الكتاب العربي... هل تعدُّد صيغ النشر يدفع به إلى العالمية؟

من الورقي إلى الـ«بودكاست»

نسرين كريدية المديرة العامة لدار «النهضة»
نسرين كريدية المديرة العامة لدار «النهضة»
TT

الكتاب العربي... هل تعدُّد صيغ النشر يدفع به إلى العالمية؟

نسرين كريدية المديرة العامة لدار «النهضة»
نسرين كريدية المديرة العامة لدار «النهضة»

هناك أكثر من مليوني بودكاست في العالم، لا يزيد عدد المسجَّل باللغة العربية منها على خمسة آلاف، حسب التقديرات الأولية. وهذا واقع تتوجب معالجته، واستدراك التأخير في رفد المحتوى الصوتي، بما يغني الذائقة العربية وحاجة الشباب بشكل خاص، الذين يعدون من أكثر المقبلين على البودكاست. النمو العالمي سريع بشكل لافت، فقد ازداد عدد البودكاستات، خلال السنتين الأخيرتين بنسبة عشرين في المائة. وسجلت في عام 2021 فقط، 45 مليون حلقة صوتية. الغالبية الساحقة من المستمعين تتراوح أعمارهم بين 18 و44 عاماً تبعاً لدراسة أميركية، أحصت بودكاستات في أكثر من 100 لغة بينها العربية، فوجدت أن الإقبال في غالبيته هو من فئة الشباب، ويتركّز على الموسيقى والمواضيع الصحية والسياسية وتقنية المعلومات، ويلجأ المستخدمون بشكل خاص إلى البودكاست في أثناء المشي، وممارسة الرياضة، لعدم تضييع الوقت. لكن للكتاب أيضاً حصة وللمحاضرات والمقالات والندوات.
لهذا تسعى «دار النهضة» في بيروت، المعروفة بتاريخها الطويل والعريق، إلى شراكات تتيح لها، تطوير صناعة الكتاب وفتح النوافذ على إمكانيات جديدة، ومنها المجال السمعي. وتقول مديرة الدار نسرين كريدية لـ«الشرق الأوسط»، إن النشر في منطقتنا، بشكل عام، بدأ يعيش مرحلة مفصلية، منذ دخول «أمازون» على خط الكتاب العربي. وتضيف أن «الثورة في عالم الكتب سريعة جداً. فإلى جانب الكتاب الورقي، باتت هناك كتب إلكترونية، وأخرى تفاعلية، وغيرها صوتية، وكذلك البودكاست، وهو ليس كتاباً صوتياً بالمعنى الحرفي. نحن كدار نشر نحتاج إلى أن نواكب هذا التطور، لنتمكن من الاستمرار».
في العادة يقدم المؤلف مخطوطته للناشر، الذي يحوّلها إلى كتاب ورقي يبيعه من خلال المعارض والمكتبات، ثم يوزع الكتاب في صيغته الإلكترونية على المنصات. «لكننا شعرنا بأن التغيير قد بدأ بالفعل، بعد أن أخذت منصة (أمازون-كيندل) بنشر الكتب العربية بصيغة (إي بوب). وهي صيغة مختلفة تماماً عن كتاب (بي دي إف) الموجود على مواقع كثيرة، واعتدنا استخدامه مقرصناً أو في متاجر البيع».

