إليزابيث بورن أمام البرلمان ودعوة للمعارضة «للعمل معاً»

رغم افتقاد حكومة إليزابيث بورن للأكثرية المطلقة في البرلمان الفرنسي، التي لم تحصل عليها الكتلة الداعمة للرئيس إيمانويل ماكرون في الانتخابات التشريعية الأخيرة، فإن سقوطها في اليوم الأول من مواجهتها البرلمان الجديد لن يحصل. ويعود السبب في ذلك إلى أن الكتل المعارضة يميناً ويساراً تختلف فيما بينها. من جهة، يريد تجمع اليسار والبيئويين الذي حصل على 150 مقعداً في الانتخابات الأخيرة طرح الثقة بالحكومة الجديدة التي ستقوم رئيستها بإلقاء خطاب تضمنه برنامجها السياسي والإصلاحات التي ستعمد للسير بها في الأشهر وربما في السنوات القادمة. ومن جهة ثانية، فإن نواب حزب «الجمهوريون» اليمني المعتدل «64 نائباً» ونواب اليمين المتطرف «89 نائباً» الذي ترأسه المرشحة الرئاسية السابقة مارين لوبان أعلنوا أنهم لن ينضموا إلى أحزاب الاتحاد الشعبي الاقتصادي والبيئوي الجديد الذي يضم الشيوعيين والاشتراكيين والبيئويين ونواب حزب «فرنسا المتمردة»، الذي يرأسه جان لوك ميلونشون. ولا شك أن الحكومة ستلعب على انقسام المعارضة، الأمر الذي تأمل بأنه سيمكنها من تمرير مشاريع القوانين رغم تمتعها فقط بالأكثرية النسبية. وبالنظر لتركيبة مجلس النواب، فقد أعلن الناطق باسم الحكومة الوزير أوليفيه فيران، الذي يعرفه الفرنسيون جيداً لأنه شغل حقيبة الصحة في عز زمن «كوفيد - 19» أن الأكثرية قامت بجردة حساب وتبين لها أن طرح الثقة بعد الخطاب الافتتاحي أمر غير مضمون. ولأن الدستور لا يفرضه على رئيس الحكومة الجديدة»، فإن إليزابيت بورن تقتفي أثر من سبقها من رؤساء الحكومات الذين فضلوا عدم الخوض في رهان مشكوك بنتائجه.
حقيقة الأمر أن بورن التي اختارها الرئيس ماكرون بعد تردد دام أياماً لتكون رئيسة حكومته الأولى في ولايته الجديدة من خمس سنوات ستسلك درباً مليئة بالأشواك ليس فقط بسبب افتقادها للأكثرية المطلقة، بل بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة. وثمة عناوين عديدة لهذا التدهور الذي يفضي إلى تململ اجتماعي وانطلاق حركة إضرابات عبر البلاد وفي عدة قطاعات. والأول من العناوين التضخم الذي لم تشهده فرنسا منذ أربعين عاماً، والذي يصيب القدرة الشرائية للشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة. وعنوانه الثاني ارتفاع الأسعار الكبير الذي يصيب القطاعات الغذائية والتحويلية والصناعية والخدماتية، وعلى رأس ذلك أسعار الطاقة المستهلكة أكانت الكهرباء أو المشتقات النفطية وعلى رأسها البنزين. من هنا، فإن أول مشروع قانون ستقدمه بورن إلى البرلمان في 18 الحالي يتناول حزمة من الإجراءات التي تهدف إلى تخفيف عبء الغلاء عن المواطنين.

بيد أن ما ستطرحه لا يلاقي قبولاً من المعارضة التي تريد المزيد. ولأن الحكومة لا تمتلك الأكثرية المطلقة، فهي مجبرة على إرضاء المعارضة بقبول عدد من التعديلات التي تطرحها. وهذا ينطبق على اليمين واليسار والأطراف. والحال أن وزير الاقتصاد نبه إلى أن ميزانية الدولة التي عانت كثيراً من تبعات «كوفيد - 19» غير قادرة على تحمل تدابير بالغة التكلفة. فمنهم من يريد رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1500 يورو خالية من الضرائب ومنهم من يشدد على تجميد أسعار السلع الأساسية ومنهم من يقترح خفض قيمة الضريبة المضافة، خصوصاً على المشتقات النفطية... وهكذا دواليك. وليس الاختلاف على التدابير وحدها، بل أيضاً على توفير مصادر التمويل الإضافية. فاليسار مثلاً يقترح فرض ضريبة من 25 في المائة على أرباح الشركات الكبرى مثل «كهرباء فرنسا» و«أنجي» و«توتال»، معتبرة أن شيئاً كهذا يطبق مثلاً في بريطانيا التي من الصعب اعتبارها دولة اشتراكية. وبالمقابل، فإن اليمين المتطرف يعارض هذا التوجه ويرى أن التمويل يجب أن يأتي من وقف المصاريف الحكومية على المهاجرين ومن خفض المساهمة الفرنسية في الميزانية الأوروبية. أما اليمين التقليدي فيدافع عن فكرة ترشيق الإدارة، مما يعني تراجع تكلفتها وتحصيل الضرائب من المتهربين منها... وباختصار، سيكون من الصعب على بورن أن تتجاوب مع كافة المطالب، علماً بأن الرئيس ماكرون كان قد دعا للالتفاف حول المشروع الذي قدمه إبان حملته الرئاسية.
وفي كلماتها الأولى أمام النواب، أعلنت رئيسة الحكومة أنها تعي المهمة الجسيمة وأنها تفهم أن عليها «حماية الفرنسيين والدفاع عن الجمهورية وحماية كوكب الأرض وأن نكون متجمعين». وبالنظر لوضع حكومتها، فقد رمت شباكها باتجاه المعارضة منذ بداية خطابها بقولها إن الفرنسيين «يطلبون منا أن نتحاور أكثر وأن نتحادث بشكل أفضل وأن نبني معاً». كذلك، فقد دعت إلى «تفعيل معنى التوصل إلى تسويات التي نسيناها منذ زمن طويل ما لا يعني أننا نتخلى عن تمايزاتنا أو رمي قناعاتنا». ولم يفت بورن التذكير بالسياق الصعب الذي تجتازه فرنسا أكانت تبعات الحرب في أوكرانيا أو عودة جائحة كورونا إلى التمدد، حيث تجاوزت الإصابات المائتي ألف في يوم واحد، أو الوضع الاقتصادي بشكل عام.