الناتو والاتحاد الأوروبي... تكامل استراتيجي دائم أم تناغم فرضته الحرب؟

علما الناتو والاتحاد الأوروبي (إ.ب.أ)
علما الناتو والاتحاد الأوروبي (إ.ب.أ)
TT

الناتو والاتحاد الأوروبي... تكامل استراتيجي دائم أم تناغم فرضته الحرب؟

علما الناتو والاتحاد الأوروبي (إ.ب.أ)
علما الناتو والاتحاد الأوروبي (إ.ب.أ)

من النتائج المباشرة للحرب في أوكرانيا الاستفاقة المزدوجة للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، كمنظمتين تنشطان على أرض القارة الأوروبية التي لا حاجة للتكرار أنها تشكل المسرح الأول للمواجهات الكبرى بين المعسكرات العالمية المتنافسة. وقد هرع القادة الأساسيون للدول الأعضاء في الكيانين إلى تدعيم أسس التعاون بينهما، وبناء قاعدة تحقق مقداراً من التكامل في جوانب تُعتبر حيوية في المواجهة الدائرة حالياً في أوروبا، أو بتعبير آخر في التصدّي لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.
يقول الموقع الرسمي للناتو عن هذه العلاقة المتزخّمة لكن غير المستجدّة: «من خلال التشارك في المصالح الاستراتيجية ومواجهة التحديات نفسها، يتعاون الناتو والاتحاد الأوروبي في القضايا ذات الأهمية المشتركة ويعملان جنبًا إلى جنب في إدارة الأزمات وتطوير القدرات والتشاور السياسي، فضلاً عن تقديم الدعم لشركائهما في الشرق والجنوب. يُعتبر الاتحاد الأوروبي شريكًا فريدًا وأساسيًا لحلف الناتو. تشترك المنظمتان في غالبية الأعضاء، ولديهما قيم مشتركة وتواجهان تهديدات وتحديات واحدة».
والواقع أن الجانبين عملا بجدية منذ بداية القرن الحادي والعشرين على وضع الأطر الضرورية لهيكلة التعاون الاستراتيجي، بدءاً من آلية التنسيق بين الناتو واتحاد أوروبا الغربية (تحالف عسكري أنشئ بموجب معاهدة بروكسل عام 1948). وفي العام 2002 عُقد اتفاق «برلين بلاس» الذي سمح بشكل أساسي للاتحاد الأوروبي بالاستفادة من مقدّرات عسكرية معينة للناتو.
وفي قمة لشبونة 2010، أكد الحلفاء عزمهم على تحسين الشراكة الاستراتيجية بين الحلف والاتحاد الأوروبي في التعامل مع المنظمات الدولية الأخرى لمنع الأزمات وإدارة النزاعات وتحقيق الاستقرار في حالات ما بعد الصراع. ومن المحطات البارزة الأخرى في هذا الإطار، صدور إعلان مشترك في 10 يوليو (تموز) 2018، اتفقت فيه المنظمتان على تحقيق تقدم سريع في مجالات اللوجستية العسكرية ومكافحة الإرهاب وتعزيز المرونة في مواجهة الأخطار الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية.
الامين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ بين وزيرة خارجية السويد آن ليند ونظيرها الفنلندي بيكا هافيستو (رويترز)
يضم حلف شمال الأطلسي 30 دولة والاتحاد الأوروبي 27، وبين المنظمتين 21 دولة مشتركة. من هنا تبرز أهمية العلاقة بين الطرفين لضمان الأمن في أوروبا، خصوصاً أن الحرب في أوكرانيا التي اندلعت في 24 فبراير (شباط) الماضي – بعد ثماني سنوات من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وإعلان جمهوريتين انفصاليتين في حوض الدونباس – تضع كل منظومة الأمن الأوروبي على المحك.