                حكمت البعيني مدير شركة«فيوتشر تن إكس» كتاب «إي بوب» غيّر المعادلة

لا بد من التمييز بين كتاب «بي دي إف» و«إي بوب»، فهذا الأخير كتاب تفاعلي. «وهو الذي نحرص على إنتاجه لأنه يمكن التعامل معه كأنه كتاب ورقي»، تقول كريدية. ويمكن التحكم به سواء بتغيير الخط، أو تكبيره وتصغيره، وقراءة الهامش، ووضع خط تحت الأسطر التي نريدها. أي إنه كتاب إلكتروني، أخرجَنا من صيغة الجمود التي فرضها علينا الكتاب الـ«بي دي إف». وعلى عكس ما يعتقده البعض، فإن الكتاب الورقي هو الذي يتعرض للقرصنة اليوم، بينما يتمتع الكتاب الإلكتروني بدرجة حماية عالية، وهو ما يجب أن يشجع على اعتماده. فلا وسيلة لسرقته إلا بتصويره صفحة صفحة، وهذا مرهق جداً.
تنصح مديرة «دار النهضة» في بيروت الكتّاب العرب باغتنام الفرصة، ودخول عالم النشر الإلكتروني والبودكاست من أوسع الأبواب ليحققوا لأنفسهم أكبر انتشار ممكن. وهي لهذا الغرض، أطلقت مبادرة مع شركة «فيوتشر تن إكس» في دبي تحت عنوان «الكتاب العربي الرقمي – نحو العالمية»، وبدأ النشاط الأول بلقاء افتراضي على تطبيق «زوم» تحدث خلاله مدير عام الشركة حكمت البعيني، عن ضرورة تحويل الكتب إلى ملفات صوتية. فالمؤلف من مصلحته ألا ينشر بصيغة واحدة، قد يختار الكتاب الورقي وإلى جانبه (إي بوب)، وأيضاً صوتياً على بودكاست، هذا يسهّل وصول الكاتب إلى كل بيت، ويردم المسافات الجغرافية ويختصر الزمن. فالهدف الرئيسي من النشر هو إيصال المعلومة لأكبر عدد ممكن من الأشخاص. وهو تماماً ما يشدد عليه البعيني: «ما نريده من المبادرة ألا يبقى الكتاب حكراً على فئة معينة، بل يصبح النشر والقراءة في متناول أكبر عدد من الكتاب والقراء. إذا لم تكن لدى الكاتب إمكانات كبيرة يمكن الاكتفاء بالنشر الإلكتروني، ووضع الكتاب على عدد من المنصات مثل (أمازون) و(نيل وفرات) وغيرها».
البعيني نفسه خاض التجربة وحوّل كتابيه «ألف فكرة وفكرة»، و«جدلية القوة والمحبة في الثورة» إلى بودكاستات. يشرح البعيني أنه سجّل كتابه «ألف فكرة وفكرة» في أكثر من 400 بودكاست، ويتبقى نحو 600 سوف يتم إنجازها. والبودكاست عبارة عن تسجيل رقمي، يمكن لأي شخص أن يُنتجه وينشره ثم يضعه على منصات منها «أنغامي» و«غوغل» وغيرها. ولا يحتاج المرء إلى خبرة كبيرة للإنتاج، ولا كثير من التمرين والتركيز للسماع، ولا إنترنت قوي لتنزيله. لذا يشجع البعيني من لديه كتاب يستحق أن يحوَّل إلى بودكاست، أن يسعى إلى ذلك.
يقول البعيني إن «قلة المحتوى الصوتي بالعربية يؤثر على الثقافة وعلى اللغة. لا بد من مبادرات لاستدراك تأخرنا في مجال الكتب الصوتية والبودكاست والكتب الإلكترونية. لذلك فإن هدفنا، هو تحويل المؤلف العربي إلى كاتب عالمي، بعد أن صارت لنا خبرة بالكتب الصوتية والورقية والإلكترونية». ويرى البعيني أن المؤلفات والمقالات والمقابلات الإذاعية أصبحت أكثر انتشاراً على شبكات البودكاست لسهولة الوصول إليها عبر الإنترنت. من جهتها ترى كريدية أنه ما عاد يجوز أن يحصر الكاتب العربي نفسه في الكتاب الورقي لأن عمليات البيع والشراء على المنصات الإلكترونية أصبحت أسهل وأقل كلفة وأكثر انتشاراً بين القراء في كل العالم. لهذه الأسباب انطلقت مبادرة «الكتاب العربي الرقمي – نحو العالمية».

