بعد 60 عاماً من الاستقلال... جراح الجزائريين لم تندمل بعد

صورة أرشيفية تعود لسنة 1936 تؤرخ لاحتفالات المواطنين وسط العاصمة بإعلان الاستقلال عن فرنسا (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية تعود لسنة 1936 تؤرخ لاحتفالات المواطنين وسط العاصمة بإعلان الاستقلال عن فرنسا (أ.ف.ب)
TT

بعد 60 عاماً من الاستقلال... جراح الجزائريين لم تندمل بعد

صورة أرشيفية تعود لسنة 1936 تؤرخ لاحتفالات المواطنين وسط العاصمة بإعلان الاستقلال عن فرنسا (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية تعود لسنة 1936 تؤرخ لاحتفالات المواطنين وسط العاصمة بإعلان الاستقلال عن فرنسا (أ.ف.ب)

تحتفل الجزائر، بعد غد (الثلاثاء)، بالذكرى الستين لاستقلالها، بعد 132 عاماً من الاستعمار الفرنسي الذي ما زالت ذكراه توتّر العلاقات مع باريس، على الرغم من بعض المبادرات الرمزية التي تقوم بها فرنسا من حين لآخر.
ففي 18 مارس (آذار) 1962، وبعد نحو ثماني سنوات من الحرب بين الثوار الجزائريين والجيش الفرنسي، توقف القتال بعد توقيع اتفاقيات «إيفيان» التاريخية، التي مهّدت الطريق لإعلان استقلال الجزائر في الخامس من يوليو (تموز) من العام نفسه. ووافق الجزائريون قبل أيام قليلة من الإعلان في استفتاء لتقرير المصير على الاستقلال بنسبة 99.72 في المائة.
ومع اقتراب حلول الذكرى الستين للاستقلال، بدأت السلطات الجزائرية تستعد لاحتفالات ضخمة، أبرزها استعراض عسكري كبير في العاصمة، هو الأول منذ 33 عاماً. وبحسب برنامج الاحتفالات، الذي كشف عنه وزير المجاهدين (المقاتلون القدامى)، العيد ربيقة، سيكون هناك عرض فني ضخم غداً (الاثنين) في قاعة أوبرا الجزائر، «يسرد تاريخ الجزائر العريق من مرحلة ما قبل التاريخ حتى الاستقلال». وفي دلالة على أهمية المناسبة، تم تصميم شعار خاص يظهر منذ أسابيع على جميع القنوات التلفزيونية، وهو عبارة عن دائرة مزينة بستين نجمة، وفي وسطها عبارة «تاريخ مجيد وعهد جديد».
وانتزعت الجزائر الاستقلال بعد سبع سنوات ونصف السنة من حرب دامية، خلّفت مئات الآلاف من القتلى، ما جعلها المستعمرة الفرنسية السابقة الوحيدة في أفريقيا في سنوات 1960 التي تحرّرت بالسلاح من فرنسا. لكن بعد 60 عاماً من نهاية الاستعمار، لم تندمل الجراح في الجزائر بعد، رغم سعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تهدئة الذاكرة بسلسلة من المبادرات الرمزية، التي لم تصل إلى حدّ تقديم «الاعتذار»، وهو ما دفع المؤرخ عمار محند عمر إلى التساؤل قائلاً: «ألم يحن الوقت لتجريد التاريخ من العواطف بعد ستين عاماً من الاستقلال؟».
ومنذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدا أن العلاقات بين البلدين تراجعت إلى أدنى مستوى لها، بعدما صرّح ماكرون بأن الجزائر تأسست بعد استقلالها على «ريع الذاكرة»، الذي يرعاه «النظام السياسي العسكري»، وهو ما أثار غضب الجزائر. علماً بأن ماكرون سبق أن قام بمبادرات عدة «لتنقية الذاكرة»، وبينها اعتباره أن الاستعمار «جريمة ضد الإنسانية». كما أقر خلال ولايته الرئاسية الأولى بمسؤولية فرنسا عن مقتل المحامي الجزائري المناضل علي بومنجل، والعالم الفرنسي المناهض للاستعمار موريس أودان. فيما أعادت السلطات الفرنسية رفات 19 من الثوار الجزائريين، وفتحت أرشيفها الوطني حول حرب الجزائر. وقد تحسّنت العلاقات تدريجياً بين البلدين في الأشهر الأخيرة، وأعرب ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون في مكالمة هاتفية في 18 يونيو (حزيران) الماضي عن رغبتهما في «تعميقها».
ومع ذلك يرى محند عمر أن «العودة السريعة إلى وضع طبيعي في أعقاب الأزمة الخطيرة في الأشهر الأخيرة (...) مرتبطة بالتوترات الإقليمية، لا سيما في ليبيا، ولا ينبغي تجاهل ذلك أو التقليل من شأنه».
من جانبه، يشير رئيس حزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» المعارض، عثمان معزوز، إلى أن «العلاقات بين نظام السلطة في الجزائر وفرنسا الرسمية تخللتها أزمات وهدوء زائف منذ استقلال البلاد». وقال بهذا الخصوص لوكالة الصحافة الفرنسية: «حالياً لا يمكن لأحد أن يراهن على الحديث عن إعادة بناء هذه العلاقات لأن استغلال العلاقة من هذا الجانب أو ذاك لا يخفى على أحد».
في سياق ذلك، لا يخفي محند عمر خشيته من أن تخضع سياسة ماكرون للمصالحة مع الذاكرة للانتقاد؛ خصوصاً بعد النجاحات الانتخابية الأخيرة لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف برئاسة مارين لوبن، التي صرحت بأن «الاستعمار أسهم فعلاً في تنمية الجزائر»، وانتقدت سياسة ماكرون، الذي «يمضي حياته في الاعتذار دون طلب أي شيء مقابل ذلك من حكومة جزائرية لا تتوقف عن شتم فرنسا». ولذلك حذّر المؤرخ عمر من أن «الصعود المذهل للتجمع الوطني في الانتخابات التشريعية في فرنسا لا يبشّر بالخير، لأن اليمين المتطرف الفرنسي سيجعل من هذه الولاية الانتخابية ساحة معركة كبيرة، موضوعها الذاكرة، وسيكون فيها التحريف وتزييف التاريخ حاضرين بقوة».
أما على الصعيد المحلي، تسعى السلطات الجزائرية للإفادة من الذكرى التاريخية لتخفيف التوترات الداخلية، بعد ثلاث سنوات من انطلاق مظاهرات الحراك المؤيد للديمقراطية، الذي أسقط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، من دون أن ينجح في إزاحة النظام.


