الكتاب العربي... هل تعدُّد صيغ النشر يدفع به إلى العالمية؟

من الورقي إلى الـ«بودكاست»

نسرين كريدية المديرة العامة لدار «النهضة»
نسرين كريدية المديرة العامة لدار «النهضة»
TT

الكتاب العربي... هل تعدُّد صيغ النشر يدفع به إلى العالمية؟

نسرين كريدية المديرة العامة لدار «النهضة»
نسرين كريدية المديرة العامة لدار «النهضة»

هناك أكثر من مليوني بودكاست في العالم، لا يزيد عدد المسجَّل باللغة العربية منها على خمسة آلاف، حسب التقديرات الأولية. وهذا واقع تتوجب معالجته، واستدراك التأخير في رفد المحتوى الصوتي، بما يغني الذائقة العربية وحاجة الشباب بشكل خاص، الذين يعدون من أكثر المقبلين على البودكاست. النمو العالمي سريع بشكل لافت، فقد ازداد عدد البودكاستات، خلال السنتين الأخيرتين بنسبة عشرين في المائة. وسجلت في عام 2021 فقط، 45 مليون حلقة صوتية. الغالبية الساحقة من المستمعين تتراوح أعمارهم بين 18 و44 عاماً تبعاً لدراسة أميركية، أحصت بودكاستات في أكثر من 100 لغة بينها العربية، فوجدت أن الإقبال في غالبيته هو من فئة الشباب، ويتركّز على الموسيقى والمواضيع الصحية والسياسية وتقنية المعلومات، ويلجأ المستخدمون بشكل خاص إلى البودكاست في أثناء المشي، وممارسة الرياضة، لعدم تضييع الوقت. لكن للكتاب أيضاً حصة وللمحاضرات والمقالات والندوات.
لهذا تسعى «دار النهضة» في بيروت، المعروفة بتاريخها الطويل والعريق، إلى شراكات تتيح لها، تطوير صناعة الكتاب وفتح النوافذ على إمكانيات جديدة، ومنها المجال السمعي. وتقول مديرة الدار نسرين كريدية لـ«الشرق الأوسط»، إن النشر في منطقتنا، بشكل عام، بدأ يعيش مرحلة مفصلية، منذ دخول «أمازون» على خط الكتاب العربي. وتضيف أن «الثورة في عالم الكتب سريعة جداً. فإلى جانب الكتاب الورقي، باتت هناك كتب إلكترونية، وأخرى تفاعلية، وغيرها صوتية، وكذلك البودكاست، وهو ليس كتاباً صوتياً بالمعنى الحرفي. نحن كدار نشر نحتاج إلى أن نواكب هذا التطور، لنتمكن من الاستمرار».
في العادة يقدم المؤلف مخطوطته للناشر، الذي يحوّلها إلى كتاب ورقي يبيعه من خلال المعارض والمكتبات، ثم يوزع الكتاب في صيغته الإلكترونية على المنصات. «لكننا شعرنا بأن التغيير قد بدأ بالفعل، بعد أن أخذت منصة (أمازون-كيندل) بنشر الكتب العربية بصيغة (إي بوب). وهي صيغة مختلفة تماماً عن كتاب (بي دي إف) الموجود على مواقع كثيرة، واعتدنا استخدامه مقرصناً أو في متاجر البيع».