الفرق بين الكتاب الصوتي والبودكاست
ثمة فرق بين البودكاست والكتاب الصوتي. الكتاب الصوتي كتاب كامل، يسجَّل صوتياً، أما البودكاست فلا يُنصح بأن يوضع عليه الكتاب كاملاً، إذ يخضع في غالب الأحيان، لإعادة كتابة، وللتقطيع والتجزئة، بحيث لا يتعدى البودكاست الواحد الدقائق القليلة. هذه الوجبة الثقافية السريعة، قد لا تروق لكتاب كثيرين، لكنّ منتجي البودكاست يرون أن كل بودكاست طويل سيوقِع السامع في الضجر. وهذا يضع علامات استفهام كبيرة، حول مرونة الأدباء بشكل خاص، ومدى قبولهم لخضوع كتبهم لهذا النوع من الجراحة التي قد تودي بروح الكتاب. هنا يتحدث البعيني كمنتج، مشجعاً على قبول الشروط الجديدة لأن «البودكاست مجال توزيعه أسهل، ويمكن لصاحبه أن يضعه على (فيسبوك)، أو يرسله عبر (واتساب)، ويستخدم بمتعة أكبر. فتنزيل الكتب الطويلة لا يزال متعذراً، مما يعيق الانتشار، علماً بأن قصص الأطفال، هي من بين أكثر الكتب حيوية وانتشاراً وليونة في التعامل معها على المنصات الافتراضية وعلى البودكاست، حيث يتم تحويلها من صيغة إلى أخرى وتقدم بطرق مختلفة في وقت واحد».

تدجين التقنيات
الصعوبات التي حالت طويلاً دون دخول الكتاب العربي عالم النشر الإلكتروني ذُلّلت في معظمها، والتعامل مع الخط العربي تطوَّر. «أمازون» نفسها مهتمة بتذليل الصعاب، وقد قام بجهد تقني كبير. استفاد اللبنانيون، حين أوفدت الشركة ممثلين عنها إلى لبنان، ودربوا الناشرين. تقول كريدية: «لا تعارض اليوم بين الخط العربي والنشر الإلكتروني. رأينا مع (أمازون) كيف أن علينا أن نعتمد خطاً معيناً وأموراً تقنية محددة، كما أننا حين نواجه مشكلات نتواصل معهم، وهم دائماً ما يتعاونون ويُجيبون عن كل استفسار، والمراسلات معهم شبه يومية». تكمل كريدية: «الكتاب على (أمازون) بالعربية يجعله متوفراً في كل العالم. بمقدور الكاتب أن يوكل مهمة النشر الإلكتروني إلى دار نشر، كما يمكنه أن يقوم بالمهمة بنفسه، وإن واجه صعوبات، فتقنيو (أمازون) دائماً موجودون لمساعدة الكاتب المبتدئ، وهذا أمر مشجع. ثم إن دور النشر العربية المتمرسة، بمقدورها أن تقوم بهذه الخدمة لو طلب الكاتب منها ذلك. المهم أن يتمكن الكاتب من تحضير نصه مرتباً جيداً على (وورد)، ومن ثم يحوله إلى (إي بوب). وبمجرد صدور الكتاب ورقياً، بمقدور دار النشر أن تضعه على (أمازون) مباشرةً، لكنّ الأمر مختلف بالنسبة للمنصات الأخرى التي يرسل لها الكتاب، وهي التي تتكفل بوضعه بعد فترة من الزمن تبعاً لبرمجتها الخاصة».

البيع على وجوه
«التكلفة الأساسية هي في التنفيذ، أما حين يصبح الكتاب على المنصات، يبداً البيع والربح، وجميع المنصات تأخذ النسبة نفسها؛ ما يقارب خمسين في المائة. ولكل منصة سياستها في البيع. مع (المنهل) يمكن للقارئ أن يشتري مواضيع أو مقاطع. على (أبجد) يستطيع الاشتراك شهرياً... لذلك من المهم للكاتب أن يضع كتابه على كل المنصات، لأن لكل منها أسلوبها مع الكتاب والقارئ، ولكل منها روحها، وجمهورها» تشرح كريدية.
هل أخذ الكتاب العربي طريقه إلى الانتشار العالمي، وحُلّت مشكلة التوزيع التي كانت دائماً حجر عثرة؟ لا تزال الخطوات بطيئة، رغم أن التقنيات أصبحت متوفرة. ما يحتاج إليه العرب اليوم، هو المزيد من الجرأة والمغامرة، من الكاتب كما الناشر، أما القارئ فيبدو أنه مستعد لاستقبال كل جديد، حين يكون اقتصادياً، وسريعاً، وممتعاً.



قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»
TT

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

مرت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الأصعدة، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة وطالت لبنان، ولا تزال مشاهدها الدامية تراكم الخراب والدمار على أرض الواقع. في غبار هذا الكابوس تستطلع «الشرق الأوسط» أهم قراءات المثقفين والمبدعين العرب خلال 2024.

في دول الخليج تنوّعت قراءات المثقفين والكتاب ما بين القراءات الشعرية والروائية، مع انفتاح على التجارب الأدبية في العالم العربي، ومقاربات للأعمال التي رصدت التجربة الحداثية وتأثيراتها، وكذلك التجارب النسوية في الرواية والسيرة الذاتية، وبينها كتب في الفكر والفلسفة والتاريخ الاجتماعي.

 

باسمة العنزي: ثوب أزرق وقبيلة تضحك ليلاً!

 

من الكويت، تقول الكاتبة والروائية الكويتية باسمة العنزي: سنة عاصفة مليئة بالأحداث المحبطة والأخبار البائسة! القراءة بدت فيها كاستراحة من لهاث متابعة أخبار الحروب وتردي الأوضاع وانحدار البشرية السريع. المفرح وسط كل هذا أن يقع بين يديك أعمال مبهرة هي الأولى لأصحابها!

قرأت للكاتبة السورية الكردية هيفا نبي «ثوب أزرق بمقاس واحد» الصادر عن دار «جدل» عام 2022، وهي رواية كتبت على شكل مذكرات، تناقش موضوع اكتئاب ما بعد الولادة بسرد جميل ونبرة أنثوية تغلغلت لتفاصيل عالم الأمومة الجديد لدى شابة مهجّرة من مدينتها بسبب الحرب. سرد شفاف يحلّق نحو ذات وحيدة تجتاز أزمتها عبر البوح. وهو عمل - للأسف - لم يحظَ بما يستحقه من اهتمام وانتشار رغم تجلي موهبة الكاتبة وتمكنها اللغوي وقدرتها على اقتناص الحالات النفسية ووصفها بكل تدرجاتها.

أما العمل الثاني فهو للكاتب السعودي سالم الصقور «القبيلة التي تضحك ليلاً» الصادر عن دار «مسكيلياني» عام 2024، وهو أيضاً يتناول موضوعاً جديداً في الرواية العربية عن عدم القدرة على الإنجاب في مجتمع قبلي معاصر، العمل مكتوب بلغة شعرية فذة وبنظرة فلسفية عميقة تضع تحت المجهر مفاهيم مثل الأمل والحرمان وخسارات الحياة القسرية. نوفيلا مكتنزة تدور أحداثها في نجران ليوم واحد يتحدد فيه مصير أبوة البطل المنتظرة!

هيفا نبي وسالم الصقور جاء عملاهما كإضاءة مبشّرة بالكثير في عالم يفقد دهشته ويخفت فيه صوت الحكمة، وقرأتهما في عام شحّت فيه الأشياء المدهشة!

 

د. عبد الرزّاق الربيعي: عودة لعبد الوهاب البياتي

ومن سلطنة عُمان، يقول الشاعر الدكتور عبد الرزاق الربيعي: كتب كثيرة قرأتها هذا العام، والبعض أعدت قراءته، وفق نظرة جديدة أكثر نضجاً، وتمحيصاً، وتذوّقاً، كالأعمال الشعرية لعبد الوهاب البياتي، والذي حفّزني للعودة إليها كتاب صدر عن دار «أبجد» هذا العام ضمن فعاليات مهرجان بابل العالمي للثقافات والفنون والإعلام (دورة 2024)، حمل عنوان «عبد الوهّاب البيّاتي... دراسات وشهادات وحوارات»، حرّره وقدّم له د. سعد التميمي. في بادرة ولمسة وفاء تُحسَب لرئيس المهرجان د. علي الشلاه.