والحقيقة أن الجانبين استجابا بسرعة للأزمة، فنشر الناتو تعزيزات عسكرية في جمهوريات البلطيق الثلاث، ليتوانيا أستونيا ولاتفيا، وفي رومانيا، لتحصين جناحيه الشرقي والجنوبي، علماً أن الدول الأربع أعضاء في الاتحاد الأوروبي. وقد فاجأت فنلندا والسويد العالم بالتخلي عن حيادهما العسكري والانضمام إلى «الأطلسي»، بما يحصّن الجناح الشمالي للحلف.
*علاقة مثالية؟
يجدر السؤال: هل صارت العلاقة مثالية بين المنظمتين وهل تحقق التكامل؟
الناتو منظمة عسكرية، فيما الاتحاد الأوروبي هو اتحاد اقتصادي وسياسي. بمعنى آخر، الأول «أداة»، فيما الثاني «لاعب». وإذا كان الوضع المستجد في أوكرانيا قد فرض تناغماً بينهما، فإنه لا يلغي وجود فوارق وتباينات هددت في الماضي ويمكن أن تهدد في المستقبل الشراكة الاستراتيجية الغربية. وهنا نستعيد الخلافات بين الأعضاء الأطلسيين الأوروبيين وكيف كاد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 أن يدمر الناتو. فقد عارضت فرنسا وألمانيا العملية، وتوافقتا في موقفيهما مع الموقف الروسي. كما كان للتدخل العسكري للناتو في ليبيا عام 2011 وانسحابه الأخير من أفغانستان آثار سلبية لا تخفى على أحد. كذلك، لا تزال في الذاكرة مواقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الشركاء الأوروبيين في الأطلسي وانتقاداته الحادة لتقصيرهم في تغذية الميزانية العسكرية للحلف واتكالهم على القوة العسكرية الأميركية لحمايتهم. ووصل الأمر بكثير من الساسة والمراقبين إلى حد السؤال عن جدوى وجود الناتو...
دمار أحدثه القصف الروسي لإحدى الجامعات في خاركيف الأوكرانية (رويترز)
غيرت الحرب في أوكرانيا كل شيء وأزالت من المشهد عناصر التشكيك في ضرورة وجود حلف الأطلسي عند قادة الدول الأعضاء والجزء الأكبر من الرأي العام.
إلا أن الموجة متى انحسرت ستكشف مجدداً التباينات الحادة التي يرى محللون أن أهمها هي تلك القائمة بين دول الاتحاد الأوروبي نفسها. فليس الكل، على سبيل المثال، متفقاً على مقاربة موحدة لفرض العقوبات على موسكو، خصوصاً في ما يخص مقاطعة شراء النفط والغاز الروسيين.
هنا يسأل بعض المراقبين، أيضاً، عن حكم القانون في دول مثل المجر وبولندا، ومدى توافق طبيعة بعض الأنظمة مع مُثُل الاتحاد الأوروبي ومبادئه. ويذهب التفكير أبعد من ذلك متخوفاً من أن تصبح بعض الدول الأوروبية مجرد قواعد عسكرية أطلسية، فيما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى بلوغ الهدف الأسمى لوجوده: الحؤول دون وقوع حروب في أوروبا، وتحقيق الاستقرار والازدهار.
استطراداً، كيف ستتعامل دول الاتحاد الأوروبي مع روسيا بعد أن تنتهي هذه الحرب، هل وفق المقاربة العقلانية والبراغماتية التي تنتهجها ألمانيا وفرنسا؟ أم من منظار العدائية الذي تنظر عبره دول حلف وارسو السابق إلى روسيا؟
والأهم هو كيف ستتعامل الولايات المتحدة، قائدة الناتو، مع حلفائها الأوروبيين: هل ستعتبرهم مجرد شركاء عسكريين يساهمون في التصدي لروسيا وترضى عنهم إذا زادوا قدراتهم العسكرية – كما يفعلون الآن – وتغضب إذا تقاعسوا؟ أم أنها ستراعي قواعد عمل الاتحاد الأوروبي والحقائق الجيوسياسية التي لا بد أن يبني عليها سياساته؟
هل يمكن أن تتناغم العلاقة بين حلف عسكري وتكتل سياسي – اقتصادي؟ وهل تبقى «اللغة» التي يتكلمان بها واحدة؟
سؤالان لا تمكن الإجابة عنهما إلا بعد زوال «المصيبة» الحالية التي تجمع...


