حثت السلطات الأوكرانية سكان سلوفيانسك على ترك المنطقة مع اقتراب خط الجبهة من هذه المدينة إثر سيطرة روسيا على سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك في منطقة لوغانسك المجاورة، والتي أصبحت الهدف التالي لموسكو في حملتها العسكرية في منطقة دونباس. وبدأت القوات الروسية باستهداف سلوفيانسك بقصف «هائل» يمهد الطريق لتدخل متوقع بالمدرعات في محاولة للسيطرة على المزيد من الأراضي مع دخول الحرب المستمرة منذ خمسة أشهر مرحلة جديدة، على ما أعلن أمس (الثلاثاء)، رئيس بلدية المدينة الواقعة في شرق أوكرانيا. وكتب فاديم لياخ عبر «فيسبوك»: «سلوفيانسك! قصف هائل على المدينة. في وسطها والشمال. على الجميع الاحتماء». وقالت وزارة الدفاع الروسية، التي تقول إنها لا تستهدف مناطق سكنية، إنها استخدمت ما سمتها أسلحة عالية الدقة لتدمير مراكز القيادة والمدفعية في دونيتسك، حيث لا تزال أوكرانيا تسيطر على مدن رئيسية.
وأدى القصف الروسي إلى سقوط ما لا يقل عن ستة قتلى فيما أُصيب 19 آخرون بجروح (الأحد) في المدينة التي كانت تضم قبل الحرب نحو مائة ألف نسمة. ولا تزال سلوفيانسك ومدينة كراماتورسك المركز الإداري للمنطقة، تحت سيطرة القوات الأوكرانية وتشكلان هدف موسكو التالي في حملتها للسيطرة على منطقة دونباس بأكملها. في 2014 سيطر انفصاليون موالون لموسكو لفترة وجيزة على سلوفيانسك خلال نزاعهم مع سلطات كييف.
قائدة في الجيش الأوكراني في منطقة دونيتسك تقول إن الأوضاع العسكرية تختلف من منطقة لأخرى (أ.ب)
وجاءت الضربات في أعقاب سيطرة موسكو على مدينة ليسيتشانسك مطلع الأسبوع، في خطوة منحتها السيطرة الكاملة على منطقة لوغانسك، أحد أهدافها الحربية الرئيسية. والسيطرة الكاملة على دونيتسك، وهو الإقليم الآخر في منطقة دونباس، الجزء الصناعي بشرق أوكرانيا الذي أصبح مسرحاً لأكبر معركة في أوروبا على مدى أجيال، هدف آخر لما تسميها موسكو «عمليتها العسكرية الخاصة».
وقال سيرهي غايداي، حاكم لوغانسك، كما نقلت عنه «رويترز»، إن القوات الأوكرانية، التي انسحبت من ليسيتشانسك في مطلع الأسبوع، اتخذت مواقع دفاعية جديدة في دونيتسك، أمس. وفي استعراض مسبق لما قد يحدث بعد ذلك، قال بافلو كيريلينكو، حاكم منطقة دونيتسك المجاورة، في التلفزيون إن منطقته تعرضت للقصف خلال الليل. وأضاف: «تعرضت سلوفيانسك وكراماتورسك للقصف. وهما تشكلان الآن أيضاً خط الهجوم الرئيسي للعدو من اتجاه ليمان... لا يوجد مكان آمن من دون قصف في منطقة دونيتسك».
بعد هذا، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الاثنين) قواته بمواصلة هجومها في شرق أوكرانيا، حيث تهدف موسكو إلى السيطرة الكاملة على منطقة دونباس. وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أمس، إن الهجوم الروسي «سيستمر حتى تتحقق الأهداف التي حددها القائد الأعلى للقوات المسلحة بالكامل».
وتطلب روسيا من أوكرانيا منذ بداية الصراع تسليم لوغانسك ودونيتسك للانفصاليين الذين تدعمهم موسكو والذين أعلنوا استقلالهم. وحاولت روسيا في البداية السيطرة على كييف لكن مقاومة القوات الأوكرانية أجبرتها على التراجع. ومنذ ذلك الحين ركزت موسكو هجومها على شرق أوكرانيا حيث حققت مكاسب كبيرة في الأيام الأخيرة، بما في ذلك السيطرة على مدينة ليسيتشانسك الاستراتيجية.
وقال أوليكسي أريستوفيتش، مستشار الرئيس فولوديمير زيلينسكي، في مقطع فيديو نُشر على الإنترنت: «هذا هو الانتصار الأخير لروسيا على الأراضي الأوكرانية». وأضاف: «كانت هاتان مدينتين متوسطتي المساحة. واستغرق ذلك من الرابع من أبريل (نيسان) حتى الرابع من يوليو (تموز) -أي 90 يوماً- الكثير من الخسائر». وأشار أريستوفيتش إلى أن أوكرانيا تأمل في شن هجمات مضادة في جنوب البلاد إلى جانب معركة دونيتسك. وقال: «الاستيلاء على المدينتين في الشرق يعني أن 60 في المائة من القوات الروسية تتمركز الآن في الشرق ومن الصعب إعادة توجيهها إلى الجنوب». وتابع قائلاً: «لم يعد هناك المزيد من القوات التي يمكن جلبها من روسيا. لقد دفعوا ثمناً باهظاً من أجل سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك».
