كوبا: بلا تبرم أو شكوى.. طوابير الانتظار جزء من الحياة اليومية

الجزيرة تعاني من نقص في عدد غرف الفنادق وسيارات الإيجار رغم الطفرة السياحية

طوابير الانتظار أمام سوبر ميركادو وهو واحد من أكبر مراكز تسوق التجزئة التي تديرها الدولة في هافانا («واشنطن بوست»)
طوابير الانتظار أمام سوبر ميركادو وهو واحد من أكبر مراكز تسوق التجزئة التي تديرها الدولة في هافانا («واشنطن بوست»)
TT

كوبا: بلا تبرم أو شكوى.. طوابير الانتظار جزء من الحياة اليومية

طوابير الانتظار أمام سوبر ميركادو وهو واحد من أكبر مراكز تسوق التجزئة التي تديرها الدولة في هافانا («واشنطن بوست»)
طوابير الانتظار أمام سوبر ميركادو وهو واحد من أكبر مراكز تسوق التجزئة التي تديرها الدولة في هافانا («واشنطن بوست»)

«سوبر ميركادو» هو واحد من أكبر مراكز تسوق التجزئة، التي تديرها الدولة في هافانا، ويعد بديل «تارغت» أو «وول مارت» تقدمه الحكومة الشيوعية، والذي تم إنشاؤه ليكون مركز تسوق متكاملا. ومن المحتمل أن يكون مصممو ذلك المركز أمام عملاء يحملون قائمة تسوق طويلة سبعة أماكن على الأقل يجب عليهم الانتظار في صفوف أمامها: صف من أجل الحصول على الزبد، وآخر من أجل الحصول على زيت طهي، وآخر للحصول على معجون الأسنان، وهكذا دواليك. وسأل رجل: «هل أنت آخر شخص يقف في الصف؟» وذلك بعد أن وصل إلى نهاية صف يتحرك ببطء من أجل الحصول على الجبن. وأومئ الشخص الذي تم سؤاله إيجابا.
وتعد صفوف الانتظار الطويلة، في المصرف، أو محطة الحافلات، أو منافذ توزيع السلع المدعمة من الحكومة، جزء من الحياة اليومية للكوبيين، ولا يمكن الهروب منها مثل الحرارة أو الموسيقى. هل تريد بطاطس؟ هناك صف لذلك. هل أنت بحاجة لدفع فاتورة الهاتف الخاص بك؟ هناك صف مخصص لذلك أيضًا. أما في باقي أنحاء العالم، أتاحت ثورة الإنترنت إمكانية الحصول على السلع والخدمات، وتوزيعها، وتنظيمها، بكل سهولة وكفاءة وفعالية، لكن لم تهتم الثورة الاشتراكية في كوبا بتلك الأمور. لذا في عصر الإنترنت لا يزال المجتمع الكوبي يقف في صفوف الانتظار.
في ظل وجود طفرة في عدد السائحين الأميركيين، حيث وصلت نسبتهم إلى 36 في المائة خلال العام الحالي، طبقا لبيانات الحكومة، تعاني الجزيرة من نقص في عدد غرف الفنادق، والسيارات المعروضة للإيجار، والمقاعد في ملهى تروبيكانا. ويعني هذا أنه من المحتمل أن يضطر الزائرون الأميركيون أنفسهم أيضا إلى الانتظار لفترة أطول مما اعتادوا عليها. ويمكنهم معرفة الكثير عن مضيفيهم، الذين يمتلكون احتياطيا هائلا من الخنوع وعدم التبرم. وقال الرجل الذي يقف في صف انتظار الجبن بابتسامة الخبير: «يتحمل الكوبيون الكثير». وعرف نفسه باسم ماريو. وكان ماريو رجلا في منتصف العمر وهو ممتلئ قليلا، ويرتدي بنطالا قصيرا وقميصا رياضيا بلا أكمام، وقبعة مكتوب عليها «القوات الخاصة الأميركية»، مع ذلك لم يبد أنه أحد أفراد القوات الخاصة. وقال: «لقد أرسلها لي شقيقي الذي يقيم في كندا. وقد حصلت لتوي على التأشيرة لزيارته. سأصل إلى هناك في عيد الاستقلال». وأكد لي ماريو أنه لا يعتزم الهجرة إلى الولايات المتحدة، فهو لديه سيارة، ويجني مالا وفيرا من بيع مواد البناء في السوق السوداء، وأغلبها مسامير، وبراغي، وأشياء أخرى غير قانونية رفض ذكر اسمها. لهذا السبب رفض ذكر اسمه بالكامل. وقال: «إضافة إلى ذلك، سيكون هذا ضد ديني».
وأوضح ماريو أنه «بابالاو»، أي رجل دين ينتمي إلى الديانة السنتيرية. ويتطلب موقعه الديني أن يقيم في مكان مولده، في حين أنه من المسموح له القيام بزيارات خارج المنطقة لفترة قصيرة. وأضاف قائلا: «قال صديق لي قام بزيارة خارجية إن هناك شيئين افتقدهما بعد العودة من الولايات المتحدة: الحرية وهوم دي بوت».