                حكمت البعيني مدير شركة«فيوتشر تن إكس» كتاب «إي بوب» غيّر المعادلة

لا بد من التمييز بين كتاب «بي دي إف» و«إي بوب»، فهذا الأخير كتاب تفاعلي. «وهو الذي نحرص على إنتاجه لأنه يمكن التعامل معه كأنه كتاب ورقي»، تقول كريدية. ويمكن التحكم به سواء بتغيير الخط، أو تكبيره وتصغيره، وقراءة الهامش، ووضع خط تحت الأسطر التي نريدها. أي إنه كتاب إلكتروني، أخرجَنا من صيغة الجمود التي فرضها علينا الكتاب الـ«بي دي إف». وعلى عكس ما يعتقده البعض، فإن الكتاب الورقي هو الذي يتعرض للقرصنة اليوم، بينما يتمتع الكتاب الإلكتروني بدرجة حماية عالية، وهو ما يجب أن يشجع على اعتماده. فلا وسيلة لسرقته إلا بتصويره صفحة صفحة، وهذا مرهق جداً.
تنصح مديرة «دار النهضة» في بيروت الكتّاب العرب باغتنام الفرصة، ودخول عالم النشر الإلكتروني والبودكاست من أوسع الأبواب ليحققوا لأنفسهم أكبر انتشار ممكن. وهي لهذا الغرض، أطلقت مبادرة مع شركة «فيوتشر تن إكس» في دبي تحت عنوان «الكتاب العربي الرقمي – نحو العالمية»، وبدأ النشاط الأول بلقاء افتراضي على تطبيق «زوم» تحدث خلاله مدير عام الشركة حكمت البعيني، عن ضرورة تحويل الكتب إلى ملفات صوتية. فالمؤلف من مصلحته ألا ينشر بصيغة واحدة، قد يختار الكتاب الورقي وإلى جانبه (إي بوب)، وأيضاً صوتياً على بودكاست، هذا يسهّل وصول الكاتب إلى كل بيت، ويردم المسافات الجغرافية ويختصر الزمن. فالهدف الرئيسي من النشر هو إيصال المعلومة لأكبر عدد ممكن من الأشخاص. وهو تماماً ما يشدد عليه البعيني: «ما نريده من المبادرة ألا يبقى الكتاب حكراً على فئة معينة، بل يصبح النشر والقراءة في متناول أكبر عدد من الكتاب والقراء. إذا لم تكن لدى الكاتب إمكانات كبيرة يمكن الاكتفاء بالنشر الإلكتروني، ووضع الكتاب على عدد من المنصات مثل (أمازون) و(نيل وفرات) وغيرها».
البعيني نفسه خاض التجربة وحوّل كتابيه «ألف فكرة وفكرة»، و«جدلية القوة والمحبة في الثورة» إلى بودكاستات. يشرح البعيني أنه سجّل كتابه «ألف فكرة وفكرة» في أكثر من 400 بودكاست، ويتبقى نحو 600 سوف يتم إنجازها. والبودكاست عبارة عن تسجيل رقمي، يمكن لأي شخص أن يُنتجه وينشره ثم يضعه على منصات منها «أنغامي» و«غوغل» وغيرها. ولا يحتاج المرء إلى خبرة كبيرة للإنتاج، ولا كثير من التمرين والتركيز للسماع، ولا إنترنت قوي لتنزيله. لذا يشجع البعيني من لديه كتاب يستحق أن يحوَّل إلى بودكاست، أن يسعى إلى ذلك.
يقول البعيني إن «قلة المحتوى الصوتي بالعربية يؤثر على الثقافة وعلى اللغة. لا بد من مبادرات لاستدراك تأخرنا في مجال الكتب الصوتية والبودكاست والكتب الإلكترونية. لذلك فإن هدفنا، هو تحويل المؤلف العربي إلى كاتب عالمي، بعد أن صارت لنا خبرة بالكتب الصوتية والورقية والإلكترونية». ويرى البعيني أن المؤلفات والمقالات والمقابلات الإذاعية أصبحت أكثر انتشاراً على شبكات البودكاست لسهولة الوصول إليها عبر الإنترنت. من جهتها ترى كريدية أنه ما عاد يجوز أن يحصر الكاتب العربي نفسه في الكتاب الورقي لأن عمليات البيع والشراء على المنصات الإلكترونية أصبحت أسهل وأقل كلفة وأكثر انتشاراً بين القراء في كل العالم. لهذه الأسباب انطلقت مبادرة «الكتاب العربي الرقمي – نحو العالمية».

الفرق بين الكتاب الصوتي والبودكاست
ثمة فرق بين البودكاست والكتاب الصوتي. الكتاب الصوتي كتاب كامل، يسجَّل صوتياً، أما البودكاست فلا يُنصح بأن يوضع عليه الكتاب كاملاً، إذ يخضع في غالب الأحيان، لإعادة كتابة، وللتقطيع والتجزئة، بحيث لا يتعدى البودكاست الواحد الدقائق القليلة. هذه الوجبة الثقافية السريعة، قد لا تروق لكتاب كثيرين، لكنّ منتجي البودكاست يرون أن كل بودكاست طويل سيوقِع السامع في الضجر. وهذا يضع علامات استفهام كبيرة، حول مرونة الأدباء بشكل خاص، ومدى قبولهم لخضوع كتبهم لهذا النوع من الجراحة التي قد تودي بروح الكتاب. هنا يتحدث البعيني كمنتج، مشجعاً على قبول الشروط الجديدة لأن «البودكاست مجال توزيعه أسهل، ويمكن لصاحبه أن يضعه على (فيسبوك)، أو يرسله عبر (واتساب)، ويستخدم بمتعة أكبر. فتنزيل الكتب الطويلة لا يزال متعذراً، مما يعيق الانتشار، علماً بأن قصص الأطفال، هي من بين أكثر الكتب حيوية وانتشاراً وليونة في التعامل معها على المنصات الافتراضية وعلى البودكاست، حيث يتم تحويلها من صيغة إلى أخرى وتقدم بطرق مختلفة في وقت واحد».

