«توأم رقمي» يساعد في تخصيص الطب لكل فرد

تجارب محاكاة تتنبأ بتفاعل المريض مع دواء أو علاج موجّه له

«توأم رقمي» يساعد في تخصيص الطب لكل فرد
TT

«توأم رقمي» يساعد في تخصيص الطب لكل فرد

«توأم رقمي» يساعد في تخصيص الطب لكل فرد

«التوائم الرقمية» هي نسخ رقمية من أشياء موجودة في العالم الحقيقي. وقد وُلدت هذه الفكرة عام 2002 بوصفها وسيلة لمراقبة أمد حياة منتجات، مثل الصواريخ الفضائية ومحركات الطائرات، وإتاحة فرصة صيانتها من بُعد والتنبؤ بمواعيد تعطلها.

- توأم رقمي
بقيت هذه الفكرة وتوسعت مع الزمن، فقد عمدت مدينة برشلونة في إسبانيا، إلى صناعة نسخة بيانية من نفسها لإجراء دورات تجريبية لمشروعات التخطيط المدني قبل المباشرة في تنفيذ أي تحسينات في التخطيط والتصميم العمراني.
وبدورها؛ تستخدم وكالة «ناسا» تقنية التوأم الرقمي لتشخيص مشكلات السفن الفضائية وصيانتها من بُعد.
ولكن هذا المبدأ قابل للتطبيق على أشياء أخرى بعيداً من الطرقات والصواريخ، ففي شبكة مقاطعة أليني الصحية التابعة لمنظمة «هايمارك هيلث»، يُستخدم النموذج التنبئي؛ أحد تشعبات فكرة النسخة الافتراضية، لتوقع استجابة المريض لبعض أدوية السرطان. ويستكشف «برنامج الخطة الصحية» التابع لـ«مركز جامعة بيتسبرغ الطبي» فكرة استخدام التوائم الرقمية لإخضاع المرضى لتجارب محاكاة تهدف إلى وضع خطط صحية مخصصة لكل واحد منهم.
حالياً؛ تعتزم شركة تابعة لجامعة بيتسبرغ تطبيق فكرة التوائم الرقمية على مسار شبيه بالمسار الشهير من سلسلة «ستار تريك» حتى بلوغ اليوم الذي تصبح فيه الأدوية مطابقة لحاجات كل فرد، بهدف تقليص التكلفة وتعزيز دقة أهداف العناية الطبية.
تأسست وحدة «بيو سيستكس إنك» قبل 8 أشهر، وهي قاعدة بيانات وتحليلات تقدم للمعاهد البحثية وكبار صانعي الأدوية خدمات، كإدارة ونمذجة البيانات المعقدة؛ أي المواد الأولية التي تتطلبها صناعة توأم رقمي للمريض.
تشبه هذه التقنية الخيال العلمي... تتألف «البيانات» التي تستخدمها «بيو سيستكس» لصناعة نماذج كومبيوترية من معلومات مستخرجة من رقائق رقمية تحمل نسخة من خلايا الكبد والكلى المزروعة مختبرياً باستعمال خلايا المريض الجذعية. هذا الأمر ليس بعيداً من الواقع كما يبدو؛ لأن ما تُعرف بأبحاث «كلية على رقاقة» أو «كبد على رقاقة» قائمة حالياً في جامعة بيتسبرغ وغيرها من المراكز الأكاديمية الطبية.
باختصار؛ عمدت «بيو سيستكس» إلى استخدام الفكرة لصناعة توأم رقمي موجه للمرضى للمساعدة في علاجهم بطرائق جديدة بدلاً من عمل ذلك التوأم في منشآت توليد الكهرباء من الرياح، أو مصانع محركات الطائرات.

