من القديح إلى العنود.. رسائل «داعش» الجديدة

العنف الفوضوي يتوسل الطائفية لأهداف سياسية إقليمية.. وولي العهد السعودي للمزايدين: الدولة تبقى دولة

أحد المسارات التي يعمل تنظيم داعش عليها هو تحويل المقاتلين العرب إلى بلدانهم بهدف خلق مناطق فوضى
أحد المسارات التي يعمل تنظيم داعش عليها هو تحويل المقاتلين العرب إلى بلدانهم بهدف خلق مناطق فوضى
TT

من القديح إلى العنود.. رسائل «داعش» الجديدة

أحد المسارات التي يعمل تنظيم داعش عليها هو تحويل المقاتلين العرب إلى بلدانهم بهدف خلق مناطق فوضى
أحد المسارات التي يعمل تنظيم داعش عليها هو تحويل المقاتلين العرب إلى بلدانهم بهدف خلق مناطق فوضى

بملامح صلبة يكسوها تقدير الموقف، وهدوء حازم أنصت الأمير محمد بن نايف ولي العهد السعودي وزير الداخلية، و«عدو الإرهاب الأول»، إلى أحد المتضررين من جريمة القديح الآثمة وهو يتحدث بانفعال عن مأساته. لم يقاطعه رغم حدة كلماته، بل قال له مقدّرًا انفعاله.. لكن يجب أن يفهم الجميع أن «الدولة ستبقى دولة».
هذه الكلمات وجدت صداها في المجالس العامة في السعودية التي اشتعل فيها الجدل والنقاش مجدّدًا حول الطائفية التي تطل بوجهها ليس عبر شاشات التلفزة أو في كتب الردود التراشق المتبادل، بل بلون الدم هذه المرّة وعبر استهداف أماكن للعبادة. هذا تحول نوعي في العقل الإرهابي على أكثر من مستوى، وهو وإن دلّ على وحشية تنظيم «داعش» وعبثيته وعدم تقديره أي من المسلمات الدينية إلا أنه دليل فشل كبير. إن حظهم هذه المرة من المملكة واستقرارها وأمنها كان استهداف المساجد بعدما حيل بينهم وبين أي عمليات نوعية على مستوى استهداف مواقع مهمة. خطة «داعش» في تهشيم مقدرات المنطقة عبر استهداف هيكلية الدولة.. وليس خوض «حرب ضد الصليبيين وأتباعهم» كما كانت «القاعدة» وأخواتها تزعم.
الانزلاق في أوحال التحليل الطائفي والتجاذب المذهبي هو تحقيق لأهداف «داعش»، وما نراه الآن من محاولة الدوران في فلك التحليل الطائفي لن يقدم في فهم النزعة الجديدة لتنظيم داعش الذي يعمل على ثلاث مسارات رئيسية:
المسار الأول، هو جلب مقاتلين أجانب غير عرب لأسباب تتعلق بسهولة تجنيدهم واستخدام أوراقهم الثبوتية وتنقلهم، إضافة إلى أن دخولهم الإسلام أو حتى عودتهم للدين كمحرّك رئيسي لم يكن عبر مصادر تلقي غير الخلايا النائمة في أوروبا، ومن هنا ليسوا بحاجة إلى إقناعهم بالخطاب الداعشي الذي بات مستقلاً على مستوى القراءة أو الممارسة أو حتى التصدير. ومن هنا، فإن إرجاع خطاب «داعش» لتصوّر ديني متشدد أو مدرسة فقهية أو عقائدية، ضرب من التسطيح لظاهرة معقدة تداخل فيها الديني والنفسي والهويّاتي.
المسار الثاني، الذي يعد توجهًا جديدًا لـ«داعش»، هو الاهتمام بالكوادر في الخليج وحضها على عدم «النفير» إلى أرض الشام، بل بتكوين خلايا مستوفزة قادرة على القيام بأعمال انتحارية، وهو أمر عادة ما يرفضه المقاتلون الأوروبيون والأكراد والقوقاز. ثم إن عدم انسجام المجموعات العربية والخليجية في بيئة «داعش»، كما كان الحال في معسكرات «القاعدة»، خلق هذا المسار الجديد بهدف خلق أكبر مناطق فوضى في الدول المستقرة، وإشغالها بحماية الداخل عن محاربة «داعش» في عقر دارها. ومن هنا، يمكن قراءة نشاط «داعش» في مصر والخليج وليبيا، بل ومحاولة إيجاد نسخة جديدة متكاملة في المغرب العربي.. الأقرب لأوروبا وأكثر المناطق شعبية لفكرة «السلفية الجهادية» الذراع الفكري لـ«داعش».