وتأتي أهمية الكتاب كون محرّره د. التميمي، أستاذ النقد والبلاغة بالجامعة المستنصرية، وجّه دعوة ضمنيّة لقراءة البياتي، والكشف عن دوره الريادي، وفحص نتاجه من قبل النقاد الذين صرفت غزارة إنتاجه الشعري أنظارهم عنه، فهذه الغزارة بنظر د. حاتم الصكر «لم تدع فسحةً لقراءة نصيّة مناسِبة، فكثير من منتقدي سيرته السياسية اتبعوا ما أشيع عنه دون تمحيص؛ إذ لم يضعه الشيوعيون العراقيون - كما يشاع - محل السياب حين ارتدّ عنهم، لأنهم ليسوا بحاجة لشاعر، ومعهم مثقفوهم وأدباؤهم، كما أن البياتي ينتهج فكراً يسارياً قبل اصطفافه نصيراً للفكر اليساري التقليدي، وقد عزا ذلك - حين كتب (تجربتي الشعرية) - إلى ما كان يرى وهو صبي، من مظالم ومآسٍ تحيق بالمشردين والفقراء والنازحين للمدينة، وهو يراهم حول مزار الصوفي عبد القادر الجيلاني بوسط بغداد، حيث ولد البياتي ونشأ». وقد شارك في الكتاب كل من: د. حاتم الصكر، ود. بشرى موسى صالح، ود. خالد سالم، ود. محمد عبد الرضا شياع، ود. أناهيد الركابي، والشعراء: علي الشلاه، وهادي الحسيني، ومحمد مظلوم، ومحمد تركي النصار، ود. عبد الرزاق الربيعي، واشتمل على دراسات وشهادات وحوارات مسلطاً الضوء «على الإرث الشعري الذي خلّفه البياتي، وإسهاماته في تحديث القصيدة العربية، ورؤية البياتي للشعر، والحداثة وموقف الشاعر من السلطة والحرية، فضلاً عن تقنية كتابة القصيدة، وفاعليته في الوسط الثقافي».

قسّم التميمي الكتاب إلى ثلاثة فصول: تضمن الأول دراسات وقراءات، والثاني شهادات وذكريات، والثالث حوارات. وقد احتل الفصل الأول مساحة واسعة؛ إذ ضم سبع دراسات هي: القصيدة... المنفى... الموت... مفردات في تجربة البياتي الشعرية، للدكتور حاتم الصكر، وهالة الأسطورة في شعر عبد الوهاب البياتي، للدكتورة بشرى موسى صالح، والمتعاليات النّصّيّة في شعر البياتي، للدكتور محمد عبد الرضا شياع، والتجربة الإسبانية لدى البياتي، للدكتور خالد سالم، والبياتي من فلسفة الرفض إلى استشراف الرؤية، للدكتور سعد التميمي، ومركزية الهامش في شعر البياتي، للدكتورة أناهيد الركابي، ومجد الشعلة الخالدة الآخر في مرآة البياتي الشعرية، لمحمد تركي النصار.

أمّا الفصل الثاني، فقد ضمّ ثلاث شهادات حملت العناوين: «رجاءً عدم الجلوس... عبد الوهّاب البيّاتي قادمٌ بعد قليل» لعبد الرزاق الربيعي، و«في ذكرى البياتي» لهادي الحسيني، و«البياتي وسنواتنا في عمّان» للدكتور علي الشلاه.

وخُصّص الفصل الثالث لحوارات أجريت مع البياتي، وقد تناولت الدراسات الأثر الذي تركه البياتي ليس فقط لدى الشعراء العرب، بل تجاوز ذلك إلى الإسبان، خلال إقامته بمدريد في الفترة (1980-1990).

لقد أعاد هذا الكتاب لنفسي شغفي بقصيدة البياتي، التي تأثّرت بها في بداياتي مطلع الثمانينيات، فوفّر لي فرصة العودة للمنابع الشعرية الأولى.