- علاج «شخصي»
وعدّ الدكتور لانسينغ تايلور، مدير «معهد جامعة بيتسبرغ لاستكشاف الأدوية» والأستاذ المحاضر في «هارفارد» و«معهد كارنيغي ميلون»، أن «هذا هو مكمن الحماس. ستساهم هذه الفكرة أخيراً في تقليص تكلفة العناية الطبية، وتحسين العناية بالمرضى».
يرتكز النموذجُ التجاري لـ«بيو سيستكس»؛ الأداةُ التقنية السادسة من هذا النوع التي يشارك تايلور في تأسيسها، على 10 سنوات من الأبحاث. تأسست «بيو سيستكس» في سبتمبر (أيلول) الماضي، وتضم في طاقم عملها 7 أشخاص، وبدأت اليوم بتلمس نتائج أولى جولات تمويلها.
تعدّ هذه الأداة أحدث محاولات تايلور لاستخدام الذكاء الصناعي في الطب؛ ففي عام 2017، شارك الأخير في تأسيس «سبينتلكس إنك» التي تستخدم التعلم الآلي لتحديد الاعتلالات في عينات الأنسجة ورصد المشكلات التي قد لا تلحظها العين البشرية.
تشكل بيانات «سبينتلكس» جزءاً من المعلومات التي ستنظمها «بيو سيستكس» في مجموعات كبيرة من البيانات لصالح المعاهد البحثية وصانعي الأدوية. تتنوع مصادر البيانات الأخرى؛ وأبرزها نتائج أبحاث «العضو على رقاقة»، وسجلات المرضى الطبية، حتى إنها ستستخدم بيانات تجمعها أجهزة يرتديها المريض لقياس معدل نبض القلب وغيره من الإشارات الحيوية.
وستستخدم «بيو سيستكس» هذه المعلومات لتطوير تجارب محاكاة تتنبأ بتفاعل المريض مع دواء أو علاج معين.
المسألة الأساسية التي دفعت إلى تطوير هذه الأداة: أظهرت الأبحاث أن الأدوية ليست فعالة لدى ما يتراوح بين 40 و70 في المائة من المرضى الذين يستهلكونها على اختلاف أمراضهم، بسبب الفروقات المعقدة في البيولوجيا البشرية الفردية، وبسبب منطلقات «الدواء الملائم للجميع» التي تعتمدها كبرى شركات صناعة الأدوية في تطوير الأدوية.
يختزن توأم المريض الرقمي والنسخة الرقمية من الشخص الحقيقي معلومات فيزيولوجية ومناعية وغيرها من البيانات العيادية التي ستساعد في التنبؤ بتفاعله مع الأدوية، أو في فتح المجال لخيارات أذكى في موضوعات التجارب الدوائية بناء على التركيبة الجينية والتاريخ الطبي لكل شخص.
يبدو علاج السرطان خياراً طبيعياً لتطبيق تقنية «التوأم الرقمي» بحسبان أنها تتيح للأطباء تجربة أنواع عدة من العلاج الكيميائي في النسخة الافتراضية من المريض لتحديد الأفضل له منها قبل وصفها. ولكن خلايا السرطان تملك قدرة ملحوظة على التحور والتكاثر، مما قد يؤدي، بحسب بيتر إيليس، طبيب الأورام المتقاعد ورئيس «جمعية مقاطعة أليني الطبية»، إلى انتفاء جدوى استخدام الأداة.
وعدّ الأخير أن تقنية التوأم الرقمي «على قدرٍ عالٍ من الأهمية»، واصفاً إياها بـ«الأداة التي لا تقدر بثمن في عالم البحث الدوائي». ولكنه لفت إلى أن هذه الأداة «ستعثر على أهداف جديدة للأدوية، ولكنها لن تكون حلاً شاملاً؛ لأن تعقيد النظام الحيوي سيكون التفصيل الصغير الذي سيفسد كمال هذا الإنجاز».
من جهته، وبدل مواجهة العواصف التي ستقابل هذه التقنية، يركز تايلور على اليوم الذي سيصبح فيه الطب المفصل على قياس المريض، المعيار الشائع، خصوصاً أنه سيساهم في تخفيض تكلفة العناية الطبية وتعزيز دقة العلاجات.

- «بيتسبرغ بوست غازيت» - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان
TT

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

حقق الذكاء الاصطناعي تقدماً كبيراً في اكتشاف وتوقع جوانب مختلفة في علاج جذور الأسنان المسماة من قِبل عامة الجمهور بـ«حشوات العصب» Endodontics.

الذكاء الاصطناعي يرصد جذر الأسنان

في مجال الاكتشاف، تم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الآفات والخراجات حول قمة جذور الأسنان، وكسر التاج والجذر، وتحديد طول الجذر، وكشف تشريح الجذور والقنوات. تشمل مهام التنبؤ تقدير الحاجة إلى إعادة العلاج. تُعد الخراجات حول قمة جذور الأسنان، شائعة وتُشكّل تحديات في التشخيص وتخطيط العلاج للأطباء. ويمكن أن يُحسّن التعرف المبكر على هذه الآفات من نتائج العلاج من خلال منع انتشار المرض إلى الأنسجة المحيطة.

إن علاج جذور الأسنان أو حشوات العصب، المعروف أيضاً باسم «علاج العصب»، فرع من فروع طب الأسنان يركز على تشخيص، ومعالجة أمراض لب الأسنان (العصب) والجذور.

يتضمن هذا العلاج إزالة اللب التالف أو المصاب داخل السن (لب السن المحتوي على العصب والشريان والوريد والأوعية اللمفاوية وكثير من الخلايا لكن الكل يسمي اللب بالعصب!)، وتنظيف وتعقيم القنوات الجذرية، ثم حشوها بمواد طبية خاصة لمنع العدوى المستقبلية، وحماية الأسنان من مزيد من التلف.

أهمية علاج جذور الأسنان

- تخفيف الألم: يساعد علاج الجذور في تخفيف الألم الشديد الناتج عن التهابات العصب، إذ قالت العرب: «لا ألم إلا ألم الضرس».