مقالات ذات صلة

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

يوميات الشرق زاهي حواس (حسابه على فيسبوك)

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

أكد الدكتور زاهي حواس، أن رفض مصر مسلسل «كليوباترا» الذي أذاعته «نتفليكس» هو تصنيفه عملاً «وثائقي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

وجد علماء الأنثروبولوجيا التطورية بمعهد «ماكس بلانك» بألمانيا طريقة للتحقق بأمان من القطع الأثرية القديمة بحثًا عن الحمض النووي البيئي دون تدميرها، وطبقوها على قطعة عُثر عليها في كهف دينيسوفا الشهير بروسيا عام 2019. وبخلاف شظايا كروموسوماتها، لم يتم الكشف عن أي أثر للمرأة نفسها، على الرغم من أن الجينات التي امتصتها القلادة مع عرقها وخلايا جلدها أدت بالخبراء إلى الاعتقاد بأنها تنتمي إلى مجموعة قديمة من أفراد شمال أوراسيا من العصر الحجري القديم. ويفتح هذا الاكتشاف المذهل فكرة أن القطع الأثرية الأخرى التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ المصنوعة من الأسنان والعظام هي مصادر غير مستغلة للمواد الوراثية

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

يُذكر الفايكنغ كمقاتلين شرسين. لكن حتى هؤلاء المحاربين الأقوياء لم يكونوا ليصمدوا أمام تغير المناخ. فقد اكتشف العلماء أخيرًا أن نمو الصفيحة الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر أدى إلى فيضانات ساحلية هائلة أغرقت مزارع الشمال ودفعت بالفايكنغ في النهاية إلى الخروج من غرينلاند في القرن الخامس عشر الميلادي. أسس الفايكنغ لأول مرة موطئ قدم جنوب غرينلاند حوالى عام 985 بعد الميلاد مع وصول إريك ثورفالدسون، المعروف أيضًا باسم «إريك الأحمر»؛ وهو مستكشف نرويجي المولد أبحر إلى غرينلاند بعد نفيه من آيسلندا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

