«الدواعش الأفغان»... قلق من حرب جديدة في الطريق عنوانها التطرف

اتجاه نحو مرحلة جديدة مفتوحة على المجهول

«الدواعش الأفغان»... قلق من حرب جديدة في الطريق عنوانها التطرف
TT

«الدواعش الأفغان»... قلق من حرب جديدة في الطريق عنوانها التطرف

«الدواعش الأفغان»... قلق من حرب جديدة في الطريق عنوانها التطرف

ترى حركة طالبان في «داعش» عدوا تقليديا لها في أفغانستان، وأنه يستهدف مصالحها ويتمدد على حسابها.. وبالتالي، قد تتحالف في هذا الأمر مع الحكومة الأفغانية لمحاربة عدو مشترك. ولقد تعزز هذا التوجه عندما طالب علماء أفغانستان، خلال اجتماع موسع، طالبان بالوقوف إلى جانب الجيش الأفغاني في حربه ضد «داعش»، واصفين التنظيم بأنه خطر يهدد أمن البلاد والمنطقة، ويدخل البلاد في أتون حرب جديدة هي في غنى عنها.
«أسسوا لنا أكثر من ثمانية أحزاب أطلقوا عليها (أحزاب المجاهدين) في ثمانينات القرن الماضي عندما هاجم (الجيش الأحمر) السوفياتي أفغانستان في نهاية السبعينات، وقدموا لها كل أنواع السلاح الفتاكة. ثم أنشأوا حركة مجهولة أطلقوا عليها اسم حركة طالبان للقضاء على أحزاب (المجاهدين) الذين تناحروا في ما بينهم وقتلوا عشرات الآلاف من المدنيين. ولكن، بعدما حكمت طالبان البلاد بالحديد والنار لمدة ست سنوات، وقعت فاجعة 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. وكان هذا المفصل ذريعة وتبريرا للتدخل الأجنبي في البلاد بغطاء أممي وبوعود فضفاضة».. هذا ما يقوله ملك جان، سائق التاكسي في العاصمة الأفغانية كابل، عن حال السياسة الأفغانية خلال العقود الأخيرة، قبل أن يستطرد: «يومذاك قالوا إنهم سيغيرون واقع الأفغان، وستدخل البلاد مرحلة جديدة من البناء والديمقراطية، وتنفتح على العالم وينفتح العالم عليها. واليوم، بعد 14 سنة من الحضور العسكري الأجنبي والمؤسسات الأممية، يقال للأفغان بأن ظاهرة جديدة في الطريق... ويخوفوننا من المصير المجهول في حال انتشرت هذه الظاهرة التي يطلقون عليها اسم (داعش)..».
ملك جان، الذي عاصر عدة حروب بين «المجاهدين الأفغان»، حسب وصفه، يحمّل المسؤولية عن كل ما حدث في بلاده من حروب ودمار وخراب منذ أربعين سنة، ولا تزال تداعياتها الكارثية تتوالى في جميع المجالات، للولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية ودول الجوار التي يقول إنها «لا تريد الخير والمصلحة لأفغانستان». ثم يتابع بحسرة أن البلاد تفتقر إلى زعامة سياسية واعية تستطيع توحيد كلمة الأفغان، الذين شتتتهم المصالح الإثنية والطائفية الضيقة. ويضيف أنه يتوقع أن تتجه البلاد نحو مزيد من الانهيار السياسي والأمني والمعيشي في حال استمر تمزق كلمة مواطنيها، وباتوا منقسمين على أنفسهم.
سائق التاكسي، أو الشاهد العيان على المآسي الأفغانية، يقول: «الدول لها أطماع ومصالح في أفغانستان، ولن تترك أوضاعنا تستقر»، وهو الآن يتحدث عما يصفه بمؤامرة خطيرة، وعن طبخة جديدة تطبخ لأفغانستان، بعدما سمع الأنباء التي تتحدث عن انتشار ظاهرة مقاتلي «داعش» في بعض المناطق الأفغانية، خصوصا في مناطق الشمال الأفغاني القريبة من حدود دول آسيا الوسطى (السوفياتية سابقا). وهو ينظر إلى الأوضاع من زاوية أن كل ما يجري في هذا البلد معد مسبقا، وأن أجهزة الاستخبارات الأجنبية هي التي تقف وراء كل هذه التوترات.
في هذه الأثناء، قال الجنرال الأميركي جون كامبل، قائد القوات الدولية في أفغانستان، في تصريح له مع بعض القيادات النسائية الأفغانية، إن تنظيم داعش يقوم حاليا بتجنيد مقاتلين أفغان ضمن صفوفه في بعض مناطق البلاد، واعتبر كامبل هذا الأمر تطورا مقلقا بالنسبة للملف الأمني. وعلى أثر هذا التصريح وتصريحات مماثلة من المسؤولين الأمنيين حول احتمال ظهور «داعش» في أفغانستان انقسم الشارع المحلي على نفسه، وكالعادة إلى أكثر من رأي بالنسبة لما يحدث لبلادهم.