يقف أمامنا في الصف عميل طلب كمية كبيرة من شرائح اللحم المقدد. وأحدث هذا الطلب شللا في القسم المخصص في السوبر ماركت بأكمله. وركض عاملان نحو ماكينة التقطيع، وبدأوا في إعداد طلبه، في حين وقف عدد آخر من العاملين يشاهدونهم. وتعد الصفوف من الأمور التي تظهر أفضل ما في البلاد وكذلك أسوأ ما فيها. من تلك الأمور الاستسلام والملل، لكن هناك أيضا أمورا أخرى تلفت الانتباه مثل الاهتمام بالضعيف والمحتاج، فدائما ما يتم السماح للسيدات الحوامل، والعجائز بالوقوف في مقدمة الصفوف. ويكون جزاء الذين يحاولون تجاوز أدوارهم تعبيرات تجهم جماعية. وكما يفعل الكوبيون في كل مكان، يقضون الوقت في النميمة، وإلقاء النكات، والدعابة، والشكوى. ويقف الكوبيون بشكل منظم، حتى أنه بات هناك ثقافة للانتظار في الصفوف. وكما فعل ماريو، على آخر شخص يصل أن يسأل بصوت عال: «من آخر شخص يقف في الصف؟» للتأكد من النقطة التي ينبغي عليه الوقوف بها. ويسأل بعد ذلك: «من يقف أمامك؟» بحيث إذا خرج ذلك الشخص من الصف للتجول ولم يعد، لا ينهار الصف. كذلك قبل حجز مكان في الصف، على ذلك الشخص انتظار وصول شخص آخر ليسأله: «من آخر شخص يقف في الصف؟» قبل أن يكون له حرية الخروج والتجول.
بطبيعة الحال هذا النظام معرض لبعض الإخفاقات، لكنه يسمح للمنتظرين باستغلال وقتهم بطرق أخرى، مثل الانتظار في مكان آخر أكثر راحة، الظل على سبيل المثال، أو إنجاز مهام أخرى، أو ربما الانتظار في صفوف أخرى. وإذا خسر المرء دوره في الصف، يعرف الآخرون كيف يبقون على النظام. ويمكن تحقيق ذلك بالحصول على بطاقات مرقمة مثل ثلاجات بيع الجبن أو اللحوم الموجودة في الولايات المتحدة. مع ذلك لا يتوافر هذا في كوبا، مثل بطاقات الائتمان، التي لا تقدمها المصارف المملوكة للدولة.
وصل رجل يرتدي زي عمل يعلوه الغبار ويصطحب معه صبيا. وكان يبدو أنه على عجلة من أمره. وعند وصوله إلى الثلاجة، توجه إلى المنتظرين في الصف مخاطبا إياهم وقال: «أعذروني أيها الرفاق، أنا بحاجة إلى شراء قطعة جبن صغيرة الآن. أنا آسف». وعند رؤية الطفل، وحال الرجل، قال له ماريو والآخرون إنه يستطيع فعل ذلك وإنهم لا يمانعون. ودفع الرجل 3 دولارات من أجل شراء قالب جبن جودة أبيض صغير، وهو نوع ندر وجوده في المتاجر التي تديرها الحكومة مؤخرًا.
وقال ماريو: إنه «ليس نوع جبن جيد، حيث يصبح طعمه مثل البلاستيك بعد مرور خمسة أيام على وجوده في الثلاجة».
ووصلت زوجة ماريو وابنته وانضمت إلى الصف. وتحرك الصف قليلا، ودفع الرجل الذي طلب شرائح اللحم المقدد حسابه. وفي تلك اللحظة وصل وقت انتظارنا إلى 15 دقيقة. وتغيرت دفة الحديث إلى موضوع آخر هو أنواع الصفوف الأخرى، وأي منها هو الأطول في هافانا هذه الأيام. ويتم بيع كل شيء تقريبا بسعر ثابت أو مدعم مثل البطاطس وتذاكر الطيران والخس العضوي.
وكان هناك صفوف انتظار طويلة بشكل خاص مؤخرًا أمام سفارة الإكوادور، وهي دولة لا يحتاج السفر إليها الكثير من المتطلبات بالنسبة للكوبيين الراغبين في الهجرة، أو ربما لشراء بعض الأشياء التي يمكن بيعها في السوق السوداء بكوبا. مع ذلك عادة ما تكون الصفوف، التي توجد أمام القنصلية الأميركية، والتي ينتظر بها المئات يوميًا، هي الأطول. وأشهر صف في المدينة هو ذلك الذي يوجد أمام متنزه كوبيليا للآيس كريم رغم توافر نكهة أو نكهتين فقط. وبعد الوقوف لما يزيد على الساعة، يطلب أكثر الكوبيين «سلاطة الآيس كريم» المكونة من خمس ملاعق مقابل 20 سنتا. بعد نحو 20 دقيقة من الانتظار، يحصل الجميع على الجبن الجودة، ويتوجه نحو صفوف أخرى في المتجر. وقال ماريو: «يمكنك زيارتي في أي وقت»، مشيرا إلى أنه يقيم في منطقة ريفية على أطراف المدينة. وسألني: «هل تحب اللحم المقدد في الفرن؟».
* «واشنطن بوست»
- خاص بـ {الشرق الأوسط}



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.


بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.


واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
TT

واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)

قالت الولايات المتحدة اليوم (الثلاثاء)، إنها ما زالت ترفض اعتبار نيكولاس مادورو الرئيس الشرعي لفنزويلا، وتعترف بسلطة الجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015 بعد أن حلت المعارضة «حكومتها المؤقتة».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين: «نهجنا تجاه نيكولاس مادورو لا يتغير. إنه ليس الرئيس الشرعي لفنزويلا. نعترف بالجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015»، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.
ولدى سؤاله عن الأصول الفنزويلية، ولا سيما شركة النفط الفنزويلية في الولايات المتحدة، قال برايس إن «عقوباتنا الشاملة المتعلقة بفنزويلا والقيود ذات الصلة تبقى سارية. أفهم أن أعضاء الجمعية الوطنية يناقشون كيف سيشرفون على هذه الأصول الخارجية».