 

عبد العزيز الصقعبي: أيام الغزو وسير النساء الذاتية

ومن السعودية، يقول الروائي والمسرحي السعودي عبد العزيز الصقعبي: أنا متفرغ حالياً للقراءة والكتابة، فالكتاب وجبة يومية، من الصعوبة تركها، والجميل في زمننا هذا هو سهولة الوصول للكتاب، ورقياً أو إلكترونياً، الحصة الأكبر من قراءاتي دائماً الرواية والقصة ثم الشعر والمسرح، إضافة إلى الكتب الفكرية والدراسات المهمة.

ربما - وأنا أتحدث عن نفسي كروائي - يرد في ذهني أمر ما - ربما وليس أكيداً – أتناوله في مشروع روائي؛ لذا أكثف قراءاتي حول ذلك الموضوع، أطرح لكم بعض الأمثلة «أيام الغزو... يوميات إسماعيل شموط أثناء احتلال الكويت»، وهي يوميات للفنان التشكيلي إسماعيل شموط؛ حيث كان لدي اهتمام بتلك الفترة التي لم تؤثر على الكويت فقط، بل على كامل المنطقة وبالأخص المملكة، بالطبع قرأت عدداً من الروايات والكتب حول ذلك ومن أهمها السباعية الروائية «إحداثيات زمن العزلة» للروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، على الرغم من كل الكتابات فتلك الفترة تحتاج إلى مزيد من الكتابة.

وحقيقة من الصعوبة سرد بقية أسماء الكتب التي قرأتها، فهنالك مثلاً روايات، تكون مقبولة وأنتهي منها عند آخر صفحة، ولكن لا تبقى في الذاكرة ولا تشجّع على قراءتها مرة أخرى ناهيكم عن كثير من الكتب وبالذات النصوص السردية التي لا أستطيع إكمالها، اللافت في 2024 دخول عدد من السير الذاتية النسائية في دائرة قراءاتي، بدأتها بسيرة «السنوات» الحائزة جائزة نوبل (أني إرنو)، وبعد ذلك أجد نفسي أمام سيرتين متشابهتين وفي الوقت ذاته مختلفتين؛ «حد الذاكرة» لعائشة محمد المانع، و«حياتي كما عشتها... ذكريات امرأة سعودية من عنيزة إلى كاليفورنيا» لثريا التركي، وبكل تأكيد هنالك قائمة طويلة أحتفظ بها لنفسي، من الكتب التي قرأتها أو سأقرأها، أو أتصفحها ربما تشدني للقراءة.

 

كاظم الخليفة: الأدب السعودي والعلاقة بين الأدب والفلسفة

ويقول الكاتب والناقد السعودي كاظم الخليفة: كان مشروعي القرائي لعام 2024 هو استكشاف الأفق الإبداعي للكتاب السعوديين، الذي أتاحه المرور على عناوين وتصفح بعض إصدارات مشروع «1000 كتاب» الذي تقوم عليه دار «أدب للنشر والتوزيع» بدعم من الصندوق الثقافي السعودي، وكذلك قراءة «كتاب أنطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية» - الجزء الثاني - ذلك المشروع الرائد الذي قام بجهد شخصي من الأديب والقاص خالد اليوسف؛ لإبراز المشهد السردي السعودي المعاصر ومدى تقدمه من خلال ممارسة التجريب وتنوع الأدوات السردية. والثالث، كان المشروع الآخر للشاعر عبد الله السفر «رمال تركض بالوقت» الذي كان برعاية من مركز الملك عبد العزيز الثقافي «إثراء»، وهو عبارة عن مختارات لنصوص شعرية تختص بقصيدة النثر السعودية بغية ترجمتها للقارئ الفرنسي.

تعرض تلك الكتب جانباً مهماً من حراك الأدب السعودي المعاصر الذي يتطلب الكثير من الدراسة والتأمل، لكن الانطباع العابر يمكن استخلاصه في أن القصيدة الكلاسيكية السعودية تحاول تجديد ثوبها من خلال جعل «ذات» الشاعر بهواجسه وأحلامه أحد مواضيعها المهمة. أي أن الدافع الذاتي للكتابة، واتخاذ القصيدة وسيلة فضلى للتفكير، قد عمل على تقليص المساحة الكبيرة التي كان يحتلها شعر «المناسبات» في دواوين الشعراء.

