أمنية ذوّاقة الطعام قد تكون اجتماع أطباق بلاد الشام في مطعم واحد، فيكتشفون من خلالها نكهات هذا المطبخ الغني. فمن النادر أن تجتمع في عنوان واحد، يقدم لزبائنه متعة اكتشاف وتذوق مروحة كبيرة من هذا الموروث الغذائي المشهور في المنطقة.
فأنواع الطعام المعروفة في لبنان والأردن وفلسطين وسوريا قد تشبه بعضها بالمجمل، ولكنها تتميز من ناحية ثانية بطريقة تحضيرها وبطبيعة مكوناتها. وأن تزور مطابخ هذه البلدان في جلسة واحدة، لهو أمر يطبع ذاكرتك من دون شك، وبالتالي يترك أثره على حواسك الخمس.
- العمارة العريقة تميز مطعم «فخر الدين»
هذه التجربة الغنية يتفرد بها مطعم «فخر الدين» في العاصمة الأردنية عمّان. وما يزيدها أهمية هو الموقع الذي يحتضنه، لأنه عبارة عن منزل عريق بني في أواخر الثلاثينات وشيده يومها أول رئيس وزراء في الأردن فوزي الملقي.
تعاقب على سكن هذا المنزل الفسيح الذي تحيط به الحدائق والشرفات، عدد من الشخصيات الأردنية المعروفة. في عام 1997 اشترت هذا العقار عائلة فخر الدين وأجرت عليه بعض التعديلات مع المهندس المعماري عمار خماس. تمسكت العائلة بالحفاظ على هوية المنزل التراثية وطابعها الأردني. بعدها تم تحويل البيت إلى مطعم يقدم الأطباق من بلاد الشام وفي مقدمها اللبنانية.
من بوابة سوداء مصنوعة من الحديد المطاوع، تدخل المطعم متسلقاً سلالمه الحجرية لتدخل إلى بهو واسع تتفرع منه أقسام المطعم من داخلية وخارجية. تستوقفك جلسات موزعة على غرفه المفتوحة على بعضها، وأخرى على شرفته الرئيسية وفي حدائقه المحيطة.
- المشوار يبدأ بلقمة
لا يمكنك أن تتناول طعامك في مطعم «فخر الدين» الواقع على بعد بضعة أمتار من الدوار الأول في عمان، من دون حجز مسبق. فهو عنوان شهير في العاصمة الأردنية يرتاده أهل المدينة كما السياح الأجانب ورجال الأعمال.
ما أن تأخذ مكانك على مائدة مزينة بصحن الخضار الطازجة، حتى تلمس مستوى الخدمة الرفيعة. من موزع الخبز الساخن إلى مدير المطعم والمشرف على تأمين طلباتك، يعملون جميعهم، كخلية نحل بحيث لا ينقصك أي شيء.
لائحة طعام طويلة تتألف من أطباق باردة وساخنة ورئيسية، إضافة إلى الحلويات، يستغرقك وقت لإحصائها. ضرورة اختيارك بعضاً منها يوقعك في حيرة، خصوصاً أنك أمام أكثر من 100 صنف.
أول ما يحضر أمامك على المائدة الخبز العربي الطازج بأحجامه الصغيرة والمحمرة. من هنا يبدأ المشوار بلقمة وتكرّ السبحة، لتكتشف مذاق الفتوش بتتبيلة الخل أو دبس الرمان، والتبولة بالبقدونس البلدي المقطوف من حديقة المطعم. وعلى قسم السلطات تدخل تلك الأرمنية المميزة بالتوابل والفلفل الحار. لماذا المطبخ الأرمني موجود هنا؟ لأن الشعب الأرمني ترك بصمته هو أيضاً، على أطباق بلاد الشام بعد أن هاجر من بلاده واستقر هنا.
- أطباق خاصة بـ«فخر الدين»
صحيح أنك تجد في مطعم «فخر الدين» أطباقاً من لبنان كالحمص بالطحينة والكبة النية وجبن الشنكليش مع زيت الزيتون واللبنة مع الثوم أو الجوز وغيرها من المقبلات، لكن تطالعك أخرى يختص المطعم في تقديمها، من بينها «تقلاية البندورة» الأردنية وقالب الباذنجان المشوي مع جبن الحلوم، وكذلك مقبلات من حلب وسوريا كالزيتون والمكدوس والمحمرة بالقرشلي والمكسرات. وبين أطباق المقبلات الساخنة كالسجق والنقانق، تلفتك كرة الدجاج المحشية بالفستق، التي عندما تقطعها بالسكين تخرج حشوتها اللذيذة منها. فهي من اختصاص هذا المطعم الذي يحاول أن يرضي زبائنه على مختلف مشاربهم وأطيافهم.
وللبطاطا ركنها في المطعم إذ تقدم بطبق «مفركة بطاطا» مع البيض أو اللحم على الطريقة الفلسطينية، والبطاطا الحرة أو بالكزبرة على الطريقة اللبنانية. أما طبق «بطاطا فخر الدين» فهو يتألف من شرحات مشوية متبلة مع الثوم المهروس ورشة نعناع من وحي الموروث الأردني.
- أطباق تفتح الشهية والحلو العربي خاتمتها
تطول لائحة الطعام في مطعم «فخر الدين» لتشمل أطباقاً يشتهر بها كـ«كباب فخر الدين» و«فطيرة شاورما باللحمة» و«سلطة الباذنجان مع الأفوكادو» مع الجبن البلغاري وكبدة الدجاج على طريقة الشيف. وتشمل أيضاً أنواعاً من الكبة المحضرة على الطريقة اللبنانية والحلبية والفلسطينية. أما أطباق الكباب على اختلافها من أورفللي ومشوية على الفحم و«عنتبلي» و«كباب خشخاش» وغيرها، فتقدم حسب تقاليد كل منطقة من بلاد الشام. ومع أطباق الدجاج «شيش طاووق مطفّى مع الفطر» و«زغاليل الحمام» المشوية و«مشاوي مشكلة» من أصناف اللحوم، تنتهي رحلتك مع أطباق الطعام لتبدأ بأخرى من نوع الحلويات.
يعتبر زبائن مطعم «فخر الدين» المرحلة الأخيرة من تناولهم الطعام والمرتكزة على الحلويات هي الأفضل لاختتام مشوار غذائي مختلف.
وتتألف لائحة الحلويات من طبق «ليالي لبنان» المصنوع من المهلبية والقشدة وشرائح الموز المغطسة بالعسل، وكذلك أطباق «العثملية» و«حلاوة الجبن» وغيرها لتصل إلى طبق حلوى «بوظة فخر الدين». هذا الطبق يتألف من بوظة عربية مع فستق حلبي والقشدة والعسل، فيكون مسك الختام لمائدة غنية ومنوعة تندرج على قائمتها كل ما يمكن أن يخطر على البال من أطباق مالحة وحلوة.