المسار الثالث، استخباراتي - أمني - عسكري، وغالبًا ما ينوء بحمله قيادات عسكرية قادمة من منظومة أخرى كالبعث أو بعض الأحزاب اليسارية الراديكالية التي أعجب قادتها أو ركبوا موجة الإعجاب بـ«داعش» وقدرته على الأرض. وربما كان انضمام قائد «القوات الخاصة» في الشرطة الطاجيكية، الذي تلقى تدريبه في الولايات المتحدة، إلى التنظيم المتطرف ثالثة الأثافي فيما يخص تحول العقل الإرهابي من حدود التصورات الدينية المتشددة إلى رؤية معولمة للعنف وقدرته على تغيير الأوضاع السياسية. ولا شك في أن رسم سياسات هذا المسار يتم مع دول عريقة في الجريمة السياسية كنظام طهران أو حتى نظام الأسد الذي يدين لـ«داعش» ببقائه حتى الآن. ومن هنا، فإن معظم كوادر التنظيم التنفيذية من المقاتلين والشرعيين لا علاقة لهم بهذا المسار، بل جرى تفريغهم تقريبًا للنشاط الفقهي والقضائي داخل حدود «دولة البغدادي» المزعومة، في حين أصبح دور المتعاطفين مع «داعش» خارج مناطق التوتر إلى ضخ الدعاية والتأليب ومقارعة الخصوم، بل وإقناع الفرقاء والمترددين من حشود الإسلام السياسي المستقيل بأن «داعش» هي المستقبل.. إذا ما أرادوا تغيير الأوضاع في المنطقة.
ولدى العودة إلى بيان وزارة الداخلية السعودية حول الحادثة يمكننا استنتاج ارتباط صالح القشعمي (مفجّر القديح) بـ«داعش» عبر المسار الأول الذي تحدثنا عنه وهو تحويل المقاتلين العرب إلى بلدانهم بهدف خلق مناطق فوضى، فهو كان مرتبطًا بحسب البيان بـ26 كادرًا داعشيًا، وكان خمسة منهم قد تورّطوا بقتل أحد أفراد أمن المنشآت في العاصمة الرياض، بل وأشعلوا النار في جسده. وبحسب ما تم الكشف عنه من أسلحة خفيفة (رشاشان و9 مسدسات ومواد متفجرة في مزرعة) لا تعبر إلا عن إرادة الفوضى كهدف وليس لتحقيق ما هو أبعد من ذلك. ولمعرفة حجم وخطورة «الإرهاب - الفوضى» يمكنك تخيّل ما يمكن أن يعمله شباب معزول في استراحة مع هذه المواد المتفجرة التي أصدر التنظيم عدة كتب ومقاطع فيديو لطرق استخدامها من الصفر.
بقية الخلية، كما قال البيان، توزّعت أدوارهم على جمع الأموال وتجنيد الشباب، وهنا مسألة في غاية الأهمية أبعد من كل المهاترات الطائفية، وهي ما الذي يجعل الشاب العشريني فريسة سهلة لخطاب «داعش»؟
سؤال كهذا بحاجة إلى مراكز أبحاث ودراسات تجمع تخصّصات كثيرة لفهم هذه الحالة المتكرّرة، إلا أن انتشار خطاب «داعش» في منصات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، وقدرة التنظيم على تقديم هذه الوحشية المجانية بقالب دعائي تسويقي يستهدف - كما يقول الخبراء النفسيون في علم الجريمة - «سلّم القيم» لدى الشاب، وهو سلّم يتغير في هذه المرحلة، فتعلو فيه قيم الرجولة والقوة والفتوة وحب الظهور على قيم أخرى كالتسامح والمشاركة.