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

العالم الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل روسيا، اليوم الخميس، من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين الذي اتهمت موسكو كييف بشنّه، لتكثيف هجماتها في أوكرانيا. وقال بوريل خلال اجتماع لوزراء من دول الاتحاد مكلفين شؤون التنمي«ندعو روسيا الى عدم استخدام هذا الهجوم المفترض ذريعة لمواصلة التصعيد» في الحرب التي بدأتها مطلع العام 2022. وأشار الى أن «هذا الأمر يثير قلقنا... لأنه يمكن استخدامه لتبرير تعبئة مزيد من الجنود و(شنّ) مزيد من الهجمات ضد أوكرانيا». وأضاف «رأيت صورا واستمعت الى الرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم الاتحاد الأوروبي يخطّط لإنتاج مليون قذيفة سنوياً وأوكرانيا تستنزف الذخيرة

الاتحاد الأوروبي يخطّط لإنتاج مليون قذيفة سنوياً وأوكرانيا تستنزف الذخيرة

سيطرح الاتحاد الأوروبي خطة لتعزيز قدرته الإنتاجية للذخائر المدفعية إلى مليون قذيفة سنوياً، في الوقت الذي يندفع فيه إلى تسليح أوكرانيا وإعادة ملء مخزوناته. وبعد عقد من انخفاض الاستثمار، تُكافح الصناعة الدفاعية في أوروبا للتكيّف مع زيادة الطلب، التي نتجت من الحرب الروسية على أوكرانيا الموالية للغرب. وتقترح خطّة المفوضية الأوروبية، التي سيتم الكشف عنها (الأربعاء)، استخدام 500 مليون يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي لتعزيز إنتاج الذخيرة في التكتّل. وقال مفوّض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية، تييري بريتون: «عندما يتعلّق الأمر بالدفاع، يجب أن تتحوّل صناعتنا الآن إلى وضع اقتصاد الحرب». وأضاف: «أنا واث

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد الاتحاد الأوروبي يمدد لمدة عام تعليق الرسوم الجمركية على الواردات الأوكرانية

الاتحاد الأوروبي يمدد لمدة عام تعليق الرسوم الجمركية على الواردات الأوكرانية

أعطت حكومات الدول الـ27 موافقتها اليوم (الجمعة)، على تجديد تعليق جميع الرسوم الجمركية على المنتجات الأوكرانية الصادرة إلى الاتحاد الأوروبي لمدة عام، حسبما أعلنت الرئاسة السويدية لمجلس الاتحاد الأوروبي. كان الاتحاد الأوروبي قد قرر في مايو (أيار) 2022، تعليق جميع الرسوم الجمركية على الواردات الأوكرانية إلى الاتحاد الأوروبي لمدة عام، لدعم النشاط الاقتصادي للبلاد في مواجهة الغزو الروسي. وتبنى سفراء الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي في بروكسل قرار تمديد هذا الإعفاء «بالإجماع».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم الكرملين يهدّد بمصادرة أصول مزيد من الشركات الأجنبية في روسيا

الكرملين يهدّد بمصادرة أصول مزيد من الشركات الأجنبية في روسيا

حذّر الكرملين اليوم (الأربعاء)، من أن روسيا قد توسّع قائمة الشركات الأجنبية المستهدفة بمصادرة مؤقتة لأصولها في روسيا، غداة توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمرسوم وافق فيه على الاستيلاء على مجموعتَي «فورتوم» و«يونيبر». وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف لصحافيين: «إذا لزم الأمر، قد توسّع قائمة الشركات. الهدف من المرسوم هو إنشاء صندوق تعويضات للتطبيق المحتمل لإجراءات انتقامية ضد المصادرة غير القانونية للأصول الروسية في الخارج».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».