تدجين التقنيات
الصعوبات التي حالت طويلاً دون دخول الكتاب العربي عالم النشر الإلكتروني ذُلّلت في معظمها، والتعامل مع الخط العربي تطوَّر. «أمازون» نفسها مهتمة بتذليل الصعاب، وقد قام بجهد تقني كبير. استفاد اللبنانيون، حين أوفدت الشركة ممثلين عنها إلى لبنان، ودربوا الناشرين. تقول كريدية: «لا تعارض اليوم بين الخط العربي والنشر الإلكتروني. رأينا مع (أمازون) كيف أن علينا أن نعتمد خطاً معيناً وأموراً تقنية محددة، كما أننا حين نواجه مشكلات نتواصل معهم، وهم دائماً ما يتعاونون ويُجيبون عن كل استفسار، والمراسلات معهم شبه يومية». تكمل كريدية: «الكتاب على (أمازون) بالعربية يجعله متوفراً في كل العالم. بمقدور الكاتب أن يوكل مهمة النشر الإلكتروني إلى دار نشر، كما يمكنه أن يقوم بالمهمة بنفسه، وإن واجه صعوبات، فتقنيو (أمازون) دائماً موجودون لمساعدة الكاتب المبتدئ، وهذا أمر مشجع. ثم إن دور النشر العربية المتمرسة، بمقدورها أن تقوم بهذه الخدمة لو طلب الكاتب منها ذلك. المهم أن يتمكن الكاتب من تحضير نصه مرتباً جيداً على (وورد)، ومن ثم يحوله إلى (إي بوب). وبمجرد صدور الكتاب ورقياً، بمقدور دار النشر أن تضعه على (أمازون) مباشرةً، لكنّ الأمر مختلف بالنسبة للمنصات الأخرى التي يرسل لها الكتاب، وهي التي تتكفل بوضعه بعد فترة من الزمن تبعاً لبرمجتها الخاصة».

البيع على وجوه
«التكلفة الأساسية هي في التنفيذ، أما حين يصبح الكتاب على المنصات، يبداً البيع والربح، وجميع المنصات تأخذ النسبة نفسها؛ ما يقارب خمسين في المائة. ولكل منصة سياستها في البيع. مع (المنهل) يمكن للقارئ أن يشتري مواضيع أو مقاطع. على (أبجد) يستطيع الاشتراك شهرياً... لذلك من المهم للكاتب أن يضع كتابه على كل المنصات، لأن لكل منها أسلوبها مع الكتاب والقارئ، ولكل منها روحها، وجمهورها» تشرح كريدية.
هل أخذ الكتاب العربي طريقه إلى الانتشار العالمي، وحُلّت مشكلة التوزيع التي كانت دائماً حجر عثرة؟ لا تزال الخطوات بطيئة، رغم أن التقنيات أصبحت متوفرة. ما يحتاج إليه العرب اليوم، هو المزيد من الجرأة والمغامرة، من الكاتب كما الناشر، أما القارئ فيبدو أنه مستعد لاستقبال كل جديد، حين يكون اقتصادياً، وسريعاً، وممتعاً.



مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي
TT

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

صدر العدد الجديد (الحادي عشر من مجلة «الأديب الثقافية» - شتاء 2025)، وهي مجلة ثقافية تُعنى بقضايا الحداثة والحداثة البعدية يرأس تحريرها الكاتب العراقي عباس عبد جاسم.

تناولت افتتاحية العدد التي كتبها رئيس التحرير «مدن المستقبل: يوتوبية أم سوسيوتكنولوجية؟».

كما تبنى العدد محور «نحو يسار عربي جديد»، وقد تضمّن مقدمة كتاب «نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي» للمفكر اللبناني الراحل الدكتور كريم مروة، وفيها دعوة جديدة لنهوض اليسار العربي بعد هزائم وانكسارات ونكبات كبرى أعقبت تفكّك الاتحاد السوفياتي وانهيار الاشتراكية في العالم، وقد عدَّت مجلة «الأديب الثقافية» - المقدمة نواة لمشروع نهضوي جديد لمستقبل اليسار العربي، بعد أن تجمّد عند حدود معينة من موته شبه السريري.

