيرية في حالات عدة»، وهذا وقع عند اتخاذ قرار ضم القرم في مارس (آذار) 2014، وعند إعلان الاعتراف بسيادة لوغانسك ودونيتسك في 21 فبراير (شباط) الماضي، قبل ثلاثة أيام فقط من إعلان انطلاق العملية العسكرية في أوكرانيا.
وربط معلقون روس، عبارة الرئيس الجديدة، بتطورات الوضع الميداني في أوكرانيا، بعد مرور أيام على استكمال فرض سيطرة كاملة على منطقة لوغانسك والانتقال إلى حسم معركة دونيتسك. ما يعني أن كلمات بوتين قد تحمل بين دلالاتها إشارة محددة إلى مرحلة «ما بعد دونباس» في الحرب الجارية.
وكانت تساؤلات عدة ظهرت في الفترة الأخيرة حول نيات بوتين المستقبلية وما إذا كانت روسيا سوف تتوقف عند حدود دونباس أم ستكون لها أهداف عسكرية أخرى. وعزز من هذا التوجه، تزايد تصريحات المسؤولين الروس خلال الفترة الأخيرة حول تحول المعركة في أوكرانيا من مواجهة محدودة الأهداف إلى «حرب مفتوحة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي تجري على الأراضي الأوكرانية»، كما قال قبل يومين رئيس جهاز المخابرات الخارجية سيرغي ناريشكين.
في هذا الإطار أعاد محللون التذكير بأن بوتين كان قد وضع أصلاً بين أهداف العملية العسكرية الرئيسية «نزع سلاح أوكرانيا وتقويض النازية» في هذا البلد، فضلاً عن هدف حماية سكان دونباس. وهي أهداف تبدو أبعادها واسعة النطاق وأبعد من خطوات ميدانية محددة مثل إنجاز السيطرة على منطقة دونباس.
في السياق ذاته، برزت تصريحات لافتة لمسؤولين عسكريين بينهم الرئيس الشيشاني الذي يقود مجموعات من كتائب المتطوعين الذين لعبوا دوراً رئيسياً في معركة دونباس، وهو قال أخيراً إن جنوده «بانتظار تعليمات من القيادة العليا لاستكمال أهداف أخرى تصل إلى العاصمة كييف».
لكن، هل يعني ذلك بالفعل أن بوتين يستعد لاستهداف كييف، وتوسيع نطاق المعركة ونقلها مجدداً إلى كل المناطق الأوكرانية كما برز في الشهر الأول من الحرب؟
يبدو الجواب على السؤال صعباً على التكهنات. وقد تحدثت «الشرق الأوسط» مع عدد من الخبراء والمعلقين العسكريين الروس، واللافت أنه لا يوجد إجماع على هذه النقطة.
من جهة، لا يستبعد البعض أن تكون إشارة بوتين مقصودة لجهة توسيع مساحة السيطرة العسكرية المباشرة في مناطق جديدة فشلت موسكو سابقاً في اجتياحها، مثل خاركوف وميكولايف الأجزاء الأهم من زاباروجيه ومناطق استراتيجية عدة تقع في محيط دونباس.
ويبدو هذا الهدف امتداداً طبيعياً من وجهة نظر هذا الفريق من المحللين للنتائج التي وصلت إليها العملية العسكرية حتى الآن.
لكن في المقابل، يرى آخرون، أن رسالة بوتين ليست موجهة إلى الداخل الأوكراني، ولا تتعلق بحسابات توسيع السيطرة الميدانية بقدر ما هي موجهة إلى الغرب، مع تصعيد السجالات بين روسيا والأطلسي على ملفات تسليح أوكرانيا وتعزيز الوجود العسكري على طول الحدود مع روسيا وجارتها الأقرب بيلاروسيا.
بهذا المعنى، فإن بوتين يضع عملياً، وفقاً لوجهة نظر هذا الفريق، أوراقه التفاوضية على الطاولة، بعد حسم معركة دونباس، عبر التلويح بقدرته على توسيع مساحة المعركة ووضع أهداف جديدة «أكثر جدية» في حال لم تجد موسكو تجاوباً مع شرطيها الرئيسيين لإطلاق عملية سلام، الأول استسلام أوكرانيا وقبولها شروط الكرملين المعلنة، والثاني توقف الغرب عن ضخ مزيد من الأسلحة وإطلاق آلية للحوار لا تقتصر على تسوية في أوكرانيا بقدر ما تشمل مسائل حيوية أخرى بينها نشر الأسلحة ومواصلة سياسات تطويق روسيا عسكرياً واقتصادياً.
في الحالين، يرى خبراء أن بوتين تعمد توجيه إشارة واضحة إلى عدم نية موسكو التراجع في أوكرانيا قبل الوصول إلى تسوية مرضية تلبي مطالبها الأمنية الاستراتيجية. في الاتجاه نفسه الذي حملته عبارات بوتين، جاءت تصريحات وزير الخارجية سيرغي لافروف خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية بلدان «العشرين» في إندونيسيا.
قال الوزير، إن روسيا طرحت في الاجتماع «عدداً من الأسئلة غير المريحة بالنسبة للدول الغربية، ولم تتلق جواباً عنها». وفي إشارة إلى محاولات فرض عزلة على حضور لافروف في الاجتماع ومقاطعته من جانب نظرائه الغربيين، قال لافروف، إنه «على الرغم من سلوك زملائنا الغربيين... فقد سمحت لنا المناقشة المفيدة بطرح أسئلة غير مريحة». وأضاف «طلبت منهم أن يقرروا ماذا يريدون. إذا كانت محادثات السلام، فإن أوكرانيا أوقفت هذه المفاوضات... وإذا كان الغرب يريد مفاوضات، فعليه أن يضع ذلك في الاعتبار».
وأشار إلى أن الدول الغربية تجبر أوكرانيا على أخذ أسلحتها، واستخدام هذه الأسلحة لقصف المدن، واستهداف السكان المدنيين. وزاد «إن الدول الغربية لا تسمح لكييف بالانخراط في عملية سلام»، مضيفاً أن «روسيا لا يمكنها القبول بذلك». وأوضح، أن «رغبة الغرب في تحقيق انتصار أوكرانيا على روسيا في ساحة المعركة تعيق احتمال عملية السلام». وأضاف «إذا كان (الغرب) لا يريد المفاوضات، ولكن يريد انتصار أوكرانيا على روسيا في ساحة المعركة... فليس لدينا ما نناقشه مع الغرب؛ لأنه بهذه الأساليب، في الواقع، هو لا يسمح لأوكرانيا بالانخراط في عملية السلام».
وميدانياً، قالت وزارة الدفاع الروسية، أمس (الجمعة)، إن القوات الروسية دمرت نظامين لصواريخ هاربون المضادة للسفن قدمتهما بريطانيا لأوكرانيا، وذلك في منطقة أوديسا خلال الليل. وتعد أنظمة الصواريخ التي صممتها الولايات المتحدة واحدة من أسلحة عدة قدمتها دول حلف شمال الأطلسي إلى أوكرانيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير.