والانطباع الثاني عن مستوى التقدم في كتابة قصيدة التفعيلة، التي لم تتقدم وتكتسب نسبة وازنة في دواوين الشعراء المعاصرين بشكل ملحوظ. أما ملمح قصيدة النثر الحديثة فنجد بروزاً لموضوع «الميتاشعرية»؛ حيث سؤال القصيدة ومحرضات كتابتها وجدواها. وفي كلا الجنسين الشعريين: الكلاسيكي والنثري، نلحظ فيهما تجاوز الشواعر النساء أزمة «النِّسوية» وبالتالي الكتابة بروح الأنثى المدركة لكينونتها.

في السرد، نلحظ نمواً لجنس القصة القصيرة جداً واقترابها - في بعض التجارب - من شذرات قصيدة النثر. وما يخص جنس القصة القصيرة، فيمكن ملاحظة أنها اتجهت نحو التنوع - بشكل واضح - في مواضيعها، مع تناول أكبر بالتركيز على الجوانب الوجودية والأزمات النفسية لشخوص حكاياتها. أما الرواية، فيمكننا رؤية اجتذابها للكتاب الشباب بإنتاج متلاحق لبعضهم؛ حيث يفصل بين كل عمل روائي وآخر أقل من عام.

مجال القراءة الحرة كان من نصيب كتب مميزة في بابها، وإن لم تبتعد كثيراً عن الأدب. ولعل أبرزها كتاب حديث للناقد الفرنسي كاميل ديموليي «الأدب والفلسفة... بهجة المعرفة في الأدب» الذي يُعتبر من أواخر من دخلوا في حلبة الصراع والجدل - منذ أفلاطون – عمّن هو الأجدر بتمثيل «الحقيقة»؛ الأدب أم الفلسفة، وكذلك عن طبيعة العلاقة الملتبسة بينهما. ففي هذا الكتاب يستعرض ديموليي الجدل القديم/الجديد عن علاقة الفلسفة بالأدب، ويحاور فيه جميع آراء الأدباء والفلاسفة البارزين، ابتداء بأفلاطون وسقراط، وانتهاء بنيتشه وهايدغر، ثم في خاتمة الكتاب يميل إلى الرأي الذي يقول إن «فكرة الفلسفة هي الأدب»، وذلك بمعنيين: أولاً أن الأدب هو فكرة الفلسفة، أي أنها إبداعه أو ابتداعه؛ ثم إنها مدار دراسته. وهكذا صار الأدب في نتيجته هو منبع الأفكار الفلسفية، وأنها تعود فيه وكأنها تعود إلى أصلها المنسي، كما يقول. بل إن نيتشه والتيار الرومانسي حاولا إعادة الفلسفة والأدب إلى أصلهما الشعري، بصفته نشاطاً خلاقاً؛ حيث الفلسفة - من وجهة النظر هذه - يمكن أن تكون ضرباً من الشعر المتحجر؛ أي خطاباً بواسطة الصور والمجازات.

 

حمد الرشيدي: بين البردوني والأفلاج والزلفي

من الرياض، يقول الشاعر والروائي السعودي حمد حميد الرشيدي: كثيرة هي الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، وكتبت بعض انطباعاتي الشخصية لما قرأته منها، وهي كتب تُعنى بالأدب والشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح والدراسات النقدية، وقرأت بعض الكتب التي أثارت اهتماماً من قبل القراء أو النقاد... ومن الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، كتاب «المكان في شعر البردوني» للدكتور خالد اللعبون، وهو دراسة موضوعية تحدث فيها الكاتب عن ظاهرة اكتناز شعر الشاعر العربي اليمني الكبير عبد الله البردوني (رحمه الله) بالمكان وجغرافيته وارتباطه الحسي والمعنوي بالإنسان.

وفي مجال أدب الرحلات، قرأت كتاب «الأفلاج كما رآها فيلبي» وهو من تأليف عبد العزيز المفلح الجذالين. ويتحدث فيه مؤلفه عن أهمية مدينة الأفلاج عبر التاريخ وما ذكره الرحالة الإنجليزي المعروف عبد الله فيلبي عن هذه المدينة عندما زارها زيارة ميدانية سنة 1918م.