ويرى بعض الخبراء العسكريين أن النصر الذي تم تحقيقه بشق الأنفس لم يعد على القوات الروسية إلا بالقليل من المكاسب الاستراتيجية، وظلت نتيجة ما أُطلق عليها اسم «معركة دونباس» متوازنة. وقال نيل ملفين، من معهد الخدمات الملكية المتحدة للأبحاث في لندن: «أعتقد أنه انتصار تكتيكي لروسيا ولكن بتكلفة هائلة». وقارن تلك المعركة بالمعارك الضخمة من أجل مكاسب إقليمية محدودة وقعت في الحرب العالمية الأولى. وأضاف: «قد يعلن الروس نوعاً من النصر، لكن المعركة الحربية الرئيسية لم تأتِ بعد».
ويرى ملفين أن المعركة الحاسمة للسيطرة على أوكرانيا من المرجح ألا تدور في الشرق، حيث تشن روسيا هجومها الرئيسي، ولكن في الجنوب حيث بدأت أوكرانيا هجوماً مضاداً لاستعادة الأراضي المحيطة بمدينة خيرسون. وقال: «إن هجمات مضادة تبدأ هناك، وأعتقد أنه من المرجح أن نرى الزخم يتأرجح لصالح أوكرانيا التي تحاول شن هجوم مضاد واسع النطاق لدفع الروس للتراجع». فيما قال أولكسندر سينكيفيتش، رئيس بلدية ميكولايف، إن صواريخ روسية أصابت المدينة الجنوبية، الواقعة على الطريق السريع الرئيسي بين خيرسون وأوديسا، في وقت مبكر أمس (الثلاثاء). وأعلن زيلينسكي أول من أمس (الاثنين)، أنه على الرغم من انسحاب أوكرانيا من ليسيتشانسك، فإن قواتها تواصل القتال. وقال زيلينسكي في رسالة بالفيديو في المساء: «القوات المسلحة الأوكرانية تردّ وتدفع وتدمر القدرة الهجومية للمحتلين يوماً بعد يوم». وأضاف: «نحن بحاجة إلى كسرهم. إنها مهمة صعبة. إنها تتطلب وقتاً وجهوداً خارقة. لكن ليس أمامنا بديل».
أكدت روسيا أمس، أن المعدات العسكرية التي سلّمتها دول غربية إلى أوكرانيا موجودة الآن في السوق السوداء وفي الشرق الأوسط كذلك، دون أن تقدم دليلاً. وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في كلمة بثها التلفزيون إن بعض الأسلحة التي تم تسليمها إلى كييف «تنتشر في الشرق الأوسط، وانتهى بها الأمر أيضاً في السوق السوداء». إلا أنه لم يقدم أي دليل ملموس لدعم تأكيداته. وأثار تسليم الدول الغربية شحنات الدبابات وقطع المدفعية وغيرها من المعدات العسكرية إلى أوكرانيا غضب روسيا التي تشن حرباً باهظة الكلفة ضد جارتها منذ فبراير (شباط). واتهم شويغو الدول الغربية، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية، بتسليم أكثر من 28 ألف طن من الأسلحة حتى الآن إلى أوكرانيا «على أمل إطالة أمد النزاع» واستنزاف روسيا.
«الناتو» يطلق عملية المصادقة على عضوية السويد وفنلندا
> أطلقت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، أمس، إجراءات المصادقة على انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، في قرار يعد تاريخياً لدولتين شماليتين دفعتهما إليه الحرب الدائرة في أوكرانيا. وأعلن الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ، قبل أن يوقّع سفراء الدول الأعضاء في الحلف هذه البروتوكولات خلال احتفال أُقيم في مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسل أن «توقيع بروتوكولات الانضمام يطلق عملية المصادقة في كل من الدول الأعضاء». وأضاف: «عندما نصبح 32 عضواً سنكون أقوى (...) في وقت نواجه فيه أخطر أزمة أمنية منذ عقود». وذكّر بأنه «بعد أسابيع من المحادثات المكثفة حول المخاوف الأمنية التي طرحتها تركيا، تم التوصل إلى أرضية مشتركة ودعت قمة مدريد البلدين المرشحين للانضمام إلى الناتو». وشاركت وزيرة الخارجية السويدية آن لينده، ونظيرها الفنلندي بيكا هافيستو، في المناقشات النهائية في مقر المنظمة في بروكسل (الاثنين). وقال وزير الخارجية الفنلندي أمس، قبل توقيع بروتوكولات الانضمام: «نأمل في أن تتم المصادقة بسرعة». من جانبها، قالت نظيرته السويدية: «توقيع بروتوكولات الانضمام يمنحنا مكانة البلد الضيف» في الحلف.
لكنّ البلدَين المرشحَين لن يستفيدا من الحماية المنصوص عليها في المادة 5 للدفاع المتبادل في حال وقوع هجوم ما دامت الدول الأعضاء الثلاثون لم تصادق على عضويتهما.