مقالات ذات صلة

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أوروبا صورة تظهر حفرة بمنطقة سكنية ظهرت بعد ضربة صاروخية روسية في تشيرنيهيف الأوكرانية (رويترز)

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أعلن الجيش الروسي اليوم (السبت)، أنه اعترض 8 صواريخ أميركية الصنع أطلقتها أوكرانيا في اتجاه أراضيه.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رجال إنقاذ أوكرانيون في موقع هجوم مسيّرة روسية بكييف (إ.ب.أ)

مقتل 5 أشخاص على الأقل بهجمات متبادلة بين روسيا وأوكرانيا

أسفرت هجمات روسية بمسيّرات وصواريخ على أوكرانيا، يوم الجمعة، عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقلّ، في حين قُتل شخصان في ضربات أوكرانية طالت مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا ترمب وزيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي: ترمب قادر على وقف بوتين

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس الخميس إن بمقدور الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أن يحسم نتيجة الحرب المستعرة منذ 34 شهرا مع روسيا،

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناة تلغرام)

زيلينسكي: عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترمب قد يساعد في إنهاء حرب أوكرانيا

اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب قد يساعد على إنهاء الحرب مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف )
أوروبا صورة من مقطع فيديو نشرته وزارة الدفاع الروسية 7 نوفمبر 2024 يُظهر جنوداً من الجيش الروسي خلال قتالهم في سودجانسكي بمنطقة كورسك (أ.ب)

روسيا: كبّدنا القوات الأوكرانية خسائر جسيمة على محور كورسك

أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، اليوم الخميس، أن الجيش الروسي استهدف القوات المسلحة الأوكرانية بمقاطعة كورسك، وكبّدها خسائر فادحة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

أبرز ردود الفعل الدولية على هجوم نيو أورليانز

شرطة نيو أورليانز في مكان الحادث (أ.ب)
شرطة نيو أورليانز في مكان الحادث (أ.ب)
TT

أبرز ردود الفعل الدولية على هجوم نيو أورليانز

شرطة نيو أورليانز في مكان الحادث (أ.ب)
شرطة نيو أورليانز في مكان الحادث (أ.ب)

أثار هجوم نيو أورليانز، فجر أمس الأربعاء، الذي استهدف محتفلين برأس السنة، وأسفر عن مقتل 15 شخصاً على الأقل وإصابة العشرات، إدانات دولية.