وفي مجال علوم التاريخ والاجتماع، قرأت كتاب «الكويت والزلفي» لمؤلفه حمد الحمد، وهو يتحدث عن الصلات التاريخية والاجتماعية بين بعض العوائل والأسر العربية ذات العوامل المشتركة في الاسم والنسب والأرومة في كل من الكويت ومدينة الزلفي.

وفي الفكر والفلسفة، قرأت كتاب «الحضارة العربية الإسلامية وعوامل تأخرها» للدكتور أمين أحمد زين العابدين، وهو كتاب تطرّق فيه المؤلف للحضارة العربية والإسلامية عبر التاريخ وما مرت به من مراحل وتغيرات عبر الزمن وأثرها وتأثيرها في الحضارات الأخرى.

وفي العلوم، قرأت كتاب «في تاريخ العلوم» للدكتور عبد الله محمد العمري، وهو كتاب يبحث في تاريخ العلوم عند العرب القدامى حتى العصر الحديث، وأهم الاكتشافات والاختراعات التي قام بها العرب والمسلمون منذ القدم، ثم تم نقلها عنهم للشعوب الأخرى التي قامت بالاستفادة منها وتطويرها في الوقت الحاضر.

جمانة الطراونة

 

جمانة الطراونة: من «أشجار الكلمات» إلى «غيم على سرير»

الشاعرة الأردنية المقيمة في مسقط (سلطنة عُمان) جمانة الطراونة، تقول: أميل إلى قراءة كتب المختارات الشعرية، كونها تعطي فكرة عن التجارب الشعرية المتحقّقة، وضمن هذا السياق، قرأت كتاب «أشجار الكلمات»؛ وهو مختارات شعرية للشاعر عدنان الصائغ. اختارها وقدم لها: حاتم الصكر، وحسن ناظم، وناظم عودة. وصدر عن دار «صوفيا» للنشر والتوزيع في الكويت، ومما علق في ذهني قوله:

«في الليلِ

أرى شخصاً آخرَ

لا أَعْرِفُـهُ

يَتَعَقَّبُني

فأغذُّ خطايَ،

وأسرعُ

أسمَعُهُ يتوسّلُ خلفي:

– اصحبْني ظلاً

فأنا أخشى أنْ أمشي منفرداً في الطُرُقاتْ».

أما أحدث كتاب قرأته هذا العام من كتب المختارات فهو كتاب «غيم على سرير» وقد ضمّ بين دفتيه مختارات من شعر عبد الرزاق الربيعي، وقد صدر عن دار «شمس» للنشر والإعلام، بالتعاون مع بيت الشعر ببغداد، والنصوص من اختيار الشاعر عماد جبّار، وقدّم لها د. سعد التميمي، الذي قال: «ينفرد الشاعر عبد الرزاق الربيعي من بين شعراء جيل الثمانينات باتّساع تجربته الشعرية وعُمقها وتنوعها، وهو الحاضر باستمرار في الساحة الشعرية والقادر على الانتقال من منطقة إلى أخرى مجدِّداً في القصيدة على مستوى اللغة والأسلوب والمعالجة والمفارقة، كاشفاً ما يحمله من عمق معرفي يتجلى في تناصّاته المتنوعة، (...) فهو القادم من صومعة الشعر حاملاً الوطن المثخن بالجراح والألم وصور الخراب والموت التي يختلط فيها الدم بالدموع»، وعلى الغلاف الأخير للمختارات كتب د. حاتم الصكر شهادة حول تجربة الربيعي، وقد قرأت ديوان الصكر «الهبوط إلى برج القوس» الصادر عن دار «أرومة للدراسات والترجمة والنشر»، وأبحرت مع عوالم الفقد، وأحزان غربته، التي يسرّبها عن طريق الشعر الذي يعتبره ملاذه الأخير ويستثمر الموروث الرافديني حين يرسم «بورتريهات» لعدد من أصدقائه كما في «خُطى جلجامش» التي يهديها إلى الشاعر عبد الرزاق الربيعي.