- إنقاذ الأسنان: يمكن أن يمنع العلاج الفقدان الكامل للسن المتضررة، مما يحافظ على الأسنان الطبيعية بدلاً من اللجوء إلى التعويضات الصناعية.

- منع العدوى: العلاج الفوري والعناية الجيدة تمنعان انتشار العدوى إلى الأنسجة المحيطة والعظام، وقد تم تسجيل بعض حالات الوفاة من انتقال الصديد من خراجات الأسنان إلى الدورة الدموية.

وحسب المكتب العربي في منظمة الصحة العالمية فإن هناك أكثر من 130 مليون عربي بالغ يعانون من تسوس أو نخر الأسنان، ونسبة كبيرة منهم ستحتاج إلى حشوات العصب.

الذكاء الاصطناعي يسابق جراحي الأسنان

* رصد الخراجات: أجرى العالم البريطاني أندرياس وزملاؤه دراسة مقارنة ما بين أداء خوارزمية الذكاء الاصطناعي و24 جراح فم ووجه في اكتشاف الخراجات حول قمة جذور الأسنان على الأشعة البانورامية. وخلصت الدراسة إلى أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي القائمة على التعلم العميق تفوقت على بعض الجراحين. وبالمثل، أظهرت دراسة أخرى أن نماذج الشبكات العصبية التلافيفية CNN، (وهي من مكونات الذكاء الاصطناعي المستلهمة من العصب البصري لتحديد الأشكال)، أدت أداءً أفضل من ثلاثة أطباء استشاريي أشعة فم ووجه، في اكتشاف الخراجات حول قمة جذور الأسنان أثناء المحاكاة على الأشعة داخل الفم.

وفي دراسة أخرى نشرت في مجلة «طب الأسنان» البريطانية أخيراً، استخدم العالم أورهان وزملاؤه أكثر من 100 أشعة مقطعية للأسنان لاختبار نظام الذكاء الاصطناعي، وذكروا دقة اكتشاف عالية مقارنة باختصاصي الأشعة.

تشخيص كسور الجذور وأطوالها

* تشخيص كسور الجذور الأفقية والعمودية: وهو مهمة تتطلب الخبرة، ويفشل تقريباً 75 في المائة من الأطباء في تحديدها على الأشعة. تم تطوير نماذج من الذكاء الاصطناعي لاكتشاف كسور الجذور تلقائياً على الصور الشعاعية للأسنان ثنائية وثلاثية الأبعاد.

أظهرت دراسة لفوكودا وزملائه أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة واعدة لتشخيص الكسور الجذرية العمودية على الأشعة البانورامية. وأظهرت دراسة أخرى للدكتور جوهاري من «هارفارد» وزملائه أداءً ممتازاً باستخدام خوارزمية الذكاء الاصطناعي للكشف عن الكسور الجذرية العمودية بدقة 96.6 في المائة.

* تحديد طول الجذر بدقة: خطوة حاسمة لنجاح علاج قناة الجذر أو حشوات العصب، حيث إن 60 في المائة من فشل علاج حشوات العصب بسبب عدم الحساب الدقيق لطول قناة العصب، ما يؤدي إلى قصر أو زيادة الحشوة، ويؤدي بدوره إلى فشل العلاج، وتفاقم الخراج مع خطورة ذلك.

أظهرت الدراسات أن الشبكات العصبية الاصطناعية (وهي من مكونات الذكاء الاصطناعي) يمكن استخدامها لتحديد طول الجذر بدقة. أبلغ الدكتور ساغيري وزملاؤه في بحث منشور أخيراً في مجلة «طب الأسنان» الأميركية أن الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه أداة إضافية لتحديد موقع خروج العصب من قمة جذر الأسنان، وقد أثبت ذلك عدم وجود فروق في قياسات طول الجذر عند مقارنة الذكاء الاصطناعي مع القياسات الفعلية بعد إجراء القياسات الفعلية.

معدلات نجاح عالية

وهكذا فقد أظهرت خوارزميات الذكاء الاصطناعي القائمة على CNN معدلات نجاح عالية في الكشف التلقائي عن الأسنان وتجزئتها على الأشعة ثنائية وثلاثية الأبعاد.

ويتمتع الذكاء الاصطناعي بمستوى عالٍ، مقارنة بالمراقبين البشريين، ولكن مع أوقات معالجة أسرع بكثير. وبما أن تحديد تشريح الجذور والقنوات هو أمر ضروري لنجاح علاج قناة الجذر، فإن لدى تطبيقات الذكاء الاصطناعي القدرة على المساهمة في هذه المهام.

*رئيس جمعية الذكاء الاصطناعي بطب الأسنان في الشرق الأوسط.

حقائق

130 مليون عربي بالغ يعانون من تسوس أو نخر الأسنان ونسبة كبيرة منهم ستحتاج إلى حشوات العصب