فيما يأتي أبرزها:

فرنسا

أبدى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تعاطفه «مع الشعب الأميركي الذي نشاطره الألم»، مؤكداً عبر منصة «إكس» أن المدينة التي «ضربها الإرهاب غالية على قلوب الفرنسيين».

وأسس مستعمرون فرنسيون نيو أورليانز، وقد وقع الهجوم في الحي الفرنسي الشهير بالمدينة.

كذلك، قدّم كريستيان إستروسي، رئيس بلدية مدينة نيس الجنوبية التي تعرضت لهجوم دهس عام 2016 أدى إلى مقتل 86 شخصاً، تعازيه.

وقال إن «المأساة التي وقعت في نيو أورليانز، المدينة الشقيقة لنيس، تذكرنا بشكل مؤلم بالمأساة التي شهدناها... أفكارنا مع العائلات والأرواح التي راحت ضحية عملية الدهس في احتفالات منتصف العام الجديد».

المملكة المتحدة

قال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، عبر «إكس» إن «الهجوم العنيف الصادم في نيو أورليانز مروع».

وأضاف: «تعاطفي مع الضحايا وعائلاتهم وأجهزة الطوارئ وشعب الولايات المتحدة في هذا الوقت المأسوي».

الصين

قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، خلال مؤتمر صحافي: «صدمنا بهذا الهجوم العنيف»، مضيفة أن «الصين تعارض كل أعمال العنف والإرهاب التي تستهدف المدنيين».

وتابعت: «نحن حزانى على الضحايا، ونعرب عن تعاطفنا مع أسرهم ومع المصابين».

أوكرانيا

قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عبر «إكس» إنه «روّع بالهجوم الذي وقع في نيو أورليانز بالولايات المتحدة الذي أودى بحياة أبرياء وأدى إلى إصابة العديد من الأشخاص».

وأضاف: «نحن على ثقة بأن المسؤولين عن هذا العمل الفظيع سيحاسبون. إن العنف والإرهاب وأي تهديدات لحياة الناس ليس لها مكان في عالمنا، ويجب عدم التسامح معها. نقدم تعازينا الصادقة لأسر الضحايا... أوكرانيا تقف بجانب الشعب الأميركي وتدين العنف».

الاتحاد الأوروبي

عدّت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، عبر منصة «إكس» أن «لا عذر لعنف مماثل»، مبدية «حزنها الكبير».

وأضافت: «نحن نتضامن بشكل كامل مع الضحايا وعائلاتهم خلال هذه اللحظة المأسوية».

الأمم المتحدة

دان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الهجوم «بشدة» و«قدم تعازيه لأسر الذين فقدوا أرواحهم»، «كما تمنى الشفاء العاجل للجرحى» بحسب بيان صادر عن الناطق باسمه.

ألمانيا

قال المستشار الألماني، أولاف شولتس، عبر «إكس»: «إنها أخبار فظيعة من نيو أورليانز».

وأضاف: «أشخاص يحتفلون تؤخذ حياتهم أو يصابون بسبب كراهية لا معنى لها. نحن نحزن مع عائلات الضحايا وأصدقائهم، ونتمنى الشفاء العاجل لجميع المصابين».

إسرائيل

وكتب وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، عبر «إكس»: «أشعر بحزن كبير إزاء الهجوم الإرهابي في نيو أورليانز».

وأضاف: «أقدم خالص التعازي لأسر الضحايا. أتمنى الشفاء العاجل للمواطنين الإسرائيليين المصابين وجميع الجرحى... لا مكان للإرهاب في عالمنا».

تركيا

قالت وزارة الخارجية التركية في بيان: «نحن نشعر بحزن عميق جراء الهجوم الذي وقع في نيو أورليانز في الولايات المتحدة».

وأضافت: «نتقدم بتعازينا لأسر وأصدقاء الذين فقدوا أرواحهم... نأمل في أن يتم الكشف عن دوافع الهجوم في أقرب وقت ممكن، وأن تتم محاسبة المسؤولين عنه».