جزيرة الأفعى التي لا تلدغ

دخان يتصاعد من جزيرة الثعبان الأوكرانية (رويترز)
دخان يتصاعد من جزيرة الثعبان الأوكرانية (رويترز)
TT

جزيرة الأفعى التي لا تلدغ

دخان يتصاعد من جزيرة الثعبان الأوكرانية (رويترز)
دخان يتصاعد من جزيرة الثعبان الأوكرانية (رويترز)

تتشابه الأسماء حتى بين الجزر. فهناك جزيرة الأفعى في البرازيل، وأخرى بالاسم ذاته في البحر الأسود مقابل الشواطئ الأوكرانية. واحدة لا تذكر اليوم، لأنها بعيدة عن صراع القوى العالمية، وأخرى تحتل مركز الصدارة في الأخبار اليومية. في البرازيل، سم الأفاعي في الجزيرة قاتل، أما في أوكرانيا، فوسيلة القتل هي السلاح، وهو من صنع الإنسان.
تبعد جزيرة الأفعى في البرازيل عن البر البرازيلي حوالي 32 كلم، وهي المسافة نفسها بين جزيرة الأفعى في البحر الأسود والبر الأوكراني. البرازيل في مجموعة «البريكس»، وأوكرانيا في مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
- ماذا جرى في جزيرة الأفعى الأوكرانية؟
كانت الجزيرة أول الأهداف الأوكرانية التي سقطت بيد البحرية الروسية. لم تستطع روسيا تثبيت وجودها في الجزيرة، فبدأت حرب الاستنزاف لقواتها من قبل البحرية الأوكرانية.
قررت القيادة الروسية العسكرية الانسحاب من الجزيرة، فاعتبرت أوكرانيا أنها حققت نصراً استراتيجياً، كان قد ذكره الرئيس بايدن في المؤتمر الصحافي الذي عقده بُعيد ختام قمة حلف «الناتو».
تبعد الجزيرة عن البر الأوكراني حوالي 32 كلم. مساحتها لا تزيد عن ربع كلم2، أو حتى أقل. وتبعد عن مدينة أوديسا 142 كلم، وعن دلتا الدانوب 41 كلم، وعن قاعدة سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم حوالي 271 كلم. وتبعد عن دلتا الدانوب، المدخل المائي لأوكرانيا إلى أوروبا حوالي 41 كلم، وعن مرفأ كوستنتا في رومانيا الذي من المُحتمل أن يكون مرفأ تصدير الحبوب الأوكرانية حوالي 171 كلم.
انطلاقاً من هذه المسافات، مُضافاً إليها المساحة الصغيرة جداً، كما عدم توفر مياه للشرب، وعدم توفر حواجز طبيعية تؤمن الحماية للجنود، قد يمكن استنتاج ما يلي:
> القرار الروسي أتى بعد جردة حسابات للخسارة مقابل الربح.
> البقاء في الجزيرة يضع أعباء لوجيستية كبيرة على البحرية الروسية، خصوصاً في ظل التركيز الروسي على الجهد الرئيسي للعمليات الحربية في إقليم الدونباس.
> من المنظار الروسي، لماذا البقاء فيها تحت مرمى الصواريخ والمسيرات الأوكرانية، وتسجيل نقاط سلبية ضد الجيش الروسي، خصوصاً بعد الأداء السيئ في المرحلة الأولى للحرب لهذا الجيش؟
> لماذا البقاء فيها، طالما لا تستطيع البحرية الأوكرانية أيضاً البقاء فيها؟ إذن، من المفضل أن تكون جزيرة منزوعة السلاح بحكم الظروف.
> لماذا البقاء فيها، ولا يمكن نشر وحدات جوية، أو صواريخ قادرة على ضرب الساحل الأوكراني، خصوصاً أوديسا؟ مع التذكير أنه يمكن ضرب أوديسا من أي مكان من البحر الأسود، وحتى من الداخل الروسي.
> لماذا البقاء فيها وهناك سيطرة بحرية كاملة للأسطول الروسي في البحر الأسود، كما هناك خط حصار بحري أيضاً؟
إذن، هي كما حدث في مدينة سفرودنيتسك في إقليم لوغانسك، عندما قرر الجيش الأوكراني الانسحاب التكتيكي بعد حسابات الربح والخسارة. اعتبر الوضع حينها على أنه ليس نصراً استراتيجياً لروسيا، كما أنه ليس هزيمة استراتيجية لأوكرانيا. إنه مرحلة من مراحل دينامية الحرب.
فالحرب اليوم أسرت الكل. أسرت بوتين لأنه كبر أهدافه، وأسرت زيلينسكي لأنه يريد استرداد كل الأراضي الأوكرانية، وهي مهمة تعد شبه مستحيلة.
أسرت الحرب أيضاً الرئيس بايدن بعد قمة «الناتو»، حين تعهد باستمرار دعمه لأوكرانيا دون حدود. وهكذا، تعود الحرب مرة أخرى إلى طبيعتها، أي طبيعة «الحرباء» التي تتلون بلون البيئة المحيطة بها كي تستمر. فإلى متى؟


مقالات ذات صلة

الغرب يعاقب بيونغ يانغ لدعمها موسكو في حرب أوكرانيا

الولايات المتحدة​ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في بيونغ يانغ في 19 يونيو الماضي (أ.ب)

الغرب يعاقب بيونغ يانغ لدعمها موسكو في حرب أوكرانيا

استهدفت واشنطن وعواصم غربية النشاطات المالية لكل من كوريا الشمالية وروسيا بعقوبات جديدة هدفهما تعطيل تعاونهما العسكري ودعم بيونغ يانغ لحرب روسيا في أوكرانيا.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ازدياد القلق من أيّ دعم سياسي أو عسكري أو اقتصادي قد تقدّمه روسيا لبرنامج التسلّح غير القانوني لكوريا الشمالية (إ.ب.أ)

أميركا ودول أوروبية تندد بتوطيد العلاقات العسكرية بين موسكو وبيونغ يانغ

حذّرت الولايات المتحدة وحلفاؤها من أن الدعم «المباشر» الذي تقدّمه كوريا الشمالية لروسيا في أوكرانيا يشكّل «توسّعاً خطراً» للنزاع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث خلال اجتماع موسع لمجلس وزارة الدفاع في موسكو الاثنين (أ.ب)

بوتين يحدد أولويات بلاده... مواصلة الحسم العسكري وتعزيز التحالفات في مواجهة أميركا

أوجز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين، مجريات العام الحالي على خطوط المواجهة في أوكرانيا وعدّه «عاماً تاريخياً».

رائد جبر (موسكو)
أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، فيما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».