ومن هنا، فإن كل الدلائل والمؤشرات تؤكد على أن أجيال ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) (2001) تعاني من فراغ قيمي كبير، عادة ما يتم ملؤه بخطابات عنيفة سواء كانت في شكل إرهاب وتشدد ديني، أو حتى ردود فعل اجتماعية غاضبة تبدأ بـ«التفحيط» وشيوع ممارسات «العنف الاجتماعي» اللفظية والعملية، دون أن نلحظ برامج مستدامة لتعبئة هذا الفراغ. وكان آخر المعاقل الآمنة؛ أي الرياضة، قد بلغ فيه مؤشر العنف الاجتماعي مستوى جديدًا، وهو ما يجب ألا نغفل عنه ونحن نقرأ سلوك هذه الفئة العمرية.
إن رسائل «داعش» تسعى إلى إعادة تجريف الصراع الإقليمي لتكون طرفًا فاعلاً فيه عبر إشعال جبهات داخلية يعتقد قادة التنظيم أن ذلك سيساهم في تركهم يتوسّعون في «دولتهم» المزعومة. أضف إلى ذلك تدفق موجات المقاتلين من كل مكان، لا سيما من الدول الإسلامية غير العربية، ليشكلوا وقودًا آيديولوجيًا للتنظيم بسبب الأوضاع المعيشية في بلدانهم الأصلية، ثم ما تقدمه «داعش» من معونات وبرامج إيواء وإعالة (هناك حديث عن هجرة 30 طبيب امتياز من السودان و700 مهندس من دول شرق آسيا).
وعلى المستوى الداخلي، يهدف التنظيم إلى إشغال المجتمع بملف الطائفية على خلفية أن منسوب الطائفية في المنطقة في أعلى مستوياته إلى الحد الذي حدا ببعض المجموعات الإسلامية إلى رفض «داعش» في الداخل مقابل تبرير سلوكه في الخارج. وهذا، بعدما أطلقت إيران ميليشياتها الشيعية المسلحة، وبشعارات دينية صارخة؛ الأمر الذي قرأه قادة «داعش» بذكاء في محاولة تأجيج الملف الطائفي وخلق أداة جديدة للفوضى. ثم إن «داعش» يدرك أن تصريحات قادة طهران وحسن نصر الله والحوثيين حول أي جريمة طائفية من شأنها خلق ردود أفعال مضادّة باعتبار أن خطاب الدولة والمجتمع بكل أطيافه يرفض تدخلات سيادية من هذا النوع.
«داعش» يريد أن ينفرد بـ«دولته» دون حتى مشاركة المجموعات العنفية المنافسة كـ«القاعدة» بفروعها، والمجموعات المحاربة لنظام الأسد كـ«النصرة» وفروعها، وكل منافسي «داعش» من أمثال هؤلاء، يفقدون أسهمهم في سوق الفوضى متى ما نجح «داعش» في تحقيق أهداف أو عمليات أو ضم مناطق جديدة. وحقًا، كانت هناك إشارات في خطابات البغدادي وحتى في «تويتر» من قبل أتباعه إلى أنهم يستهدفون الشيعة في ردودهم على من يتهمهم بخدمة أهداف إيران في المنطقة. وفي خطبة لأنصاره في السعودية، دعا البغدادي منذ ستة أشهر في تسجيل منسوب إليه إلى شن هجمات ضد أهداف شيعية من قبل العائدين من مناطق سيطرة «داعش»، وأغلبهم ممن لم يستطع التأقلم أو لم تنط به أدوار قيادية، وجزء كبير منهم من المتحوّلين من «القاعدة» الذين لا يرون في وحشية «داعش» انضباط المجموعات الجهادية الأخرى التي انضموا إليها.
ورغم موجات الهلع والدهشة من دناءة العمليتين، في القديح ومسجد العنود، ما حدا بمحاولة عدد من العلماء والمشايخ من الطرفين إلى تبادل العزاء ونبذ الطائفية في صور انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، فإن ملف الطائفية سريع الاشتعال، ومن ثم فهو بحاجة إلى تشريعات صارمة تخرجه من سياقه الصدامي إلى حدود المواطنة كمفهوم مطرد يشمل كل السعوديين. ثم إن الدعوات النشاز بإنشاء جماعات مسلحة مشابهة لـ«الحشد الشعبي» يجب أن تحظى برفض عقلاء الشيعة قبل غيرهم، فهم كما قال ولي العهد السعودي الذي استهدفه الإرهاب في شخصه «أي شخص يحاول لعب دور الدولة سوف يحاسب كائنًا من كان.. لنكن يدًا واحدة مع الدولة».



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.