لا تزال مدينة مروي الأثرية، شمال السودان، تحتل واجهة الأحداث وشاشات التلفزة وأجهزة البث المرئي والمسموع والمكتوب، منذ قرابة الأسبوع، بسبب استيلاء قوات «الدعم السريع» على مطارها والقاعد الجوية الموجودة هناك، وبسبب ما شهدته المنطقة الوادعة من عمليات قتالية مستمرة، يتصدر مشهدها اليوم طرف، ليستعيده الطرف الثاني في اليوم الذي يليه. وتُعد مروي التي يجري فيها الصراع، إحدى أهم المناطق الأثرية في البلاد، ويرجع تاريخها إلى «مملكة كوش» وعاصمتها الجنوبية، وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل، وتبعد نحو 350 كيلومتراً عن الخرطوم، وتقع فيها أهم المواقع الأثرية للحضارة المروية، مثل البجراوية، والنقعة والمصورات،

أحمد يونس (الخرطوم)
يوميات الشرق علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

اتهم علماء آثار مصريون صناع الفيلم الوثائقي «الملكة كليوباترا» الذي من المقرر عرضه على شبكة «نتفليكس» في شهر مايو (أيار) المقبل، بـ«تزييف التاريخ»، «وإهانة الحضارة المصرية القديمة»، واستنكروا الإصرار على إظهار بطلة المسلسل التي تجسد قصة حياة كليوباترا، بملامح أفريقية، بينما تنحدر الملكة من جذور بطلمية ذات ملامح شقراء وبشرة بيضاء. وقال عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس لـ«الشرق الأوسط»، إن «محاولة تصوير ملامح كليوباترا على أنها ملكة من أفريقيا، تزييف لتاريخ مصر القديمة، لأنها بطلمية»، واتهم حركة «أفروسنتريك» أو «المركزية الأفريقية» بالوقوف وراء العمل. وطالب باتخاذ إجراءات مصرية للرد على هذا

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
TT

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

رحبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، معتبرة أنه خطوة «تاريخية مهمة».

وقالت الحركة في بيان إنها «خطوة ... تشكل سابقة تاريخيّة مهمة، وتصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا»، من دون الإشارة إلى مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق محمد الضيف، قائد الجناح المسلح لـ«حماس».

ودعت الحركة في بيان «محكمة الجنايات الدولية إلى توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة، لكل قادة الاحتلال».

وعدّت «حماس» القرار «سابقة تاريخية مهمة»، وقالت إن هذه الخطوة تمثل «تصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا، وحالة التغاضي المريب عن انتهاكات بشعة يتعرض لها طيلة 46 عاماً من الاحتلال».

كما حثت الحركة الفلسطينية كل دول العالم على التعاون مع المحكمة الجنائية في جلب نتنياهو وغالانت، «والعمل فوراً لوقف جرائم الإبادة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة».

وفي وقت سابق اليوم، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت؛ لتورطهما في «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وقال القيادي بحركة «حماس»، عزت الرشق، لوكالة «رويترز» للأنباء، إن أمر الجنائية الدولية يصب في المصلحة الفلسطينية.

وعدّ أن أمر «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو وغالانت يكشف عن «أن العدالة الدولية معنا، وأنها ضد الكيان الصهيوني».

من الجانب الإسرائيلي، قال رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، إن قرار المحكمة بإصدار أمري اعتقال بحق نتنياهو وغالانت «وصمة عار» للمحكمة. وندد زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، أيضاً بخطوة المحكمة، ووصفها بأنها «مكافأة للإرهاب».

ونفى المسؤولان الإسرائيليان الاتهامات بارتكاب جرائم حرب. ولا تمتلك المحكمة قوة شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامر الاعتقال، وتعتمد في ذلك على الدول الأعضاء بها.