فالبعض يرى أن أفغانستان متجهة إلى مرحلة جديدة من الصراعات الدموية على غرار ما جرى في تسعينات القرن الماضي عندما خاضت ما أطلقوا عليها «أحزاب المجاهدين» حربا أهلية استمرت أربع سنوات أتت على الأخضر واليابس، إلى أن ظهرت على الساحة حركة طالبان المتشددة فقضت على الجميع ولكن من دون أن يستتب الأمن والسلام في البلاد.
لكن هناك فئة ثانية ترى أن هناك مخططا دوليا يجري الإعداد له من قبل الدول الغربية والولايات المتحدة، هدفه جرّ روسيا الاتحادية إلى «حرب استنزاف» مع مقاتلين متشددين ينتمون إلى دول آسيا الوسطى انطلاقا من أفغانستان. وكان الرئيس الأفغاني السابق حميد كرزاي قد قال في آخر ولايته إن «هليكوبترات أجنبية (في إشارة منه إلى هليكوبترات قوات التحالف الدولي المساندة لحكومته) تقوم بنقل مقاتلين مجهولين إلى ولايات الشمال الأفغاني المتاخمة لحدود دول آسيا الوسطى». غير أن هذا الاتهام ووجه بنفي قاطع من القوات الدولية في حينه، ولكن بما أن اليقين بـ«نظرية المؤامرة» راسخ في أذهان عامة الأفغان فإن الغالبية مقتنعة بأن أفغانستان ستكون ميدانا لحرب جديدة بالوكالة تخطط لها وتنفذها أجهزة الاستخبارات الأجنبية ولكن بأدوات أفغانية.
وأخيرا، ثمة فئة ثالثة من الأفغان تعتقد أن ظاهرة «داعش» لا مكان لها في المجتمع الأفغاني المحافظ، وأن هذا الشعب لن يسمح لهذه الحركة بالتمدد إلى أراضيه، بل سيقف في وجه انتشار هذه الظاهرة مهما كلفه ذلك من أثمان. ويرجح أصحاب هذا الرأي اقتناعهم المتفائل هذا إلى كون أفغانستان دولة قبلية محافظة تحكمها العادات والتقاليد القبلية، بصبغة محلية خاصة بأفغانستان وحدها. وفي المقابل، فإن «داعش» ظاهرة دولية عالمية لا مكان لها في المجتمع الأفغاني. أضف إلى ذلك أن حركة طالبان المتشددة التي تتبع «المدرسة الديوبندية» في معتقداتها لن تقبل بتمدد التنظيم إلى أفغانستان، بل ستكون أول من يقف حجر عثرة في وجه تمدده في حال ظهر وحاول التمدد.
عبد الحسيب زازي، وهو كاتب صحافي أفغاني متابع للحركات المتطرفة، يؤمن بأن «داعش» سيواجه مشاكل كثيرة في حال فكر في التمدد داخل الأراضي الأفغانية وبأن «أول عقبة سيواجهها هي حركة طالبان التي سترى فيه عدوا تقليديا لها في أفغانستان، وأنه يستهدف مصالحه، وإن تمدد فسيكون تمدده على حسابها». وبالتالي، وفق زازي «فإن طالبان ستحث مقاتليها على مقاتلة (داعش)، وقد تتحالف في هذا الأمر مع الحكومة الأفغانية لمحاربة عدو مشترك بينهما في المستقبل». وفي إشارة إلى التجارب السابقة ومنها حضور تنظيم القاعدة في أفغانستان أيام طالبان، تابع «يتجلى بوضوح أن الأفغان يرفضون الحضور الأجنبي حتى لو كان ذلك تحت غطاء إسلامي».
من جهة ثانية، يرى عبد المجيد مجيد، وهو خبير أفغاني في الشؤون الاستراتيجية، أنه ليس بمقدور أفغانستان أن تكون بمنأى عن اللعبة الدولية الكبرى التي تجري وتمثّل فصولها تباعا في منطقة الشرق الأوسط بعد ظهور «داعش». ويتابع أن «أفغانستان أرض خصبة بالمقاتلين الشرسين، والتنظيم المتطرف سيفكر مليا في التمدد إلى هذا البلد للاستفادة من تجارب المقاتلين الأفغان في حروب الشوارع وحروب العصابات. (داعش) بحاجة إلى هذا النوع من المقاتلين في حروبه ضد الأنظمة في كثير من الدول».
وكانت التقارير الأمنية المستقلة التي أكد صحتها المسؤولون الأفغان، ولو بكثير من التحفظ، أفادت بأن بعض المقاتلين من حركة طالبان غير الراضين عن قيادة الملا عمر، زعيم طالبان، بسبب اختفائه لأكثر من عشر سنوات، أخذوا يغيرون ولاءاتهم وبدأوا ينضمون إلى صفوف «داعش» داخل أفغانستان، لأن التنظيم يدفع أموالا أكثر مما تدفعه قيادة طالبان. ثم إن الحديث عن عملية المصالحة مع الحكومة الأفغانية، وبحضور عسكري أجنبي، أزعج كثرة من قادة طالبان من الصف الثاني والثالث، فعبروا عن انزعاجهم بإعلانهم الولاء لـ«داعش».