وأسهم في هذا المحور السياسي والطبيب المغترب الدكتور ماجد الياسري، بدراسة هي مزيج من التحليل والتجربة السياسية والانطباع الشخصي بعنوان «اليسار العربي - ما له وما عليه»، وقدّم الناقد علي حسن الفوّاز مراجعة نقدية بعنوان «اليسار العربي: سيرة الجمر والرماد»، تناول فيها علاقة اليسار العربي بالتاريخ، وطبيعة السياسات التي ارتبطت بهذا التاريخ، وبالمفاهيم التي صاغت ما هو آيديولوجي وما هو ثوري.

أما الكاتب والناقد عباس عبد جاسم، فقد كتب دراسة بعنوان «إشكاليات اليسار العربي ما بعد الكولونيالية»، قدم فيها رؤية نقدية وانتقادية لأخطاء اليسار العربي وانحراف الأحزاب الشيوعية باتجاه عبادة ماركس، وكيف صار المنهج الماركسي الشيوعي لفهم الطبقة والرأسمالية في القرن الحادي والعشرين بلا اتجاه ديالكتيكي، كما وضع اليسار في مساءلة جديدة: هل لا تزال الماركسية صالحة لتفسير العالم وتغييره؟ وما أسباب انهيار الفكر الشيوعي (أو الماركسي) بعد عام 1989؟ وهل نحن نعيش «في وهم اللاجماهير» بعصر ما بعد الجماهير؟ وفي حقل «بحوث»، قدّمت الناقدة والأكاديمية هيام عريعر موضوعة إشكالية مثيرة لجدل جندري متعدّد المستويات بعنوان «العبور الجنسي وحيازة النموذج»، وتضمَّن «قراءة في التزاحم الجمالي بين الجنسين».

ثم ناقشت الناقدة قضايا الهوية المنغلقة والأحادية، وقامت بتشخيص وتحليل الأعطاب الجسدية للأنوثة أولاً، وعملت على تفكيك الهيمنة الذكورية برؤية علمية صادمة للذائقة السائدة، وذلك من خلال تفويض سلطة الخطاب الذكوري.

وقدّم الدكتور سلمان كاصد مقاربة بصيغة المداخلة بين كاوباتا الياباني وماركيز الكولومبي، من خلال روايتين: «الجميلات النائمات»، و«ذكريات غانياتي الحزينات» برؤية نقدية معمّقة.

واشتغل الدكتور رشيد هارون موضوعة جديدة بعنوان «الاغتيال الثقافي»، في ضوء «رسالة التربيع والتدوير للجاحظ مثالاً»، وذلك من منطلق أن «الاغتيال الثقافي هو عملية تقييد أديب ما عن أداء دوره الثقافي وإقعاده عن المضي في ذلك الدور، عن طريق وسائل غير ثقافية»، وقد بحث فيها «الأسباب التي دفعت الجاحظ المتصدي إلى أحمد عبد الوهاب الذي أطاح به في عصره والعصور التالية كضرب من الاغتيال الثقافي». وهناك بحوث أخرى، منها: «فن العمارة بتافيلالت: دراسة سيمائية - تاريخية»، للباحث المغربي الدكتور إبراهيم البوعبدلاوي، و«مستقبل الحركة النسوية الغربية»، للباحث الدكتور إسماعيل عمر حميد. أما الدكتورة رغد محمد جمال؛ فقد أسهمت في بحث بعنوان «الأنساق الإيكولوجية وسؤال الأخلاق»، وقدمت فيه «قراءة في رواية - السيد والحشرة».

وفي حقل «ثقافة عالمية» قدّم الشاعر والناقد والمترجم عبد الكريم كاصد ترجمة لثماني قصائد للفنان كاندنسكي بعنوان «أصوات». وفي حقل «قراءات» شارك الدكتور فاضل عبود التميمي بقراءة ثقافية لرواية «وجوه حجر النرد» للروائي حسن كريم عاتي. وفي حقل «نصوص» قدَّم الشاعر الفلسطيني سعد الدين شاهين قصيدة بعنوان: «السجدة الأخيرة».

وفي نقطة «ابتداء» كتبت الناقدة والأكاديمية، وسن عبد المنعم مقاربة بعنوان «ثقافة الاوهام - نقد مركب النقص الثقافي».

تصدر المجلة بصيغتين: الطبعة الورقية الملوَّنة، والطبعة الإلكترونية.