ولقد شكلت معركتا ولاية قندوز وولاية بدخشان، وإن كانتا قصيرتين، باكورة النشاط الفعلي والرسمي التابع لفرع «داعش» في أفغانستان، إذ أشارت التقارير إلى أن نحو خمسة آلاف مقاتل من «داعش» غالبيتهم من جنسيات طاجيكية وأوزبكية، وكذلك من مسلمي تركستان الشرقية (الأويغور) التابعة للصين ومسلمي جمهورية الشيشان، بالإضافة إلى مقاتلين من طالبان، شنوا أكبر وأعنف هجوم لهم على نقاط حكومية ومقرات تابعة للجيش الأفغاني في هاتين المنطقتين القريبتين من الحدود الروسية. وبعد أسابيع من المواجهات الشرسة التي خاضها الجيش الأفغاني بدعم مباشر من قادة من يسمونهم «المجاهدين السابقين»، استطاع الجيش والقوات المتحالفة إلحاق الهزيمة بمقاتلي «داعش» وطالبان في تلك المناطق، لكن هذا لا يعني مطلقا أن «داعش» والفريق المؤيد له في طالبان لن يعيدا الكرّة من جديد.
إلى جانب ما تقدّم، فإن الأخبار ترد عن حرب شرسة تستعر بين مقاتلين أفغان انضموا إلى صفوف «داعش» ومقاتلين ينتمون إلى حركة طالبان في كل من ولاية ننغرهار، بشرق أفغانستان، وثمة أنباء عن مقتل العشرات من الطرفين خلال أسابيع من الصراع على النفوذ في بعض المديريات التابعة للولاية. وفي ولاية فراه الواقعة في شمال البلاد تفيد الأنباء بوجود معارك متقطعة بين مقاتلين ينتمون لـ«داعش» وآخرين من مسلحي طالبان. وفي العاصمة كابل طالب عدد من علماء أفغانستان، في اجتماع موسّع حضره علماء من مختلف المناطق الأفغانية، حركة طالبان بالوقوف إلى جانب الجيش الأفغاني في حربه ضد ظاهرة «داعش» في البلاد، واصفين التنظيم بأنه خطر يهدد أمن البلد والمنطقة ويدخل البلاد في أتون حرب جديدة هي في غنى عنها.
حركة طالبان لم تعلن موقفها بعد من الأخبار التي تتحدث عن معاركها مع مقاتلي «داعش»، لكنها صرحت بوضوح قبل أشهر، وعلى لسان المتحدث باسمها قاري يوسف أحمدي، بأن لا مكان لـ«داعش» في أفغانستان، وأن طالبان ستقف في وجه كل من يعبث بأمن المناطق التي تخضع لسيطرتها، مما يعني أنها لن تسمح بتمدد «داعش» إلى داخل الأراضي الأفغانية.
هذه الأجواء تسيطر على أفغانستان، بينما يتصاعد القلق إقليميا في دول عدة.
وفي هذا السياق، أظهرت إيران، القلقة من تعرّض حدودها المشتركة مع أفغانستان لاختراق مقاتلي «داعش»، مرونة في مواقفها السياسية من طالبان. إذ استقبلت طهران في الفترة الأخيرة وفدا طالبانيا زائرا التقى خلال زيارته بمسؤولين إيرانيين، وتركزت المباحثات حول قضية «داعش» واحتمال ظهوره في أفغانستان، والتأكيد على المصالح المشتركة في وجه الخطر الجديد. كذلك فإن وزير الداخلية الروسي أجرى زيارة سريعة إلى كابل بعد الأنباء عن تمدد «داعش» إلى شمال أفغانستان، والتقى خلالها بالرئيس الأفغاني ومسؤولين أمنيين، وأعربت روسيا عن رغبتها في تسليح ودعم قادة الميليشيا التابعة لأمراء الحرب في شمال أفغانستان في قتالهم ضد مقاتلي «داعش». الخلاصة أن تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان، وفشل القوات الدولية والحكومية على حد سواء في فرض استقرار الأوضاع وإلحاق الهزيمة بطالبان، رغم وجودها في البلاد لأكثر من 13 سنة، يفتحان المجال أمام «داعش» وجماعات متشددة أخرى للتمدد والانتشار، لا سيما في المناطق الجبلية الوعرة والنائية. ومن ثم قد تنتقل منها إلى مناطق أخرى.
الحكومة الأفغانية تقول إن ظاهرة «داعش» مشكلة عالمية وعلى جميع الدول أن تنظم مساعيها لمحاربة هذه الظاهرة التي تسيء إلى العالم الإسلامي وتشوه سمعة المسلمين في كل مكان. كذلك تقول الحكومة إنها بمفردها، وبإمكاناتها المتواضعة، عاجزة عن القضاء على المقاتلين الذين يعلنون الولاء لـ«داعش» داخل البلاد، وبالتالي فهي بحاجة إلى مساعدات دولية للقضاء على التنظيم المتطرف في حال أطلق عملياته القتالية في أفغانستان.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».